يتكوَّن الصيام من تحقيق ركنين أساسين، هما:
1ـ نية الصوم.
2ـ الإِمساك عن المُفَطِّرَات من الفجر إلى الغروب.
وهي قصد الصيام، ومحلُّها القلب، ولا تكفي باللسان، ولا يشترط التلفُّظ بها.
ودليل وجوب النية قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّما الأعمالُ بالنيّاتِ" رواه البخاري (1) ومسلم (1907).
فإن كانت النية لصوم رمضان اشتُرِط فيها تحقق الأمور التالية:
1ـ التَّبْييت:
وهو أن يتوافر لديه القصد في الليل: أي قبل طلوع الفجر، فإن لم يقصد إلى الصيام إلا بعد طلوع الفجر بَطُلت النية. وبطل الصوم.
ودليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من لم يُبيِّت الصيام قبل الفجر فلا صيام له". رواه الدارقطني (2/ 172) وقال: رُواتُه ثِقَات. ورواه البيهقي (4/ 202).
2ـ التعيين:
وذلك بأن يعين نوع الصوم، فيعزم في قلبه على صيام غد عن رمضان، فلو قصد في نفسه مطلق الصوم لم تصحَّ نيته أيضًا. لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث: إنما الأعمال بالنيات السابق: "وإنما لكل امرئ ما نوى" أي ينصرف فعله إلى النوع الذي قصده بالفعل.
3ـ التكرار:
أي أن ينوي كل ليلة قبل الفجر عن صيام اليوم التالي، فلا تُغني نيّة واحدة عن الشهر كلِّه؛ لأن صيام شهر رمضان ليس عبادة واحدة، بل هي عبادات متكررة، وكل عبادة لابد أن تنفرد بنيَّة مستقلة.
أما صوم النافلة فلا يُشتَرط في نيته تبييت ولا تعيين، فيصح بنية قبل الزوال، ويصح بنية مطلقة.
ودليل ذلك حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها يوماً: "هل عندكم من غداء؟ قالت: لا. قال: فإني إذاً أصوم". رواه الدارقطني.
والمفطرات كل من الأمور التالية:
1ـ الأكل والشرب:
إذا كان ذلك عَمْداً، مهما كان المأكول أو المشروب قليلاً، فإن نسي أنه صائم، وأكل أو شرب لم يفطر مهما كثر الطعام، أوالشراب.
ودليل ذلك حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فَلْيُتِم صومَه، فإنما أَطْعَمَه اللهُ وسقاه". البخاري (1831) ورواه مسلم (1155).
2ـ وصول عَيْن إلى الجوف من منفذ مفتوح:
والمقصود بالعَيْن: أي شيء تراه العين.
والجوف: هو الدماغ أو ما وراء الحلق إلى المعدة والأمعاء.
والمنفذ المفتوح: هو الفم والأذن والقُبُل والدبُر من الذكر والأنثى.
فالقطرة في الأذن مُفَطِّرة؛ لأنها منفذ مفتوح.
والقطرة في العين غير مُفَطِّرة؛ لأنه منفذ غير مفتوح.
والحقنة الشرجية مُفَطِّرة؛ لأن الشرج منفذ مفتوح.
والحقنة الوريدية لا تفطر؛ لأن الوريد غير مفتوح. وهكذا.
وهذا كلُّه أيضًا بشرط التعمُّد، فإن فعل شيئاً من ذلك ناسياً لم يضرّ قياساً على الطعام والشراب.
ولو وصل جوفه ذباب أو بعوضة، أو غبار الطريق لم يفطر أيضاً، لما في الإحتراز عن ذلك من المشقَّة الشديدة.
ولو ابتلع ريقه لم يفطر؛ لِعُسْر التحرُّز عنه.
ولو ابتلع ريقه مُتَنجِّساً ـ كمن دَمِيَت لِثَتُه، ولم يغسل فمه، وإن ابيضَّ ريقه ـ أفطر.
ولو تمضمض أو استنشق فسبق ماءُ المضمضة أو الإستنشاق إلى جوفه، فإنه لا يفطر إن لم يكن قد بالغ في ذلك أثناء الوضوء، فإن كان قد بالغ في ذلك أفطر؛ لأنه فَعَل ما هو مَنْهيّ عنه أثناء الصوم.
ولو بقي طعام بين أسنانه فجرى به ريقه من غير قصد لم يفطر إن عجز عن تمييزه ومجِّه؛ لأنه معذور فيه وغير مُقصِّر، فإن لم يعجز أفطر لتقصيره.
ولو أُكْرِه حتى أكلَ أو شرب لم يفطر أيضًا ؛ لأن حكم اختياره ساقط.
3ـ القيء المتعمَّد فيه:
فهو مُفطِّر، وإن تحقق الصائم أنَّ شيئًا لم يعد ثانية إلى جوفه، ولكن إذا غلبه القئ لم يضر ولو علم أنَّ بعضًا ممَّا خرج قد عاد إلى جوفه بدون قصد منه.
ودليل ذلك ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من ذَرعه قيء ـ وهو صائم - فليس عليه قضاء، وإن استَقَاء فليُقْض". أخرجه أبو داود (2380) والترمذي (720) وغيرهما. ومعنى ذَرَعه: غلبه.
4ـ الوطء عمداً:
ولو من غَير إنزال.
ودليل ذلك قوله تعالى: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187].
والمراد بالخيط الأبيض: ضوء النهار.
والخيط الأسود: ظلمة الليل.
والفجر: ضوء يطلع معترضًا في الأفق ينتهي بطلوعه الليل ويبدأ النهار.
ومعنى تباشروهن: تجامعوهن.
وأنتم عاكفون: أي في حال إعتكاف.
أما لو وطئ ناسياً فإنَّه لا يفطر قياسًا على الأكل والشرب ناسياً.
5ـ الاستمناء:
وهو إستخراج المني بمباشرة تقبيل ونحوه، أو بواسطة اليد، فإن تعمَّد ذلك الصائم أفطر. أما إن غُلب على أمره فلا يفطر.
هذا وتُكره القُبْلة في رمضان كراهة تحريم لمن حُرِّكَت شهوته، رجلًا كان أو امرأة؛ لأن في ذلك تعريضًا لإفساد الصوم.
أما من لم تُحرَّك شهوته، فالأوْلى له تركها حسمًا للباب.
روى مسلم (1106) عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبِّلني وهو صائم. وأيُّكم يملِك إرْبَه كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يملك إرْبَه؟".
قال العلماء: ومعنى كلام عائشة رضي الله عنها: أنه ينبغي لكم الإحتراز عن القُبْلة، ولا تتوهَّموا من أنفسكم أنكم مثل النبي - صلى الله عليه وسلم - في إستباحتها؛ لأنه يملك نفسه، ويأمن الوقوع في قبلة يتولد منها إنزال أو شهوة، أو هيجان نفس ونحو ذلك، وأنتم لا تأمنون ذلك.
6ـ الحيض والنفاس:
فإنَّ كُلًّا منهما عذر يمنع من صحة الصوم، فإذا طرأ على المرأة الصائمة حيض أو نفاس في جزء من النهار بطل صيامها، ووجب عليها قضاء ذلك اليوم.
روى البخاري (298) ومسلم (80) عن أبي سعيد - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في المرأة، وقد سئل عن نُقصان دينها: "أليسَ إذا حاضت لم تُصل، ولم تَصُمْ؟".
7ـ الجنون والردَّة:
وكلاهما مانع من صحة الصوم؛ لخروج مَنْ قام به ذلك عن أهلية العبادة.
وهكذا يجب على الصائم الإِمساك عن هذه المفطرات ليصحَّ صومه، بِدْءًا من أول طلوع الفجر إلى تحقق غروب الشمس، فإن باشر الصائم شيئًا من هذه المفطرات ظانًّا أنَّ الفجر لم يطلع بعد، فتبين خَطَؤه بطل صومه، وامسك النهار حرمةً للشهر، وقضى بدلاً عنه.
وكذلك إذا أفطر في آخر النهار ظانًّا غروب الشمس، ثم تبيَّن أنها لم تكن قد غابت بعدُ بطل صيامه، ووجب عليه القضاء.