المحتويات:
المستحقون للزكاة
كيف توزع الزكاة علىٰ مستحقيها؟
نقل الزكاة من محل وجوبها
شروط استحقاق الزكاة، ومن لا تدفع إليهم
رأي واجتهاد
لقد ذكر الله تعالىٰ المستحقِّين الذين تصرف إليهم الزكاة بقوله:
{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60].
وإليك بيان هذه الأصناف:
1ـ الفقراء: جمع فقير، وهو: مَنْ لا مال له يقع موقعًا من كفايته مطعمًا وملبسًا ومسكنًا، كمن يحتاج إلىٰ عشرة فلا يقدر إلّا على ثلاثة.
2ـ المساكين: جمع مسكين، وهو: من له شيء يسدُّ مسدًا من حاجته، ويقع موقعًا من كفايته، ولكنه لا يكفيه. كمن يحتاج إلىٰ عشرة مثلًا فلا يجد إلَّا ثمانية. ويُعطىٰ هؤلاء ومن قبلهم كفاية العمر الغالب علىٰ الأصح.
هذا وممّا ينبغي الانتباه إليه: أنّ الحاجة إلىٰ النكاح من تمام الكفاية التي تؤخذ بعين الاعتبار، عند تقدير ما لديه وما يحتاج إليه.
3ـ العاملون عليها: هم العمّال الموظَّفون والجباة الذين يستعين بهم الإِمام لجمع الزكاة وتوزيعها. وهؤلاء يعطون أجرة مثل عملهم الذي قاموا به، ولا يزاد لهم علىٰ ذلك، ولا يجوز إعطاؤهم نسبة معينة ممّا يجبون، إذ لا دليل علىٰ هذا في شرع الله تعالىٰ، وإنّما هم أجراء، فيُعطَون أجرة مثل عملهم لا غير.
4ـ المؤلفة قلوبهم: وهم مسلمون حديثو عهد بالإِسلام، يُتوقع بإعطائهم أن يقوىٰ إسلامهم. أو هم مسلمون ذوو وجاهة ومكانة في قومهم، يتوقع بإعطائهم إسلام أمثالهم. أو هم مسلمون يقومون علىٰ الثغور، يحمون المسلمين من هجمات الكفّار وشر البغاة، أو يقومون بجبي الزكاة من قوم يتعذّر إرسال عمال إليهم.
وإنما يعطىٰ هؤلاء سهمًا من الزكاة إذا كان المسلمون في حاجة إليهم، وإلا فلا يُعْطَون شيئًا.
5ـ وفي الرقاب: أي في تحرير رقاب العبيد من الرِّقِّ، والمراد المكاتَبون، أي الذين تعاقدوا مع أسيادهم المالكين لهم علىٰ: أن يجلبوا إليهم أقساطًا من المال، فإذا أدَّوها صاروا أحرارًا، فيُعطون من الزكاة ما عجزوا عن سداده من هذه الأقساط.
6ـ الغارمون: وهم الذين أثقلتهم الديون وعجزوا عن وفائها. فيُعطىٰ هؤلاء ما يقدرون به علىٰ وفاء ديونهم التي حلَّت آجالها مع ما يكفيهم مطعمًا وملبسًا ومسكنًا، شريطة أن يكونوا قد استدانوا لأمر مشروع، فإذا كانت استدانتهم لأمر غير مشروع فلا يُعْطَون من الزكاة، إلّا إذا كانوا قد تابوا من المعصية، وغلب علىٰ الظن صدقهم في توبتهم.
هذا، ويدخل في هذا الصنف: من استدان لدفع فتنة بين متنازعين، فيُعطىٰ ما استدانه لهذا الغرض، وإن كان غنيًا يملك ما يفي به ذاك الدين من ماله الخاص.
7ـ في سبيل الله تعالى: والمراد هنا الرجال الغُراة المتطوِّعون بالجهاد دفاعًا عن الإِسلام، ولا تعويض لهم ولا راتب في مال المسلمين. فيُعطىٰ كل من هؤلاء ما يكفيه ويكفي من تجب عليه نفقته إلىٰ أن يرجع، مهما طالت غيبته، وإن كان غنيًا. كما يُعطىٰ ما يساعده علىٰ الجهاد من وسائل نقل وحمل أمتعة وأدوات حرب، وما إلىٰ ذلك.
8ـ ابن السبيل: هو المسافر سفرًا مُباحًا، أو المريد لسفر مباح، أي لا معصية فيه، ولو لنزهة، فيُعطىٰ ما يكفيه لسفره ـ أو في سفره ـ ذهابًا وإيابًا إن كان يقصد الرجوع، نفقة ومركبًا وحمولة إن عجز عن حمل أمتعته. فإن كان عاصيًا بسفره، أو في سفره، لا يُعطىٰ من الزكاة إلا إذا تاب وغلب علىٰ الظن صدقه في توبته.
فهؤلاء الأصناف الثمانية هم المستحقُّون للزكاة، وهي محصورة فيهم فلا تُصرف إلىٰ غيرهم.
ودلَّ علىٰ هذا الحصر قوله تعالىٰ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء ... }.
والمراد بالصّدقات الزكاة المفروضة، بدليل قوله تعالىٰ في آخر الآية {فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ}.
وأما غير الزكاة من الصدقات المتطوَّع بها فيجوز صرفها إلى غيرهم.
تصرف الزكاة إلىٰ من يوجد من هؤلاء الأصناف في محل الزكاة:
ـ فإن وجدوا جميعًا وجب الصرف إليهم، ولا يجوز أن يحرم صنف منهم (1).
(1) ويجوز عند غير الشافعية صرفها إلىٰ صنف واحد، وإلى شخص واحد من أحد الأصناف. وقال مالك: تصرف إلى أمسِّهم حاجة.
فإذا فُقد أحد الأصناف في بلد الوجوب، أو زاد نصيب أفرادهم عن حاجتهم، نُقل نصيب ذاك الصنف، أو ما فضل عن حاجة أفراده، إلىٰ نفس الصِّنف من أفراد بلد من بلد الزكاة.
ـ فإن فُقد أحد الأصناف رُدّ نصيبه علىٰ باقي الأصناف.
ـ وإن فَضَلَ نصيب أحد الأصناف عن حاجة أفراده رُدَّت الزيادة علىٰ الأصناف الآخرين.
ـ تقسم الزكاة علىٰ الأصناف الموجودين بالتساوي وإن تفاوتت حاجاتهم، ماعدا العاملين عليها، فإنّهم يُعطون أجرهم علىٰ ما مرّ، قبل قسمة الزكاة.
ولا تشترط التسوية بين أفراد الصنف الواحد، بل تجوز المفاضلة بينهم.
وإذا وزع المالك بنفسه أو بوكيله وجب أن يعطي ثلاثة من كل صنف علىٰ الأقل إن كان عددهم غير محصور، لأنَّ كلَّ صنف ذكر بصيغة الجمع في الآية، وأقلُّ الجمع ثلاثة. فإن كان عددهم محصورًا، وتسهل معرفته وضبطه عادة، وجب أن يستوفي الجميع إذا وفَّت الزكاة بحاجتهم، فإن ترك واحدًا منهم في الحالَين ـ مع علمه به ـ ضمن له أقل متموَّل من مال.
لا يجوز نقل الزكاة إلىٰ غير البلد التي وجبت فيه ـ وهو محلُّ المال ـ طالما أنه يوجد مستحقوها في ذلك البلد، وإن قربت المسافة، لأن في ذلك إيحاشًا وإيلامًا لمستحقِّيها في بلد وجوبها، إذ إن أطماعهم تمتد إليها، وآمالهم تتعلّق بها. ولقوله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ - رضي الله عنه - حين بعثه إلىٰ اليمن: "فَأعْلِمْهُمْ أنَّ اللهَ افْتَرَض عليهم صدقة؛ تُؤْخَذُ من أغنيائهم فَتُرَدُّ علىٰ فقرائهم".
فإذا فُقد أحد الأصناف في بلد الوجوب، أو زاد نصيب أفرادهم عن حاجتهم، نُقل نصيب ذاك الصنف، أو ما فضل عن حاجة أفراده، إلىٰ نفس الصِّنف من أفراد بلد من بلد الزكاة.
يشترط ـ فيمن كان أحد الأصناف الثمانية المذكورة ـ شروطٌ، حتىٰ يستحق الزكاة ويصح دفعها إليه، وإليك هذه الشروط:
فلا تدفع الزكاة الواجبة لغير مسلم، دلَّ علىٰ ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: " ادْعُهُمْ إلىٰ شهادة أنْ لا إلهَ إلَّا الله وأنِّي رسولُ الله، ... . فإنْ هم أطاعوا لذلك فأعلِمْهم أنَّ اللهَ قد افترض عليهم صدقةً؛ تُؤخذ من أغنيائهم فتردُّ علىٰ فقرائهم ". البخاري: 1331، مسلم: 19].
فواضح أنَّ الزكاة تُؤخذ من أغنياء المسلمين وتُعطىٰ لفقرائهم، فكما أنّها لا تؤخذ من أغنياء غير المسلمين فلا تُعطىٰ لفقراء غيرهم، ويجوز أن يُعطىٰ غير المسلمين من الصدقات غير الواجبة.
فإذا كان الفقير أو المسكين يقدر علىٰ الكسب من عمل يليق به، ويحصِّل به ما يكفيه، لا يصحُّ دفع الزكاة إليه ولا يجوز له قبولها.
لما رواه الترمذي (652) وأبو دواد (1634) من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَحِّلُّ الصدقةُ لغَنِيٍّ، ولا لذي مِرَّةٍ سَوِىٍّ". والمرة: القوة والقدرة عٰ الكسب.
وفي رواية عند أبي داود (1633): "ولا لذي قُوِّة مُكْتَسِبٍ".
لأن من كانت نفقته واجبة علىٰ المزكِّي كان مستغنيًا بتلك النفقة، وكان دفع المزكِّي إليه دفعًا إلىٰ نفسه، لأن فائدته تعود إليه، إذ إنه يوفِّر بذلك النفقة علىٰ نفسه أو يخفِّفها.
فلا يجوز دفع الزكاة إلىٰ الأب والأم أو الجدِّ والجدة مهما علَوا، لأن نفقتهم واجبة علىٰ الفروع.
وكذلك لا يجوز دفع الزكاة إلىٰ الأبناء والبنات وفروعهم إن كانوا صغارًا، أو كبارًا مجانين أو مرضى مزمنين، لأن نفقة هؤلاء واجبة علىٰ آبائهم.
وأيضا: لا تُعطىٰ الزكاة للزوجة، لأن نفقتها واجبة علىٰ زوجها. هذا وممّا ينبغي أن يُنتبه إليه: أن هؤلاء لا يُعطون من الزكاة بوصف المسكنة أو الفقر، أما لو كان أحدهم من صنف غير صنف الفقراء والمساكين، كما إذا كان غارمًا أو في سبيل الله، فإنّه يجوز لمن تجب نفقته عليه أن يعطيه زكاة ماله لذاك الوصف.
إعطاء الزكاة لمن يكتفي بنفقة غيره عليه:
علمنا أنَّ من وجبت عليه زكاة لا يصح أن يعطيها إلىٰ من في نفقته ـ من زوجة، وأصل، وفرع ـ إن كان فقيرًا أو مسكينًا. وهل يجوز لغير من يعوله أن يعطيه زكاة ماله؟
ـ فإن كان مكتفيًا بنفقة من تجب نفقته عليه فلا يجزئ دفعها إليه، لأنه مستغنٍ بنفقة غيره عليه.
ـ وإن كان لا يكتفي بنفقةٍ جاز إعطاؤها إليه، لأنه في هذه الحالة مسكين أو فقير.
إعطاء الزوجة زكاة مالها لزوجها:
يُسن للزوجة إذا كانت غنية، ووجبت في مالها الزكاة، أن تُعطي زكاة مالها لزوجها إن كان فقيرًا، وكذلك يُستحب لها أن
تنفقها على أولادها إن كانوا كذلك، لأن نفقة الزوج والأولاد غير واجبة على الأم والزوجة.
فقد روىٰ البخاري (1397) ومسلم (1000) أن زينب امرأة عبدالله بن مسعود رضي الله عنهما سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيجزئ عني أن أنفق علىٰ زوجي وأيتام لي في حِجْري؟ فقال: لمن بلَّغه سؤالها: "نعم، لها أجرانِ: أجرُ القرابةِ، وأجرُ الصدقة".
وروىٰ البخاري (1398) ومسلم (1001) عن أم سَلَمة رضي الله عنهما قالت: قلت يا رسول الله، ألي أجر أن أنفقَ علىٰ بني أبي سَلَمة، إنما هم بَنِيَّ؟ فقال: "أنفقِي عليهم، فلك أجرُ ما أنفقت عليهم". وقد ذكر البخاري رحمه الله تعالىٰ هذين الحديثين تحت عنوان: الزكاة علىٰ الزوج والأيتام في الحَجْر.
الزكاة للأقارب الذي لا تجب نفقتهم:
وإذا كان للمالك الذي وجبت في ماله الزكاة أقارب لا تجب عليه نفقتهم، كالإخوة والأخوات والأعمام والعمّات والأخوال والخالات وأبنائهم وغيرهم، وكانوا فقراء أو مساكين أو غيرهم من أصناف المستحقِّين للزكاة، جاز صرف الزكاة إليهم، وكانوا هم أولى من غيرهم. ومثل من ذكر في جواز صرف الزكاة إليهم: أبناؤه الكبار القادرون علىٰ الكسب ولا كسب يكفيهم.
روىٰ الترمذي (658) والنسائي (5/ 92) وابن ماجه (1844) واللفظ له عن سلمان بن عامر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " الصَّدقةُ علىٰ المسكينِ صدقةٌ، وعلىٰ ذي القرابةِ اثنتانِ: صَدَقَةٌ وصِلَةٌ".
من ثبت نسبه إلىٰ بني هاشم أو بني المطَّلب فلا يُعطىٰ من الزكاة، لقوله - صلى الله عليه وسلم -:"إنَّ هذه الصَّدَقاتُ إنَّما هي أوساخُ الناسِ، وإنها لا تَحِلُّ لمحمد ولا لآل محمد" [مسلم: 1072].
وروي البخاري (1420) ومسلم (1069) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أخذ الحسن بن علي تمرةً من تَمْرِ الصدقة فجعلها في فيه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - " كِخْ كِخْ ـ ليطرَحَها ـ ثم قال: أما شَعَرْتَ أنَّا لا نأكلُ الصَّدقَةَ".
والمراد بآل محمد - ﷺ - بنو هاشم، وبنو المطلب.
والذي نراه في هذه الأيام أن يُعطىٰ هؤلاء من الزكاة إن كانوا من أصناف المستحقين، وذلك أن في عدم إعطائهم تضييعًا لهم، طالما أنهم لا يُعطون ما جعله شرع الله تعالىٰ لهم من خمس الغنيمة مقابل منعهم من الزكاة. قال تعالى:
{َاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال:41].
وذوو القربى هم بنو هاشم وبنو المطلب، فقد روىٰ البخاري (2971) عن جُبير بن مُطْعِم - رضي الله عنه - قال: مشيتُ أنا وعثمانَ بن عُفَّانَ إلىٰ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا: يا رسولَ الله، أعطيتَ بني المطَّلب وتركتنا، ونحن وهم منك بمنزلة واحدة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إنَّما بنو المطلَّب وبنو هاشم شيءٌ واحدٌ".
[بمنزلة واحدة: من حيث القرابة، فعثمان من بني عبد شمس، وجبير من بني نوفل، وهما والمطلب وهاشم أبناء عبد مناف شيء واحد: من حيث المنزلة في الإِسلام، لأنهم ناصروه - صلى الله عليه وسلم - جيمعًا قبل الإِسلام وبعده].