المحتويات:
تعريفه
مشروعيته
حكمة تشريعه
أركانه وشروطه
العاقدان
الصيغة
رأس المال
المُسلَم فيه
عقد الإستصناع
بيع المنازل على الخارطة
هو في اللغة: السلف، أي التقديم.
وشرعاً: هو بيع شيء موصوف في الذمة بلفظ السلم أو السلف.
وهو نوع من البيوع، وهو مستثنى من بيع المعدوم وما ليس عند الإنسان.
قلنا: إن عقد السلم مستثنى من بيع المعدوم، وقد علمنا أنه لا يصحّ بيع المعدوم، وإنما استُثني السلم من ذلك لحاجة الناس إلى مثل هذا العقد.
روىٰ عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: أن النبي ﷺ قَدِمَ المدينةَ وهم يُسْلِفُونَ في الثمار السنة والسنتين، فقال: " من أسْلَفَ فَلْيُسلفْ في كيلٍ معلوم، ووزْنٍ معلوم، إلى أجلٍ معلوم " [البخاري: السلم، باب: السلم في وزن معلوم، رقم: 2125. مسلم في المساقاة، باب: السلم، رقم: 1604].
وعن عبد الرحمن بن أبزىٰ وعبدالله بن أبي أوفىٰ رضي الله عنهما قالا: كنّا نصيب المغانم مع رسول الله ﷺ، وكان يأتينا من أنْبًاطِ الشام، فنسلفهم في الحنطة والشعير والزيت إلىٰ أجَل مسمىٰ. قيل: أكان لهم زرع أو لم يكن؟ قالا: ما كنا نسألُهم عن ذلك [البخاري: السلم، باب: السلم إلى من ليس عنده أصل، رقم: 2128].
وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: أشهد أن الله تعالى أحلّ السَّلَفَ المضمون، وأنزل فيه أطول آية في كتابه، وتلا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ .. } [البقرة282] وانظر تفسير الآية عند ابن كثير.
ووجه دلالة الآية على مشروعية السلم أنه نوع دَيْن، والآية أقرت الدَّيْن وأجازته، فيكون السَّلم جائزاً.
أشرنا أن القياس في السلم أن يكون غير مشروع، لأنه بيع المعدوم وما ليس عند الإنسان، وإنما شرع لحاجة الناس إليه.
وهذه الحاجة تظهر في :
أن أصحاب الصناعات والأعمال، وكذلك أصحاب الأراضي والأشجار، كثيراً ما يحتاجون إلىٰ المال من اجل تأمين السلع الأولية لمنتجاتهم، أو تهيئة الآلات والأدوات لمصانعهم .
وكذلك الزرّاع ربما احتاجوا للمال من رجل رعاية أراضيهم وحفظ بساتينهم.
وقد لا يجد هؤلاء المال لدى مَن يمكن أن يقدّمه لهم قرضاً، وقد لا يرضى بذلك، فيسّر لهم الشرع أن يستلفوا هذا المال على أساس أن يقدموا بدله منتجاتهم من زرع أو ثمر أو سلع ونحو ذلك.
وكذلك التجار الذين يرغبون بتأمين السلع والبضائع في الوقت المناسب، قد لا يجدون مَن يبيعهم ذلك في حينه، ويكون المال متوفراً لديهم، فيسّر لهم الشرع أن يسلفوا هذا المال في البضائع التي يرغبون.
وهكذا نجد أن تشريع السلم حقّق مصالح عدّة، إذ يسّر المال لمن لا يجده والبضاعة لمن يرغب بها، وفتح الطريق أمام المال ليقوم بوظيفته الأساسية، ألا وهي قوام عيش الناس، فلم يبق مخزوناً مكنوزاً. وتلافي أخطار بيع المعدوم بالشروط والقيود التي أحاط بها هذا العقد، والتي ستراها خلال البحث.
أركان عقد السلم أربعة:
عاقدان
صيغة
رأس مال السلم
المُسلَم فيه
ولكلِّ منها شروط.
وهما المشتري الذي يسلف ماله مقابل السلعة التي يرغب بها، ويسمى المُسلِم.
والبائع الذي يستسلف المال ليقدم السلعة بمقابله، ويسمى المُسلَم إليه.
ويشترط فيهما ما يشترط في البائع والمشتري في عقد البيع، من العقل والبلوغ والاختيار ونحو ذلك.
ويستثنى شرط البصر، فإن الأعمى يصحّ السلم منه بينما لا يصح بيعه كما علمنا، لأن البيع يُشترط فيه رؤية المبيع من المتعاقدين، وفي السَّلَم المبيع موصوف في الذمّة، فيمكن معرفة صفاته بالسماع، وعند القبض يوكل مَن يقوم بذلك ليتحقق من وجود الصفات المشروطة.
وهي الإيجاب والقبول.
كأن يقول صاحب المال: أسلفتك أو أسلمتك هذه الألف دينار في ألف ثوب صفتها كذا مثلاً، فيقول المسلَم إليه: قبلت، أو استلفت، أو استسلمت، ونحو ذلك.
ويُشترط فيها ما يُشترط في الصيغة في البيع من:
- اتحاد المجلس
- وموافقة الإيجاب للقبول ونحو ذلك.
ويضاف إلى ما سبق: أن تكون الصيغة بلفظ السَّلَم أو السلف، فلا تصحّ بغيرهما.
وكذلك يشترط خلو العقد عن خيار الشرط، أي أن يكون العقد باتاً، لأن خيار الشرط شُرع استثناءً في عقد البيع المطلق، فلا يُقاس على البيع غيره، فيبقى شرط الخيار فيه على أصل المنع.
وكذلك يشترط في السَّلَم تسليم رأس المال في مجلس العقد - كما ستعلم - وخيار الشرط في العقد يمنع تحقّق ذلك، لأن شرط الخيار يمنع ثبوت الملْك للمُسلَم إليه في الثمن، فيكون قبضه صورة، ويؤدي ذلك إلى افتراق العاقدين قبل تمام العقد، وذلك لا يجوز، فيكون العقد الذي شرط فيه الخيار باطلاً.
أما خيار المجلس: فإنه يثبت في عقد السَّلَم، لأنه ينقضي بالتفرّق، فيكون تفرّق العاقدين عن تمام العقد، فلا تعارض بين خيار المجلس وشروط عقد السَّلَم.
وهو الثمن الذي يدفعه المشتري سلفاً إلى البائع
ويشترط فيه:
أ - أن يكون معلوماً للعاقدين قدراً وصفة:
بأن يكون - مثلاً - ألف دينارٍ أو ألفي درهم
وإذا كان الثمن مما يُباع بالكيل أو الوزن، كأن يكون حنطة أو سكراً ونحو ذلك، يشترط بيان قدره كيلاً ووزناً، كألف مدّ أو ألف رطل،
وكذلك يشترط عندها بيان صفته من حيث الجودة والرداءة.
فإن كان مشاهداً، كأن يُسلفه كومة من الحنطة في سلعة ما، أو هذه الدراهم، اشترط بيان القدر، ويستغنى عن ذكر الصفة والجنس والنوع، لأن المشاهدة تنوب مناب ذلك في البيان.
ب - تسليم رأس المال من رب المال في مجلس العقد وقبض المُسلَم إليه له
وذلك قبل تفرق أبدانهما، لأن التسليم هو أصل معنى السَّلَم، فإذا لم يوجد ذلك لم يوجد العقد، ولأنه يصير في معنى بيع الدين بالدَّيْن، وهو منهي عنه كما علمت.
ويشترط فيه القبض الحقيقي، فلو أحال برأس مال السَّلَم ليقبضه المُسلَم إليه لم يصح، لأن الحوالة ليست بقبض.
وهو الشيء المبيع محل العقد، الذي تعهّد البائع بتأديته إلى المشتري، مقابل رأس مال السَّلم المدفوع سلفاً.
ويشترط فيه:
أ - أن يكون مما يمكن ضبطه بالوصف، الذي تختلف به الأغراض.
بحيث تنتفي الجهالة عنه.ولا يبقى إمكان للاختلاف بين أفراد جنسه إلا بتفاوت يسير يتساهل الناس به عادة.
ودليل ذلك: ما رواه عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: إنّا كنّا نُسْلف على عهد رسول الله ﷺ وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما في الحنطة والشعير والزبيب والتَّمْر [أخرجه البخاري في المُسلِم، باب: السَّلم إلى مَن ليس عنده أصل، رقم: 2128].
وهذه الأصناف كلها مما يمكن ضبطه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في السَّلم في الكرابيس: إذا كان ذَرْعاً معلوماً إلى أجلٍ معلوم فلا بَأْسَ.
والكرابيس: ثياب تتخذ من القطن الأبيض، فهي مما يضبط بالوصف.
وعن أبي النضر رضي الله عنه قال: سُئل عمر رضي الله عنه عن السَّلم في السّرَق، قال: لا بأس. والسّرَقة: الشقة من الحرير، وهو مما يمكن ضبطه.
ويقاس على هذه الأشياء المذكورة غيرها مما لم يذكر، سواء أكان موجوداً قديماً أم وجد الآن أو يوجد في المستقبل، طالما أنه في معناها، أي مما يمكن ضبطه بالوصف، ولو لم يكن مثلياً.
فإذا كان لا يمكن ضبطه بالوصف فلا يجوز السَّلَم فيه ولا يصح، لأنه عقد على ما فيه جهالة فاحشة تؤدي إلى النزاع. ويذكر الفقهاء هنا أمثلة :
كالجلود، فإنها تختلف رقّة وثخونة، وتلك أغراض مقصودة.
وكالجواهر النفيسة، فإن قيمتها تختلف باختلاف صفائها، وذلك مما لا يمكن ضبطه. ويلحق بهذا في أيامنا كل ما كان في معناه لدى التجار.
ويدخل في مالا ينضبط ولا يصح السلم فيه: كل ما أثَّرت فيه النار شيّاً أو قلياً أو طبخاً، لأن تأثير النار فيه مختلف، فلا يمكن ضبطه.
أما ما أثرت فيه النار للتمييز، كالسمن ليميز منه اللبن، والعسل ليميز منه الشمع، فإنه يصح السلم فيه، لضعف تأثير النار فيه في هذه الحالة.
ب - أن يكون معلوم الجنس والنوع والقدر والصفة للمتعاقدين
أما الجنس كأن يكون قمحاً أو شعيراً.
والنوع كأن يكون بلدياً أو جلباً (أي مستورداً من بلد معين).
والقدر كألف صاع إن كان مكيلاً، أو بالوزن كان موزوناً، أو بالعدد
إن كان معدوداً، أو بالذَّرْع - أي بالقياس - إن كان مذروعاً.
والصفة كأن يذكر لونه أو نقشه أو شكله، ورقته أو ثخونته، وغير ذلك من الأوصاف التي تختلف بها الأغراض، كما ذكرنا.
ودليل ذلك قوله ﷺ: (مَن أسلفَ فلسْلفْ في كيلٍ معلومٍ ووزنٍ معلومٍ) ويقاس على القدر غيره من الأمور التي تحدد العلم بالمبيع.
ج - أن لا يكون مختلطاً من أجناس مختلفة
كعلف مخلوط من شعير وغيره مثلاً، أو طيب مخلوط من مسك وعنبر وغيرهما، ونسبة كل جنس في الخليط مجهولة.
فإن عُلمت مقادير الأجناس المختلطة، ونسبة كل جنس في الخليط، وأمكن ضبطها بالوصف، صحّ السلم فيها، كثياب مصنوعة من صوف وقطن - مثلاً - ونسبة كلّ من الصوف والقطن محددة معلومة.
وكذلك يصحّ السلم في الجنس الذي اختلط به غيره إذا كان خلطه فيه لمصلحته وحفظه، كالجبن - مثلاً - يخالط اللبن فيه الملح والأنفحة، وهي لمصلحته، فيجوز السلم فيه.
د - أن يكون المُسلَم فيه ديناً، أي شيئاً موصوفاً في الذمّة غير معين
كأن يسلمه ألف دينار - مثلاً - في مائة ثوب مضبوط بالوصف. فإذا قال أسلمتك ألف دينار بهذه الأثواب المائة، وهي موجودة معينة، لم يصح السَّلَم، لأن السَّلَم شُرع لبيع شئ موصوف في الذمة، ولفظه يدل على هذا المعنى. لأن ينعقد بيعاً، لأن لفظ السَّلَم يقتضي أن يكون المبيع ديناً، ولفظ هذه الأثواب يقتضي أن يكون المبيع عيناً، فصار تناقض بين اللفظين، فلم يصح العقد.
هـ - أن يكون مقدوراً على تسليمه، من حيث الأجل والنوع
بأن يغلب على الظن وجود نوعه عندما يحين وقت استحقاقه، ولو بالنقل من بلد إلى آخر، إذا كان من المعتاد نقله منه للبيع ونحوه.
فلو أسلم فيما ينقطع وجوده غالباً وقت حلول الأجل، كعنب في الشتاء أو رطب ونحو ذلك، لم يصح السلم.
وكذلك لو أسلم فيما يندر وجوده من حيث نوعه، كبطيخ بحجم معين، أو من موضع معين يقلّ فيه إنتاجه لصغر البلد مثلاً، لأن الغالب عدم القدرة على تسليم ذلك، فربما جاءت آفة أو طرأ حادث على إنتاج ذلك البلد، فيفقد.
ولو أسلم فيما يغلب وجوده، فلم يتوفر عند حلول وقت الاستحقاق، لم ينفسخ العقد، بل يخيَّر المسلم صاحب المال: بين أن ينتظر حتى يتوفر المسلم فيه، وبين أن يفسخ العقد ويسترد رأس المال الذي دفعه دون زيادة أو نقصان.
وينبغي الانتباه هنا إلى:
أنه لا يجوز أن يُسْتَبْدَل المُسلَم فيه بغيره، كأن يستبدل البر مثلاً بسمن، أو يستبدل الثياب بحديد، أو نحو ذلك. بل يفسخ عقد السلم أولاً إذا لم يرغب بالانتظار.
وبعدها: إما أن يسترد رأس المال فيشتري به ما شاء من المسلم إليه أو غيره. أو أن يبقى رأس المال في ذمته، والمُسلَم إليه له الخيار أن يبيعه به ما يشاء من سلع عنده، أو يردّه إليه.
وكذلك ينبغي الانتباه هنا إلى أنه ليس للمُسلِم رب المال: أن يبيع المسلم فيه إلى أحد قبل أن يقبضه، على خلاف ما يفعل الكثير من التجار اليوم، حيث إنهم يبيعون السلع المستوردة قبل وصولها واستلامها.
وطريق تصحيح ذلك : أن يبيعوها سلماً بالشروط التي سبقت، وعندها يكون البائع مُلزماً بتسليم المبيع المُسلم فيه حسب الشروط، سواء من تلك البضاعة المستوردة أم من غيرها، وله أن يُسلمها من غيرها إذا وافقت الشروط المتفق عليها، ولو سَلِمت بضاعته واستلمها.
و- تعيين الأجل الذي يجب عنده تسليمه
وأن يكون الأجل محدداً معلوماً، كأن يقول: أسلمتك ألف درهم في عشرة أثواب صفتها كذا، على أن تسلمني إياها بعد شهر من تاريخ العقد، أو أول شهر كذا. فإن لم يذكر أجلاً، أو ذكر أجلاً غير محدد، كأن يقول: إلى قدوم فلان من سفره، أو إلى الحصاد مثلاً، لم يصح، لأن الأجل مجهول، فلا يُدرى متى يقدم فلان، والحصاد يستمر مدة، فيقع الخلاف والنزاع في الوقت المقصود
ودليل ذلك قوله ﷺ: "إلى أجل معلوم".
وينبغي التنبيه هنا إلى أنه: لو أحضر المُسْلَم إليه المُسْلَم فيه قبل الأجل المسمى أجبر المُسلِم رب المال على قبوله، إن لم يكن له نفقة وكلفة خلال المدة الباقية، ولم يكن للمُسْلِم غرض مقصود معتبر شرعاً بالأجل المعين أو بالامتناع من قبوله. فإن كان له مؤنة كحيوان مثلاً، أو كان له غرض صحيح، كأن يكون اشتراه لمناسبة معينة، أو كان المجيء به في وقت نهب مثلاً، كان له أن يمتنع، ولا يجبر على قبوله. ومثل ذلك ما لو كان يحتاج إلى تخزين ليباع في موسمه، ولا مستودع عنده.
ز - أن يعيّن موضع تسليمه
إذا كان الموضع الذي جرى فيه العقد لا يصلح لذلك، أو كان يصلح للتسليم ولكن لنقل المُسلَم فيه إليه كلفة ونفقة. فإذا كان الموضع صالحاً للتسليم ولا كلفة لنقله إليه: كان هو موضع التسليم، إذا لم يُنصّ في العقد على موضع آخر له، فإن اتفق على موضع معين غيره صالح للتسليم تعين ذلك. ويرجع في هذا إلى العرف عند الاختلاف.
هو أن يطلب إنسان ممّن له صنعة: أن يصنع له شيئاً مما له علاقة بصنعته على وجه مخصوص، وتكون مادة الصنعة من الصانع.
وهو عقد ينتشر انتشاراً واسعاً في هذا الزمن، مما يجعلنا في حاجة أن نبيّن حكم هذا العقد.
وقبل بيان حكمه نذكر أمثلة عليه:
أن يطلب من حذَّاء أن يصنع له حذاء أو أحذية، والجلد وما يحتاج إليه من الصانع لا من المستصنع.
يدخل في هذا اليوم عمل النجّارين، حيث يطلب صاحب بناء أو نحوه من النجّار أن يصنع له نجارة معينة، من خشب أو ألمنيوم، والمادة من الصانع، وقد يدخل فيها الزجاج وغيره من أقفال ومفاتيح ومغاليق.
ويدخل في هذا صنع الأثاث المنزلي من مفروشات وغيرها، حيث يتفق المستصنع مع الصانع على صنع غرفة نوم مثلاً، أو مقاعد، وما يتركب منه المصنوع كله من الصانع، حسب نموذج معين يطلع المستصنع عليه ويحصل الاتفاق.
إلى غير ذلك من أسئلة في معنى ما ذكرنا.
إن هذا العقد موضع اختلاف لدى الفقهاء، ونستطيع أن نقول:
إذا انطبقت عليه شروط عقد السلم التي مرّ ذكرها: من ضبطه بالوصف، وضبط ما يدخل فيه من مواد، ومن تحديد الأجل لتسليمه، وتسليم ثمنه في مجلس العقد، إلى غير ذلك من شروط، استطعنا أن نحكم بصحته على أنه عقد سلم، وإن جرى بلفظ البيع، لأن العبرة في العقود للمقاصد والمعاني، لا للألفاظ والمباني.
وإذا لم تنطبق عليه شروط السلم السابقة الذكر، وهذا هو الغالب في تعامل الناس بهذا العقد، فإن أكثر المستصنعين يدفعون للصانع قسطاً من الثمن عند التعاقد، وقد لا يدفعون شيئاً بالكلية، ثم يؤدون باقي الثمن أقساطاً، أو عند الانتهاء من الصنعة، وربما بقي للصانع شيء من الثمن يتقاضاه فيما بعد، هذا هو الغالب في تعامل الناس، وعليه فلا يعتبر هذا سَلماً، وبالتالي فهو غير صحيح عند الشافعية رحمهم الله تعالى.
وقد قال بصحة هذا التعاقد السادة الحنفية رحمهم الله تعالى فيما جرى به العرف وِتعامَل الناس به، لحاجة الناس إليه. شريطة أن يبيّن في العقد ما يزيل عن المستصنَع الجهالة المفضية إلى التنازع بين المتعاقدين، كأن تذكر مادة الصنع ومصدرها، وصفتها وقدرها، وما إلى ذلك.
هذا ولا نرى مانعاً من الأخذ برأي السادة الحنفية رحمهم الله تعالى، والحكم بصحة هذا التعامل، تيسيراً على الناس، إذ أن الحاجة ماسّة إليه، والناس يتعاملونه - كما ذكرنا - في أكثر صناعاتهم، وكل من الأئمة والفقهاء يسعى وراء الحق، ويلتمس المصلحة لعباد الله تعالى على ما يرضي الله عزّ وجل، ويوافق سنّة المصطفى ﷺ، والله تعالى أعلم.
ونرى أنه يدخل في هذا الموضوع بيع الشقق على الخارطة:
فإنها إذا كانت منضبطة الأوصاف، معلومة المقادير الداخلة في الصنع للمتعاقدين، كالإسمنت والحديد ونحو ذلك، وسلم الثمن كله في مجلس العقد، صحّ العقد والبيع من باب السلم.
وإذا لم تنطبق شروط السلم على العقد - وهذا هو الغالب في تعامل الناس، إذ أننا لا نجد مَن يدفع الثمن كله عند التعاقد، ولا يعرف أحد عنده أيضاً ما يدخل في البناء من مواد الصنع - كان ذلك عقد استصناع، واعتبر العقد صحيحاً، طالما أن الناس يتعاملون بهذا، شريطة أن توضّح مواصفات البناء عند التعاقد بحيث لا تبقى جهالة تؤدي إلى النزاع، أن لا يكون في ذلك شيء من الشروط الباطلة والفاسدة التي لا توافق شرع الله تعالى، وقد تعود على العقد بالبطلان.