المحتويات:
شروط وجوبها
الزكاة في مال الصبي والمجنون
إنما تجب الزكاة على من توفرت فيه الشروط التالية:
1ـ الإسلام:
فلا تجب وجوب مطالبة في الدنيا على الكافر.
دليل ذلك حديث معاذ - رضي الله عنه - وفيه: "ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله،... فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة..".
فقد رَتَّب المطالبة بالزكاة على إجابتهم الدعوة ودخولهم في الإسلام أولاً، وكذلك: قول أبي بكر رضي الله عنه: هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين. رواه البخاري (1386).
فقوله: (على المسلمين) صريح في أن غير المسلم لا يطالَب بها في الدنيا. وهذا في زكاة المال،
وأما زكاة الفطر: فإنها تلزم الكافر لحق غيره من أقاربه المسلمين، الذين تجب عليه نفقتهم.
2ـ ملكية النصاب:
وهو حد أدني من المال سيأتي بيانه، وتفصيل القول فيه، والدليل عليه، عند الكلام عن كل نوع من الأموال التي تجب فيها الزكاة.
3ـ مرور حَوْل قمري كامل على ملكية النصاب:
فلا زكاة في المال مهما بلغ إلا بعد مرور عام كامل عليه، دلّ على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول". رواه أبو داود (1573).
ويُستثنى من هذا الشرط الزروع والثمار والدَّفائن، فلا يشترط الحَوْل في وجوب زكاة هذه الأموال، بل تجب فيها فور تحصيلها أو الحصول عليها، وسيأتي تفصيل القول في ذلك في مكانه إن شاء الله تعالى.
من خلال بيان الشروط السابق ذكرها تعلم: أنه لا يشترط لوجوب الزكاة في المال بلوغ صاحبه ولا عقله ولا رشده.
وليس المعنى أن الصبي والمجنون مكلفان شرعاً بإخراج الزكاة من ماليهما بحيث لو لم يؤدها كل منهما عوقب يوم القيامة، وإنما المعنى أن حق الزكاة متعلق بأموالهما إذا تكاملت فيها شرائطه.
فيجب على وَليّ كل منهما أن يؤدي هذا الحق لأصحابه، بحيث لو قَصَّر في ذلك الوليُّ كان آثماً مستحقّاً للعقوبة من الله عز وجل.
فإن لم يكن له وَليّ، وجب ـ على الصبي بعد البلوغ، والمجنون بعد الإفاقة من الجنون ـ أن يُخرج زكاة السنوات الماضية على أنها ذمة باقية لديه، إذا كانت شروط وجوبها متوفرة إذ ذاك.
أولاً: قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [التوبة: 103]. وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 24، 25].
فقد دلَّت الآيات على أن الله تعالى مَلَّك عباده المال، وجعل فيه حقاً لمن حُرِم منه، وأَمَرَ نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذ هذا الحق من المال في وقته، ليكون طُهْرة له وحفظاً وتحصيناً، ولم يُفَرِّق الله عز وجل بين مالك وآخر، كما أنه سبحانه لم يخص مالاً دون مال.
ثانياً: الحديث السابق ذكره، وهو ما رواه البخاري (1386) بسنده عن أبي بكر - رضي الله عنه - (هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين).
فالمسلمون كلمة عامة، وهي تشمل البالغين وغير البالغين، والعقلاء وغيرهم، والأصل بقاء العام على عمومه، ما لم يرد دليل عن الشارع بتخصيصه.
وأخرج الدارقطني في سننه (2/ 110) عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من وَلِيَ يتيماً له مال فليُتْجِر له، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة". [يتيماً: هو من مات أبوه وهو دون البلوغ].
كما روى الشافعي رحمه الله تعالى في الأم [2/ 23 ـ 24] أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ابتغوا في أموال اليتامى حتى لا تذهبها أو تستهلكها الصدقة". (ابتغوا: تاجروا).
ووجه الاستدلال بالحديثين: أنهما يدلان على أن المال إذا تُرِكَ دون متاجرة أذهبته الصدقة واستهلكته، وإنما يكون ذلك بإخراج الصدقة منه، ولا يجوز إخراج الصدقة من مال الصبي إلا إذا كانت واجبة، إذ ليس لوَلِيِّه أن يتبرع بماله، فدلّ ذلك على وجوب الصدقة ـ وهي الزكاة ـ في ماله.
ويقاس المجنون على الصبي في هذا لأنه في حُكْمِه.
ثالثاً: روى مالك رحمه الله تعالى في الموطأ [1/ 251] عن عمر - رضي الله عنه - قال: (اتَّجِرُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى، لا تأكلها الصدقة).
وروى الشافعي رحمه الله تعالى في الأم [2/ 23ـ 24] عن عمر أيضاً: أنه قال لرجل: (إن عندنا مال يتيم قد أسرعت به الزكاة).
ووجه الاستدلال بالأثرين هو وجه الاستدلال بالحديثين السابقين، ويؤيده ما رواه مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه قال: (كانت عائشة تَلِيَنِي وأخاً لي يتيمين في حِجرها، فكانت تُخْرِج من أموالنا الزكاة). [الزرقاني على الموطأ: 2/ 325].
رابعاً: القياس على زكاة الفطر، فإن الإجماع ثابت على وجوب زكاة الفطر عن الصغار والمجانين، فكما أن الصِّغَر أو الجنون لم يمنع من وجوب زكاة الفطر عن بدن الصبي والمجنون، فينبغي أن لا يكون مانعاً في مال كل منهما، إذا تكاملت فيه شروط وجوب الزكاة.
خامساً: المقصود من الزكاة سدُّ حاجة الفقراء وتطهير المال، بفرز حقوق المستحقين لجزئه منه، بقطع النظر عن صفة صاحب المال، ما دام أنه مسلم خاضع للنظام الإسلامي عموماً، فاقتضى ذلك تعلق الزكاة بمال كل من الصبي والمجنون، لا سيما وأن مال كل منهما قابل لتعلق غرامة ذلك الشيء بماله، فالزكاة مثلها، بجامع أن كلاً منهما حق مالي يتعلق به.
سادساً: ليست الزكاة عبادة بدنية مَحْضَة حتى تنطبق عليها شرائط التكليف، أو يتأثر وجوبها بنقص أهليه المكلَّف، وإنما هي عبادة تغلب فيها الناحية المالية، وأنها ضبط لجانب من جوانب العدالة الاقتصادية، وتحقق شامل للكفاية، فينبغي أن يستوي في الخضوع لذلك كل متملِّك.