المحتويات:
أهمية ذلك ودليله
آداب زيارة مسجد رسول الله ﷺ
أما مسجد رسول الله ﷺ، فقد دل علىٰ استحباب زيارته قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُشَدُّ الرحالُ إلا إلىٰ ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصىٰ".
وأما قبره ﷺ فقد دلَّ علىٰ استحباب زيارته وعِظَم الأجر المَنُوط بها، إجماع الصحابة كلِّهم والتابعين من بعدهم علىٰ زيارة قبره ﷺ.
كما يدل علىٰ ذلك ما ثبت من استحباب زيارة القبور عامة بقوله ﷺ: "كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها". وبفعله إذْ كان يزور البقيع بين حين وآخر.
ولا ريب أنَّ الاستحباب يتضاعف إذا كان القبر قبر رسول الله ﷺ.
كما يدلُّ علىٰ ذلك قوله ﷺ لمعاذ، عندما أرسله إلىٰ اليمن: "يا معاذ، عسىٰ أن لا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلَّك أن تمرَّ بمسجدي هذا وقبري". رواه أحمد بسندٍ صحيح. ومعلوم أن (لعلَّك) هنا بمعنىٰ الطَّلب والرجاء.
فإذا أدركتَ مدىٰ أهمية زيارة مسجد رسول ﷺ وقبره الشريف، فَلْتَعلم أنَّ علىٰ الحاج إذا فرغ من نُسُك حجه وعمرته، كان عليه حين يتجه إلىٰ مدينة رسول الله ﷺ لينال شرف زيارته وزيارة مسجده التزام الآداب التالية:
أولاً: يُستحَب أن يَعقِد العزم ـ لدىٰ اتجاهه إلىٰ المدينة المنورة ـ علىٰ زيارة النبي ﷺ وزيارة مسجده، حتىٰ يُكتَب له أجرهما معاً. وأن يُكثِر في طريقه من الصلاة علىٰ رسول الله ﷺ.
ثانياً: يُستحَب أن يغتسل قُبَيْل دخوله المدينة إنْ تيسر له ذلك، وإلا فليغتسل قبل دخوله المسجد، ويلبس أنظف ثيابه.
ثالثاً: إذا وصل إلىٰ باب مسجده ﷺ فليقدِّم رجله اليمنىٰ في الدخول قائلاً: "أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، بسم الله، والحمد لله، اللهم صلِّ علىٰ محمَّد وعلىٰ آل محمد وسلم. اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك". قال الإمام النووي: هذا الذكر والدعاء مستحب في كل مسجد، وقد وردت فيه أحاديث في الصحيح وغيره.
ثم يدخل فيتجه إلىٰ الروضة الكريمة، وهي ما بين المنبر والبيت، فيصلِّى تحية المسجد يجنب المنبر. إذ يُظن أن يكون هو موقف رسول الله ﷺ.
رابعاً: إذا صلَّىٰ التحية في الروضة، فليأت إلىٰ القبر الكريم، فيستدبر القبلة ويستقبل جدار القبر، ويبعد عن رأْس القبر نحو أربعةِ أذرع. ويقف ناظراً إلىٰ أسفل ما يستقبله من جدار القبر، وقد أفرغ قلبه من علائق الدنيا واستحضر جلالة موقفه ومنزلة من هو في حضرته. ثم يسلِّم بصوت خفيض قائلاً:
السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا نبيَّ الله، السلام عليك يا خيرة الله، السلام عليك يا خيرة ربِّ العالمين، جزاك الله يا رسول الله عنَّا أفضل ما جزَىٰ نبيّاً ورسولاً عن أمته. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّك عبده ورسوله من خلقه، وأشهد أنك قد بلَّغت الرسالة، وأدَّيْت الأمانة، ونصحتَ الأمة، وجاهدتَ في الله حقَّ جهاده.
ثم ينحرف قليلاً نحو اليمين حيث قبر أبي بكر - رضي الله عنه - فيقول: السلام عليك يا أبا بكر الصديق، ثم ينحرف إلىٰ اليمين أيضا حيث قبر عمر بن الخطاب فيقول: السلام عليك يا عمر بن الخطاب.
ثم يعود إلىٰ مكانه الأول، ويتجه إلىٰ القبلة فيدعو لنفسه وللمؤمنين بما يشاء، فإنها ساعة تُرجىٰ فيها الاستجابة إن شاء الله.
خامساً: لا يجوز الطواف بقبر النبي ﷺ، كما قال الإمام النووي، ويُكرَه أن يلصق نفسه بجدار القبر، كما يُكرَه التمسح به وتقبيله، كما هو شأن كثيرٍ من الجُهَّال، بل الأدب أن يبتعد عن القبر كما يبتعد عنه ﷺ في حضرته أثناء حياته.
سادساً: ينبغي له مدة إقامته في المدينة المنورة أن يصلِّيَ الصلوات كلَّها في مسجد رسول الله ﷺ، وأن يخرج كلَّ يومٍ إلىٰ زيارة البقيع، وأن يزور قبور شهداء أُحُد، كما يُستحَب استحباباً مؤكداً أن يأتي مسجد قُباء، وقد كان ﷺ يأتي مسجد قُباء في كل يوم سبت ورد ذلك في الصحيحين وغيرهما.