المحتويات:
تعريف الأذان
حكم الأذان
دليل تشريعه
بدء تشريعه
شروط صحة الأذان
سنن الأذان
الإقامة
شروط الإقامة
سنن الإقامة
النداء للصلوات غير المفروضة
أما الأذان فذِكرٌ مخصوص، شرعه الإسلام للإعلام بدخول وقت الصلاة المفروضة، ولدعوة المسلمين إلى الاجتماع إليها.
والأذان سُنة للصلاة الحاضرة والفائتة، سُنة مؤكدة على الكفاية في حق الجماعة، أما بالنسبة للمنفرد فهو سُنة عينية.
وللأذان أهمية كبرى في إظهار شعيرة من شعائر الإسلام.
ودليل تشريع الأذان القرآن والسُنَّة.
فأما القرآن: فقوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 99].
وأما السُنَّة: فقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا حَضَرَت الصلاة فليؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُم وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ". (رواه البخاري: 602، ومسلم: 674).
كان تشريع الأذان في السنة الأولى للهجرة.
روى البخاري (579)، ومسلم (377)، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان المسلمون حين قَدِموا المدينة يجتمعون فَيَتَحَيَّنُونَ الصلاة، ليس ينادَى لها، فتكلموا يوماً في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: بل بُوقاً مثل قرن اليهود، فقال عمر - رضي الله عنه -: أَوَلاً تَبْعَثونَ رَجُلاً يُنادي بالصلاة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا بلال قُمْ فَنَادِ بالصلاة".
[فَيَتَحَيَّنُونَ: من الحين وهو الوقت والزمن، أي يُقَدِّرون حينها ليأتوا إليها. قرن: هو البوق الذي له عنق يشبه القرن].
وصيغة الأذان:
الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله.
ونضيف في أذان الفجر: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، بعد قوله: على الفلاح الثانية.
وقد ثبتت هذه الصيغة بالأحاديث الصحيحة، عند البخاري ومسلم وغيرهما.
ويشترط لصحة الأذان الأمور التالية:
1 - الإسلام: فلا يصح الأذان من كافر لعدم أهليته للعبادة.
2 - التمييز: فلا يصح من صبيِِّ غير مميّز لعدم أهليته للعبادة أيضاً، وعدم ضبطه للوقت.
3 - الذكورة: فلا يصح أذان المرأة للرجال، كما لا تصح إمامتها لهم.
4 - وترتيب كلمات الأذان للإتباع في ذلك، ولأن ترك الترتيب يُوهم اللَعِب ويُخلّ بالإعلام.
5 - والولاء بين كلماته، بحيث لا يقوم فاصل كبير بين الكلمة والأخرى.
6 - ورفع الصوت إذا كان يؤذن لجماعة، أما إذا كان يؤذن لمنفرد فيُسن رفع الصوت في غير مسجد وقعت فيه جماعة، أما إذا أذن لمنفرد في مسجد وقعت فيه جماعة فيسن خفض الصوت لئلا يتوهم السامعون دخول وقت الصلاة الأخرى.
روى البخاري (584) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: "إني أراكَ تُحبُّ الغَنَمَ والبَادِيَة، فإذا كنت في غَنَمِكَ أو بَادِيَتِكَ فأَذَّنْتَ للصلاة، فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يَسْمَعُ مدى صوت المُؤذِّن جِنٌ ولا إنسٌ ولا شيءٌ إلا شَهِدَ له يوم القيامة".
أما جماعة النساء:
فلا يُندب لهن الأذان: لأن في رفع صوتهن يُخشى الفتنة، ويُندب لهن الإقامة، لأنها لاستنهاض الحاضرين وليس فيها رفع صوت كالأذان.
7 - دخول الوقت، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا حَضَرَت الصلاة فليؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُم". (رواه البخاري: 602، ومسلم: 674).
ولا تحضر الصلاة إلا بدخول وقتها. ولأن الأذان للإعلام بدخول الوقت، فلا يصح قبله بالإجماع، إلا في الصٌّبح، فإنه يجوز من نصف الليل لما سيأتي في سنن الأذان.
ويُسنّ للأذان الأمور التالية:
1 - أن يتوجه المؤذن إلى القبلة، لأنها أشرف الجهات وهو المنقول سَلَفاً وخَلَفاً.
2 - وأن يكون طاهراً من الحَدَث الأصغر والأكبر، فيُكره الأذان للمُحْدِث، وأذان الجُنُب أشد كراهة.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُرِهْتُ أن أَذْكُرَ الله عز وجل إلا على طُهر" أو قال: "على طهارة". (رواه أبو داود: 17، وغيره).
3 - وأن يؤذن قائماً، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "يا بلال قُمْ فَنَادِ للصلاة".
4 - أن يلتفت بعنقه - لا بصدره - يميناً في "حيَّ على الصَّلاة"، ويساراً في "حيَّ على الفَلاح".
روى البخاري (608) أن أبا جُحَيْفَة - رضي الله عنه - قال: رأيتُ بلالاً يُؤَذِّنُ، فَجَعَلْتُ أتتبع فاهُ هنا وهنا بالأذان يميناً وشِمالاً: حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح.
5 - أن يرتَّل كلمات الأذان، وهو التأني فيه، لأن الأذان إعلامٌ للغائبين، فكان الترتيل فيه أبلغ في الإعلام.
6 - الترجيع بالأذان، وهو أن يأتي المؤذن بالشهادتين سراً قبل أن يأتي بهما جَهْراً.
لثبوت ذلك في حديث أبي محذورة - رضي الله عنه - الذي رواه مسلم (379) وفيه: "ثم يعُودُ فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله".
7 - التثويب في أذان الصبح، وهو أن يقول بعد حيَّ على الفلاح: الصلاة خيرٌ من النوم مرتين، لورود ذلك في سنن أبي داود (500).
8 - أن يكون المؤذن صَيِّتاً حَسَن الصوت، ليرقَّ قلب السامع، ويميل إلى الإجابة.
لقوله - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن زيد - رضي الله عنه -، الذي رأى الأذان في النوم: " فَقُمْ مع بلال، فَأَلْقِ عليه ما رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنْ به، فإنَّه أَنْدَى صوتاً منك". (رواه أبو داود: 499، وغيره).
[قال في المصباح: أندى صوتاً منه كناية عن قوته وحسنه].
9 - أن يكون المؤذن معروفاً بين الناس بالخُلُق والعدالة، لأن ذلك أدعى لقبول خبره عن الأوقات، ولأن خبر الفاسق لا يُقبل.
10 - عدم التمطيط بالأذان، أي تمديده والتغني به، بل يُكره ذلك.
11 - ويُسن مؤذنان في المسجد لأذان الفجر، يؤذن واحد قبل الفجر، والآخر بعده
ودليل ذلك حديث البخاري (592) ومسلم (1092): "إن بلالاً يُؤَذِّنُ بليلِِ، فَكُلُوا واشرَبوا حتى تَسْمَعُوا أَذَان ابن أُمِّ مَكْتُوم".
12 - ويُسن لسامع الأذان الإنصات، وأن يقول كما يقول المؤذن
ودليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا سَمِعْتُمُ النِّداء فقولوا مِثْلَ ما يقولُ المؤَذِّن". (رواه البخاري: 586، ومسلم: 383).
لكن يقول في الحيعلتين: لا حول ولا قوة إلا بالله.
ودليل ذلك حديث البخاري (588) ومسلم (385) واللفظ له: "وإذا قال حيَّ على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا قال حيَّ على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله". وجاء في آخر الحديث أن: "من قال ذلك من قَلْبِهِ دَخَلَ الجنة".
ويُسن أن يقول في التثويب: صدقت وبررتَ. أي صدقت بالدعوة إلى الطاعة، وأنها خير من النوم، وصرت بارّاً.
13 - الدعاء والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الأذان:
ويُسن للمؤذن وللسامع، إذا انتهى المؤذن من أذانه أن يصليا على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويدعوا له بما ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - وحَضَّنا عليه:
روى مسلم (384) وغيره، عن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنه -: أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صَلُّوا عَلَيَّ، فإنه من صَلَىَّ عَلَيَّ صلاةً صَلَّى الله بها عليه عشراً. ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلةٌ في الجنة، لا تنبغي إلا لعبدٍ من عباد الله، وأرجو أن أكونَ هوَ، فمن سأَلَ اللهَ ليَ الوَسيلَة حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفَاعَة". أي استحقها ووجبت له.
وروى البخاري (579) وغيره عن جابر رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال حين يسمع النِّداء: اللهم ربَّ هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آتِ محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته حَلَّت له شفاعتي يوم القيامة".
[الدعوة التامة: دعوة التوحيد التي لا ينالها تغيير ولا تبديل. الفضيلة: المرتبة الزائدة على سائر الخلائق. مقاماً محموداً: يُحمد القائم فيه. الذي وعدته: بقوله سبحانه: {عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} [الإسراء: 79] ].
ويقول المؤذن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - والدعاء بصوت أخفض من الأذان ومنفصل عنه، حتى لا يتوهَّم أنها من ألفاظ الأذان.
وأما الإقامة: فهي نفس الأذان مع ملاحظة الفوارق التالية:
1 - الأذان مَثنى، والإقامة فُرادَى.
ودليل ذلك حديث أنس - رضي الله عنه - عند البخاري (580)، ومسلم (378): أُمِرَ بلالٌ أن يَشْفَع الأذان، ويُوتر الإقامة، إلا الإقامة - أي لفظ قد قامت الصلاة - فإنها تكرر مرتين.
وصيغة الإقامة كاملة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حيَّ على الصلاة، حيّ على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله.
وقد ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة عند البخاري ومسلم وغيرهما.
2 - الترسل والتمهُّل في الأذان، والإسراع في الإقامة.
لأن الأذان للغائبين، فكان الترتيل فيه أبلغ، والإقامة للحاضرين، فكان الإسراع فيها أنسب.
3 - من كان عليه فوائت وأراد أن يقضيها أذَّن للأولى فقط، وأقام لكل صلاة.
ودليل ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "جَمَعَ بين المغرب والعشاء بمُزْدَلِفَة بأذانِِ واحدِِ وإقَامَتَيْنِ". (رواه مسلم: 1218).
هي نفس شروط الأذان.
وسُنن الإقامة هي أيضاً سُنن الأذان، ويزاد استحباب أن يكون المؤذَّن هو المقيم.
ويُسنُّ للسامع أن يقول: أقامَها الله وأدامَها. (رواه أبو داود: 528).
الأذان والإقامة سُنَّة مؤكدة للصلوات المفروضة، أما غيرها مما تُسنُّ فيه الجماعة كالعيدين والكسوفين والجنازة، فلا يُسن فيها الأذان والإقامة، وإنما يقول فيها: الصلاة جامعة.
روى البخاري (1003)، ومسلم (910)، عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: لما انْكَسَفَتِ الشمسُ على عَهْدِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نُودِيَ: "الصلاة جامعة".
وقِيسَ على صلاة الكسوف ما في معناها من الصلوات المسنونة التي تُشرع فيها الجماعة.