المحتويات:
تعريفه
مشروعيته
حكمة تشريعه
حكم القرض من حيث الوصف الشرعي القائم به
أركان القرض
حكم القرض من حيث الأثر الذي يترتب عليه
ما يجب رده بدل القرض
متى يُطالب بردّ بدل القرض
الشروط في القرض
١- الشروط المفسدة
٢- الشروط اللاغية غير المفسدة للعقد
٣- ما يلزم الوفاء به من الشروط
هو في اللغة: القطع، قال في " المصباح المنير ": (قرضت الشيء قرضاً قطعته. ويطلق اسماً على ما تعطيه غيرك من المال لتُقضاه، وسمي بذلك لما فيه من قطع يد مالكه عنه).
وهو في اصطلاح الفقهاء: تمليك شيء مالي للغير على أن يردّ بدله من غير زيادة.
وسُمي قرضاً، لأن المقرض يقطع جزءاً من ماله ليعطيه إلى المقترض، ففيه معنى القرض اللغوي.
ويسميه أهل الحجاز سلفاً، ولذلك يصحّ بلفظ أسلفت، كما سيأتي.
القرض جائز ومشروع، ويجوز سؤاله لمحتاجه ولا نقص عليه، بل وهو مندوب إليه في حق من سُئِلَه. دل على ذلك الكتاب وصريح السنّة وإجماع الأُمة:
أما الكتاب:
فقوله تعالى: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً} [البقرة245]. والقرض لله تعالى يتناول الصدقات كما يتناول القرض للعباد.
وأما السنة:
- فما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى النبي ﷺ يتقاضاه دَيْناً كان علْيه، فاشْتَدَّ عليه حتّى قال له: أُحَرَّجُ عليك إلاّ قضَيْتني. فاْنَتَهرهُ أصحابُه وقالوا: ويْحَكَ، تدري مع من تَكَلَّمَ؟ قال: إني اطلبُ حقي. فقال النبي ﷺ: " هلا مع صاحب الحق كنتم " ثم أرسل إلى خولة بنت قيس فقال لها: " إن كان عندَك تمرّ فأقرضينا حتى يأتينا تَمْر فنقضيك " فقالت: نعم، بأبي أنت يا رسولَ الله. قال: فأقَرضته، فقضى الأعرابي وأطعمه، فقال: أوفيتَ أوفى الله لك. فقال " أولئك خيارُ النّاس، إنه لا قُدِّسَتْ أمّة لا يأخُذُ الضعيفُ فيها حقَّه غير مُتَعْتَع " [أخرجه ابن ماجه في كتاب الصدقات، باب: لصاحب الحق سلطان، رقم: 2426]
[أُحّرج عليك: أضيِّق عليك؟ غير متعتَع: من غير أن يصيبه أذى يقلقه ويزعجه].
- ما رواه ابن مسعود رضي الله عنه: أن النبي ﷺ قال " ما من مسلمٍ يُقْرضُ مسلماً قرضاً مرتين إلاّ كان كصدقَتها مَرَّةْ " [أخرجه ابن ماجه في الصدقات، باب: القرض، رقم: 2430. وابن حبّان: الزوائد: البيوع، باب: ما جاء في القرض، رقم: 1115].
- ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: " من أخذ أموال الناس يريدُ أداءها أدّى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله " [أخرجه البخاري في الاستقراض وأداء الديون، باب: من أخذ أموال الناس .. ، رقم: 2257].
وأما الإجماع:
فإن الأمة لا تزال تتعامل به من عهد رسول الله ﷺ إلى عصرنا هذا، والعلماء يُقِرّونه، من غير أن ينكر ذلك واحد منهم.
إن الحكمة من تشريع القرض واضحة جليّة، وهي:
تحقيق ما أراده الله تعالى من التعاون على البرّ والتقوى بين المسلمين. - وتمتين روابط الأخوّة بينهم بالتنادي إلى مدّ يد العون إلى مَن ألمّت به فاقه أو وقع في شدة.
والمسارعة إلى تفريج بعضهم كربة بعض، فلربما تلكأ الناس عن دفع المال على وجه الهبة أو الصدقة، فيكون القرض هو الوسيلة الناجحة في تحقيق التعاون وفعل الخير.
والله تبارك وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77].
ورسول الله ﷺ يقول: " المسلم أخو المسلم: لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة " [أخرجه البخاري في المظالم، باب: لا يظلم المسلم ولا يسلمه، رقم: 2310. ومسلم في البرّ والصلة والآداب، باب: تحريم الظلم، رقم: 2580].
ويقول " والله في عَوْن العبد ما كان العبدُ في عون أخيه " [أخرجه مسلم في الذكر والدعاء والتوبة، باب: فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر، رقم: 2699].
وأبلغ حكمة لتشريع القرض هو:
القضاء على استغلال عوز المعوزين وحاجة المحتاجين، إذ الغالب أن المكلّف لا يقترض إلا وهو في حاجة، فإذا لم يكن القرض الحسن كان الربا وكان الاستغلال - كما هو الحال لدى مَن لا يتعاطون القرض الحسن - ولهذا جاء في الحديث أن أجر القرض يفوق أجر الصدقة. فقد روى أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ "رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوباً: الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر. فقلت: يا جبريل: ما بالُ القرض أفضلُ من الصدقة؟ قال لأن السائل يسأل وعنده، والمستقرضُ لا يستقرض إلا من حاجة " [أخرجه ابن ماجه في الصدقات، باب: القرض، رقم: 2431].
مما سبق من أدلة على مشروعية القرض نعلم أنه مندوب في حق المُقْرض، مباح في حق المقترض. وهذا حكمه في حالته العادية، وقد تعتريه حالات يتغيّر فيها حكمه حسب الغرض الذي يقترض من أجله، فيكون:
- حراماً: إذا أقرضه وهو يعلم أنه يقترض لينفق المال في محرم، كشرب خمر أو لعب قمار ونحو ذلك.
- مكروهاً: إذ كان يعلم أن يفترض المال ليصرفه في غير مصلحة، أو ليبذخ فيه ويبدِّدَه. أو كان المستقرض يعلم من نفسه العجز عن وفاء ما يستقرضه.
- واجباً: كأن يعلم أن المقترض يحتاج إليه لينفقه على نفسه وعلى أهله وعياله في القدر المشروع، لا طريق له لتحصيل هذه النفقة إلا اقتراضه منه.
للقرض أركان ثلاثة، وهي: صيغة، وعاقد، ومعقود عليه.
وهي إيجاب وقبول، كأقرضتك واقترضت. ولا يشترط لفظ القرض، بل يصحّ بكل لفظ يؤدي معناه كأسلفتك وملكتكه ببدله وخذه بمثله، وقول المقترض: استلفت وتملّكته ببدله، ونحو ذلك.
ويصحّ أيضاً بلفظ الماضي والأمر، كقوله: أقرضني وأسلفني، واقترض منّي واستلف، ونحوها، لما اعتاده الناس فيه من المسامحة.
ولابدّ من الصيغة، أي الإيجاب من المقرض والقبول من المقترض، لأنها عنوان التراضي، وهو المبدأ الذي تقوم عليه العقود ولا تكفي المعاطاة، كأن يقول: أقرضني، فيعطيه المطلوب ويأخذه.
وهو المقرض والمقترض، ويشترط فيهما:
أ - الرشد: وهو الاتّصاف بالبلوغ والصلاح في الدِّين والمال، لأن القرض عقد معاوضة مالية، والرشد في العاقد شرط في صحة عقود المعاوضة، فلا يصحّ الإقراض ولا الاستقراض من صبي ولا مجنون ولا محجور عليه لسفه، لأن كلاً منهم غير جائز التصرّف في المال.
ب - الاختيار: فلا يصحّ من مكرَهٍ لأن الإكراه يفقد الرضا.
ج - أهلية التبرع في المقرض فيما يقرضه: لأن القرض فيه شائبة تبرع، فيجب أن يكون المقرض أهلاً له، فلا يصحّ من الولي أن يقرض من مال من تحت ولايته لغير حاجة أو ضرورة.
لا تُُشترط في المال المقرض أن يكون مثلياً، بل يجوز قرض كل مال يُملك بالبيع، ويضبط بالوصف على وجه لا يبقى معه إلا تفاوت يسير، ويصح أن يُسْلَم فيه.
وعلى هذا: يصحّ القرض في الدراهم والدنانير، والقمح والشعير، والبيض واللحم وغير ذلك من المثليات. ويصحّ القرض في الحيوانات والعقارات وغيرها من القيميات التي يمكن ضبطها بالوصف.وأما القيميات التي لا تنضبط بالوصف ولا تثبت في الذمة، ففي صحة القرض فيها قولان: والأصح أنه لا يجوز، لأن ما لا ينضبط بالوصف يتعذر أو يعسر رد بدله.
والدليل على ما ذكر:
أ - حديث أبي رافع، مولى رسول الله ﷺ ورضي الله عنه: أن النبي ﷺ اسْتَلَفَ من رجل بَكْرَاًُ، فقدمت عليه إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضيَ الرجل بكره، فقال: لا أجد إلا خياراً رباعياً؟ فقال: " أعطه إياه فإن خيار الناس أحسنهم قضاءً ". [أخرجه مسلم في المساقاة، باب: من استلف شيئاً فقضى خيراً منه، رقم: 1600. وأخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه في الوكالة، باب: الوكالة في قضاء الديون، رقم: 2183، مع اختلاف في بعض الألفاظ].
[بكراً: البكر الفتي من الإبل. خياراً: مختاراً جيداً. رباعياً: هو ما أتى عليه ست سنين من الإبل ودخل في السابعة، وهو الذي طلعت رباعيته، وهي السِّنّ التي بين الثنية والناب، والثنية إحدى السِّنَّيْنِ اللتين في مقدمة الأسنان].
وواضح أن البكر ليس مثلياً، فدل ذلك على عدم اشتراط المثلية في المال المقَرض محل القرض.
ب - أن ما أمكن ضبطه بالوصف يعطي حكم المثلي لشبهه به، فيصح القرض به لذلك.
ويشترط في محل القرض:
أ - أن يكون معلوم القدر عند القرض - كيلاً أو وزناً أو عدداً أو ذرعاً - ليتمكن من رد بدله
فلو أقرضه دراهم لا يعلم عددها، أو طعاماً لا يعلم كيله أو وزنه، لم يصحّ القرض، وكذلك لو أقرضه مطبوخاً لم يصحّ القرض، لاختلاف كميته بالنضج وجهل مقدار نضجه.
والعبرة في كون الشيء مكيلاً أو غيره تحديد الشرع، فإن لم يوجد فالمرجع العرف، على ما علمت في باب الربا.
ب - أن يكون المال المقرض جنساً لم يختلط به غيره، لأن يتعذر في هذه الحالة ردّ بدله، ولاسيما إذا جهلت مقادير الخليط. فلا يجوز قرض قمح مخلوط بشعير، ولا لبن بماءٍ.
اقتراض الخبز:
أجاز العلماء اقتراض الخبز وزناً وعدداً، لجريان العرف بذلك في جميع العصور من غير إنكار. واستثنوا ذلك من منع ما اختلط بغيره وما لا ينضبط.
إذا صح القرض ترتب عليه حكمه، وهو: انتقال ملكية المال المقترَض من المقرض إلى المستقرض على وجه يلتزم معه بردّ بدله حال طلب المقرض له.
وهل تنتقل هذه الملكية بقبض العين المستقرضة أو بالتصرف فيها؟
والقول الأصح: أن المسقترض يملك العين المستقرضة بالقبض، لأنه يجوز له التصرّف فيه بعد القبض باتفاق، فدل على ثبوت ملكيته له قبله، إذ لو لم يملكه بالقبض لما جاز له التصرّف فيه.
وعلى هذا: إذا تم عقد القرض، وقبض المستقرض العين المستقرضة: فعلى قول: ليس للمقرض استردادها منه إلا برضاه، ولكن له استرداد بدله، لأنه الواجب بعقد القرض.
والأصح: أن للمقرض الرجوع بالعين المستقرضة ما دامت باقية على حالها، ولم تتعلق بها حقوق لازمة للغير، ولا يمنع ذلك من القول بملكية المستقرض لها بالقبض. لأن للمقرض المطالبة ببدل المستقرَض عند فقده، فالمطالبة بعينه - إذا كان قائماً - أولى، لأنه أقرب منه، فيلزم المُستَقرِض رده إذا طالب به المُقرِض.
- أما إذا كانت العين قائمة، ولكنها لم تبق على حالها - كما لو كانت شاة فذبحت، أو حنطة فطحنت - أو تعلق بها حق لازم للغير - كأن رهنها المستقرض - فليس للمقرض حق الرجوع بها واستردادها بعينها.
أما لو أجر المستقرض العين المستقرضة فللمقرض الرجوع بها واستردادها، بخلاف الرهن، لأن للمرتهن حقاً لازماً يتعلق بالعين المرهونة، أما المستأجر فليس له ذلك.
وكذلك له استردادها ولو زادت زيادة متصلة أو منفصلة، لأن المتصلة تبع للأصل، وأما المنفصلة: فإنها لا تمنع استرداد الأصل، وإن كان المستقرِض يملكها، لأنها حصلت على ملكه.
ولا خلاف أن للمستقِرض ردّ عين القرض على المقرض، وليس للمقرض أن يطالبه برد بدله من مثل أو قيمة.
والقول الثاني في وقت انتقال الملكية: إن المستقرِض لا يملك المال المقترَض إلا بالتصرّف المزيل للملك، كالهبة أو البيع أو الَهلاك أو الاستهلاك، لأن الملك يتبين به، ولأن للمقرِض الرجوع بها قبل ذلك، كما أن للمستقرِض أن يردّها، ولو ملكه المستقرِض بالقبض لم يملك واحد منهما فسخ ذلك الملك، ولم يكن لهما حق الرد أو الاسترداد.
وعلى هذا القول: للمقرِض استرداد العين المستقرَضة ما دامت في يد المستقرِض - على النحو السابق - قولاً واحداً، لأنها ما زالت علىٰ ملكه، ولم تدخل في ملك المستقرِض.
وتظهر فائدة الخلاف بين القولين فيما إذا كان للمال المستقرَض نفقة أو منفعة: - فعلى القول بثبوت الملك بالقبض يكون على المستقرِض نفقته، وله منفعته من حين القبض، ولو لم يتصرف فيه.
- وعلى القول بثبوت الملك بالتصرف تكون نفقته على المقرِض، وله منفعته من حين القبض على وقت التصرف.
علمنا أن المال المقترَض ينبغي أن يكون مثلياً أو أن يكون قيمياً ينضبط بالوصف، وعليه:
فيجب ردّ المثل إذا كان محل القرض مالاً مثلياً وكان موجوداً، فإذا انعدم وجب ردُّ قيمته.
وإن كان محل القرض مالاً قيمياً وجب ردّ مثله صورة، كما لو اقترض شاة، فإنه يردّ شاة بدلها بنفس أوصافها، لحديث أبي رافع رضي الله عنه الذي مرّ معنا، فإن رسول الله ﷺ أمره أن يقضي الرجل بكراً بدل بَكْره.
وقيل: يجب ردّ القيمة في القيمي، لأن ما يضمن بالمثل إن كان له مثل يضمن بالقيمة إذا لم يكن له مثل.
وعلى القول بوجوب القيمة:
فالواجب القيمة يوم القبض، على القول بأن العين المستقرَضة تُملك بالقبض، وهو الأصح.
وعلى القول بأنه يُملك بالتصرف:
فالواجب أكثر القيم من يوم القبض إلى يوم التصرف.
وإن اختلف المقرض والمقترض في قدر القيمة أو صفة المثل:
فالقول قول المقترض مع يمينه، لأنه هو المدَّعي عليه الذي سيُغَرَّم القيمة أو المثل.
للمقرِض أن يطالب المستقرض بدفع المال المقترض في أي وقت شاء، بعد قبض المستقرض له، لأن حكم القرض - كما تقدم - يوجب على المستقرض ردّ المال المقترض حال طلب المقرض له، وكذلك: لأنه عقد يمتنع فيه التفاضل فامتنع فيه الأجل.
وسواء في ذلك أحدِّد أجل معين في العقد للوفاء أم لم يحدَّد وسواء أوُجد في ذلك عُرْف معين أم لم يوجد.
قد يقترن عقد القرض بشروط، فبعض هذه الشروط تفسده، وبعضها يلغو ولا يؤثر على القرض، وبعضها يلزم الوفاء به، وإليك بيان ذلك:
هي كل شرط ليس من ملائمات العقد، وفيه منفعة للمقرض، كما لو أقرضه بشرط ردّ زيادة في البدل، أو بشرط رد صحيح بدل مَعيب، أو بشرط أن يبيعه داره مثلاً. فمثل هذا الشرط فاسد ومفسد للعقد. لقوله - صلى الله عليه وسلم - " كل قرضٍ يجر منفعة فهو ربا (1) " قال في " مغني المحتاج ": وهو وإن كان ضعيفاً، فقد روى البيهقي معناه عن جمع من الصحابة. وذكر في " المهذَّب ": أنه روي عن أبي بن كعب وعبدالله بن مسعود وعبدالله بن عباس - رضي الله عنهم - أنهم نَهْوا عن قرضٍ جر منفعة.
والمعنى في هذا: أن موضوع القرض قائم على الإرفاق والعون للمقترِض، فإذا شرط فيه المُقرِض لنفسه منفعة زائدة على حقه فقد خرج العقد عن موضوعه، ولم يؤدِّ غرضه، فلم يصح.
وكذلك روى عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رسول الله ﷺ قال " لا يحل سلف وبيع " [أخرجه الحاكم في المستدرك: البيوع، باب لا يجوز بيعان في بيع .. (2/ 17)، وانظر زوائد ابن حبان: البيوع، باب: ما نهي عنه في البيع من الشروط وغيرها].
وقد مّر معنا في تعريف القرض: أنه السلف في لغة أهل الحجاز.
هذا ومن المعلوم أن فساد العقد يعني بطلانه أصلاً، وأنه لا يترتب عليه شيء من الآثار.
(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكير [انظر: الجامع الصغير]
المنفعة أو الزيادة غير المشروطة:
إذا ردّ المستقرض زيادة عن بدل القرض، أو قدم هدية للمقرض، دون أن يشرط المقرض ذلك في العقد ولم يجر به عرف، فما حكم ذلك؟ يُنظر:
فإن كانت تلك المنفعة المقدَّمة قبل وفاء بدل القرض: فالأولى التنزّه عنها إلا إذا كان تبادل تلك المنفعة معتاداً بينهما قبل القرض.
لما روي عن أنس رضي الله عنه، وقد سئل: الرجل منّا يقرض أخاه المال، فيهدي إليه؟ فقال رسول الله ﷺ: " إذا أقْرَض أحدُكم قرضاً، فأهْدى إليه، أو حملَه على الدابَّةِ، فلا يَرْكَبْهُا ولا يَقْبَلْهُ، إلاَّ أنْ يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك ". [أخرجه ابن ماجه في الصدقات، باب: القرض، رقم: 2432].
وكذلك تزول الكراهة إذا كافأه المقرض عليها.
وإذا كانت المنفعة المقدمة - من زيادة أو هدية أو غيرها - بعد وفاء القرض: فلا بأس بها، ولا يكره للمقرِض أخذها، لانتهاء حكم القرض بالوفاء. بل يستحب للمستقرِض أن يفعل ذلك، اقتداءً بفعله ﷺ، وامتثالاً لأمره بحسن الوفاء، وهذا من حسن الوفاء.
روى البخاري ومسلم عن جابر رضي الله عنه قال: أتيتُ النبي ﷺ، وكان لي عليه دينُ، فقضاني وزادني [البخاري في الاستقراض، باب: حسن القضاء، رقم 2264. ومسلم في المساقاة، باب: بيع البعير واستثناء ركوبه].
وهذا إذا لم يجر عُرف بين الناس بردّ المستقرِض زيادة عن بدل القرض أو تقديم منفعة للمقرض، وكذلك إذا لم يكن المستقرِض قد تَعَوّد هذا وعرف به. فإن كان معتاداً في عُرف الناس، أو كان المستقرض معروفاً به: فالأوجه كراهة قبول هذه المنفعة، لأن المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً.
وهي كل شرط ليس من ملائمات العقد، ولكنه لا مصلحة فيه لأحد
المتعاقدين، أو كان مصلحة للمستقرض، وذلك كما لو شرط عليه أن يردّ معيباً بدل صحيح، أو رديئاً بدل جيد، وكذلك لو شرط عليه أن يقرضه غيره.
فمثل هذه لاغية لا يلزم الوفاء بها.
والأصح أنها لا تفسد العقد، لأن فيها تأكيداً لموضوعه وهو الإرفاق، إذ ليس فيها جرّ منفعة للمقرض، وإنما فيها جرّ منفعة للمقترض، فكأن المقرض يزيد في الإرفاق والعون للمقترض.
شرط الأجل في القرض:
ذكرنا أن للمقرض أن يطالب ببدل القرض متى شاء، سواء أَشُرط أجل في العقد أم لم يُشرط. وعليه: إذا شرط اجل في العقد فلا يلزم الوفاء به، ويعتبر لاغياً. وهل يؤثر على العقد؟ ينظر:
فإن كان في شرط الأجل غير للمقرض - كما لو كان الزمن زمن نهب، وشرط له أجلاً للوفاء يغلب على ظنه الأمن فيه - فإنه يفسد العقد، لما فيه من جر المنفعة للمقرض، فصار كشرط زيادة في العقد.
وإن لم يكن في شرط الأجل غير للمقرض فلا يفسد العقد، ولا يلزم الأجل على الصحيح، وإن كان يُندب الوفاء به، لأنه وعد بالإحسان.
هي كل شرط فيه توثيق للعقد وإثبات للحق وتأكيد له. كما لو اشترط رهناً بمال القرض، أو كفيلاً، أو إشهاداً على العقد، أو إقراراً به عند حاكم، أو كتابة للدين. فإن ذلك كله جائز، ويحقّ للمقرض أن يشرطه، لأنه توثيق - كما قلنا - ولا زيادة فيه.
ولقد روى البخاري عن أنس رضي الله عنه: ولقد رهن النبي ﷺ درعاً له بالمدينة عند يهودي، وأخذ منه شعيراً لأهله [البخاري: البيوع، باب: شراء النبي ﷺ بالنسيئة، رقم: 1963].
ويلزم المستقرض الوفاء بهذه الشروط، فإن لم يُوف بها كان للمقرِض أن يفسخ العقد.