المحتويات:
حكم تشييع الجنازة للرجال والنساء
من آداب تشييع الجنازة
بدع الجنائز
حكم السِّقْط والشهيد
زيارة القبور
من آداب زيارة القبور
اتباع الجنازة وتشييعها إلى القبر مستحب للرجال، لما رواه البراء بن عازب قال: أَمَرَنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باتِّباعِ الجنازة، وعيادة المريض، وتَشْمِيتِ العاطس، وإجابة الداعِي، ونصْرَةِ المَظْلُومِ. (رواه البخاري: 1182).
ويُستَحَب أن لا ينصرف عائداً إلا بعد أن يدفن الميت، روى البخاري (1261) ومسلم (945) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ شَهِدَ الجَنَازَةَ حتى يُصَلي عَلَيْهَا فَلَهُ قِيراطٌ، ومَنْ شَهِدَ حتى تُدْفَنَ كان لَهُ قِيراطان". قيل: وما القيراطان؟ قال: "مِثْل الجَبَلَينِ العَظِيمَيْنِ". أي من الأجر.
أما النساء فلا يُستَحَب لهن ذلك، بل هو خلاف السُنَّة، وخلاف وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
لما رواه البخاري (1219) ومسلم (938) عن أم عطية رضي الله عنها قالت: نُهينَا عن اتِّباعِ الجنائز ولَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا. أي لم يُشَدَّد علينا في النهي ولم يُحَرَّم علينا الاتباع.
ولما رواه ابن ماجه عن علي رضي الله عنه قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا نسوةٌ جلوس، فقال: "ما يُجْلِسُكُنَّ"؟ قلن: ننتظرُ الجنازةَ. قال: "هَلْ تُغَسِّلْنَ"؟ قلن: لا. قال: "هَلْ تَحْمِلْنَ"؟ قلن: لا. قال: "هَلْ تُدْلِينَ فِيمَنْ يُدْلي؟ " - أي هل تنزلن الميت في القبر؟ - قلن: لا. قال: "فارْجِعْنَ مَأْزُوراتِِ غَيْرَ مَأْجوراتِِ". أي عليكنَّ إثم، وليس لَكُنَّ أجر، في اتباعكنَّ الجنازة وحضور الدفن.
1 - أن يُشَيِّعُها ماشياً، فإن أحبَّ أن يركب في العَوْدَةِ فلا بأس.
روى البخاري (3177) عن ثوبان - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُتيَ بدابَّةِِ، وهو مع الجنازة، فَأَبَى أَنْ يَرْكَبَها. فلما انْصَرَفَ أُتيَ بدابَّةِِ فَرَكِبَ، فقيل له، فقال: "إن الملائكَةَ كانت تمشي، فَلَمْ أَكُنْ لأرْكَبَ وهُمْ يَمْشُونَ، فلَمَّا ذَهَبُوا رَكِبْتُ".
وحُمِلَ هذا على الندب، لما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه ركب في بعض أحيانه.
روى مسلم (965) عن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: "صلَّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ابن الدحداح، ثم أُتيَ بفَرَسِِ عُرْيِِ، فَعَقَلَهُ رَجُلٌ فركبه، فَجَعَلَ يَتَوَقَّصُ بهِ ونَحنُ نَتَّبعُهُ، نَسْعَى خَلْفَه.
[عُرْيِِ: لا سرج له. فَعَقَلَهُ: أمسكه له. يَتَوَقَّصُ: يتَوَثَّب. نَسْعَى: نمشي بسرعة].
2 - يَحْرُم حمل الجنازة على هيئة مزرية أو يُخاف منها السقوط، ويُسَنُّ أن تُحْمَل في تابوت، لا سيما إذا كانت امرأة، رعايةً لتكريم الله تعالى للإنسان.
3 - يُكْرَه اللغط أثناء تشييع الجنازة، بل يُسنّ أن لا يرفع صوته بقراءة ولا بذكر ولا غيرهما، وليستعض عن ذلك بالتفكر في الموت والتأمل في عاقبة أمره.
لحديث أبي داود (3171) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تُتْبَعُ الجنازَةُ بصَوْتِِ ولا نَارِِ".
4 - الأفضل أن يمشي المُشَيِّعون أمام الجنازة على مقربة منها، لأنهم شفعاء لها عند الله عز وجل، فناسب أن يكونوا في مقدمتها.
روى أبو داود (3179) وغيره، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكرِِ وعُمَرَ يَمْشُونَ أمام الجنازةِ.
وروى أيضاً (3180) عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الراكبُ يَسيرُ خَلْفَ الجَنَازَةِ، والماشي خَلْفَها وأمامَها، وعَنْ يَمينها وعن يَسَارِهَا، قريباً مِنْها".
5 - لا مانع من أن يُشَيِّع المسلم جنازة قريبه الكافر، ولا كراهة في ذلك.
6 - تُسَنُّ تعزية أهل الميت خلال ثلاثة أيام من الموت، لما رواه ابن ماجه (1601) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما مِنْ مُسلمِِ يُعَزِّي أخاه بمُصيبَةِِ إلا كَسَاهُ اللهُ مِنْ حُلَلِ الكَرَامَةِ يَوْمَ القيامة".
[يُعَزِّي أخاه: يحثه على الصبر ويواسيه بمثل قوله: أعظم الله أجرك].
وتُكرَه بعد ثلاثة أيام إلا لمسافر، لأن الحزن ينتهي بها غالباً فلا يُستَحْسَن تجديده.
كما يُكره تكرارها، والأَوْلى أن تكون بعد الدفن لاشتغال أهل الميت بتجهيزه، إلا إن اشتد حزنهم فتقديمها أَوْلَى، مواساةً لهم.
وصيغتها المندوبة: "أَعْظَمَ الله أَجْرَكَ، وأَحْسنَ عزاءكَ، وغَفَرَ لِمَيتكَ، وعَوَّضَكَ الله عن مُصيبَتكَ خَيْراً ".
1 - كل ما يخالف آداب التشييع التي ذكرناها فهي بدع ينبغي التحرز منها، كتشييع الجنازة راكباً، وكرفع الأصوات معها.
2 - حمل الأكاليل ونحوها مع الجنازة، فهي بدعةٌ محرمةٌ، تسللت إلى المسلمين تقليداً لعادات الكافرين في مراسيم جنائزهم، وفيها ما فيها من إضاعة المال دون فائدة، والمفاخرة والمباهاة.
3 - القبور التي تُحْفَر وتُبْنَى بطريقة مخالفة لما ذكرنا من ضابط عمق القبر واتساعه، وأفضلية اللحد ثم الشقّ.
4 - يُكرَه تشييد القبور، داخلها أو ظاهرها، بكل ما دخل فيه النار كالإسمنت والجص ونحوهما.
روى مسلم (970)، عن جابر - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُجَصَّصَ القَبْرُ.
وهو أن يوضع عليه الجص، وهو ما يسمى بالجبصين، فإن بُنِيَ بالرخام ونحوه كان حراماً، لمخالفته الشديدة لنهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولما في ذلك من إضاعة المال المنهي عنه شرعاً، وما فيه من المباهاة والمفاخرة المقيتة في دين الله عز وجل.
5 - يُكرَه كراهية تحريم تسنيم القبور والبناء عليها، على النحو الذي يفعله كثير من الناس اليوم، والسُنَّة أن لا يُرفَع القبر عن الأرض أكثر من شبر واحد، للنهي عن كل ذلك.
روى مسلم (969) وغيره، أن على بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال لأبي الهيَّاج الأسدي: ألا أَبْعَثُكَ على ما بَعَثَني عَلَيْهِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنْ لا تَدَعَ تِمْثَالاً إلا طَمَسْتَهُ، ولا قَبْراً مشرفاً إلا سَوَّيْتَهُ".
[تِمْثَالاً: صورة، والمراد هنا ما كان لذي روح. طَمَسْتَهُ: محوته أو درسته. مشرفاً: مرتفعاً. سَوَّيْتَهُ: مع الأرض بارتفاع قليل].
6 - الندب على الميت بتعديد شمائله - كأن يقول: واكهفاه واعظيماه - والنياحة، وهي كل فعل أو قول يتضمن إظهار الجزع، كضرب الصدر وشقّ الجيب ونحو ذلك. فذلك كله حرام، نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه بأحاديث صحيحة وعبارات حاسمة، لما فيه من منافاة للانقياد والاستسلام لقضاء الله تعالى وقدره.
روى مسلم (935) عن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "النائِحةُ إذا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتهَا تقَامُ يَوْمَ القيامةِ، وعَلَيْهَا سِرْبالٌ مِنْ قَطِرَانِِ، ودِرْعٌ من جَرَبِِ".
أي يسلط على أعضائها الجَرَب والحَكَّة بحيث يغطي بدنها تغطية الدرع وهو القميص. وفي معناه السِّربال. والقَطِرَان نوع من صمغ الأشجار، تُطلى به الإبل إذا جَرَبَت.
وروى البخاري (1232) عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الخُدودَ، وشَقَّ الجيوبَ ودعا بدعوى الجاهلية".
[لَطَمَ: ضرب. الجيوب: جمع جيب، وهو فتحة الثوب من جهة العنق، أي شق ثيابه من ناحية الجيب. بدعوى الجاهلية: قال ما كان يقوله أهل الجاهلية، مثل: واعضداه، يا سند البيت، ونحوها].
ولا بأس في البكاء الطبيعي الناشئ عن العاطفة ورقَّة القلب.
روى البخاري (1241) ومسلم (2315، 2316): أنه - صلى الله عليه وسلم - بكى على وَلَدِه إبراهيم قَبْلَ مَوْتِه، لمَّا رآه يجود بنفسه، وقال: "إنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ والقَلْبَ يَحْزَنُ، ولا نَقُول إلا ما يُرْضي رَبَّنا، وإنَّا بِفراقِكَ يا إبراهيمُ لَمَحْزونونَ".
وروى مسلم (976) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: زارَ النبي - صلى الله عليه وسلم - قبر أُمِّهِ، فَبَكَى وأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ.
7 - انشغال أهل الميت بصنع الطعام وجمع الناس عليه، كما هو المعتاد في هذا العصر، بدعة تناقض السُنَّة وتخالفها مخالفة شديدة.
وإنما السُنَّة عكس ذلك، أي أن يقوم بعض المُشَيِّعين بتحضير الطعام وإرساله إلى أهل الميت، أو جمعهم عليه في بيت الداعي، ويستحب أن يكون كثيراً بحيث يكفي أهل الميت يومهم وليلتهم.
وذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم - لمَّا جاء خبر قتل جعفر بن أبي طالب: "اصنَعوا لآلِ جَعْفَر طَعاماً فإنَّه قد جَاءهُم ما يشغلهم". (رواه الترمذي: 998، وأبو داود: 3132 وغيرهما).
ويحرم تهيئة الطعام للنائحات وأمثالهن، سواء كان ذلك من أهل الميت أم غيرهم، ذلك لأنه إعانة على معصية، وتحميس على الاستمرار فيها.
ومن البدع ما يفعله أهل الميت من جمع الناس على الطعام بمناسبة ما يسمونه بمرور الأربعين ونحوه.
وإذا كانت نفقة هذه الأطعمة من مال الورثة وفيهم قاصرون - أي غير بالغين - كان هذا الفعل من أشد المحرمات، لأنه أكلٌ لمال اليتيم وإضاعة له في غير مصلحته.
ويشترك في ارتكاب الحرمة كل من الداعي والآكل.
8 - قراءة القرآن في محافل رسمية للتعزية، على النحو الذي يتم اليوم، فهي أيضاً بدعة.
وإنما تُسنُّ تعزية أهل الميت خلال ثلاثة أيام من موته اتفاقاً، أي دون أن يعد أقارب الميت العُدَّة لها.
والسِّقْط: هو الولد النازل قبل تمامه.
والشهيد: هو الذي يُقتَل في معركة تُدار دفاعاً عن الإسلام، ولرفع لوائه.
الحالة الأولى: أن لا يصيح عند الولادة، فإن لم يكن قد بلغ حمله أربعة أشهر بعد، لم يجب غسله ولا تكفينه ولا الصلاة عليه، ولكن يستحب تكفينه بخرقة والدفن دون الصلاة.
الحالة الثانية: أن يصيح عند الولادة، أو يتيقن حياته باختلاج ونحوه، فيجب في حقه الصلاة مع جميع ما ذُكِر، لا فرق بينه وبين الكبير.
روى الترمذي (1032) وغيره، عن جابر رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الطفلُ لا يُصَلَّى عَلَيْهِ، ولا يَرِثُ ولا يُورَثُ حتى يَسْتَهِل".
وروى ابن ماجه (1508) عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا اسْتَهَل السِّقْط صُليَ عَلَيْهِ ووَرِثَ".
[اسْتَهَل: من الاستهلال وهو الصياح أو العطاس أو حركة يُعْلَم بها حياته].
فلا يُغَسَّل، ولا يُصَلَى عليه، ويُسَنُّ تكفينه في ثيابه التي قُتَلَ بها.
لما روه البخاري (1278)، عن جابر - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ في قَتلَى أُحُدِِ بدَفنِهِمْ في دِمَائِهِمْ، ولَمْ يُغَسَّلُوا ولَمْ يَصْل عَلَيْهم.
فإن جُرِحَ في المعركة، وبقيت فيه حياة مستقرة بعد انتهاء القتال، ثم مات، لم يُعتبَر شهيداً من حيث المعاملة الدنيوية، وغُسِّلَ وصُلِيَ عليه كالعادة، ولو كان مَوته بالسراية من الجرح.
والحكمة من أن الشهيد لا يُغَسَّل ولا يُصَلَّى عليه: إبقاء أثر الشهادة عليهم، والتعظيم لهم باستغنائهم عن دعاء الناس لهم.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نَفْس مُحَمَّدِِ بِيَدِهِ، ما مِن كَلْمِِ يُكْلَمْ في سبيل الله إلا جاءَ كَهَيْئتِهِ حين كُلِمَ: اللَّون لون الدم والريحُ رِيح مِسْكِِ". (رواه البخاري: 235، ومسلم: 1876) واللفظ له.
[كُلِمَ: جُرِحَ. كَهَيْئتِهِ: كحالته].
زيارة القبور التي دُفِنَ فيها مسلمون، مندوبة للرجال بالإجماع، لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: "كنت نَهَيْتُكُمْ عن زيارةِ القُبُورِ فَزُورُوهَا". (رواه مسلم: 977)، وعند الترمذي (1054): "فإنَّها تُذَكِّرُ الآخرةَ". وقد مر معك حديث زيارته - صلى الله عليه وسلم - قبر أمه. ولا يُندَب لها وقت محدد.
أما النساء فيُكرَه لَهُنَّ زيارتها، لأنها مظنَّةٌ للتبرج والنواح ورفع الأصوات.
روى أبو داود (3236) وغيره، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لَعَنَ اللهُ زائِرَات القُبُورِ".
ولكن يُسَنُّ لهنَّ زيارة قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وينبغي أن يلحق بذلك قبور بقية الأنبياء والصالحين، شريطة أن لا يكون تبرج واختلاط وازدحام والتصاق بالرجال، ورفع أصوات، مما هو مظنة الفتنة، وما أكثره في زيارتهنَّ!!.
إذا دخل الزائر المقبرة، نُدِبَ له أن يُسَلِّم على الموتى قائلاً: "السلامُ عَلَيْكم دَارَ قَوْمِِ مُؤمنينَ، وإنَّا إنْ شاءَ الله بكمْ لاحِقُون". (رواه مسلم: 249).
وليقرأ عندهم ما تيسر من القرآن، فإن الرحمة تنزل حيث يُقرأ القرآن، ثم لْيَدْع لهم عقب القراءة، وليهدِ مثل ثواب تلاوته لأرواحهم، فإن الدعاء مرجو الإِجابة، وإذا استجيب الدعاء استفاد الميت من ثواب القراءة. والله أعلم.