المحتويات:
معنى الشرط
1 - الطهارة
2 - العلم بدخول الوقت
3 - ستر العورة
4 - استقبال القبلة
شرط الشيء كل ما يتوقف عليه وجود ذلك الشيء، وهو ليس جزءاً منه.
مثاله: النبات، لا بد لوجوده على وجه الأرض من المطر، مع العلم بأن المطر ليس جزءاً من النبات، فالمطر إذاً شرط لوجود النبات.
والآن، ما هي شروط صحة الصلاة؟
تتلخص شروطها عند الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في الأمور الأربعة التالية:
وقد عرفت معنى الطهارة في باب الطهارة وهي تنقسم إلى أنواع، لابدَّ من توفر كل واحد منها لصحة الصلاة، وهي:
فالمُحْدِث لا تصح صلاته، سواءً كان الحَدَث أصغر - وهو فقد الوضوء - أو أكبر كالجنابة.
لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: "لا تُقْبَلُ صلاة بغير طُهُورِِ". (رواه مسلم: 224).
وقد عرفت معنى النجاسة وأنواعها في باب الطهارة أيضاً.
ودليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في اللذين يعذبان في قبرهما: "أمَّا أَحَدُهُما فكان لا يَستَبْرِئُ من البَوْلِ". (رواه البخاري: 215، ومسلم: 292). وفي رواية لا يستتر، وأخرى: لا يستنزه، وكلها صحيحة، ومعناها: لا يتجنبه ولا يتحرز منه.
ومثل البول كل النجاسات المختلفة الأخرى، قال - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها: "فإذا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ فَاتْرُكي الصلاة، فإذا ذَهَبَ قَدْرها فَاغْسِلي عَنْكِ الدَّمَ وصَلِّي". (رواه البخاري: 266، ومسلم: 333).
فلا يكفي أن يكون الجسم نقياً عن النجاسة، بل لا بد أن تكون الثياب التي يرتديها المصلي نقية أيضاً عن جميع النجاسات.
دليل ذلك قول الله جل جلاله: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4].
وروى أبو داود (365)، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن خولة بنت يسار أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إنه ليس لي إلا ثوبٌ واحد، وأنا أحيضُ فيه، فكيف أصنع؟ قال: "إذا طَهُرْتِ فاغْسِليهِ ثم صَلِّي عَلَيْهِ" فقالت فإن لم يخرج الدم؟ قال: "يَكْفيكِ غَسْلُ الدَّمِ، ولا يَضُرُّكِ أَثَرُهُ".
ويقصد بالمكان الحيِّز الذي يشغله المصلي بصلاته فيدخل في المكان ما بين مَوْطئ قدمه إلى مكان سجوده، مما يلامس شيئاً من بدنه أثناء الصلاة، فما لا يلامس البدن لا يضر أن يكون نجساً، مثل المكان الذي يحاذي صدره عند الركوع والسجود، ودليل هذا الشرط أمره - صلى الله عليه وسلم - بصب الماء على المكان الذي بال فيه الأعرابي في المسجد (رواه البخاري: 217)، وقياساً للمكان على الثوب، لأن المكان كالثوب في ملامسة البدن.
وقد عرفت أن لك من الصلوات المكتوبة وقتاً معيناً، يجب أن تقع فيه.
غير أنه لا يكفي أن تقع الصلاة في الوقت، بل لا بد أن يعلم المصلي ذلك قبل المباشرة بالصلاة، فلا تصح صلاة من لم يعلم دخول وقتها، وإن تبيَّن له بعد ذلك أنها صادفت وقتها المشروع.
ويعرف دخول وقت الصلاة بوسيلة من الوسائل الثلاثة الآتية:
العلم اليقيني: بأن يعتمد على دليل محسوس، كرؤية الشمس وهي تغرب في البحر.
الاجتهاد: بأن يعتمد على أدلة ظنية ذات دلالة غير مباشرة، كالظل، والقياس بالأعمال وطولها.
التقليد: إذا لم يمكن العلم اليقيني أو الاجتهاد، كجاهل بأوقات الصلاة ودلائلها، فيقلد إما العالم المعتمد على دليل محسوس، أو المجتهد المعتمد على الأدلة الظنية.
إذا تَبَّين للمصلي أن صلاته قد وقعت قبل دخول الوقت تعتبر باطلة وتجب إعادتها، سواء كان معتمداً على علم أو اجتهاد أو تقليد.
هذا هو الشرط الثالث من شروط صحة الصلاة، ولا بد لمعرفة هذا الشرط من بيان الأمور التالية:
يقصد بكلمة العورة شرعاً: كل ما يجب ستره أو يَحْرُم النظر إليه.
حدودها بالنسبة للرجل: ما بين السُرة والركبة، فيجب أن لا يبدو شيء منه في الصلاة.
وحدودها بالنسبة للمرأة: كل البدن ما عدا الوجه والكفَّين، فيجب أن لا يبدو شيء مما عدا ذلك في الصلاة.
قال الله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: المراد به الثياب في الصلاة. (مغني المحتاج: 1/ 184].
وروى الترمذي (277) وحسَّنه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُقْبَلُ صلاةُ الحائِض إلا بخِمَارٍ".
(والحائِض: البالغ، لأنها بلغت سن الحيض. والخِمَار: ما تغطي به المرأة رأسها، وإذا وجب ستر الرأس فستر سائر البدن أولى].
*حدود عورة الرجل:
- ما بين السرَّة والركبة بالنسبة للرجال أيّاً كانوا، وبالنسبة لمحارمه من النساء.
- أما عند النساء الأجنبيات فما عدا الوجه والكفين على المعتمد (1).
أي لا يجوز للنساء الأجنبيات أن ينظرن إلى ماعدا وجه الرجل الأجنبي وكَفَّيْهِ، فإن كان النظر بشهوة حَرُمَ بالنسبة للوجه أيضاً.
قال الله تعالى: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 31].
*(1) ودليله ما روته أم سلمة قالت:
كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده ميمونة فأقبل ابن أم مكتوم وذلك بعد أن أُمرنا بالحجاب، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "احتَجِبَا منه"، فقلنا: يا رسول الله أليس أعمى لا يُبْصِرنا ولا يَعْرِفُنا؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه؟". (رواه أبو داود: 4112، والترمذي: 277، وقال: حسن صحيح).
*وحدود عورة المرأة:
- عند النساء المسلمات ما بين سُرَّتها وركبتها.
- أما عند النساء الكافرات، فما عدا الذي يظهر منها لضرورة القيام إلى عمل ما كخدمة البيت ونحوه.
- وأما عند الرجال المحارم لها فما بين السُرَّة والركبة، أي فيجوز لها أن تبدي سائر أطراف جسمها أمامهم بشرط أمن الفتنة وإلا فلا يجوز ذلك أيضاً.
قال تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور: 31].
وفُسِّرَت الزينة بمواضعها فوق السرة أو تحت الركبة.
(بعولتهن: أزواجهن. نسائهن: النساء المسلمات).
- وأما عند الرجال الأجانب فجميعها عورة، فلا يجوز لها أن تكشف شيئاً من بدنها أمامهم إلا لعذر، كما لا يجوز لهم أن ينظروا إليها إن كشفت شيئاً من ذلك.
قال تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ} [النور: 30].
وروى البخاري (365)، عن عائشة رضي الله عنها قالت: "لقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُصلي الفجر، فَيَشْهَد معه نساء من المؤمنات، مُلْتَفِعَاتِِ في مُرُوطِهِنَّ، ثم يَرْجِعْنَ إلى بُيوتِهنَّ، ما يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ".
(مُلْتَفِعَاتِِ في مُرُوطِهِنَّ: مُتَلَفِّفَات بأَكْسِيَتِهِنّ، واللِفَاع: ثوب يجلل به الجسد كله).
1 - عند الخطبة لأجل النكاح، فيجوز النظر إلى الوجه والكفين، وسيأتي في باب النكاح.
2 - النظر للشهادة أو المعاملة، فيجوز النظر إلى الوجه خاصة، إذا كانت هناك حاجة لمعرفة تلك المرأة، ولم تُعرف دون النظر إليها.
3 - من أجل التطبيب والمداواة، فيجوز كشف العورة والنظر إليها بقدر الحاجة.
روى مسلم (2206)، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -: أنَّ أم سلمة رضي الله عنها استأذَنَت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحِجَامَة، فأَمَرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَبَا طَيْبَةَ أَنْ يَحْجُمَهَا".
ويُشترَط أن يكون ذلك بوجود مَحرَم أو زوج، وأن لا توجد امرأة تعالجها، وإذا وجد المسلم أو المسلمة لا يُعدَل إلى غيرهما.
وهذا هو الشرط الرابع من شروط صحة الصلاة.
والمقصود بالقبلة الكعبة المشرفة، بمعنى أن تكون الكعبة قبالته.
دليل هذا الشرط صريح قول الله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144].
وروى البخاري (5897)، ومسلم (397) أنه - صلى الله عليه وسلم - قال للذي علمه كيف يصلي: "إذا قُمتَ إلى الصلاة فَأَسْبغ الوُضُوء، ثم استَقْبِل القبلة فَكَبِّر".
والمراد بالمسجد الحرام في الآية، وبالقبلة في الحديث: الكعبة.
روى البخاري (390)، ومسلم (525) عن البراء بن عازب - رضي الله عنهما - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلَّى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهراً، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُحبُّ أن يُوَجَّه نَحْوَ الكعبة، فأنزل الله: {قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ}. فَتَوَجَّه نَحْوَ الكعبة.
وإذاً فإن تاريخ مشروعية استقبال الكعبة يبدأ في أوائل هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة.
إما أن يكون المصلي قريباً من الكعبة بحيث يمكنه رؤيتها إذا شاء، أو أن يكون بعيداً عنها بحيث لا يمكن رؤيتها:
أما القريب منها: فيجب أن يستقبل عين الكعبة يقيناً.
وأما البعيد عنها: فيجب عليه أن يستقبل عين الكعبة معتمداً على الأدلة الظنية، إن لم يمكنه الدليل القطعي.