المحتويات:
تعريفه
تاريخ تشريع الصيام
دليل مشروعية صوم شهر رمضان
حكم تارك صيام شهر رمضان من غير عذر
من حِكَم الصيام وأسراره وفوائده
الصيام لغةً: الإِمساك عن الشيء، كلاماً كان أو طعاماً.
ودليل ذلك قوله تعالى، حكاية عن مريم عليها السلام: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً} [مريم: 26]، أي: إمساكاً وسكوتاً عن الكلام.
والصيام شرعاً: إمساكٌ عن المُفَطِّرَات، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مع النية.
فُرِضَ صيام شهر رمضان في شعبان من السنة الثانية للهجرة.
وقد كان الصيام قبل ذلك معروفاً عند الأمم السابقة، وعند أهل الكتاب الذين عاصروا النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
إلا أنّ وجوب صوم رمضان لم يُشرَّع من قَبْلُ، فهذه الأمة تلتقي مع الأمم السابقة في أصل مشروعية الصوم، وتختص أمة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - بفرضية شهر رمضان بالذات.
الأصل في فرضية صوم شهر رمضان قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185].
وقوله - صلى الله عليه وسلم -:"بُنِي الإسلامُ على خمسٍ: شهادةِ أن لا إله إلا الله، وأنّ محمداً رسولُ الله، وإقام الصَّلاة، وإيتاءِ الزكاة، والحجّ، وصومِ رمضانَ". رواه البخاري (8) ومسلم (16) وغيرهما.
وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - للأعرابي الذي سأله: أخبرني ماذا فَرَضَ عَلَيّ اللهُ من الصوم ؟ فقال: "صيامُ رمضان". رواه البخاري (1792) ومسلم (11).
لمّا كان صيام شهر رمضان ركناً من أركان الإِسلام، ومن الفرائض المعلومة من الدين بالضرورة، كان جاحد وجوبه كافراً، أي يُعَامَل معاملة المرتد، فيُسْتَتَاب، فإن تاب قُبِلَ منه، وإلا قُتل حدّاً. وذلك إن لم يكن قريب العهد بالإسلام، أو نشأ بعيداً عن العمران ـ كما يقول العلماء ـ أي بعيداً عن العلماء.
أما من ترك صومه بغير عذر، وكان غير جاحد لوجوبه، وذلك كأن قال: الصوم واجب عليّ، ولكني لا أصوم فإنَّه يكون فاسقاً، وليس بكافر، ووجب على حاكم المسلمين حبسه ومنعه من الطعام والشراب نهاراً ليحصل له الصوم بذلك، ولو صورة.
ينبغي للمسلم أن يَعْلَم قبل كل شيء: أن صيام شهر رمضان عبادة فرضها الله تعالى. ومعنى كونها عبادة: أن يقوم المسلم بأدائها استجابةً لأمر الله تعالى، وقياماً بحق العبوديَّة له، بقطع النظر عن أي نتيجة يمكن أن تنتج عن عبادة الصوم. فإذا فعل المسلم ذلك، فلا مانع أن يتطلَّع بعدئذ إلى الحِكَم والأسرار الإلهية الكامنة في تلك العبارة، من صيام وغيره، وممَّا لا شك فيه أن أحكام الله تعالى كلها قائمة على حِكَم وأسرار وفوائد للعباد، ولكن لا يشترط أن يكون العباد على علم بها.
وممَّا لا شك فيه أيضاً أن للصوم حِكَماً وفوائد كثيرة قد يطَّلع العباد على بعضها. ويبقى الكثير منها خافياً عليهم.
ومن هذه الحِكَم والفوائد التي يمكن أن يَسْتَشِفَّها المسلم ويلمحها في الصوم ما يلي:
1ـ إن الصيام الصحيح من شأنه أن يُوقِظ قلب المؤمن لمراقبة الله عز وجل؛ ذلك لأن الصائم ما أن يستدبر جزءاً من نهاره حتى يُحسّ بالجوع والعطش، وتهفو نفسه إلى الطعام والشراب، لكن شعوره بأنه صائم يحول دون تحقيقه لرغبات نفسه، تحقيقاً لأمر الله عز وجل، ومن خلال هذا التدافع يستيقظ القلب، وينمو فيه شعور المراقبة لله تعالى، ويظل على ذكر لربوبيته وعظيم سلطانه، كما يظل مٌتَنبِّهاً إلى أنه عبد خاضع لحُكْم الله تعالى، ومُنْقَاد لإِرادته.
2ـ إن شهر رمضان شهر قُدُسيّ بين أشهر السنة كلِّها، يريد الله عزّ وجلّ من عباده أن يملؤوه بالطاعات والقربات، ويحققوا فيه أسمى معاني عبوديتهم لله سبحانه وتعالى، وهيهات أن يتحقق ذلك أمام موائد الطعام، وفي مجالس الشراب، وبعد امتلاء المعدة، وتصاعد أبخِرة الطعام إلى الفكر والدماغ، فكان في شريعة صيام هذا الشهر أيسر سبيل للقيام بحقِّه، وأداء واجب العبودية فيه.
3ـ إن استمرار حالة الشَّبَع في حياة المسلم من شأنه أن يغمر مشاعره بأسباب القسوة، وينمِّي في نفسه عوامل الطُّغْيان، وكلاهما ممَّا يتنافي مع شأن المسلم، فكان في شريعة الصيام ما يهذب نفس المسلم، ويرهف مشاعره.
4ـ إنّ من أهم المبادئ التي ينهض عليها المجتمع الإسلامي تراحم المسلمين وتعاطفهم، وهيهات أن يرحم الغني الفقير رحمة صادقة من غير أن يتخلَّله شعور بآلام الفقر وشدته، ومرارة الجوع وضراوته. وشهر الصيام خير ما يُكْسِب الغني شعور الفقير، ويجعله يعيش معه في آلامه وحرمانه، ومن ثَمّ كان الصوم خير ما يثير في نفس الأغنياء دوافع العطف والرحمة والمواساة.