المحتويات:
تاريخ إقامتها
حكمها
حكمة مشروعيتها
الأعذار المقبولة في التخلف عن صلاة الجماعة
شروط مَن يُقتدى به
من الصفات التي يُستحَب أن يتحلى بها الإمام
كيفية الاقتداء
أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - الجماعة بعد الهجرة الشريفة، فلقد مكث - صلى الله عليه وسلم - مدة مقامه في مكة ثلاث عشرة سنة يصلي بغير جماعة، لأن الصحابة كانوا مقهورين، يصلّون في بيوتهم، فلما هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة أقام الجماعة وواظب عليها.
الصحيح أنها - فيما عدا صلاة الجمعة - فرض كفاية، لا تسقط فرضيتها عن أهل البلدة إلا حيث يظهر شعارها، فإن لم تُؤدَّ فيها مطلقاً أو أُديَت في خفاء أَثِمَ أهل البلدة كلهم، ووجب على الإِمام قتالهم.
والأصل في مشروعيتها قوله تعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ} [النساء: 102].
وهذا في صلاة الخوف، وإذا ورد الأمر بإقامة الجماعة في الخوف كانت في الأمن أولى.
وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "صلاةُ الجماعة تَفْضُلُ صلاةَ الفَذِّ بسَبْعِِ وعِشْرِينَ دَرَجَةً". (رواه البخاري: 618، ومسلم: 650).
وكذلك ما رواه أبو داود (547)، وصحَّحه ابن حبان (425) وغيرهما: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما مِنْ ثلاثة في قريةِِ أو بَدْوِِ لا تُقامَ فيهم الجَمَاعة إلا استَحْوَذَ عَلَيْهُم الشَّيْطان فَعَلَيْكَ بالجماعة، فإنما يأكل الذئبُ القاصيةَ".
[استَحْوَذَ عليهم: غَلَبَهُم واستولى عليهم وحوَّلهم إليه. القاصية: الشاة البعيدة عن القطيع].
إنما ينهض عمود الإسلام على تعارف المسلمين وتآخيهم وتعاونهم لإحقاق الحق وإزهاق الباطل، ولا يتم هذا التعارف والتآخي في مجال أفضل من مجال المسجد عندما يتلاقى فيه المسلمون لأداء صلاة الجماعة كل يوم خمس مرات.
ومهما فَرَّقَت مصالح الدنيا بَيْنَهُم وأَوْرَثَتْ الأحقاد في نفوسهم، فإن في ثباتهم على التلاقي في صلوات الجماعة ما يمزق ما بينهم من حُجُب الفُرْقَة ويذيب مِن قلوبهم الأحقاد والأضغان، إن كانوا حقاً مؤمنين بالله ولم يكونوا منافقين فيما يتظاهرون به من صلاة وعبادة وسعي إلى المساجد.
الأعذار قسمان: أعذار عامة، أعذار خاصة.
فكمطر، وريح عاصف بلَيْل، ووَحْل شديد في الطريق.
ورد أن ابن عمر رضي الله عنهما أذَّن للصلاة في ليلة ذات بردٍ وريح، ثم قال: أَلاَ صَلُّوا في الرِّحَالِ، ثم قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَأمر المُؤَذَّنَ إذَا كانَتْ لَيْلَةٌ ذاتُ بَرْدِِ ومَطَرِِ أن يقول: "أَلاَ صَلُّوا في رِحَالِكمْ". أي منازلكم ومساكنكم. (رواه البخاري: 635، ومسلم: 697).
وأنت تعلم أن هذه الأعذار قلما تتحقق اليوم إلا في القرى، بل في بعض القرى.
فكمرض وجوع وعَطَش شديدَيْن، وكخوف من ظالم على نفس أو مال، ومدافعة حَدَث من بول أو غائط.
لما رواه البخاري (642)، ومسلم (559): "إذا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ وأُقِيمَت الصلاةُ فابدؤوا بالعَشَاءِ، ولا يَعْجَلَن حتى يَفْرُغَ مِنْهُ".
ولخبر مسلم (560): "لا صلاة بحَضْرَةِ طعامِِ، ولا هو يُدَافِعُه الأخْبَثَان".
وكملازمة غريم له إذا خرج إلى الجماعة وهو مُعسر، وأكل ذي ريح كريه، أو يكون مرتدياً ثياباً قذرة تؤذي بقذارتها أو ريحها.
فكل واحدة من هذه الحالات تعتبر عذراً شرعياً يسوغ لصاحبه التخلف عن حضور الجماعة.
روى البخاري (817)، ومسلم (564)، عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ أَكَلَ ثوماً - وقِيسَ غَيْرُهُ من الأعذار عليه - فَلْيَعْتَزِلَنَّ، أو قال: فليعتزل مسجدَنَا، وَلْيَقْعُدْ في بَيْتِهِ".
لا بد فيمن يكون إماماً أن تتوفر فيه شروط معينة - أكثرها نسبية، حسب حال المأموم - ونلخصها في الأمور التالية:
1 - أن لا يعلم المقتدي بطلان صلاة إمامه أو يعتقد ذلك
مثاله: أن يجتهد اثنان في جهة القبلة فاعتقد كل منهما أن القبلة في جهة غير التي اعتقدها الآخر، فلا يجوز أن يقتدي أحدهما بالآخر، لأن كلاً منهما يعتقد أن الآخر مخطئ في اتجاهه وأن صلاته إلى تلك الجهة غير صحيحة.
2 - أن لا يكون أميّاً، والمقتدي قارئ
والمقصود بالأمي هنا من لا يتقن قراءة الفاتحة بحيث يخل بقراءتها إخلالاً يفوّت حرفاً أو شدَّة أو نحو ذلك.
فإن كان المقتدي مثله جاز اقتداء كل منهما بالآخر.
3 - أن لا يكون امرأة، والمقتدي رجل
فإن كان المقتدي أيضاً امرأة جاز اقتداء كلٍّ منهما بالأخرى لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَؤُمَّنَّ امرأةٌ رَجُلاً". (رواه ابن ماجه).
يجدر أن يكون إمام القوم أَفقههم، وأَقرأهم، وأصلحهم، وأَسَنَّهُم.
ومهما تحققت هذه الصفات في الإِمام كانت الصلاة خلفه أفضل وكان الثواب بذلك أرجى.
روى مسلم (613) عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَؤُمُّ القَوْمَ أَقْرؤهُمْ لكتاب الله، فإن كانوا في القراءةِ سواءً فأَعْلَمهُمْ بالسُّنَّةِ، فإن كانوا في السُّنَّةَ سواءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فإن كانوا في الهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِنّاً".
واعلم أنه يجوز اقتداء المتوضئ بالمتيمم وبماسح الخُف، والقائم بالقاعد، والبالغ بالصبي، والحر بالعبد، والصحيح بالمسلس، والمؤدي بالقاضي، والمفترض بالمتنفل وبالعكس.
لا يتحقق الاقتداء المشروع إلا بشروط وكيفيات ينبغي مراعاتها، وهي كثيرة نلخصها فيما يلي:
1 - أن لا يتقدم المأموم على الإمام في المكان:
فإن تقدَّم عليه بطل اقتداؤه، لقوله عليه الصلاة والسلام: "إنما جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤتَمَّ بهِ". (رواه البخاري: 657، ومسلم: 411).
والائتمام الاتباع، وهو لا يكون إلا حيث يكون التابع متأخراً، لكن لا تضر مساواته له في الموقف وإن كان ذلك مع الكراهة، وإنما يندب تخلفه عنه قليلاً، فإذا تقدَّم عليه بطلت صلاته، والاعتبار في التقدم والتأخر بالعقب، وهو مؤخر القدم.
فإن كان المقتدي اثنين فأكثر، اصطفوا خلف الإمام، وإن كان واحداً وقف عن يمينه، فإذا جاء ثانٍ وقف عن يساره، ثم رجعا أو تقدَّم الإمام.
روى مسلم عن جابر - رضي الله عنه - قال: صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقمت عن يمينه، ثم جاء جابر بن صخر فقام عن يساره، فأخذ بأيدينا جميعاً حتى أقامنا خَلْفَه.
ويُسَن أن لا يزيد ما بين الإمام والمأموم على ثلاثة أذرع (1)، وهكذا بين كل صَفَّين.
*(1) بذراع الرجل المعتاد، ويساوي 50 سم تقريباً.
وإذا صَلَّى خلف الإِمام رجال ونساء صفَّ الرجال أولاً ثم النساء بعدهم، وإذا صلى رجل وامرأة صفَّ الرجل عن يمين الإِمام، والمرأة خلف الرجل.
أما جماعة النساء، فتقف إمامتهن وسطهن لثبوت ذلك عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما. (رواه البيهقي بإسناد صحيح).
ويُكره وقوف المأموم منفرداً في صف وحده، بل يدخل الصف إن وجد سعة، وإن لم يجد سعة، فإنه يندب أن يجرّ شخصاً واحداً من الصف إليه بعد الإحرام (2)، ويندب للمجرور أن يساعده ويرجع إليه لينال فضيلة المعاونة على البر.
*(2) هذا إن رأي أنه يوافقه، وإلا فلا يجرّه بل يمتنع لخوف الفتنة.
2ـ أن يتابعه في انتقالاته وسائر أركان الصلاة الفعلية:
وذلك بأن يتأخر ابتداء فعل المأموم عن فعل الإمام، ويتقدم على فراعه.
فإن تأخر المأموم عن الإمام قَدْر ركنِِ كُرِهَ ذلك، وإن تأخر عنه قَدْر رُكْنَيْن طويلين: كأن ركع واعتدل ثم سجد ورفع ولا يزال المأموم واقفاً من دون عذر، بطلت صلاته.
أما إذا كان لتأخره عذر بأن كان بطيئاً في القراءة، فله أن يتخلف عن الإمام بثلاثة أركان، فإن لم تكف لمتابعته فيما بعد وجب عليه أن يقطع ما هو فيه ويتابع الإمام، ثم يتدارك الباقي بعد سلام إمامه.
3ـ العلم بانتقالات الإمام:
وذلك بأن يراه، أو يرى بعض صفِِّ، أو يسمع مبلِّغاً.
4ـ أن لا يكون بين الإمام والمأموم فاصل مكاني كبير:
إذا لم يكونا في المسجد، أما إذا جمعهما مسجد، فإن الاقتداء صحيح مهما بَعُدَت المسافة بينهما، أو حالت أَبْنِيَة نافذة.
أما إذا كانا في خارج المسجد أو كان الإمام في المسجد والمقتدي خارجه، فيشترط عندئذ أن لا تبتعد المسافة بين الإمام والمقتدي.
وضابط ذلك ما يلي:
أولاً: إذا كان الإمام والمقتدي في فضاء، كبيداء ونحوها، اشترط أن لا تزيد المسافة بينهما على ثلاثمائة ذراع هاشمي أي (150) متراً تقريباً.
ثانياً: إذا كان كلٌ منهما في بناء، مثل بيتين أو صحن وبيت، وجب ـ علاوة على الشرط المذكور ـ اتصال صف من أحد البناءين بالآخر، إن كان بناء الإمام منحرفاً يميناً أو يساراً عن موقف المأموم أو المقتدي.
ثالثاً: أن يكون الإمام في المسجد وبعض المقتدين في خارج المسجد، فالشرط هو أن لا تزيد مسافة البُعد ما بين طرف المسجد وأول مقتدِِ يقف خارجه على ثلاثمائة ذراع هاشمي.
5ـ أن ينوي المقتدي الجماعة أو الاقتداء:
ويشترط أن تكون النية مع تكبيرة الإحرام.
فلو ترك نية الاقتداء وتابعه مع ذلك في الانتقالات والأفعال، بطلت صلاته إن اقتضت متابعته أن ينتظره انتظاراً كثيراً عُرفاً، أما إن وقعت المتابعة اتفاقاً بدون قصد أو كان انتظار للإمام انتظاراً يسيراً فلا تبطل صلاته بذلك.
أما الإمام فلا يجب عليه أن ينوي الإمامة، بل يُستحب له ذلك، لتحصل له فضيلة الجماعة، فإن لم ينو لم تحصل له، إذ ليس للمرء من عمله إلا ما نوى.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمالُ بالنِّيات وإنما لكُلِّ امرئِِ ما نَوَى". [رواه البخاري: 1، ومسلم: 1907].
ويحصل المأموم على فضيلة الجماعة ما لم يُسَلِّم الإمام، وإدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام فضيلة وتحصل بالاشتغال بالتحريم عقب تحريم الإمام.
ويدرك المأموم مع الإمام الركعة إذا أدركه في ركوعها، وإذا أدركه بعد الركوع فاتته الركعة، وكان عليه أن يتداركها، أو يتدارك ما فاته إن كان أكثر من ركعة بعد سلام الإمام.