المحتويات:
أولاً: أعمال الحج
ثانياً: أعمال العمرة
بعد أن عرفت شروط وجوب الحج وصحته، والمواقيت التي تبدأ منها أعمال الحج وكيفية الإحرام، نبدأ ببيان الأعمال التي يتحقق بها الحج.
وهذه الأعمال:
منها ما هو واجب.
ومنها ما هو ركن.
ومنها ما هو سُنَّة.
ومنها توابع كالأدعية التي يُستحب الدعاء بها، وكزيارة مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقبره.
فلنفصِّل القَوْل في كلٍّ منهما على حدة.
الفرق بين الواجبات والأركان:
الواجبات والأركان، كلاهما واجبٌ لا بدَّ منه إلّا أنّ الفرق بينهما:
أنّ الواجبات يُجبَر تركها بإراقة دمٍ، كما سنعلم.
أمّا الأركان فهي ما لا يتم ماهيّة الحج إلّا به، ولا يُجبَر تركه بإراقة دم.
وتتلخص واجبات الحج في الأمور التالية:
فيجب على الحاجِّ إذا أراد أن يدخل في الحج أن يُحْرِم به في ميقاته سواء الزماني، والمكاني. وقد عرفت ضابط كلٍّ منها للحاج والمعتمر.
فإذا مرَّ بالميقات المكاني ولم يُحْرِم حتى تجاوزه متغلغلاً داخل الحَرَم، فقد ترك واجباً من واجبات الحج.
أما إذا أحرم قبل أن يصل إليه فلا ضَيْر في ذلك.
وقد عَرَفت كُلاً من دليل الميقات الزماني والمكاني عند الحديث عن المواقيت.
إذا نزل الحاجُّ من عرفة بعد غروب الشمس، ووصل إلى مزدلفة ـ وهو مكان بين عرفة ومِنَى ـ وجب عليه المبيت فيه، بحيث يبقى هناك إلى ما بعد منتصف الليل. أي فلا يجب عليه أن يبقى فيه إلى الفجر. وذلك اتِّبَاعاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الطويل الذي رواه جابر - رضي الله عنه - عن كيفية حَجِّهِ عليه الصلاة والسلام.
يجب على الحاجِّ إذا نزل من عرفة ثم بات بالمزدلفة أن يتَّجِه إلى جَمْرة العقبة وهي في آخر مِنَى مما يلي مكة، وأن يرميَ تلك الجَمْرة بسبع حَصَيَات، بحيث تقع كل حصاة في المكان المحدد لها.
ويدخل وقت هذا الرمي بعد منتصف ليلة العيد. ويمتد إلى مغيب شمس يوم العيد، وهو يوم النحر.
للحديث الطويل الذي رواه مسلم عن جابر في كيفية حج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيه: "ثمَّ سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى حصاة منها، كل حصاة مثل حصى الخذف".
ثم يجب عليه في كل يوم من أيام التشريق ـ وهي التي تلي يوم العيد ـ أن يرمىَ سبع حصيات إلى كلٍّ من:
الجمرة الأولى، وهي التي تلي مسجد الخَيْفِ.
ثم الوسطى.
ثم جمرة العقبة.
على هذا الترتيب، وأماكنها معروفة في مِنَى.
ويبدأ وقت رمي الجمار بعد زوال الشمس عن وسط السماء ويمتد إلى الغروب. لكن إذا لم يدرك الرمي في هذا الوقت فله الرمي عقب الغروب، وله أن يؤخر الرمي إلى اليوم الثاني من غير فدية.
ملاحظة:
يسقط وجوب رمي الجمار يوم التشريق الثالث، إذا نفر الحاج من مِنَى إلى مكة قبل غروب شمس اليوم الثاني من أيام التشريق، وهو رخصة للمتعجِّل نَصَّ عليه كتاب الله عز وجل في قوله: {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203]. فإذا غربت الشمس قبل أن ينفر من مِنَى وجب عليه المبيت فيها ورمي الجمار في اليوم الثالث أيضاً.
لا يكفي أن يرمى الحاج الجمرات الثلاث أيام التشريق ثم ينزل إلى مكة فيبيت فيها، بل يجب عليه أن يبيت بمِنَى ليلتي اليوم الأول واليوم الثاني من أيام التشريق بحيث يمضي معظم الليل فيها.
أما ليلة اليوم الثالث فقد رخَّص الله له عدم المبيت فيها بشرط أن لا تغرب عليه الشمس وهو لا يزال في مِنَى. فإن غربت قبل أن ينفر منها وجب عليه مبيت تلك الليلة أيضاً، ورمي جمار اليوم الثالث كما قلنا.
ودليل ذلك كلِّه فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه مسلم وغيره من حديث جابر الطويل عن كيفية حجِِّه عليه الصلاة والسلام.
إذا أتَمَّ مناسكه كلَّها، وأنهى أعماله، وأراد الخروج من مكة، وجب عليه أن يطوف بالكعبة طواف الوداع على الصحيح.
لما رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه أنه - صلى الله عليه وسلم - لما فرغ من أعمال الحج طاف للوداع. وهذا الطواف يسقط عن المرأة الحائض.
فإذا طاف طواف الوداع فلا يمكثنَّ بعده، بل يبادر بالخروج من مكة، فإن مكث لغير الحاجة أو لحاجة لا تتعلق بالسفر كعيادة مريض وشراء متاع، وجب عليه إعادة الطواف.
فهذه الأمور الخمسة واجبات يأثم الحاج بتركها من غير عذر.
ولكنها لا تدخل في الأجزاء الأساسية لحقيقة الحج. ولذلك فإن تَرْك شيء من هذه الواجبات لا يُبْطِلُ الحج، بل يمكن أن يُجْبَر تركه بدمٍ كما سنوضحه لك فيما بعد إن شاء الله تعالى.
قد علمت الآن أن أركان الشيء، هي الأجزاء الأساسية التي يتكون منها ذلك الشيء.
فأركان الحج إذاً هي تلك الأعمال التي إذا أُهْمِل واحد منها بطل الحج، ولم يعد ينجبر بأي كفارة أو فدية وهي خمسة أشياء.
وقد علمت أن المقصود به نية الدخول في الحج، وقد ذكرنا كيفيته وآدابه وشروطه.
فكما أن النية ركن أساسي من أركان الصلاة، فهي هنا ركن جوهري من أركان الحج.
للحديث الصحيح: "الحجُّ عرفة، من جاء ليلة جَمْعٍ قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج". رواه أبو داود وغيره.
أي الوقوف بعرفة هو لبُّ أعمال الحج وأهمها، حتى لَكَأَنَّ الحج ليس إلا الوقوف بعرفة.
وعرفة اسم لجبل يطل على مِنَى، يقع على بعد 25 كم إلى الجنوب الشرقي من مكة.
وتتلخص شروط الوقوف بعرفة فيما يلي:
1ـ أن يكون الوقوف بها في جزء من أجزاء الفترة التي تبدأ بظهر اليوم التاسع من ذي الحجة إلى فجر يوم النحر.
أي فلو وقف بعرفة قبل ذلك أو بعده لم يُعْتَبَر حجه. ويكفي أن يحضر من الوقت المحدد للوقوف لحظة واحدة من نهار أو ليل، ولكن الأفضل أن يجمع بين جزء من النهار وجزء من الليل، فإن خرج من عرفات قبل غروب الشمس أراق دماً استحباباً لا وجوباً لمخالفته عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
2ـ أن يقف ضمن حدود عرفة، في أي مكان شاء للحديث الصحيح: "ها هنا وَقَفْتُ وعرفة كلها موقِف". رواه مسلم.
فلا يكفي وقوفه بعُرنْة، وهو اسم مكان يسامت حدود عرفة، بينهما صخرات نصبت علامة على حدود عرفة.
ويؤخر صلاة المغرب إلى العشاء جمعاً، يصليهما في المزدلفة في طريق العودة إلى مِنى، لفعله - صلى الله عليه وسلم - وأمره بذلك في الحديث المتفق عليه.
لصريح قوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29]، ولفعله - صلى الله عليه وسلم - ذلك في حديث جابر الذي رواه مسلم.
ولصحة الطواف شروط نلخصها فيما يلي:
1ـ أن يتوفر له ما يشترط لصحة الصلاة من النية، والطهارة من الحدث الأكبر والأصغر، ومن النجاسة على بدنه، أو ثوبه أو المكان الذي يطوف فيه، ويستر العورة.
لما رواه الترمذي والدارقطني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الطواف صلاة إلا أن الله تعالى أحَلَّ فيه الكلام، فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير".
2ـ يُشْتَرَط أن لا يدخل بشيء من جسمه أثناء الطواف إلى حدود الكعبة، فعليه إذاً أن يطوف بالبيت من خارج حدود الحِجْر (وهو عبارة عن مساحة إلى جانب الجدار الشمالي للكعبة محدود بجدار قصير على شكل نصف دائرة) لأن الحِجْر داخل ضمن حدود الكعبة. فلا يجوز الطواف من داخله.
3ـ يُشْتَرَط أن يجعل البيت عن يساره أثناء طوافه بادئاً بالحَجَر الأسود فلو بدأ بما وراء حدود الحَجَر الأسود، لم تحسب طوفته حتى يصل إليه. وذلك للاتِّباع ولفعله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح.
4ـ يُشْتَرَط أن يكمل طوافه سبعة أشواط، أي سبع طوفات. فعندئذ يتم ركن الطواف، ويعتبر ذلك كله طوافاً واحداً.
هذه شروط الطواف، وله من وراء ذلك سنن وآداب سنتحدث عنها فيما بعد إن شاء الله.
والصفا والمروة رابيتان قُرْب البيت، والمراد من السعي بينهما أن يسير من الصفا إلى المروة ثم العكس سبع مرات: من الصفا إلى المروة مرة، والعكس مرة. وهكذا..
ودليلُ هذا الركن أنه - صلى الله عليه وسلم - استقبل القبلة في السعي وقال: "يا أيها الناس اسعُوا".
وحديث جابر الذي رواه مسلم عن كيفية حج النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه: "ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ} [البقرة: 158]. "أبدأ بما بدأ الله به". فرقى الصفا حتى رأى البيت..." الحديث.
وشروط السعي تتلخص فيما يلي:
1ـ أن يكون عقب طوافٍ، سواء كان طواف القدوم، وهو الذي يستحب أن يفعله الحاج أول مقدمه مكة، أو كان طواف إفاضة، وهو طواف الركن. لفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدال على ذلك.
2ـ أن يكون مؤلَّفاً من سبعة أشواط مبدوءة بالصفا مختومة بالمروة، كل سعي بينهما محسوب شوطاً.
3ـ أن يقطع جميع المسافة التي بين الصفا والمروة، فلو ترك شبراً أو أقل منها لم يصحّ شوطه ذاك، ولذلك يجب أن يلصق عقبه بحائط الصفا، ومن ثم ينطلق ساعياً إلى المروة، حتى إذا انتهى إليها ألصق رؤوس أصابع قدميه بحائط المروة.. وهكذا.
4ـ أن يتابع ويوالي بين الأشواط السبعة، فلو فصل بينها بفاصل كبير عُرْفاً، وجب أن يستأنف السعي من جديد.
ويشمل مطلق ما يسمّى قصًّا للشَّعْر.
فيدخل قصّ ثلاث شعرات فأكثر.
ويدخل الحَلْق بمعنى استئصال شعر الرأس.
كما يدخل التقصير مهما كان قدره وأياً كانت وسيلته.
وهو ركنٌ على الصحيح في مذهب الإمام الشافعي. دليل ذلك فعله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الشيخان وغيرهما.
وشرط الحلق ما يلي:
1ـ ألّا يسبق وقته، ووقته بعد منتصف ليلة النحر، فلو حلق قبل ذلك كان آثماً ويستوجب الفدية.
2ـ ألّا يقلَّ عدد الشعرات حلقاً أو تقصيراً عن ثلاث شعرات على الصحيح لقوله تعالى عن المؤمنين: {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27] والرؤوس كناية عن الشَّعر لأن الرأس لا يحلق، قالوا: والشعر جمع وأقله ثلاث شعرات.
3ـ يُشْتَرَط أن يكون الشَّعر المحلوق من حدود الرأس فلا يُغْني عنه حلق شعرات من اللحية والشاربين مثلاً. هذا، وأما المرأة فتقَصِّر ولا تُؤْمَر بالحلق إجماعاً.
ملاحظة: من ليس في رأسه شعر سنَّ إمرار الموسى على رأسه ولا يجب.
لابد من الترتيب بين معظم هذه الأركان، على الوجه التالي:
الإحرام أولاً.
الوقوف بعرفة ثانياً.
الطواف ثالثاً.
السعي رابعاً.
أما الحلق فله أن يؤخره إلى ما بعد الطواف، وله أن يؤخر الطواف عنه.
ولكن هل الترتيب ركن سادس، أم هو شرط لكيفية تنفيذ الأركان؟ جرى خلاف في مذهب الإمام الشافعي في ذلك.
والمهم أن تعلم بأن الترتيب لابد منه على النحو الذي ذكرنا.
أما أعمال العمرة فتتلخص كالتالي:
1ـ الإحرام بها على طريقة الإحرام بالحج. وقد ذكرنا ميقات الإحرام للعمرة.
2ـ يدخل مكة فيطوف طواف العمرة مباشرةً، أي بدون طواف قدوم.
3ـ يسعى بين الصفا والمروة.
4ـ يحلق أو يقصِّر من شعر رأسه.
وبذلك يتحلل المعتمر من أعمال العمرة والتزاماتها.