المحتويات:
القصر والجمع
كيف تكون صلاة المسافر
أولاًـ القصر
ثانياًـ الجمع
وينقسم جمع الصلاة إلى قسمين
الصلوات التي يُجْمَع بينها
شروط جمع التقديم
شروط جمع التأخير
شروط السفر الذي يباح فيه القصر والجمع
الجمع بين الصلاتين في المطر
مقدمة
يقول الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78].
أي إنه سبحانه وتعالى لم يشرع من أحكام الدين ما يوقعكم في الجهد والعنت، ويجعلكم في حيرة من أمركم. فحيثما يقع المسلم في ضيق يوسع الله له في أمر دينه، كي تظل أحكامه مقبولة متحملة.
والسفر قطعة من العذاب، يفقد فيه الإنسان استقراره وأسباب راحته، مهما كانت وسيلة السفر، ومهما كان نوع العمل الذي سافر من أجله.
من أجل ذلك خفف الله تعالى عن المسافر كثيراً من أحكام دينه، ومنها الصلاة. وسنقف في هذا البحث على كيفية التخفيف وشروطه، وكيفية الاستفادة منه.
رَخَّص الله للمسافر في صلاته رخصتين:
أولاهما: اختصار في كمية الركعات، ويسمى "قصراً".
الثانية: ضم إحداهما إلى الأخرى في الأداء، ليكتسب المسافر أوسع وقت ممكن من الفراغ، ويسمى "الجمع بين الصلاتين".
هو أن تؤدّى الصلاة الرباعية، كالظهر والعصر والعشاء، ركعتين بدلاً من أربع، كما سنرى فيما يأتي من أدلة.
والأصل في مشروعية القصر قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101]. [ضربتم: سافرتم].
روى مسلم (686) وغيره، عن يعلى بن أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا}، فقد أَمِنَ الناس؟ فقال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فقال: "صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بها عَلَيْكُمْ، فاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ".
وهذا يدل على أن قصر الصلاة ليس خاصاً بحالة الخوف.
1ـ أن تتعلق بذمته في السفر، ويؤديها أيضاً في السفر:
فخرج بهذا الشرط الصلاة التي دخل وقتها قبل أن يسافر، ثم سافر قبل أن يصليها، فلا يجوز أن يصليها قصراً، لأنه لم يكن مسافراً حين وجبت عليه وتعلقت بذمته.
وخرج أيضاً الصلاة التي دخل وقتها وهو مسافر، ولكنه لم يصلها حتى رجع إلى بلده، فلا يجوز أن يصليها أيضاً قصراً، لأنه حين أدائها ليس بمسافر، والقصر للمسافر.
2ـ أن يتجاوز سور البلد التي يسافر منها، أو يتجاوز عمرانها إن لم يكن لها سور:
لأن من كان داخل سور البلد أو عمرانها ليس بمسافر.
أي فالسفر إنما يبدأ من لحظة هذا التجاوز، كما أنه ينتهي بالوصول رجوعاً إلى تلك المنطقة.
وإذاً فهو لا يقصر من الصلاة إلا ما تعلق بذمته وفعله وضمن هذه الفترة.
روى البخاري (1039)، ومسلم (690)، عن أنس - رضي الله عنه - قال: صليت الظهر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة أربعاً، والعصر بذي الحليف ركعتين. وذو الحليفة خارج عمران المدينة.
3ـ أن لا ينوي المسافر إقامة أربعة أيام غير يومي الدخول والرجوع، في المكان الذي يسافر إليه:
فإذا نوى ذلك، أصبحت البلدة التي يسافر إليها في حكم موطنه ومحل إقامته، فلم يعد يجوز له القصر فيها، ويبقى له حق القصر في الطريق فقط.
أما إذا كان ناوياً أن يقيم أقل من أربعة أيام، أو كان لا يعلم مدة بقائه فيها، لعملِِ يعالجه ولا يدري متى يُتِمَّه: قصر في الحالة الأولى إلى أن يعود إلى خطة العمران من بلده، وقصر في الحالة الثانية إلى ثمانية عشر يوماً غير يومي دخول وخروجه.
روى أبو داود (1229)، عن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال: "غَزَوْتُ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وشهدت معه الفتح، فأقامَ بمكة ثماني عشرة ليلةً، لا يصلي إلاّ رَكْعَتَيْنِ".
لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام هذه المدة بمكة عام الفتح لحرب هوازن يقتصر الصلاة، ولم يكن يعلم المدة التي سيضطر إلى بقائها.
4ـ أن لا يقتدي بمقيم:
فإن اقتدى به وجب عليه أن يتابعه في الإتمام، ولم يجز له القصر.
أما العكس فلا مانع من القصر فيه، وهو أن يؤم المسافر مقيمين، فله أن يقصر. ويسن له إذا سلم على رأس ركعتين أن يبادر المقتدين فيقول لهم: أتمّوا صلاتكم فإني مسافر.
دليل ذلك ما رواه أحمد بسند صحيح عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه سئل: ما بالُ المسافر يصلي ركعتينِ إذا انْفَرَدَ، وأرْبَعاً إذا ائْتَمَّ بمُقِيمِِ؟ فقال: تلكَ هي السُّنَّة.
وجاء في حديث عمران - رضي الله عنه - السابق، ويقول: "يا أهل البلد صلوا أربعاً، فإنا قومٌ سَفْرٌ".
وقد عرفت معناه قبل قليل.
روى البخاري (1056)، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين صلاة الظهر والعصر إذا كان على ظَهْرِ سَيْرِِ، ويجمع بين المغرب والعشاء. [على ظَهْرِ سَيْرِِ: أي مسافراً].
وروى مسلم (705) عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جَمَعَ بين الصلاة في سَفرةِِ سافَرْنَاهَا في غزوةِ تبوك، فَجَمَعَ بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء. قال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى: قلت لابن عباس - رضي الله عنه -: ما حَمَلَهُ على ذلك؟ قال أراد أن لا يُحْرِج أُمَّتَه.
جمع تقديم، بأن يقدِّم المتأخرة إلى وقت الأولى.
وجمع تأخير، بأن يؤخر المتقدمة إلى وقت الثانية.
روى أبو داود (1208)؛ والترمذي (553) وغيرهما، عن معاذ - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في غزوة تبوك
إذا ارْتَحَلَ قبل أن ترتفعَ الشمسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حتى يَجْمَعَها إلى العصر يصلِّيهما جميعاً.
وإذا ارْتَحَلَ بعد زَيْغِ الشمسِ صلَّى الظُهرَ والعَصْرَ جميعاً ثم سار.
وكان إذا ارْتَحَلَ قبل المغربِ أَخَّرَ المغربَ حتى يُصَلِّيها مع العشاء.
وإذا ارتحل بعد المغربِ عَجَّلَ العشاءَ، فَصَلاها مع المغرب.
عُلِمَ مما سبق أن الصلوات التي يصلح أن يُجْمَعَ بينها:
هي الظهر مع العصر.
والمغرب مع العشاء.
فلا يصح أن يجمع الصبح مع ما قبله أو بعده، كما لا يجمع بين العصر والمغرب.
هذا وإن لكل من جَمْعِ التقديم والتأخير شروطاً ينبغي مراعاتها.
فلنذكر شروط كلِِ منهما.
أولاً: الترتيب بينهما.
بأن يبدأ الصلاة الأولى صاحبة الوقت، ثم يتبعها بالأخرى.
ثانياً: أن ينوي جمع الثانية مع الأولى قبل فراغه من الصلاة الأولى.
ولكن يسن أن تكون النية مع تكبيرة الإحرام بها.
ثالثاً: الموالاة بينهما.
بأن يبادر إلى الثانية فور فراغه من الأولى وتسليمه منها، لا يفرق بينهما بشيء من ذكر أو سنة أو غير ذلك؛ فإن فرق بينهما بشيء طويل عُرْفاً، أو أخَّر الثانية بدون أن يشغل نفسه بشيء بطل الجمع، ووجب تأخيرها إلى وقتها. اتباعاً للنبي - صلى الله عليه وسلم - في كل ذلك.
روى البخاري (1041)، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ يؤخر المغرب فيصليها ثلاثاً، ثم يسلّم، ثم قلما يلبث حتى يقيم العشاء، فيصليها ركعتين، ثم يسلّم.
رابعاً: أن يدوم سفره إلى تلبّسه بالثانية.
أي فلا يضر أن يصل إلى بلده أثناءها.
أولاً: أن ينوي جمع الأولى تأخيراً خلال وقتها الأصلي.
فلو خرج وقت الظهر وهو لم ينو جمعها مع العصر تأخيراً، أصبحت متعلقة بذمته على وجه القضاء، وأَثِمَ في التأخير.
ثانياً: أن يدوم سفره إلى أن يفرغ من الصلاتين معاً.
فلو أقام قبل الفراغ النهائي منهما أصبحت المؤخَرَة قضاء.
ولا يرد هنا شرط الترتيب بينهما، بل يبدأ بما شاء منهما، كما أن الموالاة بينهما ـ هنا ـ سُنَّة وليست شرطاً لصحة الجمع.
الشرط الأول:
أن يكون السفر طويلاً تبلغ مسافته 81 كم فصاعداً، فلا يعتد بالسفر الذي يكون دون ذلك.
روى البخاري تعليقاً في (تقصير الصلاة، باب: في كم تقصر الصلاة): وكان ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما يُقْصِران ويُفْطِران في أربعة بُرُدِِ، وهي ستة عشر فرسخاً، وتساوي 81 كم تقريباً.
ومثلهما يفعلان توفيقاً، أي بعلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
الشرط الثاني:
أن يكون السفر إلى جهة معينة مقصودة بذاتها، فلا يعتد بسفر رجل هائم على وجهه ليست له وجهة معينة، ولا بسفر من يتبع قائده مثلاً وهو لا يدري أين يذهب به.
وهذا قبل بلوغه مسافة السفر الطويل، فإن قطعها قصر، لِتَيَقُّنِ طول السفر.
الشرط الثالث:
أن لا يكون الغرض من السفر الوصول إلى أي معصية، فإن كان كذلك لم يعتدَّ بذلك السفر أيضاً، كمن يسافر ليتاجر بخمرِِ أو ليُرَابي أو ليقطع طريقاً، لأن القصر رخصة، والرخصة إنما شرعت للأمانة، ولذلك لا تناط بالمعاصي، أي لا تتعلق بما فيه معصية.
يجوز الجمع بين صلاتين تقديماً في المطر.
روى البخاري (518)، ومسلم (705)، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بالمدينة سبعاً وثمانياً: الظهر والعصر، والمغرب والعشاء. زاد مسلم: من غير خوف ولا سفرِِ. وعند البخاري: فقال أيوب ـ أحد رواة الحديث ـ: لعله في ليلة مطيرة؟ قال: عَسَى. وعند مسلم: قال ابن عباس رضي الله عنهما: أراد أن لا يُحْرِج أحداً من أمته.
ولا يجوز جمعهما في وقت الثانية، لأنه ربما انقطع المطر، فيكون أخرج الصلاة عن وقتها بغير عذر.
ويشترط لهذا الجمع الشروط التالية:
1ـ أن تكون الصلاة جماعة بمسجد بعيد عُرفاً، يتأذى المسلم بالمطر في طريقه إليه.
2ـ استدامة المطر أول الصلاتين، وعند السلام من الأولى.