المحتويات:
تعريفها
مشروعيتها
حكمة المشروعية
أركان الشفعة
شروط الأخذ بالشفعة
أحكام الشفعة
الشفعة - بضم الشين وسكون الفاء - هي في اللغة: من الشفع بمعنى الضم.
وفي اصطلاح الفقهاء: حق تملك قهري، يثبت للشريك القديم على الحادث، فيما ملك بعِوض، بما ملك به، لدفع الضرر.
فالشُّفعَة حق أثبته الشرع، يتملك به الشريك الأول ما باعه شريكه لغيره، كما إذا كان اثنان شريكين في دار، فباع أحدهما حصته لغير شريكه، فلشريكه الحق أن يأخذ هذه الحصة من المشتري - الذي صار شريكاً جديداً له - بغير رضاه، بمثل الثمن الذي دفعه وهذا خلاف الأصل الثابت في التملك شرعاً: أن يكون برضا المالك.
وسمى هذا الحق شفعة لأن الشريك يضم به نصيب شريكه إلىٰ نصيبه.
الشفعة جائزة ومشروعة، دل على مشروعيتها أحاديث كثيرة، منها:
ما رواه جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنه قال: قضىٰ رسول الله ﷺ بالشفعة في كل ما لم يُقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة. [أخرجه البخاري: أول كتاب الشفعة، باب: الشفعة في ما لم يقسم .. ، رقم: 2138، ومسلم: المساقاة، باب: الشفعة، رقم: 1608].
[ومعنى وقعت الحدود: صارت الأرض مقسومة وحُدِّدت الأقسام. صرفت الطرق: ميِّزت وبيِّنت].
وسيأتي خلال البحث أحاديث في هذا المعنىٰ.
وما دل عليه الحديث أجمع علىٰ العمل به علماء المسلمين في كل عصر.
إن التشريع الاسلامي يهدف إلىٰ تحقيق مصالح الناس بجلب النفع له ودفع الضرر عنهم، والمرء قد يكون علىٰ وفاق وتعاون مع من كان يشاركه في دار أو أرض، وقد يحتاج أحد الشريكين إلىٰ بيع نصيبه ويكون في ذلك تحقيق مصلحته، فلا يحول الشرع بينه وبين ذلك، وانما يحوط تصرفه وتحقيق نفعه بما لا يضر بشريكه، وانما يصون مصلحته أيضاً ويحميه من الضرر الذي قد يلحق به، من جراء البيع إلىٰ أجنبي عن الشركاء، فقد يبادر هذا الشريك الجديد إلىٰ طلب القسمة، أو يكون منه سوء خلق ومعاملة، فيضطرهم إلىٰ ذلك أو طلبه فينال شركاءه بذلك ضرر إحداث مرافق جديدة ونحو ذلك، ويكلفهم أعباء القسمة ونفقتها، فيحل محل الوئام الشقاق والنزاع بين الجيران، وتفوت المصالح ويكثر الضرر بين الأنام.
ولذا وجه شرع الله عز وجل هذا الراغب ببيع نصيبه أن يعرض هذا اولاً علىٰ شركائه، فإن رغبوا بشرائه كانوا هم أولىٰ وأحقّ، فإن لم يرغبوا بذلك كان له الحق أن يبيعه لمن يشاء.
فعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "من كان له شريك في ربعة او نخل فليس له أن يبيع حتى يؤذن حتى يؤذن شريكه، فإن رضي أخذ وإن كره ترك". [أخرجه مسلم في المساقاة، باب: الشفعة، رقم: 1608].
وعن عمرو بن الشريد رضي الله عنه قال: وقفت على سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - فجاء المسور بن مخرمة - رضي الله عنه - فوضع يده على احدى منكبي اذ جاء ابو رافع مولىٰ النبي ﷺ - رضي الله عنه - فقال: يا سعد، ابتع مني بيتي في دارك، فقال سعد: والله لا أزيدك علىٰ أربعة الاف منجمة او مقطعة.
فقال أبو رافع: لقد أعطيت بها خمسمائة دينار، ولولا أني سمعت النبي ﷺ يقول: "الجار أحق بسقبه" ما اعطيتكها بأربعة آلاف، وأنا أعطى بها خمسمائة دينار. فأعطاها إياه. [البخاري: الشفعة، باب: عرض الشفعة على صاحبها قبل البيع، رقم: 2139].
[منجمة: مؤجلة ومفرقة تعطىٰ جزءاً بعد جزء. اربعة آلاف: أي درهم، وكانت تساوي اربعمائة دينار. بسقبه: ما قرب من داره].
وهكذا نجد رسول الله ﷺ يرسم الطريق واضحا لحفظ الود والوئام بين الناس، ويوجه الى أمثل خلق في التعامل، ونجد أصحابه - رضوان الله تعالى عليهم أجمعين - يلتزمون هديه فلا يحيدون عنه، ولو كان في ذلك خسارة مادية ظاهرة، فيأبون إلا أن يقولوا: سمعنا وأطعنا.
فإذا ما خالف المرء ما وجه إليه، ولم ينظر في مصلحة غيره ولم يبادر إلىٰ استشارة شركائه، فباع إلىٰ أجنبي عنهم، بادر الشرع لدفع ما قد يكون من خطر وما قد يقع من ضرر، فانتقل من التوجيه إلىٰ التشريع، فجعل الحق لهؤلاء الشركاء: أن يتملكوا حصة شريكهم رغما عن المالك الجديد لها، بمثل ما قامت عليه من ثمن. وبهذا تحقق مصالح الجميع، وتلبي حاجات الناس، ويندفع الضرر عنهم، وتتلاشى أسباب البغضاء والشحناء، ويكون المسلمون مثل الجسد الواحد في الوئام والوفاق وكالبنيان في التماسك والتعاون والإحسان.
للشفعة أركان نبيِّنها فيما يلي:
علمنا من حكمة التشريع أن الشفعة شرعت لدفع الضرر المتوقع، وهذا المعنى قد يكون في الشريك، وقد يكون في غيره كالجار الملاصق مثلا، ولكن الشرع خصه في الشريك الذي لم يقاسم، وهو الذي يشترك مع غيره في الأصل وملحقاته، كأن يكون شريكاً في الدار - مثلاً - ومرافقها وطريقها، او في الأرض وحق شربها وحظائرها ونحو ذلك، كما صرح به الحديث: "في كل ما لم يقسم".
وصاحب الحق هذا يسمى: الشفيع.
فإذا قُسمت الدار أو الأرض، وأصبح كل من الشركاء مستقلاً بنصيبه، فباع أحدهم ما يملكه لأجنبي، أي غير واحد من الشركاء السابقين، فليس لهم أن يأخذوا هذا النصيب بحق الشفعة، حتى ولو كانت المرافق - كالممر وحق الشرب ونحو ذلك - مشتركة، لما جاء في الحديث: "فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة" وهؤلاء المستقلون بحصصهم، والمشتركون بالمرافق، يُسمىٰ كل منهم بالشريك المخالط.
وإذا لم تثبت الشفعة للشريك المخالط فلا تثبت للجار الملاصق وغيره من باب أولى. ولم تثبت الشفعة لغير الشريك الذي لم يقاسم - مع أن المعنى الذي شرعت من أجله، وهو دفع الضرر المتوقع، قد يوجد في غيره - لأنها شرعت كما علمت على خلاف الأصل، إذ الأصل أن لا يتملّك أحد شيئا قهراً عمَّن ملكه، وقد علمت أن الشفيع يتملّك الحصة قهراً عن المشترى الذي ملكها بالشراء من الشريك القديم الشفيع.
والمراد بالأصل هنا: المعنى الذي يراعيه التشريع في غالب احكامه، وهو الذي يسميه العلماء: علة الحكم، وقد يطلقون عليه كلمة: القياس.
والقاعدة في التشريع الإسلامي: أن كل ما ثبت على خلاف الأصل يقتصر فيه علىٰ ما ورد بالنص، ولا يلحق به غيره، وقد يعبرون عن هذا بقولهم: ما ثبت على خلاف القياس فغيره عليه لا يقاس. وقد ورد النص الصحيح الصريح هنا بثبوت الشفعة للشريك الذي لم يقاسم، فلا يلحق به غيره من شريك مقاسم أوجار ولا يقاس عليه. وما جاء من قوله ﷺ: "الجار أحق بسقبه" ليس صريحاً في ثبوت حق الشفعة، إنما هو من باب الحث علىٰ تحصيل النفع للجار وأنه اولىٰ بالإحسان من غيره. علىٰ أن كلمة الجار عامة في اللغة، فتشمل الشريك وغيره. والأولىٰ تفسيرها في الحديث بالشريك الذي ذكرناه، لأن ابا رافع رضى الله عنه اورده بهذا المعنى حين طلب من شريكه أن يشتري بيتيه - أي غرفتيه - اللتين في داره، وواضح أن الدار لم تكن مقسومة، والله تعالىٰ أعلم.
تزاحم الشفعاء:
علمنا أن الشفيع هو الشريك، فقد يكون للشريك البائع حصته أكثر من شريك، فيكون أصحاب الحق في الشفعة متعددين، وقد تكون حصصهم متساوية - كما لو كانوا يملكون الدار المبيعة أثلاثاً مثلاً - وقد تكون متفاوتة، كما لو كان أحدهم يملك الربع والثاني الربع والثالث النصف مثلاً، فاذا باع احدهم حصته، وليكن صاحب الربع مثلاً، وأراد شركاؤه جميعا أخذ نصيبه بالشفعة، فهل يأخذونه بالسوية حسب عددهم، أم أن كلاً منهم يأخذ بنسبة حصته؟
والجواب: أن كلا منهم يأخذ بنسبة حصته، فمن كان له الربع يأخذ ثلث الحصة، ومن كان له النصف يأخذ ثلثيها، لأن سبب الاستحقاق هو الملك وهم متفاوتون فيه، فيتفاوتون في الاستحقاق.
تجزئة الشفعة:
حق الشفعة من الأمور التي لا تتجزأ، فالشفيع: إما أن يأخذ نصيب شريكه المباع جميعه، وأما أن يتركه.
فإذا كان هناك اكثر من شفيع - كما سبق - ولم يُرِد بعضهم الأخذ بالشفعة، وأسقط حقه: فالأصح أن باقي الشفعاء - أو الشفيع الآخر - يخير بين أخذ الجميع أو ترك الجميع، كما لو كان شفيع واحد، وليس لمن لم يسقط حقه أن يأخذ بقدر حصته. وذلك لكي لا تُفرّق الصفقة وتُبعَّض على المشتري، فيناله بذلك ضرر، لأن مصلحته قد تكون في الجميع، ولا يتحقق غرضه في البعض.
غيبة بعض الشفعاء:
إذا كان أحد الشفعاء أو بعضهم غائباً كان للحاضرين طلب الشفعة والأخذ بها، وتقسم بينهم على قدر حصصهم كما علمنا، لأن الغائب في حكم مَن أسقط حقه، فلم يبق للحاضرين مزاحم، فلهم أن يأخذوا الكل، وليس لهم الاقتصار علىٰ قدر حصصهم كما علمنا، إذ من المحتمل أن لا يأخذ الغائب حصته إذا حضر فتتفرّق الصفقة على المشتري:
فإذا اخذ الحاضرون الكل ثم حضر الغائب، كان له الحق أن يطالب بنصيبه، وقاسم الشركاء فيما أخذوا بنسبة ما كان يملك.
والأصح: أن لمن حضر من الشفعاء ان يؤخّر الأخذ بالشفعة حتى يحضر الغائب، وذلك لأنه قد يكون له غرض ظاهر في هذا، فقد يكون غير قادر علىٰ أخذ الجميع، او لا يرغب أن يأخذ ما قد يؤخذ منه إذا حضر الغائب.
وهو الذي انتقل إليه ملك نصيب الشريك القديم، والذي هو محل الشفعة.
ويشترط ان يكون انتقل الملك إليه بعوض: وقد يكون هذا العوض مالاً، كما إذا انتقل المِلْك إليه بالشراء، أو بالصلح عن جناية مُوجِبة للمال، كما إذا صالحه من الدية التي تثبتت عليه علىٰ نصف العقار الذي يملكه، فلشريك المصالح ان يأخذ هذا الشِّقص بالشفعة.
وقد يكون العوض غير مال، كما إذا جعل نصيبه من العقار مهراً، أو جعلته بدل الخُلع، ونحو ذلك، فللشريك أيضاً أخذ هذا النصيب ممن انتقل إليه بالشفعة. وذلك لأنه مملوك بعقد معاوضة فأشبه البيع.
ويأخذ الشفيع هذا الشقص بالثمن الذي ملك به إذا كان مثلياً، وبقيمته يوم البيع إن كان قيمياً كثوب مثلاً ، وبمهر المثل في النكاح والخلع يوم النكاح ويوم الخلع سواء أنقص عن قيمة النصيب أو زاد.
فإذا انتقل الملك الى الشريك الجديد بغير عوض لم يكن للشريك القديم أن يأخذ الشقص بالشفعة، وذلك كما انتقل الملك إليه بهبة بغير عوض، أو صدقة، أو وصية، أو انتقل إليه بواسطة الإرث، ونحو ذلك.
وهو الشئ الذي يريد الشفيع أن يتملكه بالشفعة.
ويُشترط فيه أن يكون غير منقول، كالدور والأراضي ونحوها، ولا تثبت في المنقول كالحيوان والأمتعة ونحو ذلك.
ودليل هذا:
1 - ما رواه جابر رضي الله عنه: أن رسول الله ﷺ قال: "الشفعة في كل شِرْك: في ارض او ربع أو حائط .. " [أخرجه مسلم في المساقاة، باب: الشفعة، رقم: 1608].
[شرك: شئ مشترك. ربع: دار. حائط: بستان]
2 - إن الأخذ بالشفعة ثبت بالنص علىٰ خلاف القياس في العقار، فلا يلحق به غيره ولا يُقاس عليه ما ليس في معناه، لأن الشفعة شُرعت لدفع ضرر سوء الجِوار علىٰ الدوام، وما ينقل ويحول لا يدوم الضرر فيه.
ويلحق بالعقار البناء والشجر إذا بيعا مع الأرض تبعا للأرض.
ويشترط في العقار ونحوه حتى تثبت فيه الشفعة: أن يكون قابلا للقسمة.والعقار القابل للقسمة هو الذي إذا قسم كان قسم منه صالحاً لتحقيق المنفعة المقصودة منه، فإذا أبطلت القسمة منفعته كان غير قابل للقسمة، وبالتالي لا يثبت فيه حق الشفعة، وذلك كحمام صغير وطاحون صغيرة ونحو ذلك.
ودليل ذلك:
أنه ﷺ قضىٰ بالشفعة في كل ما لم يقسم، فاذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة. وهذا يدل على أن الشفعة فيما يمكن أن يقسم ما دام لم يقسم.
وكذلك: الشفعة انما ثبتت لدفع ضرر مؤنة القسمة واستحداث المرافق، وذلك لا يوجد إلا فيما يقبل القسمة.
وقيل: تثبت الشفعة في العقار ونحوه فيما لم يقسم، ولو كان غير قابل للقسمة، لعموم قوله: قضىٰ رسول الله ﷺ بالشفعة فيما لم يقسم، ولأن الشفعة شُرعت لإزالة ضرر المشاركة، وهذا المعنى في الذي لا يقسم آكد، لأن الضرر فيه يتأبد عند ذلك.
علمت أركان الشفعة وما يشترط في كل ركن منها، ونذكر لك الآن بعض الشروط الأخرى التي لابد منها حتى يثبت حق الأخذ بالشفعة، وهي:
1 - أن يزول مِلْك الشريك الأول عن المشفوع فيه ويزول حقه فيه:
فلو باع الشريك حصته لغير شريكه، وشرط لنفسه الخيار، فلا تثبت الشفعة مدة الخيار، وكذلك لو شرط الخيار للبائع والمشتري، لأن المبيع لم يخرج من ملك البائع في هذه المدة، فإذا انتهت المدة ولم يختر فسخ البيع فقد تم البيع و ثبتت الشفعة.
أمّا لو شرط الخيار للمشتري وحده فإن الشفيع له أن يأخذ الشِّقص بالشفعة فور عقد البيع، لأن البيع قد خرج من ملك الشريك الأول بمجرد العقد وعدم شرط الخيار لنفسه.
وكذلك لا يثبت الأخذ بالشفعة إذا تبين فساد عقد التمليك وبطلانه، لأن ملك البائع أيضاً لم يزل عن البيع.
2 - أن يكون الشفيع مالكاً لما يشفع به عند عقد تمليك الشريك الجديد، وأن يستمر ملْكه ذلك إلىٰ أن يقضي له بالشفعة علىٰ الأصح:
فلو أخرج الشفيع الشِّقص عن ملكه ببيع أو هبة أو نحو ذلك، قبل أن يُقضىٰ له بالشفعة، بطل حقه، سواء أكان عالماً بهذا أم جاهلاً وسواء أطالب بالشفعة أم لم يطالب، لزوال سبب الأخذ بالشفعة وهو الشركة.
وفي هذه الحالة لو طالب الشريك الجديد - وهو المتملّك من الشفيع - أن يأخذ هو بالشفعة ما كان للشفيع أن يأخذه، فليس له ذلك، لأنه لم يكن مالكاً لما يشفع به عند عقد التمليك الأول.
ويستثنىٰ من هذا: ما إذا مات الشفيع قبل القضاء له بالشفعة، فإنَّ لوارثه أن يأخذ بها، مع أنه لم يكن مالكاً لما يشفع به عند البيع ونحوه، لأن الشفعة من الحقوق التي تورث وسواء أكان ذلك قبل طلب المورث الشفيع للشفعة أم بعدها.
3 - أن لا يظهر من الشفيع ما يدل على إعراضه عن الأخذ بالشفعة:
وذلك بأن يعلن رضاه بتمليك الشريك الجديد، أو يكون منه ما يدل على عدم رغبته بالشفعة من قول أو فعل أو سكوت، كأن يحصل عقد البيع أمامه، فيقوم ويغادر المجلس دون أن يطالب بالشفعة، أو يبلغه خبر التمليك فلا يطالب بالشفعة زمناً طويلاً من غير عذر ففي هذه الحالات ليس له أن يعود ويطالب بالشفعة.
إلا أن هناك حالات له أن يطالب فيها بالشفعة رغم ظهور الإعراض منه، وهي:
أ- أن لا يُخبر بحقيقة العوض الذي حصل به التمليك، كما لو أخبر أنه مائة ألف مثلاً ، فأعرض عن الطلب ثم تبين له بعد ذلك أنه تسعون مثلاً ، لأن إعراضه أولاً لم يكن عن رضا منه، وإنما لارتفاع العوض فلم يكن إعراضه دليل الرضا بالشريك الجديد.
ب- أن يُخبر أن المشتري فلان، فلا يطالب بالشفعة، ثم يتبين له أنه غير، فله أن يطالب بها، لأنه قد يرغب في مشاركة إنسان ولا يرغب بمشاركة آخر، ولهذا لم يطلب اولاً، ولم يكن ذلك بتقصير منه.
ج- أن يُخبر بأنَّ العوض مُعجَّل، ثم يتبين له أنه مؤجَّل، فله أن يطالب بالشفعة ولو ظهر منه إعراض اولاً ، إذ قد يقدر علىٰ أخذ الشقص بمؤجَّل، ولا يقدر على أخذه بمُعجَّل.
د- أن لا يُخبر بقدر المبيع حقيقة، كما لو أُخبر أنَّ المبيع نصف الشِّقص فتبين أنه جميعه، أو أنَّ المبيع الشِّقص كله فتبين أنه جزء منه، فإذا ظهر منه الإعراض اولاً حق له أن يطالب بعد تبين الحقيقة، لأنه قد يرغب بتملك قدر معين ولا يرغب بتملك قدر غيره.
4 - أن يبادر الشفيع إلىٰ الطلب بالشفعة بحسب الإمكان:
وذلك أن حق الشفعة حق فوري، لأنه ثبت علىٰ خلاف القياس كما علمت، فهو حق ضعيف وقد جاء في الحديث: "الشفعة كحلّ العقال" [أخرجه ابن ماجه في الشفعة، باب: طلب الشفعة، رقم: 2500].
ومعناه: انها تفوت إن لم يبادر إلىٰ طلبها، كما أن البعير يشرد فوراً إذا حلّ عقاله، أي رباطه، ولذا يجب علىٰ الشفيع المبادرة إلىٰ الطلب بها عند علمه بانتقال الملك من شريكه إلىٰ غيره حسب العادة وقدر الإمكان، فلو علم
ليلاً كان له تأخير ذلك إلىٰ النهار، وإن كان مريضاً أو غائباً عن البلد فليوكل بذلك أو ليشهد علىٰ طلبه، فإن قصر فيما هو قادر عليه سقط حقه علىٰ الأظهر.
ولا يشترط لثبوت الحق حكم حاكم ولا حضور المشتري ولا رضاه، وإحضار الثمن، وإنما يشترط طلبها بلفظ يدل علىٰ الأخذ بها، كتملكت أو أخذت بالشفعة.
ويشترط تسليم العوض إلىٰ المشتري، أو رضاه بأن يكون في ذمة الشفيع، وإذا لم يحصل هذا وقضىٰ له القاضي بالشفعة ملك بها في الأصح.
1 - سقوط حق الشفعة:
علمنا أن حق الشُفعة حق ضعيف، ولذا يتعرض للسقوط بأقل الأسباب، ومن هذه الأسباب ما علم مما مر: كالإعراض عن الطلب بها، وكذلك عدم المبادرة إليها، وخروج الشِّقص عن ملكه قبل الحكم بها، ونحو ذلك.
ومن ذلك ايضاً: الصلح عن الشُّفعة علىٰ عوض، كما لو صالح الشفيع المشتري علىٰ شئ من مال ليترك له الشِّقص الذي اشتراه، فإن الصلح باطل، ولا يستحق شيئاً من العوض، وبالتالي سقط حقه في الشفعة.
2 - تصرف المشتري في المشفوع فيه:
على من اشترىٰ شقصاً من عقار او دار أن يتريث في التصرف فيما اشتراه، حتى يتبين له موقف الشفيع من حيث المطالبة بالشفعة أو التنازل عنها، لأن حق الشفيع متقدم علىٰ حقه، واستقرار ملكه فيما اشتراه متوقف علىٰ إسقاط الشفيع حقه في الشفعة.
فإذا تصرف المشتري قبل طلب الشفيع أو تبين الحال كان تصرفه صحيحاً ونافذاً، لأنه يتصرّف في ملكه وإن لم يلزم ويستقر. ولكن هل يُبطل تصرفه ذلك حق الشفيع؟
والجواب: أن ذلك لا يبطل حقه، بل للشفيع أن ينقض كل تصرف لا شفعة
فيه لو وجد ابتداءً ، كالهبة والوقف والإجارة، وأن يأخذ الشِّقص بالشُفعة، لأن حقه سابق علىٰ هذه التصرفات، فلا يبطل بها.
واما اذا كان التصرف الجديد مما تثبت به الشُفعة أيضا، كالبيع مثلاً ونحوه من التمليك بعوض، كان له الخيار: بين أن يأخذ الشقص بالشُفعة بناء علىٰ التصرف الجديد، وبين أن ينقضه ويأخذ بالحق الثابت له اولاً .
وفائدة هذا التخيير: أن العوض قد يكون في أحدهما أقل أو أيسر في جنسه عليه، فيختار ما فيه مصلحته.
ولو تصرف المشتري في الشقص تصرفاً يزيد فيه أو يُنقص منه:
كما لو زرع الأرض أو غرس فيها أو بنىٰ، كان للشفيع أن يكلفه قلع ما فعل وتسوية الأرض، لأنه متعد في فعله، وله أن يأخذ الغراس أو البناء بقيمته مقلوعاً.
ولو كان في الأرض بناء او شجر، فهدم البناء أو قطع الشجر، فللشفيع أخذ الشِّقص بما يخصّه من الثمن، بعد نقص قيمة البناء أو الشجر يوم العقد، لأنهما - وإن كانا تابعين للأرض - صارا مقابلين بشئ من الثمن لأنه قصد اتلافهما.
وكذلك الحال لو تلف بعض الأرض بغرق أوانهيار، فإنه يسقط من الثمن ما يقابل القسم التالف منها، لأنه بعض الأصل.
أما لو تلف البناء أو الشجر بغير صنع أحد: كان للشفيع أن يأخذ الأرض بكل الثمن أو يدعها، ولا يسقط شئ من الثمن، لأن البناء والشجر تابع للأرض، ويدخلان معها في البيع ولو لم يذكر في العقد، فلا يقابلهما شئ من الثمن بخصوصهما.
3 - نقص الثمن على المشتري او الزيادة فيه:
إذا حطّ البائع بعض الثمن عن المشتري أو زاد فيه، وأراد الشفيع الأخذ بالشفعة، فهل يستفيد من هذا النقص او تلزمه تلك الزيادة؟ والجواب:
إذا كانت الزيادة أو النقص بعد لزوم البيع واستقراره، كما إذا كان البيع باتاً لا خيار فيه، وتفرق العاقدان من المجلس، أو كان ذلك بعد انتهاء مدة الخيار إن كان مشروطاً، لم يلحق ذلك الشفيع، لأن نقص الثمن في هذه الحال يكون بمثابة هبة من البائع للمشتري، والزيادة فيه بمثابة هبة من المشتري للبائع، ولا صلة لهذا بالثمن لأن العقد قد تم قبل ذلك.
وإن كانت الزيادة أو النقص قبل لزوم البيع واستقراره، كما لو كانت في مجلس العقد وقبل التفرق، أو كانت في مدة الخيار إن كان مشروطاً، لَحِق ذلك الشفيع، فينحطّ عنه من الثمن ما حطه البائع، كما يلزمه ما زاد فيه المشتري، لأن ذلك يعتبر لاحقاً للعقد وجزءاً منه، طالما أنه وقع قبل لزوم العقد واستقراره.
4 - أخذ ما بيع مؤجَّلاً:
إذا باع الشريك نصيبه بثمن إلىٰ أجل ، وطلب الشفيع أن يأخذ بالشفعة، فهل يستفيد من تأجيل الثمن؟
والجواب:
إن الشفيع في هذه الحالة يُخير: بين أن يأخذ بالشفعة في الحال ويعجِّل الثمن، وبين أن يؤجل الأخذ بالشفعة إلىٰ حلول الأجل، فإذا حل الأجل، دفع الثمن وأخذ المبيع، ولا يسقط حقه بهذا التأخير لأنه معذور به، لأننا لو ألزمناه الأخذ في الحال مع تعجيل الثمن كان في ذلك إضرار به، لأن الأجل غالبا ما يقابل بقسط من الثمن، فما بيع مؤجلا يغلب أن يكون ثمنه أكثر مما بيع حالاً. ولو أجزنا له أن يأخذ الشِّقص المبيع في الحال بالثمن المؤجل كان في ذلك إضرار وقد لا يرضىٰ المشتري - الذي سيدفع هو الثمن للبائع، ويأخذ الثمن من الشفيع - قد لا يرضىٰ أن يبيعه إلىٰ أجل باختياره، فإذا الزمناه بذلك اضررنا به، فكان في تخييره علىٰ ما ذُكر دفع للضرر عن الجانبين.
ولو رضي المشتري أن ياخذ الشفيع الشفعة في الحال، وأن يؤجل الثمن إلىٰ وقت حلوله، فأبى الشفيع إلا أن يؤجل الأخذ إلىٰ وقت الحلول، بطلّ حقه في الشفعة علىٰ الأصح.
5 - اختلاف المشتري والشفيع:
قد يختلف الشفيع والمشتري في قدر الثمن، فيقول الشفيع: اشتريته بألف مثلاً ، ويقول المشتري: اشتريته بألف ومائة، ولا بيّنة على ذلك، يصدق المشتري
بيمينه، لأنه أعلم بما باشره من الشراء وما دفعه من الثمن، ولأن الشفيع يدعي عليه الاستحقاق بالأقل وهو ينكر ذلك، والقول دائما قول المنكر بيمينه، فإذا نكل المشتري في اليمين - أي امتنع من الحلف - حلف الشفيع علىٰ مدعاه، وأخذ الشِّقص بما حلف عليه.
وإذا اختلفا في البيع اصلاً، فأنكر المشتري الشراء والشفيع يدعيه، فيصدق المشتري بيمينه، لأن الأصل عدم الشراء، إلا إذا اعترف الشريك القديم بالبيع.
وكذلك الحال لو أنكر المشتري كون الشفيع الطالب شريكاً، فيحلف علىٰ نفي العلم بشركته، لأن الأصل عدمها والقول قول من يتمسك بالأصل.