المحتويات:
معنى العيد
زمن مشروعيتها والدليل عليها
الأصل في مشروعيتها
حكم صلاة العيد
وقت صلاة العيد
كيفيتها
الخطبة في العيد
أين تقام صلاة العيد؟
التكبير في العيد
من آداب العيد
-- زكاة الفطر --
تعريفها
مشروعيتها
شروط وجوبها
الذين يجب على المكلف إخراج زكاة الفطر عنهم
زكاة الفطر جنساً وقدراً
وقت إخراج زكاة الفطر
-- الأضحية --
معناها والأصل في مشروعيتها
الحكمة من مشروعيتها
حكم الأضحية
من هو المخاطَب بالأضحية
ما يُشرع التضحية به
شروطها
وقت الأَضحية
ماذا يُصنَع بالأضحية بعد ذبحها
سنن وآداب تتعلق بالأضحية
العيد مشتقٌ من العَوْد، وذلك إما لتكرره كل عام، أو لعَوْد السرور بعَوْدِه، أو لكثرة عوائد الله فيه على العباد.
شُرِعَت صلاة عيد الفطر وعيد الأضحى في السنة الثانية للهجرة، وأول عيدٍ صلَّاه النبي - صلى الله عليه وسلم - عيد الفطر من السنة الثانية للهجرة.
فقوله عز وجل خطاباً لنبيه عليه الصلاة والسلام: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2]. قالوا: المقصود بالصلاة صلاة عيد الأضحى.
وروى البخاري (913)، ومسلم (889)، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلَّى، فأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم يَنْصَرِفُ، فَيَكُون مُقَابلَ الناسِ، والناسُ جُلُوسٌ على صُفوفِهِمْ، فَيَعِظُهُمْ ويَأْمُرُهُم، فَإِنْ كانَ يُريدُ أنْ يَقْطَعَ بَعْثاً قطعه، أو يأمر بشَيْءِِ أَمَر بهِ، ثم يَنْصَرِفُ.
[يَقْطَعَ بَعْثاً: يفرد جماعة من الناس ليبعثهم إلى الجهاد].
هي سنَّة مؤكدة، لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يتركها منذ شُرِعَت حتى توفَّاه الله عز وجل، وواظب عليها أصحابه رضوان الله تعالى عليهم من بعده.
وتُشرَع جماعة، يدل على ذلك حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - السابق، وتَصحُّ فُرادَى.
ويُخاطَب بها كل مُكلَّف رجلاً كان أو امرأة، مقيماً كان أو مسافراً، حراً كان أو رقيقاً، إلا المرأة المتزينة، أو التي قد تثير الفتنة، فتصلي في بيتها.
ودلّ على عدم الوجوب قوله - صلى الله عليه وسلم - للسائل عن الصلاة المفروضة: "خَمْسُ صَلَوَاتِِ في اليَوْمِ واللَّيْلَةِ"، قال: هل عَلَيَّ غَيْرها؟ قال: "لا، إلا أنْ تَطَوَّعَ".(رواه البخاري: 46، ومسلم: 11).
وعند أبي داود (1420): "خَمْسُ صَلَوَاتِِ كَتَبَهُنَّ اللهُ على العِبَادِ، فَمَنْ جاءَ بِهِنَّ، لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئاً استِخْفَافاً بِحقِّهِنَّ، كانَ لهُ عِنْدَ اللهِ عَهْدٌ أنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، ومن لم يَأْتِ بِهِنَّ فليس لهُ عِنْدَ اللهِ عَهْد، إن شاء عَذَّبَه، وإن شاء أَدْخَلَهُ الجنة".
وروى البخاري (928)، ومسلم (890)، عن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها: كُنَّا نُؤْمَرُ أنْ نَخْرُجَ يَوْمَ العِيدِ، حتى نُخْرِجَ البِكْرَ مِنْ خِدْرِها، حتى نُخْرِجَ الحُيَّضَ فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ فَيُكَبِّرْن بِتَكْبيرِهِمْ وَيَدْعُونَ بِدُعَائِهِمْ، يَرْجُونَ بَرَكَة ذَلِكَ اليَوْمِ وطُهْرَتَهُ. وفي رواية قالت امرأةٌ: يا رسولَ اللهِ، إحْدَانَا لَيْسَ لَها جِلْبَابٌ؟ قال: "لِتُلْبِسْهَا صاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا".
[البِكْر: التي لم يسبق لها الزواج. خِدْرِها: ناحية في البيت يترك عليها ستر، كانت تجلس في البكر استحياءً. الحُيَّض: جمع حائض. خلف الناس: أي غير مكان الصلاة، وفي رواية: ويعتزل الحُيَّض عن مصلَّاهُنَّ. طُهْرَتَهُ: ما فيه من تكفير الذنوب. جِلْبَاب: ملحفة تستر البدن أعلاه أو أسفله. لِتُلْبِسْهَا: بأن تعيرها جلباباً من جلابيبها].
ولا يسنُّ لها أذانٌ ولا إقامة بل يُنادَى لها: "الصلاة جامعة".
روى البخاري (916)، ومسلم (886)، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه أرسل إلى ابن الزبير في أول ما بُويِع له: إنه لم يكن يُؤَذَّن بالصلاة يوم الفطر، وإنما الخطبة بعد الصلاة.
وعند البخاري (917)، ومسلم (886)، عن ابن عباس وجابر بن عبدالله رضي الله عنهم قالا: لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ يَوْمَ الفِطْرِ ولا يَوْمَ الأضحَى.
يبتدئ وقتها بطلوع الشمس، ويستمر إلى زوالها.
يدل على هذا ما رواه البخاري (908)، عن البراء - رضي الله عنه - قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب فقال: "إنَّ أوَّلَ ما نَبْدَأُ مِنْ يَوْمِنَا هذا أَنْ نُصَلِّي...".
واليوم يبدأ بطلوع الفجر، والوقت مشغولٌ بصلاة الفجر قبل طلوع الشمس، وبصلاة الظهر بعد زوالها.
ووقتها المفضل عند ارتفاع الشمس قدر رمح، لمواظَبِة النبي - صلى الله عليه وسلم - على صلاتها في ذلك الوقت.
صلاة العيد ركعتان، يبدؤهما بتكبيرة الإحرام، ثم يقرأ دعاء الافتتاح، ثم يكبِّر سبع تكبيراتِِ يرفع عند كل منها يده إلى محاذاة كتفيه كتكبيرة الإحرام، يفصل بين كل اثنتين بقدر آية معتدلة، ويُسنُّ أن يقول بينهما: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. ثم يتعوذ ويقرأ الفاتحة ثم يضمُّ إليها سورة أو بضع آيات.
فإذا قام إلى الركعة الثانية كبَّر خمس تكبيرات، عدا تكبيرة الانتقال قبل أن يبدأ القراءة، وفَصَل بين كل تكبيرة وأخرى بما ذكرنا.
وهذه التكبيرات الزائدة على المعتاد سنة، فلو نَسِيَها وشرع في القراءة فاتت وصحت صلاته.
والأصل فيما سبق: ما رواه النسائي (3/ 111) وغيره، من حديث عمر - رضي الله عنه - قال: صَلاةُ الفِطْرِ رَكْعَتَانِ وَصَلاة الأضْحَى رَكْعَتان.. ثم قال: على لسان محمد - صلى الله عليه وسلم -. وعلى هذا الإجماع.
وروى عمرو بن عوف المزني - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كَبَّرَ في العِيدَيْنِ، في الأولى سَبْعاً قَبْلَ القِرَاءَةِ، وفي الآخِرَةِ خَمْساً قَبْلَ القِرَاءَةِ. (رواه الترمذي: 536). وقال: هو أحسن شيء في هذا الباب عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ويسن بعد الفراغ من صلاة العيد خطبتان، نوجز لك كيفيتهما فيما يلي:
1ـ ينبغي أن تليا صلاة العيد، أي بعكس خطبة الجمعة، وذلك تأسِّياً بالنبي عليه الصلاة والسلام.
روى البخاري (920)، ومسلم (888)، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما يُصلُّونَ العِيدَيْنِ قَبْلَ الخطْبَةِ.
وروى البخاري (932)، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرجت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ فِطْرِِ وأَضْحَى، فَصَلَّى ثم خَطَبَ.
فلو قَدَّم الخطبة على الصلاة لم يعتدَّ بها.
2 - كل ما ذكرناه من أركان خطبتي الجمعة وسننهما، ينطبق على خطبة العيد أيضاً.
روى الشافعي رحمه الله تعالى، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود - رضي الله عنه - قال: السُنَّة أن يخطب الإمام في العيدين خطبتين،، يفصل بينهما بجلوس.
3 - يسنّ أن يبدأ الخطبة الأولى بتسع تكبيرات، والخطبة الثانية بسبع تكبيرات.
روى البيهقي عن عبيدالله المذكور سابقاً قال: السُنَّة أن تفتتح الخطبة بتسع تكبيرات تَتْرى، والثانية بسبع تكبيراتِِ تَتْرى. أي متتالية.
تقام صلاة العيد بالمسجد أو الصحراء، وأفضلهما أكثرهما استيعاباً للمصلين، فإن تساويا كان المسجد أفضل لشرفه على غيره، إذ ينال المسلم بالصلاة فيه أجر العبادة وأجر المُكْثِ في المسجد.
وإنما صلاها النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصحراء لضيق مسجده إذ ذاك عن الاستيعاب، وقد علمت أنها تشرع جماعةً للرجال والنساء وعامة المكلفين.
فإذا كان المسجد متسعاً بحيث يستوعب جميع المصلين، برفق وراحة، لم يبق لأفضلية الصحراء معنى.
يسنُّ التكبير- لغير الحاج - بغروب الشمس ليلتي عيد الفطر والأضحى، في المنازل والطرق والمساجد والأسواق، بصوتِِ مرتفع، إلى أن يُحرم الإمام لصلاة العيد. وذلك لقوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185]. قالوا: هذا في تكبير عيد الفطر، وقيسَ به الأضحى.
ثم يسنُّ في عيد الأَضحى لكلِِ من الحاج وغيره أن يكبِّر عقب الصلوات بأنواعها المختلفة بدءاً من صبح يوم عرفة إلى ما بعد عصر آخر يوم من أيام التشريق، وهي الأيام الثلاثة التي تلي يوم عيد الأضحى.
أما في عيد الفطر فلا يسنُّ التكبير عقب الصلوات، بل ينقطع استحبابه عندما يُحرم الإمام لصلاة العيد كما قلنا.
ودليل ذلك كله الاتباع لفعل الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وما واظب عليه أصحابه رضي الله عنهم.
فعن علي وعمار رضي الله عنهما: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُكَبِّرُ يَوْمَ عرَفَةَ، صلاةَ الغَدَاةِ، ويقْطَعُها صَلاةَ العَصْرِ آخِرَ أيامِ التشريق (رواه الحاكم: 1/ 299)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولا أعلم في رواته منسوباً إلى الجرح.
[صلاة الغَدَاة: صلاة الفجر].
وكان ابن عمر - رضي الله عنهما - يُكَبِّرُ في قُبَّتِهِ بِمِنى، فَيَسْمَعُهُ أَهْلُ المسجِدِ فيُكَبِّرونَ، ويُكَبِّرُ أهل الأسواق حتى تَرْتَجَّ مِنى تَكْبيراً.
وكان ابن عمر - رضي الله عنهما - يُكَبِّر بِمِنى تلك الأيام، وخلف الصلوات، وعلى فراشه في فسْطاطِهِ ومجلسه وممشاه، تلك الأيام جميعاً. (البخاري: كتاب العيدين، باب التكبير أيام منى).
[فسطاطه: الفسطاط البيت المتخذ من شعر ونحوه].
صيغة التكبير المفضلة:
" الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد ".
1 - أن يغتسل ويتطيَّب ويلبس الجديد من ثيابه، لما مرَّ في الجُمعة.
2 - يُسَنُّ أن يُبَكِّر الناس بالحضور إلى المسجد صباح العيد.
3 - يُسَنُّ في عيد الفطر أن يأكل شيئاً قبل خروجه إلى الصلاة، أما في عيد الأضحى فيُسنُّ له أن يمسك عن الطعام حتى يعود من الصلاة.
4 - يُسَنُّ للمصلِّي أن يذهب ماشياً إلى المصلَّى أو المسجد من طريق، وأن يعود من طريق أخرى.
روى البخاري (943)، عن جابر - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كانَ يومُ عيد خالف الطريق.
5 - يُكْرَه للإمام أن يتنفل قبل صلاة العيد، ولا يُكرَه لغيره ذلك بعد طلوع الشمس.
روى البخاري (945)، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرجَ يومَ الفِطْرِ فَصَلَّى ركعتين لم يصلِّ قَبْلَهُما ولا بَعْدَهُما.
هي قدر معين من المال، يجب إخراجه عند غروب شمس آخر يوم من أيام رمضان، بشروط معينة، عن كل مكلف ومن تلزمه نفقته.
المشهور في السنَّة أنها فُرضت في السنة الثانية من الهجرة، في العام الذي فُرضَ فيه صوم رمضان.
والأصل في وجوبها:
ما رواه البخاري (1433)، ومسلم (984) واللفظ له، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعاً من تمر أو صاعاً من شَعِيرِِ، على كُلِّ حُرِِ أو عَبْدِِ، ذَكَرِِ أو أُنْثَى مِنَ المسلمين.
تجب زكاة الفطر بثلاثة شروط:
الأول - الإسلام:
فلا تجب على الكافر الأصلي وجوب مطالبة في الدنيا، للحديث السابق ذكره عن ابن عمر رضي الله عنهما.
الثاني- غروب شمس آخر يوم من رمضان:
فمن مات بعد غروب ذلك اليوم، وجبت زكاة الفطر عنه، سواء مات بعد أن تمكَّن من إخراجها، أم مات قبله، بخلاف من وُلِدَ بعده.
ومن مات قبل غروب شمسه لم تجب في حقه، بخلاف من وُلِدَ قبله.
الثالث- أن يوجد لديه فضل من المال، يزيد على قُوتِه وقوتِ عياله في يوم العيد وليلته، وعلى مسكن، وخادم إن كان بحاجة إليه:
فلو كان ماله لا يكفي لنفقات يوم العيد وليلته، بالنسبة له ولمن تجب عليه نفقتهم، لم تلزمه زكاة الفطر.
ولو كان لديه مال يكفي يوم العيد وليلته، ولكنه لا يكفي لما بعد ذلك، تجب عليه الزكاة ولا عبرة بما بعد يوم العيد وليلته.
يجب على من توفرت لديه هذه الشرائط الثلاث، أن يخرج زكاة الفطر عن نفسه، وعمن تلزمه نفقتهم، كأصوله وفروعه، وزوجته.
فلا يجب أن يخرجها عن ولده البالغ القادر على الاكتساب، ولا عن قريبه الذي لا يكلَّف بالإنفاق عليه، بل لا يصح أن يخرجها عنه إلا بإذنهِ وتوكيله.
فإذا أيسر بشيء لا يكفي عن جميع أقاربه الذي يكلَّف بنفقتهم:
قدَّم نفسه.
ثم زوجته.
فولده الصغير.
فأباه.
فأمه.
فولده الكبير العاجز عن الكسب.
زكاة الفطر هي صاعٌ من غالب قُوتِ البلد الذي يقيم فيه المكلَّف، بدليل حديث ابن عمر رضي الله عنهما السابق.
وعند البخاري (1439) عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: كُنَّا نُخْرِجُ في عَهْدِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الفِطْرِ صَاعاً مِنْ طَعَامِِ، وكانَ طَعَامَنَا الشَّعيرُ والزَّبيبُ والأَقِطُ والتَّمْرُ.
والصاع الذي كان يستعمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما هو عبارة عن أربعة أمداد، أي حفنات، وهذه الحفنات الأربع مقدرة بثلاثة ألتار كيلاً، وتساوي بالوزن (2400) غرامِِ تقريباً.
فإذا كان غالب قوت بلدنا اليوم هو البُرُّ. فإن زكاة الفطر عن الشخص الواحد تساوي ثلاثة ألتار من الحنطة.
ومذهب الإمام الشافعي أنه لا تجزئ القيمة، بل لا بدَّ من إخراجها قوتاً من غالب أقوات ذلك البلد.
إلا أنه لا بأس باتباع مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى في هذه المسألة في هذا العصر، وهو جواز دفع القيمة، ذلك لأن القيمة أنفع للفقير اليوم من القوتِ نفسه، وأقرب إلى تحقيق الغاية المرجوة.
أما وقت الوجوب، فقد قلنا إنه يبدأ بغروب شمس آخر أيام رمضان.
وأما الوقت الذي يجوز فيه إخراجها، فهو جميع شهر رمضان واليوم الأول من العيد.
يُسنّ أداؤها صباح يوم العيد قبل الخروج إلى الصلاة.
فقد جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وفي رواية عند البخاري (1432): وأمر بها أن تُؤدَّى قَبْلَ خُرُوج الناس إلى الصلاة.
ويُكرَه تأخيرها عن صلاة العيد إلى نهاية يوم العيد، فإن أخَّرها عنه أَثِمَ ولزمه القضاء.
الأضحية: هي ما يُذبح من الإبل أو البقر أو الغنم أو المعز، تقرُّباً إلى الله تعالى يوم العيد.
والأصل في مشروعيتها قوله عز وجل: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2]، فإن المقصود بالنحر على أصح الأقوال نحر الضحايا.
وما رواه البخاري (5245) ومسلم (1966): أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ضَحَّى بكَبشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهما بيَدِهِ، وسَمَّى وكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ على صِفَاحِهِمَا.
[الأَمْلَح: من الضأن ما كان أبيض اللون أو كان البياض فيه هو الغالب، والأَقْرَن: ذو القَرْنَيْن العظيمين. صِفَاحِهِمَا: جمع صفحة، وهي جانب العُنُق].
ينبغي أن تعلم أن الأضحية عبادة، وأن كل ما قد يكون لها من حكمة وفائدة يأتي بعد فائدة الخضوع للمعنى التعبدي الذي فيها، شأن كل عبادة من العبادات.
ثم إن من أبرز المعاني السامية المتعلقة بالأَضحية إحياء معنى الضحية العظمى التي قام بها إبراهيم عليه الصلاة والسلام، إذ ابتلاه الله تعالى بالأمر بذبح ابنه، ثم فداه الله بذبحِِ عظيم كان كبشاً أنزله الله إليه وأمره بذبحه، بعد أن مضى كل من إبراهيم وابنه عليهما السلام، ساعياً بصدقِِ لتحقيق أمره عزَّ وجلَّ.
أضف إلى ذلك: ما فيها من المواساة للفقراء والمعوزين وإدخال السرور عليهم وعلى الأهل والعيال يوم العيد، وما ينتج عن ذلك من تمتين روابط الأخوة بين أفراد المجتمع المسلم، وغرس روح الجماعة والود في قلوبهم.
هي سُنَّة مؤكدة، ولكنها قد تجب لسببين اثنين:
الأول: أن يشير إلى ما هو داخل في ملكه من الدواب الصالحة للأضحية، فيقول: هذه أضحيتي، أو سأضحي بهذه الشاة، مثلاً، فيجب حينئذ أن يضَحِّي بها.
الثاني: أن يلتزم التقرب إلى الله بأضحيته، كأن يقول: لله تعالى عليَّ أن أضَحِّي، فيصبح ذلك واجباً عليه، كما لو التزم بأي عبادة من العبادات، إذ تصبح بذلك نَذْراً.
إنما تُسَن الأضحية في حق من وُجدت فيه الشروط التالية:
1 - الإسلام، فلا يُخاطَب بها غير المسلم.
2 - البلوغ والعقل، إذ مَن لم يكن بالغاً عاقلاً سقط عنه التكليف.
3 - الاستطاعة، وتتحقق: بأن يملك قيمتها زائدة على نفقته ونفقة من هو مسؤول عنهم، طعاماً وكسوة ومسكناً، خلال يوم العيد وأيام التشريق.
لا تصح الأَضحية إلا أن تكون من إبل، أو بقر، أو غنم ومنه الماعز.
لقوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: 34]، والأنعام لا تخرج عن هذه الأصناف الثلاثة، ولأنه لم يُنقَل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولاعن أحد من الصحابة التضحية بغيرها.
وأفضلها الإبل، ثم البقر، ثم الغنم.
ويجوز أن يُضَحِّي بالبعير والبقرة الواحدة عن سبعة.
روى مسلم (1318) عن جابر - رضي الله عنه - قال: نحرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية البَدَنة عن سبعةِِ، والبقرة عن سبعةِِ.
[البَدَنة: واحدة الإبل ذكراً أم أنثى].
السن:
وشرط الإبل أن يكون قد طعن في السادسة من العمر.
وشرط البقر والمعز أن يكون قد طعن في الثالثة.
أما شرط الضأن فهو أن يكون قد طعن في الثانية، أو أجدع - أي سقطت أسنانه الأمامية - ولو لم يبلغ سنة.
لما رواه أحمد (2/ 245)، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "نِعْمَتِ الأُضْحِيَةُ الجَذَعُ مِنَ الضأْنِ".
السلامة:
ثم يُشترَط بالنسبة لهذه الأصناف الثلاثة كلها: أن تكون سالمة من العيوب التي من شأنها أن تسبب نقصاناً في اللحم.
فلا تجزئ شاة عجفاء - وهي التي ذهب مخها من شدة هزالها - ولا ذات عرج بيَّن، أو ذات عورٍ أو مرض، ولا مقطوعة بعد الأذن.
لما رواه الترمذي وصححه (1497) وأبو داود (2802) عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَرْبَعٌ لا تُجْزئُ في الأَضاحي: العَوْرَاءُ البَيِّنُ عَوْرها، والمَرِيضَةُ البَيِّنُ مَرَضُها، والعَرْجَاءُ البَيِّنُ عَرَجُها، والعَجْفَاءُ التي لا تُنْقِي".
[لا تُنْقِي: أي لا مخَّ لها، مأخوذة من النِقْي، بكسر النون وإسكان القاف، وهو المخ].
ويقاس على هذه العيوب الأربعة، كل ما يشبهها في التسبب في الهزال وإنقاص اللحم.
يبتدئ وقتها بعد طلوع شمس يوم عيد الأضحى بمقدار ما يتسع لركعتين وخطبتين، ثم يستمر وقتها إلى غروب آخر أيام التشريق، وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة.
والوقت المفضَّل لذبحها، بعد الفراغ من صلاة العيد، لخبر البخاري (5225) ومسلم (1961): "أَوَّلُ ما نَبْدَأُ بِهِ يَوْمَنا هذا نُصَلِّي ثمَّ نَرْجِعُ فَنَنْحَرُ، فَمنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أصَابَ سُنَّتَنا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ ذَلِكَ فإنما هُوَ لحم قدَّمَهُ لأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُسُكِ في شَيءِِ". ومعنى قوله: ومن ذبح قبل ذلك، أي قبل دخول صلاة العيد، ومُضِيّ الزمن الذي يمكن صلاتها فيه.
وروى ابن حبان (1008)، عن جبير بن مُطْعِم - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَكُلُّ أيامِ التشريقِ ذَبْح" أي وقتٌ للذبح.
إن كانت الأضحية واجبة:
بأن كانت منذورة أو معينة على ما أوضحنا لم يجز للمضحي ولا لأحدِِ من أهله الذين تجب عليه نفقتهم، الأكل منها، فإن أكل أحدهم منها شيئاً غُرِّمَ بدله أو قيمته.
وإن كانت الأَضحية مسنونة:
جاز له أن يأكل ما شاء، على أن يتصدق بشيء منها.
والأفضل أن يأكل قليلاً منها للبركة، ويتصدق بالباقي، وله أن يأكل ثلثها، ويتصدق بثلثها على الفقراء، ويهدي ثلثها لأصحابه وجيرانه وإن كانوا أغنياء.
إلا أنّ ما يعطي للغني منها ما يكون على سبيل الهدية للأكل، فليس لهم أن يبيعوها، وما يعطي للفقير يكون على وجه التمليك، يأكلها أو يتصرف بها كما يشاء.
والأصل فيما سبق قوله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ۖ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ۖ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36].
[البُدَن: جمع بَدَنة، وهي ما يهدي المحرم من الإبل، وقيس عليها الأضاحي. شعائر الله: علائم دينه. صَوَاف: قائمة على ثلاث قوائم. وَجَبَتْ جُنُوبُهَا: سقطت على الأرض].
هذا، وللمضحي أن يتصدق بجلد أُضْحيته، أو ينتفع هو به. ولكن ليس له أن يبيعه أو أن يعطيه للجزار أجرة ذبحه، لأن ذلك نقصٌ من الأضحية يفسدها.
ولما رواه البيهقي (9/ 294) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحيَتِهِ فَلا أُضْحِيَِةَ لَهُ".
أولاً: إذا دخل عشر ذي الحجة، وعزم خلاله على أن يُضَحِّي، ندب له أن لا يزيل شيئاً من شعره وأظافره إلى أن يُضَحِّي.
لما رواه مسلم (1977)، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا رَأَيْتُمْ هِلالَ ذي الحِجَّةِ، وأراد أحدكم أن يُضَحِّي فليُمسِك عن شعره وأظافره".
ثانياً: يسنّ له أن يتولى ذبحها بنفسه، فإن لم يفعل لعذر أو غيره، فليشهد ذبحها، لما رواه الحكام (4/ 222) بإسناد صحيح: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لفاطمة رضي الله عنها: "قومي إلى أُضحِيَتِكِ فاشهديها فإنه بأول قَطْرةِِ من دَمِها يُغْفَرُ لكِ ما سَلَفَ من ذنوبك". قالت: يا رسول الله، هذا لنا أهل البيت خاصة، أو لنا وللمسلمين عامة؟ قال: "بل لنا وللمسلمين عامة".
ثالثاً: يُسَنّ لحاكم المسلمين أو إمامهم أن يُضَحِّي من بيت المال عن المسلمين.
فقد روى مسلم (1967) أنه - صلى الله عليه وسلم - ضَحَّى بكبش، وقال عند ذبحه: "باسم الله، اللهم تقبَّل من محمد وآل محمد وأمة محمد".
ويذبحه بالمُصَلَّى، حيث يجتمع الناس لصلاة العيد، وأن ينحر أو يذبح بنفسه، روى البخاري في صحيحه (5232) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذبح وينحر بالمُصَلَّى.