المحتويات:
مشروعيتها
دليل مشروعيتها
الحكمة من مشروعيتها
شرائط وجوبها
شرائط صحتها
فرائض الجمعة
آداب الجمعة وهيئاتها
آداب عامة ليوم الجمعة
صلاة الجمعة مشروعة، وهي من الفضائل التي اختص الله تعالى بها هذه الأمة التي هُدِيَت للفوز بمكرمات هذا اليوم.
روى البخاري (836)، ومسلم (855)، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "نحنُ الآخِرونَ السابِقونَ يَوْمَ القيامةِ، بَيْدَ أنَّهُمْ أُوتوا الكتابَ من قَبْلنا، ثُمَّ هذا يَوْمُهُمُ الذي فُرِض عَلَيْهِمْ فاختلفوا فيه، فَهَدَانا اللهُ، فالناس لنا فيه تَبَعٌ: اليَهُودُ غَداً والنصارى بَعْدَ غَدِِ".
[الآخِرون: وجوداً في الدنيا. السابقون: في الفضل والأجر ودخول الجنة. بَيْدَ: غير. الكتاب: الشريعة السماوية. هذا: يوم الجمعة. فُرِض عَلَيْهِمْ: أن يتقربوا إلى الله تعالى فيه].
وقد فُرِضَت بمكة قُبَيْلَ الهجرة، إلا أنها لم تقم في مكة لضعف شَوْكة المسلمين، وعجزهم عن الاجتماع لإقامتها إذ ذاك.
وأول من جمَّع لها وصلاها في المدينة، قبل هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - أسعد بن زرارة - رضي الله عنه -، روى ذلك أبو داود (1069) وغيره، عن كعب بن مالك - رضي الله عنه -.
دلّ على مشروعية الجمعة ووجوبها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9].
وأحاديث كثيرة منها: ما رواه أبو داود (1067)، عن طارق بن شهاب - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الجُمُعَةُ حَقٌ واجبٌ على كلِّ مسلمِِ...".
وما رواه مسلم (865) وغيره، عن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهما، أنهما سمعا النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول على أعواد منبره: "لَيَنْتهِين أَقْوَامٌ عن وَدْعِهِمُ الجُمُعَاتِ، أو لَيَخْتِمَنَّ اللهُ على قُلُوبِهم، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الغافِلِينَ".
[وَدْعِهِمُ: تركهم].
لمشروعية صلاة الجمعة حكم وفوائد كثيرة، لا مجال لاستقصائها في هذا المكان، ومن أهمها تلاقي المسلمين على مستوى جميع أهل البلدة، في مكان واحد ـ هو المسجد الجامع ـ مرة كل أسبوع، يلتقون على نصيحة تجمع شملهم وتزيدهم وحدةً وتضامناً، كما تزيدهم أُلفةً وتعارفاً وتعاوناً، وتجعلهم واعين متنبهين للأحداث التي تَجِدُّ من حَوْلِهم كل أسبوع، وتشدهم إلى إمامهم الأعظم الذي ينبغي أن يكون هو الخطيب فيهم، والواعظ لهم.
فهي إذاً مؤتمر أسبوعي يتلاقى فيه المسلمون صفاً واحداً، وراء قائدهم الذي هو إمامهم وخطيبهم فيه. ولذلك أكثر الشارع من الحث على حضورها، والتحذير من تركها والتهاون في شانها، وقد مرّ بك شيء من هذا، وسيأتي بعضٌ منه فيما يلي من كلام، وحسبنا في هذا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ تَرَكَ ثلاثَ جُمَعِِ تَهاوُناً طَبَعَ الله على قلبهِ".
تجب صلاة الجمعة على من وُجِدَت فيه الشروط السبعة التالية:
الأول ـ الإسلام:
فلا تجب وجوب مطالبة في الدنيا على الكافر، إذ هو مطالب فيها بأساس العبادات والطاعات كلها ألا وهو الإسلام.
أما في الآخرة فهو مطالب بها بمعنى أنه يعاقب عليها.
الثاني ـ البلوغ:
فلا تجب على الصبي لأنه غير مكلف.
الثالث ـ العقل:
إذ المجنون غير مكلف أيضاً.
الرابع ـ الحرية الكاملة:
فلا تجب صلاة الجمعة على الرقيق، لأنه مشغول بحق سيده، فكان مانعاً عن وجوبها في حقه.
الخامس ـ الذكورة:
فلا تجب على النساء، لانشغالهن في الأولاد وشؤون البيت، وحصول المشقة لهن بوجوب الحضور في وقت مخصوص ومكان معيَّن.
السادس ـ الصحة الجسمية:
فلا تجب على المريض الذي يتألم بحضور المسجد أو بانحباسه فيه إلى انقضاء الصلاة، أو الذي يزداد مرضه شدةً بحضوره، أو يزداد طولاً بأن يتأخر برؤه.
ويُلحَق بالمريض الشخص الذي يمرَّضه ويخدمه، ولا يوجد من يقوم مقامه خلال ذهابه إلى الصلاة، مع حاجة المريض إليه، سواء كان الممرض قريباً أم لا، فلا تجب عليه صلاة الجمعة.
السابع ـ الإقامة بمحل الجمعة:
فلا تجب على مسافر سفراً مباحاً ولو قصيراً، إذا كان قد بدأ سفره قبل فجر يوم الجمعة، وكان لا يسمع في المكان الذي هو فيه صوت الأذان من بلدته التي سافر منها.
وكذلك المستوطن في محلِِ لا تصح فيه الجمعة، كقرية ليس فيها أربعون مستوطنون خالون من الأعذار، إذا لم يسمع صوت الأذان من الطرف الذي يلي القرية من بلد الجمعة إلى الطرف الذي يقابله من القرية.
ودلّ على هذه الشروط قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الجُمعَةُ حق واجبٌ على كل مسلمِِ في جماعةِِ إلا أَرْبَعَة: عبد مَمْلُوكٌ، أو امرأةٌ، أو صبيٌ، أو مريضٌ". [رواه أبو داود: 1067].
وخبر الدارقطني (2/ 3) وغيره، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كان يُؤْمِنُ بالله واليوْمِ الآخِرِ فَعَلَيْهِ الجُمُعَةُ إلا امرأةً ومسافراً وعبداً ومريضاً".
ولحديث أبي داود (1056): " الجُمُعَةُ على كلِّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ". أي الأذان.
فإذا توفرت هذه الشروط السبعة، وجبت صلاة الجمعة، إلا أنها لا تصح إلا بشروط أربعة:
الشرط الأول:
أن تُقام في خِطَّة أبنية، سواء كانت هذه الخِطَّة ضمن أبنية بلدة، أو قرية يستوطنها ما لا يقل عن أربعين رجلاً ممن تجب عليهم صلاة الجمعة.
والمقصود بالبلدة: ما اجتمع فيه قاضٍ وحاكم، وكان فيه أسواق للبيع والشراء.
والمقصود بالقرية: ما لم يوجد فيه ذلك.
فلا تصح صلاة الجمعة في الصحراء وبين الخيام، ولا في قرية لا يوجد فيها أربعون رجلاً تجب في حقهم صلاة الجمعة. فإن سمعوا الأذان من البلدة المجاورة لهم، وجب عليهم الخروج إليها لصلاة الجمعة، وإلا سقطت عنهم، كما ذكرنا ذلك عند الحدوث في شروط وجوب صلاة الجمعة.
ودليل هذا الشرط: أنها لم تقم في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين إلا كذلك. وكانت قبائل الأعراب حول المدينة، وما كانوا يصلون الجمعة، ولا أمرهم بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
الشرط الثاني:
أن لا يقل العدد الذي تقام به صلاة الجمعة عن أربعين رجلاً من أهل الجمعة، أي ممن تنعقد بهم، وهم الذكور البالغون المستوطنون.
لما رواه البيهقي (1/ 177)، عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - قال: مَضتِ السُنَّة أن في كل أربعينَ فما فوقَ ذلكَ جمعةً.
وجاء في حديث كعب بن مالك - رضي الله عنه -، عند أبي داود: أن أول من جمَّع بهم أسعد بن زرارة رضي الله عنه، وكانوا يومئذ أربعين.
الشرط الثالث:
أن تقام في وقت الظهر، فلو ضاق وقت الظهر عنها، بأن لم يبق منه ما يسعها، وجب عليهم أن يصلوها ظهراً.
ولو دخلوا في صلاة الجمعة، فخرج وقت الظهر وهم فيها، قلوبها ظهراً وأتموها أربع ركعات.
دلَّ على هذا فعله - صلى الله عليه وسلم - لها في هذا الوقت.
روى البخاري (862)، عن أنس - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس. أي إلى الغرب وهو الزوال.
وروى البخاري (3935)، ومسلم (860)، عن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - قال: كنا نصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - الجمعة، ثم ننصرف وليس للحيطان ظل نستظلُّ فيه.
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: ما كُنَّا نَقِيلُ ولا نَتَغَدَّى إلا بَعْدَ الجُمُعَةِ. (رواه البخاري: 897، ومسلم: 859).
[نَقِيلُ: من القيلولة وهي النوم عند الظهيرة للاستراحة. نَتَغَدَّى: نتناول طعام الغداء].
فالأحاديث تدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - ما كان يصليها إلا في وقت الظهر، بل وفي أول الوقت.
الشرط الرابع:
أن لا تتعدد الجمعة في بلد واحد طالما كان ذلك ممكناً، بل يجب أن يجتمع أهل البلدة الواحدة في مكان واحد، فإن كثر الناس، وضاق المكان الواحد عن استيعابهم جاز التعدد بقدر الحاجة فقط.
فلو تعددت الجمعات في البلدة الواحدة بدون حاجة، لم يصح منها إلا أسبقها، والعبرة بالسبق البداءة لا الانتهاء، فالجمعة التي بدأ إمامها بالصلاة قبلاً، هي الجمعة الصحيحة، ويعتبر أصحاب الجمعات الأخرى مقصرين إذا انفردوا بجمعات متعددة، ولم يلتقوا جميعاً في أول جمعةِِ بدأت في البلدة، فتكون جمعاتهم لذلك باطلة ويصلون في مكانها ظهراً.
فإن لم تُعلَم الجمعة السابقة فالكل باطل، ويستأنفون جمعة جديدة في مكان واحد إن أمكن ذلك واتسع الوقت، وإلا صلى الجميع ظهراً، جبراً للخلل، بل تداركاً للبطلان.
ودليل هذا الشرط:
أن الجمعة لم تقم في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين وعصر التابعين، إلا في موضع واحد من البلدة، فقد كان في البلدة مسجد كبير يسمى المسجد الجامع، أي الذي تصلى فيه الجمعة، أما المساجد الأخرى فقد كانت مصليات للأوقات الخمسة الأخرى.
روى البخاري (860)، ومسلم (847)، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان الناسُ ينتابون يوم الجمعة مِنْ مَنَازلِهمْ والعَوالي...
[ينتابون: يأتون مرة بعد مرة. العَوالي: مواضع شرق المدينة، أقربها على بعد أربعة أميال أو ثلاثة من المدينة].
وروى البخاري (852)، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إنَّ أَوَّلَ جُمُعَةِِ جُمِّعَتْ بَعدَ جمعةِِ في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسجد عبدالقيس، بجُواثى من البحرين.
والحكمة من هذا الشرط:
أن الاقتصار على مكان واحد أكثر إفضاءً إلى المقصود، وهو إظهار شعار الاجتماع وتوحيد الكلمة، بل التناثر في أماكن متفرقة بدون حاجة ربما هيأ أسباب الفُرقَة والشِقَاق.
تتكون شعيرة الجمعة من فرضين، هما أساس هذا الركن الإسلامي العظيم:
1 - أن يقوم الخطيب فيهما إن استطاع، ويفصل بينهما بجلوس:
وذلك لما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن سَمرَة - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب خطبتين يجلس بينهما، وكان يخطب قائماً.
وروى البخاري (878) ومسلم (861) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب قائماً، ثم يقعد، ثم يقوم كما تفعلون الآن.
2 - أن لا تؤخر عن الصلاة:
وذلك للاتباع المعلوم من مجموع الأحاديث الواردة في الجمعة، ولإجماع المسلمين على ذلك.
3 - أن يكون الخطيب طاهراً من الحدثين الأصغر والأكبر، ومن نجاسة غير معفو عنها في ثوبه وبدنه ومكانه، وأن يكون ساتر العورة:
إذ الخطبة كالصلاة، ولذلك كانت الخطبتان عِوَضاً عن ركعتين من فريضة الظهر، فاشتُرِطَ لها ما يشترط للصلاة من الطهارة ونحوها.
4 - أن تُتْلَى أركان الخطبة باللغة العربية:
على الخطيب أن يخطب باللغة العربية وإن لم يفهمها الحاضرون.
فإن لم يكن ثمة من يعلم العربية، ومضى زمن أمكن خلاله تعلمها، أَثِموا جميعاً، ولا جمعة لهم، بل يصلونها ظهراً.
أما إذا لم تمض مدة يمكن تعلم العربية خلالها، ترجم أركان الخطبة باللغة التي يشاء، وصحت بذلك الجمعة.
5 - الموالاة بين أركان الخطبة، وبين الخطبتين الأولى والثانية، وبين الثانية والصلاة:
فلو وقع فاصل طويل في العُرف بين الخطبة الأولى والثانية، أو بين مجموع الخطبتين والصلاة، لم تصح الخطبة، فإن أمكن تداركها وجب ذلك، وإلا انقلبت الجمعة ظهراً.
6 - أن يسمع أركان الخطبتين أربعون من تنعقد بهم الجمعة.
1 - حمد الله تعالى، بأي صيغة كان.
2 - الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بأي صيغة من الصلوات.
بشرط أن يذكر اسمه الصريح: كالنبي أو الرسول أو محمد، فلا يكفي ذكر الضمير بدلاً من الاسم الصريح.
3 - الوصية بالتقوى، بأي الألفاظ والأساليب كانت.
فهذه الأركان الثلاثة أركان لكل من الخطبتين، لا تصح كل منهما إلا بها.
4 - قراءة آية من القرآن في إحدى الخطبتين.
ويشترط أن تكون الآية مُفْهَمَة وواضحة المعنى، فلا يكفي قراءة آية من الحروف المتقطعة أوائل السور.
5 - الدعاء للمؤمنين في الخطبة الثانية، بما يقع عليه اسم الدعاء عرفاً.
روى النسائي (3/ 111)، عن عمر - رضي الله عنه - قال: صلاة الجمعة ركعتان... على لسان محمد - صلى الله عليه وسلم -.
وجاء في حديث أبي داود السابق: "الجُمُعَةُ حَقٌ واجبٌ على كلِّ مُسلمِِ في جَمَاعَةِِ..." وعلى ذلك انعقد الإجماع.
وإنما يشترط إدراك الجماعة بركعةِِ واحدة منها، فإن أدركها صَحَّت وإلا وجب تحويلها ظهراً.
ويجب أن لا يقل المقتدون عن أربعين ممن تنعقد بهم صلاة الجمعة.
وعلى ذلك، لو جاء مسبوق فاقتدى بالإمام في الركعة الثانية، صَحَّت جُمُعته، وقام بعد سلام الإمام فأتى بركعة أخرى متممة.
أما إن أدركه بعد القيام من ركوع الركعة الثانية، لم تقع صلاة جمعة، وإنما يتم بعد سلام إمامه ظهراً.
وعلى ذلك أيضاً، لو اقتدى المصلون بالإمام في الجمُعة، وأتموا معه ركعة، ثم طرأ سبب اقتضى مفارقة المصلين أو بعضهم للإمام، وإتمام كلِِّ منهم صلاته لنفسه منفرداً، فإن جمعتهم صحيحة. أما لو طرأ هذا السبب قبل انتهاء الركعة الأولى، فإن صلاتهم لا تصح جمعة، وتنقلب في حقهم ظهراً.
ودليل ما سبق ما رواه النسائي وابن ماجه والدارقطني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صلاةِ الجُمعَة وَغَيرهَا، فَلْيُضِفْ إليها أُخرى، وقد تَمَّتْ صَلاتُه".
ليوم الجمعة وصلاتها آدابٌ مسنونة، ينبغي الاهتمام بها والدأب عليها، وهي:
1 - الغُسل:
لخبر: "إذا جَاءَ أَحَدُكُمْ إلى الجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ". (رواه البخاري: 387، ومسلم: 844).
وإنما صرف الأمر هنا عن الوجوب إلى الاستحباب للحديث الذي رواه الترمذي: "مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الجُمُعَةِ فبها ونِعْمَتْ، ومَنْ اغتَسَلَ فالغُسْلُ أَفْضَلُ".
[فبها ونِعْمَتْ: أي فبالسنة عمل، ونِعْمَتْ السنة].
2 - تنظيف الجسد من الأوساخ والروائح الكريهة والادِّهان والتطيب:
ولذلك لئلا يتأذى به أحد من الناس، بل ليألفوه ويسرّوا باللقاء به.
وقد علمت أن مِن رُخَص ترك صلاة الجماعة أن يكون قد أكل ذا ريح كريه يتأذى به الناس.
روى البخاري (843)، عن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الجُمُعَةِ، ويتَطَهَّرُ ما استَطَاعَ مِنْ طُهْرِِ، ويدِّهِن مِنْ دُهْنِهِ أو يَمسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، ثم يَخْرُجُ فلا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثم يُصلِّي ما كُتِبَ لَهُ، ثم يُنْصِتُ إذا تَكَلَّمَ الإمامُ، إلا غُفِرَ لَهُ ما بَيْنَهُ وبَيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى".
3 - لبس أحسن الثياب:
روى أحمد (3/ 81)، وغيره، عنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "من اغتسل يوم الجُمُعَةِ، ثم لبس أحسن ثيابه، ومسَّ طيباً إن كان عنده، ثم مشى إلى الجُمُعَةِ وعليه السَكِينة، ولم يتخطَّ أَحَداً ولم يؤذه، ثم ركع ما قُضِيَ له، ثم انتظر حتى ينصرف الإمام، غُفِرَ له ما بين الجُمُعَتَيْنِ".
والأفضل أن تكون الثياب بيضاً، لما رواه الترمذي (994) وغيره، أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "البَسوا مِنْ ثِيابِكُمُ البَيَاضَ، فإنها مِنْ خَيْرِ ثِيابِكُمْ وكَفِّنوا فيها مَوْتَاكُم".
4 - أخذ الظفر وتهذيب الشعر:
لخبر البزار في مسنده: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يُقَلِّمُ أَظَافِرَهُ ويقُصُّ شَارِبَهُ يوم الجُمُعَةِ.
5 - التبكير إلى المسجد:
روى البخاري (841) ومسلم (850)، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ، ثم رَاحَ فكأنما قَرَّبَ بَدَنَةً، ومَنْ رَاحَ في الساعة الثانية فكأنما قَرَّبَ بَقَرَةً، ومَنْ رَاحَ في الساعة الثالثة فكأنما قَرَّبَ كَبشاً أَقْرَنَ، ومَنْ رَاحَ في الساعة الرابعة فكأنما قَرَّبَ دَجَاجَةً، ومَنْ رَاحَ في الساعة الخامسة فكأنما قَرَّبَ بَيْضَةً، فإذا خَرَجَ الإمامُ حَضَرَتِ الملائكةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ".
[غُسْل الجنابة: أي كغسل الجنابة من حيث الهيئة. رَاحَ: ذَهَبَ. قَرَّبَ: تصدَّق بها تقرباً إلى الله تعالى. بَدَنَة: هي واحدة الإبل تهدى إلى بيت الله الحرام. أَقْرَن: له قَرْنان، وهو أكمل وأحسن صورة، وقد ينتفع بقرنه. خَرَجَ الإمام: صعد المنبر للخطبة. الذِّكْر: الخطبة وما فيها من الموعظة وذكر الله عز وجل].
6 - صلاة ركعتين عند دخول المسجد:
روى مسلم (875)، عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا جاء أحدكم يوم الجُمُعَةِ، والإمام يخطب، فليركع رَكْعَتَيْنِ، وَلْيَتَجَوَّز فيهما". أي يخففهما مع الإتيان بهما كاملتي الأركان والسنن والآداب.
هذا إذا لم يبلغ الخطيب أواخر الخطبة، وإلا فلينتظر قيام الصلاة المكتوبة. وتفوت هاتان الركعتان بجلوسه، فإن جلس لم يصح منه بَعْدُ صلاة نافلة، بل يجب أن يظل جالساً ينصت إلى الخطبة حتى تقام الصلاة.
7 - الإنصات للخطبتين:
روى البخاري في صحيحه (892) ومسلم (851) وغيرهما، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الجُمُعَة: أَنْصِتْ، والإمامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ لَغَوْتَ".
وعند أبي داود (1051) من رواية علي - رضي الله عنه -: "وَمَنْ لَغَا فَلَيْسَ لَهُ في جُمُعَتِهِ تلْكَ شَيْءٌ". أي لم يحصل له الفضل المطلوب، والثواب المرجو.
واللغو: هو ما لا يُحْسَن من الكلام.
يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، وله سنن وآداب، ينبغي أن يكون المسلم على بَيِّنةِِ منها، ليطبق منها ما يمكنه تطبيقه، وإليك بعضاً منها:
أولاً: تُسَن قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة وليلتها:
روى النسائي عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الكَهْفِ في يَوْمِ الجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النورِ ما بَيْنَ الجُمُعَتَيْنِ".
ثانياً: يُسَن الإكثار من الدعاء يومها وليلتها:
لما روى البخاري (893) ومسلم (852) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر يوم الجمعة فقال: "فيها ساعةٌ لا يُوَافِقُها عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وهو قائمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ الله تعالى شَْيئاً إلا أَعْطاهُ إياهُ". وأشار بيده يقلِّلها، أي يُبَيِّنُ أنها فترة قصيرة من الزمن.
ثالثاً: يُسَن الإكثار من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في يومها وليلتها:
لحديث: "إنَّ مِنْ أَفضلِ أيامِكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصلاةِ فِيهِ، فإنَّ صَلاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ". (رواه أبو داود: 1047، وغيره بأسانيد صحيحة).