المحتويات:
تعريفها
أقسامها
مشروعيتها
حكمة تشريعها
أنواع الشركة والمشروع منها
شركة العِنان
فساد الشركة وما يترتب عليه
انتهاء عقد الشركة الصحيحة
الشركة: بكسر الشين وسكون الراء هو الأفصح، ويصح بفتح الشين وكسر الراء أو سكونها.
وهي في اللغة: الاختلاط بعقد أم بغير عقد.
وتطلق علىٰ الاختلاط في الأموال، ومنه قوله تعالى:{وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ ۚ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: ١٢].
[يورث كلالة: أي يرثه كلالة، وهم الورثة غير الفروع مطلقًا وغير الأصول من الذكور. والمراد بهم هنا إخوة الميت من أُمه].
كما تُطلق علىٰ الخلطة في غير الأموال، ومنه قوله تعالى:{هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي}. [طه: ٣٢]
وهي في اصطلاح الفقهاء: ثبوت الحق في شئ واحد، لاثنين فأكثر، علىٰ جهة الشيوع، لا علىٰ جهة التعيين، كأن يملك اثنان فأكثر أرضًا، دون أن تعَّين منها حصة كل واحد منهم، وهذا تعريف الشركة بمعناها العام، الذي يتناول ما كان منها بعقد وما كان بغير عقد. وأما تعريفها بالمعنىٰ الخاص: فهي عقد يحدث بالاختيار بقصد التصرّف وتحصيل الربح.
من التعريف يتبين لنا أن الشركة قد تكون بقصد الربح، وقد تكون لغير ذلك، ولهذا جعلها العلماء قسمين:
- شركة أملاك.
- وشركة عقد.
فشركة الأملاك: أن يملك اثنان فأكثر شيئًا واحدًا، وقد يكون ذلك قهرًا عنهما، أي بغير فعلهما ولا إرادتهم، كما لو ورثاه معاً، وقد يكون اختيارياً، أي بفعل منهما ورغبتهما، كأن يشتريا شيئًا واحدًا معًا، أو يقبلا هبته لهما من أحد ونحو ذلك.
وحكم هذه الشركة: أن كل واحد من الشريكين أجنبي في نصيب الآخر، فلا يجوز له أن يتصرف فيه إلا بإذنه، إذ لا ولاية لأحدهما علىٰ مال الآخر.
وهذه الشركة ليست هي المقصودة بالكلام في باب الشركة لدىٰ الفقهاء، وإنما تبحث كل صورة منها في موضعها من الباب الفقهي المتعلقة به، من هبة أو إرث أو وصية ونحو ذلك.
وأما شركة العقد: فهي المقصودة بالبحث في باب الشركة هنا، وقد مرّ بك تعريفها، وهي أنواع، منها ما هو مشروع ومنها ما ليس بمشروع، وسنتكلم عن هذا بالتفصيل - إن شاء الله تعالى - بعد الكلام عن مشروعية الشركة وحكمة مشروعيتها.
الشركة علىٰ العموم مشروعة وجائزة، ودلَ علىٰ هذه المشروعية:
القرآن: ومن ذلك آية الميراث التي مرَت بك، وفيها: {فهم شركاءُ في الثلث} فهي صريحة في جواز الشركة، إذ إن الله تعالى جعل الإخوة للأم شركاء في الثلث، يقتسمونه بينهم بالسوية، ويستأنس لها أيضًا بما جاء علىٰ لسان داود عليه السلام من قوله تعالىٰ:{وإن كثيرًا من الخُلَطاء لَيَبغْي بعضُهم علىٰ بعض} [ص: ٤٤] والخلطاء هم الشركاء، وقلنا يستأنس ولم نقل يستدل لأن هذا واردٌ في شرع من قبلنا، والأصح أنه ليس بشرع لنا.
السنة: وفي ذلك أحاديث كثيرة، منها:
١- ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: أنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَينِ مَا لَمْ يَخُنْ أحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ، فَإِذَا خَانَهُ خَرَجْتُ مِنْ بَينِهِمَا» [أبو داود في البيوع والإجارات، باب: في الشركة، رقم: ٣٣٨٣].
ومعنىٰ الحديث: أن الله تعالىٰ يشمل الشريكين -أو الشركاء- بالحفظ والمعونة فيمدّهما بالبركة في أموالهما وتجارتهما، طالما أنهما علىٰ الصدق والأمانة فإذا زاغا عن الصدق وعدلا عن الأمانة رُفعت البركة من تجارتهما، وحُجبت الإعانة عنهما، فيكون النزاع والخصام والفشل والخسران.
٢ - حديث السائب بن أبي السائب رضي الله عنه: أنه كان شريك النبي ﷺ قبل البعثة في التجارة، فلما جاء يوم الفتح قال:«مرحبًا بأخي وشريكي، لا يداري ولا يماري» [خرجه أبو داود في الأدب، باب: في كراهية المراء، رقم: ٤٨٣٦].
فقوله: «شريكي» إقرار منه ﷺ لمشروعية الشركة، إن كان من قوله ﷺ، وإن كان من قول السائب رضي الله عنه فسكوته ﷺ إقرار منه له.
(يداري: أصله يدارىٰ بالهمز، وجاء بالياء تسهيلًا ليوافق لفظ يماري، ويدارئ من درأ بمعنىٰ دفع، ويماري: من المراء وهو الجدال).
ومعنىٰ الحديث: كنت شريكًا متسامحًا، توافقني في عملي، فلا تخالفني ولا تنازعني.
٣- ما رواه البراء بن عازب رضي الله عنه: أنه كان وزيد بن أرقم رضي الله عنه شريكين، فاشتريا فضة بنقد ونسيئة، فبلغ ذلك ﷺ، فأمرهما: «أن ما كان بنقد فأجيزوه، وما كان نسيئة فردّوه» [سند أحمد: ٤/ ٣٧١]. (نسيئة: أي إلىٰ أجَل).
وهذا أيضًا إقرار منه ﷺ لجواز الشركة. كما كان الناس يتعاملون بالشركة فيما بينهم، ولم ينكر عليهم ﷺ .
وعلىٰ هذا جرىٰ التعامل بين المسلمين في كل العصور دون إنكار من أحد فكان ذلك إجماعًا.
الناس متكاملون في قدراتهم ومواهبهم وإمكانياتهم خلقهم الله عزّ وجل متفاوتين في هذا كله، لا يستطيع أحد منهم أن يتسقل بكل ما تتطلبه الحياة، ولكنه يكمل ذلك بالتعاون مع غيره، ليستقيم العيش، ويكون الرزق الحلال، وصدق الله عز وجل إذ قال:{ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف:٣٢ ].
فقد يوجد من لديه المال الوفير، ولكن ليس لديه الخبرة الكافية في إدارة الأمور، ويوجد من لديه الخبرة، ولكن ليس عنده القدرة الجسدية اللازمة، أو لا يملك المال الكافي للقيام بعمل ما، فيضم بعضهم ما لديه من قدرات إلىٰ ما عند غيره، فتتوفر دعائم العمل، وتتيسر أسباب التجارة الرابحة، فيكون التكامل، ويتحقق التعاون. وهذا ما تحققه الشركة بين الشركاء، فتقدم للمجتمع منافع جمّة ربما حُرم منها لو بقي كل فرد مستقلًا بجهوده ومواهبه وممتلكاته، فكانت الحاجة ماسّة والمصلحة مُلِحّة لتشريع الشركة، وشرع الله تعالىٰ الذي جاء للتيسير علىٰ الناس ورفع الحرج عنهم، علىٰ أُسس سليمة وقواعد أخلاقية قويمة، ما كان ليقف دون تلبية تلك الحاجة أو تحقيق هذه المصلحة، فكان من سموّ تشريعه وكمال تقنينه أن شرع الشركة وأجازها، ووضع لها الضوابط والأحكام التي من شأنها أن تجلب ما فيها من نفع وخير، وتدفع ما قد يكون فيها من مفسدة وشر.
شركة العقد يمكن أن تحصل علىٰ صور متعددة يحصرها الفقهاء في أربعة أنواع، وهي:
-شركة العِنان
-شركة المفاوضة
-شركة الأبدان
-شركة الوجوه.
فهي أن يشترك شخصان أو أكثر في التجارة بأموال لهم، علىٰ أن يكون الربح بينهم.
وهذا النوع من الشركة جائز ومشروع باتفاق الفقهاء، وسنتكلم عنه بالتفصيل بعد الكلام عن الأنواع الثلاثة الأخرىٰ.
فهي أن يشترك اثنان فأكثر في أموالهم عامة، ويكونوا شركاء في كل ما لدىٰ كلّ منهم، وكلُّ منهم وكيل عن الآخر وكفيل له، يشاركه في كل مغنَم وعليه ما يصيبه من كل غرم.
وهذا النوع من الشركة باطل عند الشافعية رحمهم الله تعالىٰ، لما تنطوي عليه من الغرر الكبير، لما فيها من الوكالة بالمجهول والكفالة به، وكل منهما باطل لو انفرد فكيف إذا اجتمعا؟ ولذا قال الشافعي رحمه الله تعالىٰ: "إن لم تكن شركة المفاوضة باطلة، فلا باطل أعرفه في الدنيا".
وقد أجازها غير الشافعية رحمهم الله تعالى بقيود وشروط تكاد تجعلها لا وجود لها أصلًا في الواقع، والله تعالىٰ أعلم.
فهي أن يشترك اثنان أو أكثر -لا مال لهم- علىٰ أن يتقبلوا أعمالًا ويقوموا بها، سواءً أكانوا متفقين في الحِرْفة أم مختلفين - علىٰ أن يكون الربح بينهم متساويًا أو متفاوتًا، وذلك كالحمّالين والخيّاطين وغيرهم من أصحاب الصناعات والحِرَف المشروعة.
وهذا النوع من الشركة باطل أيضًا، لما فيه من الضرر المنهي عنه شرعًا، لأنه ربما قام بعضهم بأعمال تفوق ما قام به غيره بكثير، وربما قام أحدهم بالعمل كله ولم يقم غيره بشيء، فيكون في ذلك غبن حين يتقاسم الشركاء ثمار العمل، ولا تطمئن نفس مَن قام بالجهد أن يبذل نتاج جهده لغيره بدون مقابل.
وقد أجازها الأئمة غير الشافعية - رحم الله تعالىٰ الجميع - للحاجة الداعية إليها، إذ إن الحكمة من مشروعية الشركة تنمية المال كما علمت، وهذا النوع من الشركة يكون به تحصيل أصل المال للشركاء، وربما كانت الحاجة لتحصيل أصل المال فوق الحاجة إلىٰ تنمية ما هو موجود منه، والله تعالى أعلم.
فهي أن يشترك اثنان فأكثر ممّن لهم وجاهة عند الناس وحُسْن سمعة، علىٰ أن يشتروا السلع في الذمة إلىٰ أجل، مشترِكِين أم منفردين، ويكون المشترىٰ مشتركًا بينهم، ثم يبيعوا تلك السلع، فما كان من ربح كان بين الشركاء، يقتسمونه بالسويّة أو حسب الاتفاق.
وهذا النوع باطل أيضًا، لعدم وجود المال المشترك بينهم، والأصل في الشركة المال. ولوجود الضرر فيها أيضًا، لأن كلًّا من الشركاء يعاوض صاحبه بكسب غير مقابل بعمل أو صنعة أو ما إلىٰ ذلك، فلم يكن الربح هنا نماء للمال، ولا مقابلًا للعمل، فلا يستحق.
وكذلك أجاز هذه الشركة غير الشافعية رحمهم الله تعالىٰ جميعًا، للحاجة إليها علىٰ ما سبق في التي قبلها، والله تعالىٰ أعلم.
علمنا مما سبق أن شركة العِنان هي النوع المشروع من الشركة باتفاق الفقهاء، وهي -في الحقيقة- النوع الشائع والمتعارف لدىٰ الناس في الشركات، وهو الأصل فيها، لما فيه من معنىٰ الاشتراك فعلًا، إذ إن مال الشركة في الأصل مشترك بين الشركاء، وهذا هو الأصل في الشركة، سواء أكان الاشتراك بالعمل أم لم يكن، وإن كان الغالب هو الاشتراك به أيضًا.
وقد علمت أنها اتفاق اثنين فأكثر علىٰ أن يشتركوا بمال من الجميع، يتاجرون به، علىٰ أن يكون الربح لهم.
وسمِّيت شركة عِنان تشبيهًا لكلٍّ من الشركاء براكب الدابة، الذي يمسك بإحدىٰ يديه عنانها ويعمل بالأُخرىٰ، وذلك أن كل شريك يجعل للشركاء غيره أمر التصرّف -الذي يشبه بالعنان- في بعض ماله، بينما يستقل هو بالعمل في بعضه الآخر، أو لأن كلًّا من الشركاء يملك بها أن يتصرف بمال شريكه في الشركة كما يملك الراكب التصرّف بالدابة بواسطة عنانها.
يُشترط لصحة هذا النوع من الشركة شروط هي:
١- الصيغة:
وهي لفظ صريح من كلٍّ من الشركاء للآخرين، يدل على الإذن في التصرف بالبيع والشراء ونحوهما من متعلقات التجارة، ويكفي في ذلك ما يدلّ علىٰ هذا المعنىٰ ويشعر به، مما تعارفه التجار فيما بينهم من ألفاظ.
والأصح أنه لا يكفي الاقتصار علىٰ قولهم: اشتركنا، لاحتمال أن يكون هذا إخبارًا عمّا حصل لهما من الشركة في المال كشركة الأملاك، كما لو ورثا مالًا من مورِّث واحد، فلا يلزم من ذلك جواز التصرّف.
وقيل يكفي ذلك، لدلالته علىٰ الشركة وفهم المقصود منه عرفًا.
٢ - أهلية الوكالة في الشركاء:
بأن يكون كل منهما عاقلًا بالغًا غير محجور عليه التصرّف في ماله، لأن كل واحد من الشركاء يتصرف بمال الشركة: أصالة في ماله ووكالة -أي بالإذن- في مال غيره، فكل منهم وكيل وموكِّل.
٣- أن يكون مال الشركة مثليًّا:
بحيث إذا خلطت الأموال لا يتميز بعضها عن بعض، كالعملات المتعارفة اليوم، وكالموزونات والمكيلات إذا كان مال كل من الشركاء من جنس مال الآخرين، كالبرّ والشعير والحديد إذا كانت الأموال علىٰ صفة واحدة.
فإذا كان رأس مال الشركة -أو مال أحد الشركاء- عروضًا، أي أعيانًا متميزة غير مثلية لم تصح الشركة، لأنها لا يمكن خلطها بحيث لا تتميز، وقد يتلف مال أحدهم أو ينقص فلا يمكن أن يعوض عنه من مال الآخرين.
وطريقة تصحيح الشركة في حال كون رأس مالها عروضًا: أن يبيع كل منهم جزءًا من عروضه للآخر بجزء من عروضه، فيصيروا شركاء في العروض كلها، فيأذن كل منهم للآخر بالتصرّف، فإذا باعوها كان الثمن بينهم.
وكذلك إذا كان مال أحدهما نقدًا ومال الآخر عروضًا: باع صاحب العروض جزءًا منها بجزء من نقد الآخر واشتركا في الجميع.
وعلىٰ هذا لو ملكا عرضًا-إرثًا أو شراءً أو غيرهما- وأذن كلٌ منهما للآخر بالتصرف في نصيبه تجارة تمت الشركة بينهما.
٤- خلط أموال الشركة:
بعدما يتفق الشركاء علىٰ الشركة، لا بدّ وأن يحضروا الأموال التي تصح فيها الشركة علىٰ النحو الذي سبق، وأن تخلط هذه الأموال -إن لم تكن مشتركة- بحيث لا يتميز بعضها عن بعض، ثم يجري عقد الشركة بعد ذلك، فإن جرىٰ العقد قبل خلط المال لم تصح الشركة ولو خُلطت الأموال في مجلس العقد بعد إجرائه، ولابدّ من إعادة التعاقد بعد الخلط لتصحّ الشركة.
وهذا إذا أخرج كلٌ من الشركاء مالًا وحصل العقد علىٰ ذلك، فإذا ملك الشركاء قبل عقد الشركة مالاً بالاشتراك بينهم -إرثًا أو شراءً أو هبةً أو نحو ذلك- ثم حصل عقد الشركة فإنه يصح، ولا يشترط اقتسامهم له ثم خلطه، لأن المقصود من الخلط -وهو عدم تمييز مال كلٍّ منهم علىٰ حدة- حاصل.
٥- أن يكون الربح والخسران علىٰ قدر المال:
لأن الربح نماء المال، وكذلك الخسارة نقصان له بمقابل الربح.فلا يصح أن يشرط لأحد الشركاء زيادة في الربح عن قدر نسبة ماله من رأس المال، كما لا يصح أن يشرط عليه زيادة في الخسارة أو نقص عن ذلك، ولا يشترط التساوي في المال لكل الشركاء، فلو اشترك أحدهم بالربع والآخر بالنصف والثالث بالربع صح، وكان الربح ربعه للأول ونصفه للثاني وربعه للثالث، وكذلك توزع الخسارة، سواء اشترك الجميع بالعمل أم لم يشترك بعضهم، وسواء تساوَوْا في العمل حين الاشتراك أم اختلفوا.
فإن شُرِط تفاوت في الخسارة كانت الشركة باطلة باتفاق الفقهاء، وإن اشترط تفاوت في الربح عن قدر رأس المال لم تصحّ الشركة أيضًا، فلو حصل البيع والشراء من الشركاء نفذت تصرفاتهم لوجود الإذن منهم بالتصرّف، وكان لكل منهم الربح بقدر نسبة رأس ماله، ويرجع علىٰ الآخرين بأجرة المثل.
وأجاز الحنفية والحنابلة رحمهم الله تعالىٰ أن يكون للشريك ربح أكثر من نسبة ماله من رأس مال الشركة، وذلك في الصور التالية:
١- أن تتساوىٰ أموال الشركاء، كأن يكون من كلٍّ منهم الثلث مثلًا، ويكونوا جميعًا قائمين بالعمل، فيصحّ أن يشرط لأحدهم زيادة في الربح عن نسبة رأس ماله، لأنه قد يكون أكثر مهارة في عمله من غيره، فتكون الزيادة مقابل عمله ومهارته.
٢- أن يتساوىٰ الشركاء في المال ويكون العمل علىٰ بعضهم، ويكون للقائمين بالعمل زيادة في نسبة الربح علىٰ نسبة أموالهم
٣- أن يتفاوت الشركاء في نسبة الاشتراك بالمال، كأن يكون من أحدهم الثلث ومن الآخر الثلثان مثلًا، ويشتركا في العمل، جاز أن يكون لأحدهما زيادة في نسبة الربح عن نسبة ماله، كأن يتساويا في الربح أو يزيد أحدهما علىٰ الآخر، لاحتمال أن يكون عمله أكثر ومهارته أفضل، فتكون الزيادة مقابل ذلك.
٤- أن يتفاوتا في رأس المال كما سبق في الصورة قبلها، ويكون العمل علىٰ مَن كان رأس ماله أقل، علىٰ أن يتساويا في الربح أو تزيد نسبة ربح من كان قائمًا بالعمل، فيصح أيضًا، وتكون الزيادة مقابل عمله.
وينبغي أن ينتبه إلىٰ أن الزيادة تصحّ لمن صحّت له إذا كانت في ضمن نسبة الربح المخصَّصة له، كأن يكون نصيبه كله نسبة مئوية من الربح العام، خمسين بالمائة مثلًا أو ستين أو أكثر أو أقلّ، أما أن يُعطىٰ نسبة مستقلة من الربح مقابل عمله، أو أن يُعطىٰ قدرًا معينًا -كألف مثلًا كل شهر ونحو ذلك- فلا يصح باتفاق الفقهاء.
وعلى هذا يتبيّن لنا فساد الكثير من عقود الشركات التي يقوم بها الناس، والتي يخصِّصون فيها لبعض الشركاء - سواءً أكان مستقلاً بالعمل أم مشتركًا مع غيره من الشركاء - راتبًا شهريًا مقطوعًا من الشركة غير نصيبه من الربح، أو نسبة متميزة من الربح، كالربع -مثلًا- أو النصف مقابل عمله، ثم يقاسم بعد ذلك الشركاء فيما تبقىٰ بنسبة رأس ماله.
وليحذر هؤلاء المخالفون من عقاب الله تعالىٰ ، وليعلموا أن الكسب من عقد فاسد كسب خبيث لا يبارك الله تعالىٰ فيه.
هذا ولا نرىٰ مانعًا من العمل بما قاله الحنفية والحنابلة رحمهم الله تعالىٰ ، لاسيما في هذه الأزمان التي أصبح الناس لا يرضون فيها بالقليل، ولا يقنعون بربح يتوافق وما آتاهم الله تعالىٰ من مال، وإن كان الأورع أن يكون العمل متفقًا عليه لدىٰ فقهاء الأمة، وهو الأحوط في دين الله عزّ وجل.
إذا توفرت شروط شركة العِنان صحّت وترتب على ذلك الآثار التالية:
١- تُطلق يد كل من الشركاء في مال الشركة، لأنه وكيل عن شركائه وأصيل عن نفسه، ولكن يتقيد هذا الإطلاق بالعُرف وعدم الإضرار بالشركاء.
وعليه: فلا يبيع بالنسيئة -أي بتأجيل الثمن إلىٰ زمن معين- ولا بغير النقد الغالب في البلد كما لا يبيع ولا يشتري بغبن فاحش، ولا يسافر بمال الشركة، إلا إذا أذن له الشركاء في شيء مما ذُكر فإنه يصح تصرفه فيه، فإذا لم يأذنوا له به كان تصرفه باطلًا.
٢- يجب العمل علىٰ الشركاء حسب الاتفاق.
٣- إذا اشترىٰ أحدهم شيئًا بمال الشركة -بالشرط المذكور سابقًا- كان الشراء للجميع، لأنه وكيل عنهم، إلا أن البائع يطالب المشتري وحده، لأن الشركاء الآخرين غير كافلين له.
علمنا أن للشركة شروطًا إذا تحققت كان العقد صحيحًا، وترتبت عليه آثاره السابقة، وإذا اختلّ شئ منها كانت الشركة فاسدة.
فإذا علم فسادها قبل البدء بأعمال الشركة لم يترتب علىٰ ذلك شئ من آثار العقد وينبغي تجديد العقد علىٰ وجه صحيح إذا أريد الاستمرار بالشركة.
وإذا تبين الخلل بعد البدء بأعمال الشركة وجب التوقف عن الاستمرار بذلك، وتجديد العقد علىٰ وجه صحيح إذا أريد الاستمرار بها.
وترتب علىٰ تبيّن فساد الشركة فيما مضىٰ الأمور التالية:
١ - يقسم ما ظهر من ربح علىٰ الشركاء بمقدار ما لكل من رأس المال، لأن الربح استفيد من المال، وقد تبيّن بطلان الشركة، فيرجع إلىٰ الأصل وهو المال، فتكون نسبة ربح كلٍّ من الشركاء بنسبة مشاركته بالمال.
٢ - يرجع كل شريك علىٰ الشركاء الآخرين بأُجرة عمله من أموالهم الخاصة، لأنه تبّين أنه كان أجيًرا لهم وليس شريكًا
٣ - كلُّ ما قام به الشركاء من تصرفات تعتبر نافذة، لأن كلًّا منهم تصرف بإذن من الآخرين.
ينتهي عقد الشركة بأمور، هي:
١ - فسخ عقد الشركة من قبل الشركاء أو بعضهم: فإن عقد الشركة عقد جائز، أي لكل من الشركاء أن يفسخه متىٰ شاء، والفسخ إنهاء لها، فإذا كانا شريكين فقد انتهت الشركة بينهما، وإن كانوا أكثر وفسخ أحدهم بقيت الشركة في حق من لم يفسخ.
٢- موت الشركاء: فإذا مات الشركاء فقد انتهت الشركة، لزوال المِلْك عن المتعاقدين وخروجهم عن أهلية التصرف، لأن الشركة تتضمن الوكالة كما علمنا ولا تنتقل إلىٰ الورثة، لأن الورثة لم يتعاقدوا علىٰ الشركة، فإذا مات أحد الشركاء: فإن كانا شريكين فقد انتهت الشركة أيضًا، وإن كانوا أكثر من اثنين انتهت الشركة في حق من مات وحده، وبقيت قائمة بين الشركاء الآخرين، لأن الوكالة في حقهم باقية، وتصرفهم جائز وصحيح.
ويكون الفسخ والانتهاء من تاريخ وفاة الشريك ولو لم يعلم الشركاء الآخرون، لأن الموت عزل حكمي عن الوكالة بالتصرف.
٣ - الجنون أو الإغماء: فإذا جُنّ أحد الشركاء او أُغمي عليه فقد انفسخت الشركة في حقه وانتهت، لزوال العقل الذي هو مناط التكليف، لكن يشترط في الإغماء أن يستغرق وقت فرض صلاة حتى تنفسخ به الشركة، فإن لم يستغرق ذلك لم يؤثر.
وفي حال الجنون ينتقل الحكم إلىٰ الوليّ: فإن شاء اختار قسمة المال، وإن شاء اختار استئناف الشركة بعقد جديد.
وأما في حال الإغماء: فإن رُجي زواله عن قرب لم ينتقل الحكم إلىٰ وليه، لأنه لا يولي عليه في هذه الحالة. فإذا أفاق: فإن شاء اختار القسمة، وإن شاء استأنف الشركة بعقد جديد ولو بلفظ التقرير. فإن أُيس من إفاقته عن قرب، أو استمر إغماؤه ثلاثة أيام فأكثر انتقل الحكم إلىٰ وليّه كما في الجنون، فإن شاء اختار قسمة المال، وإن شاء استأنف الشركة.