المحتويات:
البيوع الخاصة
ا- البيوع الجائزة
١- التولية
٢- الإشراك
٣- المرابحة
٤- المحاطّة
ب- البيوع المنهي عنها
اولاً : البيوع المحرمة والباطلة
١- بيع اللبن في الضرع قبل أن يحلب، والصوف على ظهر الدابة قبل أن يُجَزّ أي يُقَصّ
بيع الثمار قبل بدو صلاحها
٢- البيوع التى فيها معنى المقامرة
٣- بيعتان فى بيعة
٤- بيع العُرْبون
٥- بيع الدّيْن بالدَّيْن
٦- بيع المبيع قبل قبضه
ثانياً: البيوع المحرمة الغير باطلة
١- بيع المصراة
٢- النَّجْش
٣- بيع الحاضر للبادي
٤- تلقِّي الركبان
٥- الإحتكار
٦- البيع على بيع أخيه أوالسوم على سومه
٧- مبايعة من يعلم أن جميع ماله حرام
آداب البيع
ما تقدم من كلام عن عقد البيع إنما هو في البيع على وجه العموم، وهو عقد البيع الذي ليس له تسمية خاصة، والذي يتعامل به غالب الناس، والصورة الغالبة والعامة في بياعات الناس وتجاراتهم ومعاوضاتهم.
وهناك حالات وصور لعقد البيع تأخذ أسماءً خاصة بهم، وتقع في أحوال نادرة، منها ما هو جائز ومنها ما هو ممنوع، والممنوع منها: بعض منه صحيح مع الإثم والحرمة، وبعض منه باطل، وإليك بيان هذه البيوع:
هي بيوع تختلف بعض الشيء عن صورة البيع العامة، وقد يوهم اختلافها ذلك عدم جوازها، ولذلك ينص عليها الفقهاء بخصوصها دفعاً لتوهم عدم صحتها، وهي:
1 - التولية: وهي أن يبيع ما اشتراه وقبضه بالثمن الذي اشتراه به دون أن يذكر هذا الثمن، أو يقول للمشتري: ولَّيْتُك هذا العقد.
2 - الإشراك: وهو كالتولية، ولكنه علىٰ جزء من المبيع لا على جميعه، كأن يقول له: أشركتك في هذا العقد نصفه بنصف الثمن، ونحو ذلك.
ويشترط أن يبين هذا الجزء الذي يشركه فيه، فإن ذكر جزءاً ولم يبيِّنه، كأن قال: أشركتك في بعض العقد، لم يصح العقد للجهالة. فإن أطلق الإشراك كأن يقول: أشركتك في هذا العقد، صحّ وكان مناصفة.
3 - المرابحة: وهي أن يبيعه ما اشتراه وقبضه بما اشتراه به مع ربح معلوم محدد، كأن يقول: بعتك هذه الدار بما اشتريتها به وربح عشرة في المائة مثلاً، أو: وربح هذه السيارة مثلاً، وهكذا، فيجوز أن يكون الربح ليس من جنس الثمن.
4 - المحاطّة (الوضعية): وهي أن يبيعه ما اشتراه وقبضه بما اشتراه به مع حط - أو وضع، أو خسارة - قدر معين من الثمن، كعشرة في المائة مثلاً ونحو ذلك. فالمحاطّة والوضعية بعكس المرابحة كما ترىٰ.
فهذه البيوع الأربعة جائزة ومشروعة، ودليل لك:
1 - أنها بيوع مستوفية لأركان عقد البيع وشروطه، فهي داخله في عموم قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة275].
2 - قد يستدل لبعضها بما جاء في حديث الهجرة الطويل عن عائشة رضي الله عنها: أن أبا بكر رضي الله عنه قال للنبي ﷺ: خذ - بأبي أنت وأمي - إحدى راحلتي هاتين، فقالﷺ: " بالثمن ". فالظاهر أنه عقد تولية، والله تعالى أعلم. [أخرج الحديث البخاري في فضائل الصحابة، باب: هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى المدينة، رقم 3692].
ويشترط لصحة هذه البيوع: أن يكون المتبايعان علىٰ علم بالثمن الأول عند العقد، فإن كانا يجهلان الثمن عند العقد، أو كان أحدهما يجهله، لم ينعقد البيع، حتى ولو حصل العلم بذلك في مجلس التعاقد وقبل التفرق.
وكون المشتري الثاني يجهل الثمن الأول غير بعيد التصور، وكذلك البائع له، فقد يكون قد نسي الثمن، أو ما إلى ذلك.
وينبغي التنبيه هنا: إلى أنه إن قال بعتُك بما اشتريت - في جميع الصور- لم يدخل في ذلك غير الثمن المشتري به أولاً، ولا يدخل فيه شيء آخر من النفقات إن وجدت.
وإن قال بعتك: بما قام عليَّ، دخل في ذلك كل ما أنفقه على المبيع، من أجرة نقل ومخزن ونحو ذلك.
وهناك بيوع خاصة جائزة، كالسَّلم وبيوع الربا والصرف، سنتكلم عنها بالتفصيل بعد الكلام عن البيوع المنهي عنها.
هناك صور من البيوع نهى عنها الشارع لخللٍ فيها أو لأمر اقترن بها، ولذلك كانت على نوعين: باطلة، وصحيحة مع الحرمة.
وهي البيوع التي نهى عنها الشارع لخلل في أركانها أو نقص في شروطها، وقد سمى الشارع أنواعاً من هذه البيوع ونهى عنها، وحكم الفقهاء ببطلانها، وهي:
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " نهى رسول الله ﷺ أن يباع ثمر حتى يطعم، أو صوف على ظهر، أو لبن في ضرعٍ، أو سمن في لبن" أي قبل أن يمخض ويستخرج منه. [أخرجه الدارقطني في البيوع، رقم الحديث: 42].
وسبب البطلان هنا الجهالة في المعقود عليه وهو المبيع، فالثمر قبل بدو صلاحه - أي نضجه - لا يعرف كم سيكون مقداره بعد النضج، وقد يختلف اختلافاً كبيراً. وكذلك اللبن في الضرع، والصوف أيضاً: إذا قصّ من أُصوله كان في ذلك ضرر بالحيوان لا يجوز، وإن ترك منه شيء كي لا يؤذي الحيوان لا يعلم مقدار ما يترك منه، وفي ذلك كله غرر وجهالة تبطل البيع.
ونريد أن نتوسع في الكلام عن بيع الثمر قبل نضجه، لكثرة وقوع الناس في هذه المخالفة في هذه الأيام.
[بيع الثمار قبل بدوّ صلاحها (الضمان):]
وضعنا كلمة الضمان بين قوسين في العنوان لأن الناس في هذه الأيام يسّمون هذا النوع من البيع بهذه التسمية (الضمان). وتعنينا التسمية ـ فهي خاطئة على كل حال - وإنما يعنينا المضمون، فهو بيع للثمار قبل ظهور نضجها وصلاحها للأكل، بل لقد ذهب الناس أكثر من ذلك فأصبحوا يشترون الثمار قبل وجودها، وبمجرد ظهور الطَّلْع أي الزهر، وهذا خلل أكبر يجعل هذا البيع أكثر بطلاناً واشد إثماً، لأنه بيع المعدوم الذي قد لا يوجد.
وعلى كل حال علينا البيان، وعلى مَن آمن بالله تعالى وصدق برسوله ﷺ وآمن بالوقوف بين يدي الله عزّ وجل، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، أن يسمع ويذعن ويخضع لأمر الشرع، ويبتعد عمّا نهى عنه، ولو كان يظنّ في ذلك مصلحة له، على أن الضرر كل الضرر كامِن فيما يخالف أمر الله تعالى أو أمر رسوله ﷺ.
نقول: إن بيع الثمار قبل بدو صلاحها - بالإضافة إلى ما ذكرناه من الجهالة بمقدار المبيع - فيه غرر كبير، إذ قد تأتي آفة عليه من صقيع أو مرض أو ما إلى ذلك فلا يخرج، وهنا يأخذ صاحب الشجر مالاً بدون عوض يبذله مقابل ما زعمه ثمناً لثمر أشجاره، فيكون أكلاً لأموال الناس بالباطل،
وهذا ما صرح به حديث رسول الله ﷺ إذ قال: " أرأيْت إذا منع الله الثمرة، بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟ " وفي رواية فبم تستحل مال أخيك؟ [رواه البخاري في البيوع، باب: إذا باع الثمار قبل أن يبدوا صلاحها ... رقم: 2086. ومسلم: المساقاة، باب: وضع الجوائح، رقم: 1555]
فبيع الثمار قبل بدوّ الصلاح حرام وباطل، وقد جاء النهي عنه صريحاً، ويحتمل الإثم البائع والمشتري. فعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول اللهﷺ نهى عن بيع الثمار حتى يَبْدُوَ صَلاحُها، نهى البائعَ والمبتاعَ - أي المشتري " [البخاري: البيوع، باب: بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، رقم: 2082. ومسلم: البيوع، باب: النهي عن بيع الثمار قبل بدوّ صلاحها، رقم: 1534].
وحكمة التشريع واضحة في واقع الناس، فقلّما تجد المتعاملين بهذا، أي الذين يَضْمَنُون ويُضمِّنون بلغة العامة، إلا ويختلفون ويختصمون، وربما أدّى ذلك إلى إراقة الدماء أحياناً، نتيجة مخالفتهم لشرع الله عزّ وجل وإعراضهم عن نهيه - صلى الله عليه وسلم - وبيان حكمته، فأحرى بالمؤمنين، بل وبالناس أجمعين، أن يلتزموا شرع الله تعالى، لتكون لهم السعادة والرضا، ومَن ترك شيئاً لله عزّ وجل عوّضه الله تعالى خيراً منه.
وأما بيعه بعد بدوّ صلاحه وظهور نضجه فجائز، ودلّ على ذلك مفهوم الحديث السابق وغيره من الأحاديث التي سيأتي بعضها، فالنهى عن بيعها قبل بدوّ صلاحها يُفهم منه جواز بيعها بعد بدوّ صلاحها، والحكمة في ذلك واضحة: فإن آفات الثمار تصبح مأمونة غالباً بعد ذلك، لغلَظ الثمرة وكبر نواها، وأما قبله فتسرع إليها الآفات لضعف الثمر وصغَر نواه، ونحو ذلك.
فإذا بيع الثمر بعد نضجه كان للمشتري أن يُبْقيه على الشجر إلى أوان قطفه وقطعه، حسب العُرف الجاري والعادة المعمول بها، إلا إذا شرط البائع قطعه في الحال.
وضابط بدوّ الصلاح وظهور النضج:
فيما كان يتلوّن: أن يحمرّ أو يصفّر أو تظهر عليه علامات نضجه المعهودة.
وفي غير المتلوّن: أن تظهر عليه مبادئ النضج، ويتحقق فيه ما يُقصد منه، كحموضة أو حلاوة ولين تين، ونحو ذلك.
وفي الحديث: " نهى أن تُباع ثمرة النخل حتى تزهو، أو: يزهو. قيل: وما يزهو؟ قال: يَحْمَارُّ أو يصفارّ " وفيه: " حتى تُشْقِحَ. فقيل: ما تُشْقِحَ؟ قال: تحمارُّ وتصفارُّ ويُؤكَلُ منها ". [البخاري ومسلم: المواضع المشار إليها قبل قليل].
هذا ويجوز بيع الثمار قبل نضجها بشرط القطع، إذا كانت يُنتفع بها، كحصرم مثلاً، لانتفاء المانع من البيع وهو الغرر بإبقائها، وتحقق شرط المبيع وهو أن يكون منتفعاً به. فإذا كان المقطوع لا ينتفع به لم يصحّ، وكذلك إذا بيعت بشرط الإبقاء لما سبق، ومثل شرط الإبقاء إذا بيعت بدون شرط وكان العرف جارياً بإبقائها، فهو باطل، لأن المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، فيٌقام جريان العرف بإبقائه مقام شرط إبقائه فيبطل.
ومثل الثمر في كل ما سبق الزرع، لأنه في معناه، إذ المقصود منهما واحد، والله تعالى أعلم.
وهي بيوع إما فيها جهالة بالمبيع أو خلل في إرادة العاقدين، ومما نُصًّ عليه من هذه البيوع:
بيع المنابذة أو الملامسة: وهو أن يتبايعا أحد المبيعات دون تعيين، فإذا نبذ - أي ألقى - البائع أحدها ولمس المشتري أحدها كان هو المبيع. ومنها أن يبيعه الثوب - مثلاً - في الظلمة، فيلمسه دون أن يراه.
أو أن يتبايعا مبيعاً معيناً، على أنه متى نبذه البائع أو لمسه المشتري فقد وجب البيع ولزم. وواضح أن في الصورة الأولى جهالة في المبيع، وفي الصورة الثانية خللاً في إرادة المتبايعين، لأنه لا يُدرى متى يلقي ذاك أو يلمس هذا ليُلزم الآخر بالبيع.
وقد روى أبو سعيد الخدري رضي اله عنه قال: " نهى رسول الله ﷺ عن المُلاَمَسَةِ والمنابَذَةِ في البيع ".
وقد جاء تفسيرهما عن راوي الحديث إذ قال: [والملامسة: لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار، ولا يقلِبُهُ إلا بذلك. المنابذة: أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه، وينبذ الآخر إليه ثوبه، ويكون ذلك بيعهما من غير نظر ولا تراضٍ].
[رواه البخاري في اللباس، باب: اشتمال الصمّاء، رقم: 5482. ومسلم: البيوع، باب: إبطال بيع الملامسة والمنابذة، رقم: 1512].
ومثل المنابذة الملامسة في المعنى: بيع الحصاة، وهو أن يتبايعا إحدى السلع، على أن يلقي أحدهما حصاة، فعلى أيّها وقعت كان هو المبيع، وقد ورد النهي عنه وحكم الفقهاء ببطلانه لما فيه من الجهالة والخلل في إرادة العاقدين.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه: " أنّ النبيَّ ﷺ نهى عن بَيْع الحَصَاةِ" [أخرجه مسلم في البيوع، باب: بطلان بيع الحصاة والبيع الذي فيه غرر، رقم: 1513].
ومثله ما يجري الآن من وضع أشياء في أماكن، وتدار عليها خشبة أو حديدة، فأيّ شيء وقفت عنده الحديدة أو الخشبة ثبت بيعه للمشتري بقيمة معينة. وكذلك إذا وضع للأشياء أرقام، وأديرت دواليب ذات أرقام، فإذا وقفت عند أرقام يحملها أحد الأشياء كان هو المبيع، ولزم البيع.
وهو أن يذكر في صيغة العقد عقدان في آن واحد، كأن يقول البائع: بعتك هذه الدار - مثلاً - بألف نقداً وبألفين تقسيطاً أو إلى سنة. فيقبل المشتري البيع بالنقد أو بالتقسيط. أو أن يقول: بعتك هذه السيارة - مثلاً بألف - على أن تبيعني دارك بألفين. فهذا النوع من البيوع منهيُّ عنه وباطل، للجهل بالثمن في الصورة الأولى، والتعليق على الشرط في الصورة الثانية.
روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: " نهى رسول الله ﷺ عن بّيْعَتَيْنِ في بَيْعَةٍ ".
[أخرجه الترمذي في البيوع، باب: ما جاء في النهي عن بيعتين في بيعه، رقم: 1231، كما أخرجه النسائي وأحمد].
[البيع بالتقسيط:]
وبالمناسبة نبيِّن أن البيع بالتقسيط لا مانع منه وهو صحيح، شريطة أن لا يذكر في صيغة العقد السعران، كما سبق، فيكون بيعتين في بيعة، وهو باطل كما علمت. أما لو تساوم المتبايعان على السعر قبل إجراء العقد، ثم اتفقا في نهاية المساومة على البيع تقسيطاً، وعقد العقد على ذلك، فإن العقد صحيح، ولا حرمة فيه ولا إثم، حتى ولو ذكر السعر نقداً أثناء المساومة، طالما أنه لم يتعرض له أثناء إنشاء العقد.
وينبغي أن ينتفي من الأذهان أن في هذا العقد رِباً، لأن الفارق بين السعرين هو في مقابل الأجل. لأننا نقول: إن الربا هو الزيادة التي يأخذها أحد المتعاملين من الآخر من جنس ما أعطاه، مقابل الأجل. كأن يقرضه ألف درهم مثلا، على أن يأخذها منه بعد شهر ألفاً ومائة، أو أن يبيعه ألف صاع حنطة مثلاً بألف صاع ومائة من الحنطة، يعطيها له الآن أو بعد أجل، كما ستعلم في باب الربا. أما أن يعطيه سلعة قيمتها الآن ألف، فيبيعها له بألف ومائة إلى أجل أو تقسيطاً، فهذا ليس من الربا في شيء، بل هو نوع من التسامح في التعامل والتيسير، لأنه أعطاه سلعة ولم يعطه دراهم أو غيرها، ولم يأخذ منه زيادة من جنس ما أعطاه، ولا شك أن للحلول فضلاً على الأجل، فكل الناس يؤثر الأقل الحال - أي الذي يُدفع الآن - على الكثير الذي يُدفع بعد حين.
وهو أن يبيعه شيئاً على أن يعطيه جزءاً من الثمن، يكون هبة للبائع إن لم يتم البيع، وإن تم البيع حُسب من الثمن. فهو منهي عنه وباطل لأن فيه شرطاً فاسداً، وهو الهبة للبائع.
روى عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله ﷺ عن بيع العُرْبان ".
[أخرجه أبو داود في البيوع والإجارات، باب: في العُربان، رقم: 3502 كما أخرجه ابن ماجه في التجارات].
[والعُرْبان لغة في العُرْبون].
هذا وينبغي التنبيه على أن المحرم والباطل هو الذي شُرط فيه ذلك أثناء العقد، أما لو لم يُشرط ذلك في العقد، وبعد تمام العقد طالب البائع بقسط من الثمن عربوناً فلا بأس، ولكن لا يحلّ له إذا فُسخ العقد فيما بعد إلا برضا المشتري.
وهو أن يكون - مثلاً - لشخص دين على آخر، ولثالث دين على الأول، فيبيع أحد الدائِنَيْن دَيْنه من الآخر بالدَّيْن الذي له على الثالث فهذا البيع وأمثاله منهيُّ عنه وباطل، لعدم القدرة على تسليم المبيع.
وروى ابن عمر رضي الله عنهما: " أن النبيﷺ نهى عن بيعِ الكَالِئِ بالكَالِئ " [أخرجه الدارقطني في البيع، رقم الحديث: 269].
[والكالئ هو الدَّيْن، من كلأ يكلأ إذا تأخر، فهو كالئ]
وفسره بعضهم بأن يشتري أحد سلعة يستلمها بعد أجل معين، ويسلم ثمنها الآن، فإذا حلّ الأجل وعجز البائع عن تسليم السلعة قال للمشتري: بعني هذه السلعة بكذا إلى أجل. وهذا باطل أيضاً.
ومن صور بيع الدَّيْن بالدَّيْن: أن يبيعه لمن عليه الدَّيْن أيضاً بدين.
وكذلك لو باع الدين الذي له على شخص بعين - أي سلعة حاضرة، أو قدر من المال يبرزه ويدفعه - لشخص آخر غير مَنْ عليه الدين، فهو باطل أيضاً، لعدم القدرة على تسليم المبيع.
أما لو باع الدين بعين لمن هو عليه الدين، كأن باعه الألف التي له في ذمّته بسجادة مثلاً، أو خمسمائة يخرجها مَنْ عليه الدين ويدفعها، صحّ هذا البيع، لأنه في معنى الصلح، وهو جائز كما ستعلم إن شاء الله تعالى.
ويستدل أيضاً لهذه الصورة بحديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: أتيت النبي ﷺ فقلت: إني أبيع الإبل بالبَقِيعِ، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ بالدنانير؟ فقال: " لا بأسَ أنْ تَأخُذّ بسعرِ يومِها، ما لم تَفْتَرِقا وبينَكُما شيءٌ " [انظر: الترمذي: البيوع، باب: في اقتضاء الذهب من الورق، رقم: 3354 كما أخرجه باقي أصحاب السنن والإمام أحمد].
فقوله: (أبيع بالدنانير ... ) أي ديناً، لأنه لم يقبضها، ثم يستبدل بها دراهم يقبضها، فهذا بيع للدين بعين ممّن عليه الدين. والبقيع: اسم موضع فيه قبور أهل المدينة، وكان سوقاً للتجار.
وذلك بأن يشتري إنسان سلعة أو بضاعة، ثم يبيعها قبل أن يقبضها. فهو بيع منهي عنه وباطل، لما علمنا أن المبيع لم يدخل في ضمان المشتري قبل قبضه، فلا يملك أن يبيعه. روى ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبيﷺ قال: " من ابْتَاعَ طعاماً فلا يَبِعْهُ حتَّى يَقْبِضَهُ ".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [أما الذي نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو الطعام أن يُبَاع حتى يُقبَضَ]. قال ابن عباس: [ولا أحسَبُ كلّ شيء إلا مثْلَهُ]. [البخاري: البيوع، باب: بيع الطعام قبل أن يقبض وبيع ما ليس عندك 2028، 2029. مسلم: البيوع، باب: بطلان بيع المبيع قبل القبض، رقم: 1525، 1527].
وهذا إذا كان البيع لغير البائع الأول، فإذا كان البيع لنفس البائع الأول كان باطلاً أيضاً إذا كان بغير الثمن الأول أو بمثله، لأنه بيع يدخل في عموم النهي.
أما إذا باعه للبائع الأول بنفس الثمن الذي اشتراه به، أو بمثله إن تلف الثمن الأول، كان صحيحاً، لأنه في الحقيقة إقالة من البيع الأول وليس بيعاً جديداً، وإن كان على صورة البيع.
وهي البيوع التي ورد النهي عنها لا لنقص في أركانها ولا لخلل في شروطها، وإنما لأمر خارج عنها، ولذا يحكم بصحتها مع ثبوت التحريم لها والإثم على فاعلها. وهذه البيوع هي:
وهي الناقة أو البقرة أو الشاة، يترك حلبها عمداً أياماً ليجتمع اللبن في ضَرعها، فيتوهم المشتري كثرة اللبن فيها على الدوام، فيرغب بشرائها، وربما زاد في ثمنها.
فإذا وقع الشراء كان العقد صحيحاً، ولكن مع الحرمة، لما فيه من الغش والتدليس. فإذا علم المشتري بذلك ثبت له خيار الردّ على الفور، لأنه في حكم خيار الرد بالعيب، فإذا ردّها وكان قد حلبها ردّ معها صاعاً من تمر بدل اللبن الذي أخذه، أو ردّ اللبن نفسه إذا رضي البائع بذلك.
وإن رضي بالشاة مع العلم بالتصرية لم يكن له شيء.
ودليل ما سبق: حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبيﷺ قال: "لا تُصَرُّوا الإبل والغنم، فمن ابْتَاعها بعدَ ذلك فهو بخير النَّظَرّيْنِ بعد أن يَحْلُبها: إن رضيها أمسكَها، وإن سَخِطَها ردّها وصاعاً من تمر". [أخرجه البخاري في البيوع، باب: النهي أن لا يحفل الإبل .. ، رقم: 2041. ومسلم في البيوع، باب: تحريم بيع حبل الحبلة، رقم 1515].
ويقاس على الإبل والغنم غيرهما مما يتحقق فيه هذا المعنى، ولا سيما الحيوان المأكول اللحم.
وهو أن يزيد شخص في ثمن السلعة وهو لا يقصد الشراء، وإنما ليوهم غيره نفاستها، فيشتريها بأكثر من ثمنها. واصل النجش الاستتار، لأنه يستر قصده.
وهذا العمل حرام، لما رواه عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: " نهى النبي ﷺ عن النَّجْش ". [أخرجه البخاري في البيوع، باب: النجش، رقم: 2035. ومسلم في البيوع، باب: تحريم بيع الرجل على بيع أخيه ... ، رقم: 1516] فإذا حصل الشراء كان صحيحاً.
فإذا قام الدليل على أن ذلك كان بتواطؤ بين البائع والناجش كانت الحرمة عليهما، وكان البائع غارّاً وغاشّاً للمشتري ومدلِّساً عليه، فيثبت له بذلك حق الخيار. وإن لم يثبت أن ذلك كان بتواطؤ منهما لم يكن للمشتري الخيار، لأنه مقصِّر في التحرِّي والبحث.
وهو أن يَقْدَم رجل من سفر - من بادية أو غيرها - ومعه متاع يريد بيعه، وأهل البلد في حاجة إليه، فيقول له من آخر من أهل البلد: لا تبع حتى أبيع لك هذه البضاعة شيئاً فشيئاً، ويزداد الثمن.
فمثل هذا العمل حرام، لما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: " لا يَبْع حاضِرٌ لبادٍ ". فقيل لابن عباس: ما قوله: " لا يبع حاضر لبادٍ"؟ قال: (لا يكون سمساراً) [أخرجه البخاري في البيوع، باب: هل يبيع حاضر لبادٍ بغير أجر ... ، رقم: 2050. ومسلم في البيوع، باب: تحريم بيع الحاضر للبادي، رقم: 1521].
وسبب النهي والتحريم ما في ذلك من تضييق على الناس.
وينبغي التنبيه إلى أن هذا لا ينطبق على ما يفعله اليوم الوسطاء، حين يقومون ببيع البضائع لمن يجلبونها إلى البلد، لأن معنى التضييق لأهل البلد غير وارد، بل ربما كان عملهم تسهيلاً وتيسيراً على المنتج والمستهلك.
وهو أن يخرج التاجر إلى خارج البلد، فيستقبل القادمين بالبضائع، ويوهمهم أن ما معهم من السِّلَع كاسد في البلد، وأن أسعارها بخسة، ليشتريها منهم بأقل من ثمنها.
فإذا اشترى منهم هذه البضائع كان البيع صحيحاً مع حرمته، لما فيه من الخداع، وقد دل على ذلك قولهﷺ في حديث ابن عباس رضي الله عنهما السابق: " لا تَتَلَقَّوْا الرُّكْبَان ".
فإذا نزل أصحاب البضائع السوق وعرفوا الأسعار، وبانَ لهم أنهم مغبونون بالثمن، ثبت لهم خيار فسخ البيع.
روى أبو هريرة رضي الله عنه قال " نهى النبي ﷺ أن يُتَلَقَّى الجَلَبُ، فإن تلقاه إنسانٌ فابتاعَهُ فصاحب السلعةِ فيها بالخيارِ إذا ورد السوق ". [انظر مسلم: البيوع، باب: تحريم تلقي الجلب، كما أخرجه أصحاب السنن].
وهو أن يشتري البضائع التي تعتبر أقواتاً للناس من الأسواق، ولا سيما عند حاجة الناس إليها، فيجمعها عنده ولا يظهرها، ليرتفع ثمنها أكثر فأكثر، فيبيعها شيئاً فشيئا مستغلاً حاجة الناس.
فمثل هذا التصرف حرام، لما رواه معمر بن عبدالله العدوي رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: " لا يحتكر إلى خاطئ" [أخرجه مسلم في المساقاة، باب تحريم الاحتكار في الأقوات، رقم 1605].
[والخاطئ هو المذنب العاصي].
فإذا صار الناس في حاجة شديدة إلى هذه الأقوات، أو ضرورة، أُجبر المحتكر على بيعها بالسعر المناسب، فإن أبى باعها القاضي عليه وأدى له ثمنها.
وهذا ينبغي أن يعلم أن شراء مثل هذه البضائع في المواسم وحال توفرها في الأسواق، من أجل ادّخارها لتباع وقت الحاجة إليها، كما يفعل الكثيرون من التجّار حين يشترون الجبن مثلاً، وكما تفعل المعامل حين تُصَنِّع بعض الأغذية وتحفظها من الفساد، لينتفع الناس بها حين عدم توفرها، كل ذلك ليس باحتكار، وإنما هو تجارة مشروعة وعمل نافع، وقد يكون في ذلك خير العباد والبلاد، ويؤجر هؤلاء الذين يحفظون الفائض عن الحاجة في موسمه ليتوفر في أوقات أخرى، لا سيما لأولئك الناس الذين قد لا يتمكنون من ادّخار الأقوات، وما يسمىٰ (المونة) في بعض البلدان اليوم.
أما البيع: فهو أن يجئ إلى من اشترى شيئاً وهو مدة الخيار فيقول له: أنا أبيعك أجود مما اشتريت بنفس الثمن، أو أبيعك مثله بأقل من هذا الثمن.
وأما السَّوْم: فأن يكون رجل يسوم سلعة، وربما اتفق مع صاحبها على ثمن، فيأتي آخر ويعرض على صاحب السلعة ثمناً أكبر ليبيعها له. أو أن يعرض على المشتري سلعة مثلها بثمن أقل، أو أنفس منها بنفس الثمن.
فكل ذلك حرام، لما رواه أبو هريرة وابن عمر رضي الله عنهما من قوله ﷺ: " لا بيع الرجُلُ على بيع أخيه ". وقوله: " لا يَسُمِ المسلمُ على سَوْمِ أخيه " [البخاري: البيوع، باب: لا يبيع على بيع أخيه ... ، رقم: 2023. ومسلم: البيوع، باب: تحريم بيع الرجل على بيع أخيه .. ، رقم: 1515].
والحكمة من تحريم هذه الأمور: ما فيها من إخلال بالمروءة، وإيغار للصدور، وزرع للبغضاء وإثارة للنزاع والشحناء، وإفساد للمجتمعات بقطع الصلات وإلقاء العداوة بين الناس، مما يتنافى مع حرص الإسلام على تآلف المجتمعات، وتمتين الروابط بين الناس وتحسين الصلات.
إذا علم أن فلاناً من الناس كل ماله حرام، كأن كان ثمن محرم بيعه كخمرٍ أو خنزير أو ميتة أو كلب، أو كسبه بطريق غير مشروع، كاليانصيب مثلاً أو رشوة، أو أُجرة على محرم ونحو ذلك، فإنه يحرم بيعه كما يحرم الشراء منه، وكذلك كل أنواع التعامل معه كإجارة أو عارية أو نحو ذلك. كما يحرم الأكل من طعامه.
فإذا لم يكن كل ماله حراماً، بل كان مخلوطاً من حرام وحلال، كره التعامل معه بجميع الأوجه التي سبقت.
دلّ على ذلك: ما رواه النعمانُ بن بشير رضي الله عنه: أن رسول اللهﷺ قال: " الحلال بَيِّنٌ والحرامُ بَيِّنٌ، وبينهما أمورٌ مشتبهاتٌ لا يعلمُها كثيرُ من الناس فمَن اتَّقَى الشبهات فقد اسْتَبْرَأَ لدينه وعرضْه، ومَن وقَع في الشبهات وقع في الحرامِ " [أخرجه البخاري في الإيمان، باب فضل مَن استبرأ لدينه، رقم: 152. ومسلم: المساقاة، باب: أخذ الحلال وترك الشبهات، رقم: 1599].
1 - السماحة في البيع والشراء: وذلك بأن يتساهل البائع في الثمن فينقص منه، والمشتري في المبيع فلا يتشدد في الشروط، وفي الثمن فيزيد فيه، وأن يتساهل مع المعسر بالثمن فيؤجله إلى وقت يساره، وإذا طالبه بدينه فلا يشدد عليه ولا يحرجه.
روى جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: " رحم الله رجلاً سَمْحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقْتضى - أي طالب بدينه - " [أخرجه البخاري في البيوع، باب: السهولة والسماحة في الشراء والبيع .. ، رقم: 1970].
2 - الصدق في المعاملة: بأن لا يكذب في إخباره عن نوع البضاعة ونفاستها، أو مصدر صنعها ونحو ذلك، وكذلك لا يدّعي ن تكاليفها أو رأس مالها أكثر مما يعطيه المشتري من الثمن، إلى غير ذلك، بل يصدق في كل هذا فيما لو سئل وينصح.
عن رفاعة رضي الله عنه: أنه خرج مع النبي ﷺ إلى المصلى، فرأى الناس يتبايعون فقال: " يا معشر التُّجار ". فاستجابوا لرسول الله ﷺ ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه، فقال: الترمذي " إنّ التجارّ وصححه، يُبعثُون يومَ القيامة فُجّاراً، إلا من اتقى الله وَبَرّ وصَدَقَ " [أخرجه الترمذي في البيوع وصححه، باب: ما جاء من في التجار وتسمية النبي ﷺ إياهم، رقم: 1210].
[بَرّ: أحسن في المعاملة].
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: " التّاجرُ الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء " [الترمذي: البيوع، باب: ما جاء في التجار وتسمية النبيﷺ إياهم، رقم: 1208].
وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: " البَيِّعان بالخيار ما لم يتفرِّقا - أو قال " حتى يتفرّقا - فإنْ صَدَقا وبيِّنا بُورك لهما في بيعهما، وإنْ كتَما وكَذَبا مُحقَتْ بركة بيعهما " [البخاري: البيوع، باب: ما يمحق الكذب والكتمان في البيع، رقم: 1976. ومسلم: البيوع، باب: الصدق في البيع والبيان، رقم: 1532].
3 - عدم الحلف ولو كان صادقاً: ومن آداب البيع والشراء ودلائل الصدق فيه عدم الإكثار من الحلف، بل عدم الحلف مطلقاً، حال كونه صادقاً في البيع، لأن في ذلك امتهاناً لاسم الله تعالى، وقد قال جلّ وعلا: {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ} [البقرة224].
وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: " الحلفُ مَنفْقَة للسلعة، ممحقَةٌ للبركة " البخاري: البيوع، باب: (يمحق الله الربا ويربى الصدقات ... ) رقم: 1981. مسلم: المساقاة، باب: النهي عن الحلف في البيع، رقم: 1606].
وليحذر كل الحذر أولئك الذين يروِّجون بضائعهم ويغرون زبائنهم بالأيمان الكاذبة، فعن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: " ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ". قلنا: من هم يا رسول الله فقد خاُبوا وخسرُوا؟ فقال: " المنَّان، والمُسْبل إزارهُ، والمُنفق سلْعته بالحَلف الكاذب " [أخرجه مسلم في الإيمان، باب: غلظ تحريم إسبال الإزار ... رقم: 106] [وإسبال الإزار: المراد به إطالة الثياب تكبراً وتعالياً].
4 - الإكثار من الصدقات في الأسواق وحال البياعات: عسى أن يكون ذلك تكفيراً لما قد يقع من حلف لم ينتبه إليه، أو غش بسبب عيب لم يفطن البائع إلى بيانه، أو غبن في السعر، أو سوء خلق أو ما إلى ذلك.
روى قيس بن أبي غرزة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله ﷺ ونحن نسمَّي السماسرة، فقال: " يا معشَرَ التجار، إنَّ الشيطان والإثْم يحْضُرَانِ البيع، فشُوبُوا بيعكُم بالصدقة " [أخرجه الترمذي في البيوع، باب: ما جاء في التجار وتسمية النبي ﷺ إياهم، رقم 1208. كما أخرجه أبو داود وابن ماجه].
[وقوله: " شوبوا " أي اخلطوا].
5 - الكتابة والإشهاد: إذا كان البيع بالنسيئة - أي أن الثمن مؤخر إلى أجل - استحب كتابة العقد وبيان مقدار هذا الدين وأصله وما يتعلق بذلك مما ينفي المنازعة، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282].
كما يُستحب الإشهاد علىٰ هذا البيع وعلىٰ كتابة الدين، لقوله تعالىٰ في الآية المذكورة: {وَاستَشهِدوا شَهيدَينِ مِن رِجالِكُم فَإِن لَم يَكونا رَجُلَينِ فَرَجُلٌ وَامرَأَتانِ مِمَّن تَرضَونَ مِنَ الشُّهَداءِ}
ففي ذلك مزيد من الضمان للحق، وتمتين للثقة والتعاون بين المسلمين،
قال تعالى: {وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ} أي أقرب إلى الحق وأعدل بين الناس، والتبديل للحق، الذي يغلب أن يؤدي إلى فقد الثقة وعدم التداين بين الناس، وفي ذلك من التضييق ما فيه.
وكذلك يستحب الإشهاد على التبايع ولو لم يكن في ذلك تداين، وكان البيع مع نقد الثمن وتسليم المبيع، كي لا يقع إنكار للعقد أو شيء من شروطه، فيحصل النزاع والتخاصم، وامتثالاً لأمر الله عز وجل إذ يقول: {وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ}.