المحتويات:
أسباب الإخلال بالحج
الدماء الواجبة في الحجِّ وما يقوم مقامها
اعلم أنّ الإخلال بالحجِّ يكون بسببٍ من الأسباب التالية:
ترك مأمورٍ به أَذِنَ الشارع للحاج بتركه بشرط الفِدْيَة.
ترك واجب من الواجبات الخمسة التي سبَقَ ذكرها.
ترك رُكْنٍ من أركان الحج وهو إمَّا أن يكون الوقوف بعرفة أو غيره من بقيّة الأركان ولكلٍّ منها حُكم.
ارتكاب شيء من مُحرَّمات الإحرام التي مضَى ذكرها.
-
فالإخلال بالحجّ إنّما يكون بسبب من الأسباب الأربعة، وهي أسباب متفاوتة فيما تترك من أثر، فالبعض منها يُجبر بفدية، والبعض لا يُجبر بشيء. ولنبدأ بتفصيل القول في كلٍّ منها.
-
أن يترك مأمورًا به ولكن أَذِنَ الشارع للحاجِّ بتركه بشرط الفِدْيَة. وهذا السبب محصورٌ في أن يحجَّ متمتعًا أو قارنًا.
فإنَّ المأمور به في الأصل إنَّما هو الإفراد في مذهب الشافعي. ولكن لا مانع من أن يحرم متمتعًا أو قارنًا، بشرط:
أن يذبح لقاء ذلك هَدْياً وهو شاة ممّا تُجزىء به الأضحية.
فإن لم يجد الشاة أو ثمنها صام ثلاثة أيّام في الحجِّ وسبعة إذا رجع لقوله تعالى: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196].
فإن لم يَصُمْ في الحج ثلاثة أيام صامها إذا رجع إلى أهله وفرّق بينها وبين السبعة بقدر أربعة أيام ومدة إمكان السير إلى أهله.
أن يترك شيئاً من الواجبات التي سبق ذكرها، بأن لا يُحْرِم من الميقات، أو يترك الرّمي، أو المبيت بمزدلفة، أو بمِنَى، أو يترك طواف الوداع.
فمن ترك واحداً من هذه الواجبات التي سبق ذكرها، فقد أخلَّ بالحجّ، وعليه ليَجْبُر هذا الإخلال:
أن يذبح شاة إن تيسَّر له ذلك.
فإن لم يتيسَّر وجب عليه في الأصح أن يصومَ ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلَى أهله.
تَرْك ركن من أركان الحج، وهو إمّا أن يكون تركاً للوقوف بعرفة أو تركاً لواحدٍ من بقية الأركان الأُخرَى.
فالأول: وهو ترك الوقوف بعرفة يترتب عليه وجوب ما يلي:
أ- ذبح دمٍ كدم التمتُّع، أو الصيام إن لم يتيسَّر الدم.
ب- التحلُّل بعُمْرة، بأن يعمل أعمال العمرة ثم يتحلَّل، ومع ذلك فهي لا تُحسب له عمرة مُسْقِطَة للواجب.
ج- قضاء هذا الحِجِّ، سواء كان قد أحرم به عن حجة الفرض أو أحرم به متطوِّعاً، وذلك علَى الفور أي السنة المقبلة، ولا يجوز التأخير عنها إلا لعذر.
ولا فرق في هذا بين أن يترك الوقوف بعرفة بعذر كنومٍ ونسيانٍ ونحو ذلك. أو بغير عذر.
والثاني: وهو ترْك واحدٍ من الأركان، كأن يترك طواف الإفاضة، أوالسعي، أو الحلق فهذه لا مدخل للجُبْران فيها، ولا يرتفع الإخلال إلا بِفعل المتروك نفسه، أي فيبقى الحجُّ معلَّقاً حتى يتدارك، مهما تطاول الزمن ومضى الوقت.
أن يرتكب شيئاً من محرَّمات الإِحرام التي مضى بيانها: كأن يحلق شعراً، أو يقلّم ظفراً، أو يلبس مخيطاً.. إلى آخرة، فمن ارتكب شيئاً من المحرَّمات، وجب عليه جبر الإخلال الذي نتج عن ذلك على الوجه التالي:
أولاً: إن كان المُحَرَّم الذي ارتكبه: حَلْقاً لشعر، أو قَلْماً لأظفار، أو لبساً لمخيط، أو تطيُّباً، أو ستراً للرأس، أو مباشرةً فيما دون الجِماع، وجب عليه واحد من الأمور التالية:
أ- ذبح شاة ممّا تجزئ به الأضحية.
ب- إطعام ستة مساكين كلّ مسكين ما يساوي نصف صاع.
ج- صيام ثلاثة أيّام.
فهو مخير فعل واحدٍ من هذه الأمور الثلاثة، بشرط ألَّا يقلَّ المحلوق عن ثلاث شعرات، أو ثلاثة أظافر.
فإن كان دون ذلك، ففي الشعرة الواحدة أو الظفر الواحد مُدّ طعام وفي الشعرتين أو الظفرين مُدّان.
ثانياً: إن كان المُحرَّم الذي ارتكبه الحاج جِماعاً:
وجب أن يذبح بَدَنَة.
فإن لم يجد قُوِّمَت البَدَنَة دراهم (وتعتبر القيمة بسعر مكة) وقوِّمت الدراهم طعاماً يتصدّق به.
فإن لم يجد قيمة البَدَنَة أيضاً، قُدِّرَ الطعام أمداداً (والمُدُّ ملء حفنة) و صام عن كل مدٍّ يوماً.
ثالثاً: أما إن كان المُحَرَّم اصطياداً، فينظر:
1ـ إن كان الحيوان الذي اصْطيدَ، له مِثْلٌ في الأنعام، وجب ذبح مثله من الأنعام. ففي صيد النعامة بَدَنَة، وفي بقر الوحش وحماره بقرة، وفي الغزال عنز.. إلخ.
2ـ إن كان الحيوان لا نقْل فيه عن الصحابة وجُهل المماثل له من الأنعام، وجب الرجوع في ذلك إلى قرار عَدْلَين من ذوي الخبرة، لقوله تعالى: {لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ} [المائدة: 95].
3ـ أمّا إذا كان الحيوان ممَّا لا مثيل له، فيجب إخراج القيمة عندئذٍ والتصدُّق بها على الفقراء ويرجع في تحديد القيمة إلى قرار عَدْلَين من ذوي الخبرة.
4ـ يُستثنى من ذلك كلِّه الحمام ونحوه ممّا يُهدر، ففي الواحد شاة من ضأنٍ أو معز نُقل ذلك عن الصحابة رضوان الله عليهم، والصحيح أنَّ مستندهم في ذلك هو التوقيف عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
ذلك هو أصل الفِدْية في الصيد.
ثمَّ إن كان الحيوان مثليًّا:
تخيّرَ الصائد في جزاء الإتلاف بين أن يذبح مثله من النَّعم، كما ذكرنا ويتصدَّق به على فقراء الحَرَم خاصّة.
وبين أن يقوِّم ذلك المِثْل بالدراهم ويتصدَّق بما يساويها طعاماً عليهم وبين أن يصوم عن كل مدٍّ يوماً.
دليل ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً} [المائدة: 95].
أما غير المثليّ:
فيتصدّق بالقيمة التي يقررها العَدْلان الخبيران.
أو يصوم عن كل مُدٍّ من ذلك يوماً.
يتبين لك ممّا ذكرنا: أنَّ فدية ترك الواجب فدية مرتبة:
الذبح أولاً.
فإن عجز فالتصدُّق.
فإن عجز فالصيام.
وأنَّ فدية ارتكاب محرَّم فدية مُخيّرة:
إن شاء ذبح.
أو أطعم.
أو صام.
وذلك طبقاً للتفصيل الذي ذكرناه والله أعلم.
هذا ولابد من بيان أنَّ الأُضحية سُنَّةٌ للحاج كغيره. وأنَّ وقتها من بعد الرمي إلى آخر أيام التشريق.
الدماء الواجبة في الحجّ على هذا خمسة أقسام:
الدم المُرتَّب المُقدَّر: وهذا يجب عند ترك واجب من واجبات الحج التي مرّ ذكرها.
فإذا ترك واجباً ممّا ذُكِر:
وجب عليه أولاً ذبح شاة مُجْزِئَة في الأضحية، أو سُبُع بقرة أو سُبُع بَدَنة.
فإن لم يجد شيئاً من ذلك وجب عليه أن يصوم بَدَلَها عشرة أيام، ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.
ويدخل في هذا القسم دم التمتُّع ودم الفوات للوقوف، بعد التحلُّل لعمرة.
مُخيّر مُقدّر: وهذا يجب عند فعل محظور كحلق شعر وقَلْم ظفر وما شابه ذلك، فيجب على من فعل ذلك ذبح شاة أو صيام ثلاثة أيام أو ثلاثة آصُع من طعام برّ أو شعير، يدفعها إلى ستة من مساكين الحرم، لكل مسكين نصف صاع.
ويكفي في وجوب هذه الفدْية إزالة ثلاث شعرات، أو قلم ثلاثة أظفار.
مخيَّر معدَّل: وهذا ما يجب عند قطع نبت أو بقتل صيد.
فمن فعل ذلك وجب في حقِّه إن كان للصيد مِثْل أو شبه صُوريّ:
أن يذبح المِثْل في الحرم.
أو يشتري لأهل الحرم حبَّاً بقدر قيمته يوزِّعه عليهم.
أو يصوم عن كل مُدّ يوماً.
وإن لم يكن لذلك مثل فهو مخيَّر بين:
الإطعام.
والصيام.
إلَّا الحمام فيجب في الحمامة شاة.
مرتَّب معدَّل: وهو الدّم الواجب بالإحصار، فمن مُنِع من الحجّ بعد إحرامه وجب عليه أوّلاً أن يذبح شاة حيث أُحصِر، فإن لم يستطع فليُطعم بقدر ثمن الدمّ يوزّعه على الفقراء، فإن عجز عن الإطعام صام عن كل مُدّ يوماً.
مرتَّب معدَّل أيضاً: وهذا يجب على المُجامع خاصة، فمن جامع قبل الإِحلال الأول:
وجب أن يذبح بعيراً.
فإن عجز وجب عليه أن يذبح بقرة.
فإن عجز وجب عليه أن يذبح سبع شِياه.
فإن عجز عن ذلك أطعم بقيمة البعير أهل الحرم.
فإن عجز عن الإطعام، صام عن كل مُدٍّ يوماً.
هذا ولا يُجزئ الذبح والإطعام إلّا في الحرم، وأمّا الصيام فيصوم حيث شاء.
-
والمراد بالترتيب في هذه الدماء أنَّه لا يجوز أن ينتقل إلى الثاني إلّا عند عجزه عن الأوّل.
وهو ضدُّ التخيير فهو مفوَّضٌ إليه أن يفعل ما يختاره.
ومعنى التقدير أنَّ الشرع قد قدَّر البَدَل المعدول إليه سواء أكان ترتيباً أم تخييراً.
ويقابله التَّعديل ومعناه أنَّه أُمِرَ فيه بالتَّقويم والعدول إلى الغير بحسب القيمة.
-
ولقد جمع الشّيخ العمريطي شرف الدين يحيي في منظومته "نظم الغاية والتَّقريب" الكلام عن تلك الدّماء فقال:
و ســائرُ الدمـــاءِ في الإحـْــرامِ محــصورةٌ في خمــسةٍ أقـْــسامِ
فــــالأول المــــــرتَّبُ المقـــــدَّرُ بـــترك أمــرٍ واجــبٍ ويُجْــــبَرُ
بــــــذبـح شـــــاةٍ أوّلاً وصــــاما للعجــــزِ عـــنْه عـــشرة أيَّامــا
ثلاثـــةٌ في الحــــجِّ في محلِّـــــه وســـــبعةٌ إذا أتـــــى لأهلِــــــه
ثــــاني الدِّمـــا مُـخـــيَّرٌ مُـقـــدَّرُ بِـــنحو حلــقٍ من أمـورٍ تُحْظَـرُ
فـالـــــشاةُ أو ثلاثـــــةٌ أيـَّـــــــامِ يـــصومها أو آصَـــــعٌ طعــــامِ
لــستّةٍ هـم مِـنْ مـساكينِ الحَـرمْ لكلِّ شخصٍ نصفُ صاعٍ مِنه تَـم
ثالِــــــثُها مُخــــــيَّرٌ مُعــــــــدَّلُ بِقَطْـــعِ نَـــبْتٍ أو بِــصَيدٍ يُقـــتلُ
فـإن يكـن للصَّيدِ مِـثلٌ في النَّــعمْ فلــيَذبح المـثل ابـتداءً في الحـرمْ
أو يـشتري لأهْــل ذلـك الحـرمْ حَـــبَّاً بقـــدْرِ مـا لـه مِـن القِــــيمْ
أو يَعْــدلُ الأَمــدادَ مِـنه صـوما يــصومه عــن كــل مُــدٍ يـــوما
وخيَّروا في الصومِ والإطعامِ في إِتـلافِ صــيدٍُ حـيثُ مـثله نُفِــي
رابعهـــــا مُـــــرتَّبٌ مُعــــــدَّلُ فــواجبٌ بالحَـصْرِ حـيثُ يحصُلُ
دمٌ فـــإن لم يـــستطعْ فلـــيُطْعمِ قُــوتاً يـَــرى بقــدرِ قــيمَةُ الـــدمِ
وصـامَ عـند العـجزِ عن إطعامِ مــا يَعْــدِلُ الأَمْـــدادَ مِـــن أيـَّــامِ
خامــسها يَخـــتصُّ بالمُجامِـــعِ مُــــرتَّبٌ مُعــــــدَّلٌ كالـــــرَّابــعِ
لكـنْ هُــنا البعــيرُ قــبل معتـبرْ وبَعــده للعجـــزِ رأسٌ مــن بَقَــرْ
وعـندَ عجـزٍ عنه سَـبْعٌ مِن غَنمْ ثـمّ الطَّعـامُ يَــشتَرى عــند العَـدَمْ
بقـــيمةِ البعــيرِ حيـــثُما وُجِـــدْ وعَدْلُـــه مـن الـــصِّيامِ إنْ فُقِــــدْ
ولَمْ يجبْ كون الصيامِ في الحرمْ والهَــدْيُ والإطعــامُ فــيه ملتَـزَمْ