المحتويات:
عدم التأخير عن وقت الاستحقاق
ما الذي يترتب علىٰ التأخير
تأخير الوكيل صرف الزكاة للمستحقين
تعجيل الزكاة قبل وقت وجوبها
شروط صحة التعجيل
دفع الزكاة عن طريق الإِمام
التوكيل بالزكاة
النية عند دفعها
إذا كان المال نصابًا فما فوقه، وحال الحَوْل عليه، فقد وجبت فيه الزكاة وثبتت لمستحقِّيها، ووجب علىٰ المالك إخراج القدر الواجب على الفور، إذا توفر شرطان اثنان:
الشرط الأول: أن يتمكن من إخراجها: وذلك بأن يكون المال حاضرًا عنده. فإن كان غائبًا عن المكان الذي هو فيه، بأن كان في بلدة أخرىٰ، أو كان دينًا في ذمَّة بعض الناس، لم يكلَّف بإخراج الزكاة عنه فورًا. نعم إن توفر تحت يده المبلغ الذي يجب إخراجه عن المال المشغول بالديْن، وجب إخراجه فورًا.
الشرط الثاني: حضور الأصناف المستحقِّين لها، أو حضور الإِمام أو وكيله الساعي علىٰ جمعها، فإن لم يحضر من يستحقُّها من الأصناف الثمانية المذكورة في القرآن، أو من ينوب عنهم، فله تأخيرها، بل لا بدَّ من تأخيرها حتىٰ يحضر المستحقُّون.
إذا توفر هذان الشرطان، وأخَّر المالك مع ذلك إخراج الزكاة، يترتب على ذلك أمران اثنان:
الأول: الإِثم، إذ هو في حكم من يحبس مال الفقراء عنده دون موجب، وهو حرام. ويستثنىٰ من ذلك ما إذا أُخّر لانتظار قريب أو جار أو من هو أحوج من الحاضرين، شريطة أن لا يتضرّر الحاضرون بهذا التأخير ضررًا بليغًا، ويزداد جوعهم وعوزهم، فيأثم عند ذلك مطلقًا.
الثاني: الضَّمان، أي ينتقل حقٌّ الفقراء والمستحقِّين من التعلُّق بعين المال إلىٰ التعلُّق بذمة المالك، فتصبح ذمته مشغولة بحقِّهم حتىٰ وإن تلف جميع ماله، ذلك لأنه قصَّر بسبب التأخير الذي لم يكن له فيه عذر، فيتحمَّل مسؤولية تقصيره، حفظًا لمصلحة المستحقين، حتىٰ ولو كان تأخيره لانتظار من ذُكر آنفًا.
ممّا مرّ يتبيَّن لنا: أنه إذا وكِّل المالك غيره بصرف زكاة ماله، ودفع له المقدار الواجب، ووجد المستحقون لهذه الزكاة، فليس له تأخير دفعها إليهم، وإن أخَّر أثم وكان ضامنًا.
وهنا نلفت أنظار المشرفين على الجمعيات الخيرية إلىٰ هذا الأمر ونبيِّن لهم أن إبقاء مبلغ من الزكاة - التي تدفع إليهم من المالكين - كرصيد مدوَّر لحساب الجمعية أو في صندوقها، وكذلك إبقاء مبالغ لتدفع للمستحقِّين خلال العام كأقساط شهرية، أمر غير مشروع، ومخالف لما ثبت في شرع الله تعالىٰ من وجوب أداء الحق لصاحبه فور استحقاقه، ومباين لحكمة تشريع الزكاة التي تهدف إلىٰ إغناء الفقير ومن علىٰ شاكلته، بإعطائه مبلغًا من المال قد يساعده علىٰ تهيئة عمل شريف يكون مورد رزق دائم له، وبذلك يُمْحَىٰ اسمه من لائحة الفقراء والمعوزين، ليوضع في قائمة المنفقين والمحسنين المتصدِّقين. ونحن غير مسؤولين عن تصرِّف
المكلَّف صاحب الاستحقاق، طالما أنه بالغ عاقل راشد من حيث الظاهر.
وعليه فإننا نهيب بالمشرفين المخلصين علىٰ الجمعيات أن لا يقعوا في هذه المخالفة، كي يسلم لهم الأجر عند الله عز وجل، ولا تحبط أعمالهم، أو تذهب جهودهم المبذولة في خدمة ذوي الحاجة سدىٰ.
أما إذا أراد المالك أن يستعجل بإخراج زكاته، قبل حلول وقتها، فيُنظر:
إن أخرجها قبل أن يمتلك نصاباً لم تجزئ، ولم يقع المال المدفوع زكاة، أي فإذا تكامل ماله بعد ذلك نصابًا، وحال عليه الحَوْل، وجب أن يخرج الزكاة عنه، ولم يسدّ المال الذي كان قد عجَّل بإخراجه أيَّ مسدٍّ عنه.
ذلك لأن سبب وجوب الزكاة- وهو النصاب- مفقود من أصله، فقسناه علىٰ التعجيل بأداء الثمن قبل شراء السِلْعة، فإنها لا تعتبر ثمنًا، ولا تغني عن وجوب دفع الثمن بعد عقد الشراء.
أمّا إن أخرجها بعد أن امتلك النِّصاب وقبل أن يحول الحول، فهو مجزئ ويقع المال المدفوع زكاةً عن ماله الزكوي، أي فلا يجب عليه أن يخرج زكاة ماله هذا بعد تكامل الحَوْل عليه.
ودليل ذلك: ما رواه أبو داود (1624) والترمذي (678) وابن ماجه (1795): أن العباس - رضي الله عنه - سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تعجيل صدقته قبل أن تحل، فرخص له في ذلك.
إذا عجَّل زكاة ماله سقط عنه الواجب عند حَوَلان الحَوْل إذا وجدت الشروط التالية:
الشرط الأول:
بقاء المالك أهلًا لوجوب الزكاة عليه إلىٰ آخر الحَوْل، فلو سقطت عنه هذه الأهلية ـ بأن مات مثلاُ قبل مرور الحول ـ لم يُعتبر المال المعجَّل زكاة. وفي هذه الحالة لورثته أن يستردُّوا ما دُفع إن كان بيَّن للقابض أنها زكاة معجَّلة.
الشرط الثاني:
أن يبقىٰ ماله كما هو إلىٰ مرور الحَوْل، فلو تلف ماله أو باعه في غير تجارة، لم يعتبر المعجّل زكاة. وكان له أن يستردَّ ما عجله إن بيَّن للقابض أنه زكاة معجلة.
الشرط الثالث:
أن يكون القابض للمال المعجَّل مستحقًا في آخر الحول ـ وإن مرت عليه ظروف خلال الحول جعلته غير مستحق؛ بسبب طروء غنى بغير ما دفع إليه من زكاة، أو ارتداد، أو نحو ذلك ـ إذ العبرة إنَّما هي بآخر الحول، حيث تجب المبادرة بالإِخراج.
وعلىٰ هذا: لو أن القابض للزكاة المعجَّلة خرج عن الاستحقاق في آخر العام، لم يعتبر المدفوع له زكاة، وعلى المالك أن يدفع الزكاة ثانية. وينظر: فإن كان قال له عند الدفع: هذه زكاتي، كان له أن يستردَّ منه ما أعطاه. وإن لم يقل له ذلك فليس له الرجوع عليه بشيء.
تنقسم الأموال الزكوية ـ بالنظر إلىٰ المسألة ـ إلىٰ قسمين:
أموال باطنة، وأموال ظاهرة.
وللمالك أن يخرج زكاة هذه الأموال ويعطيها للمستحقين إذا شاء بنفسه، دون وساطة الإِمام، وله أن لا يعطيها له وإن طلبها، بل لا يجوز للإِمام أن يطلبها منه، لأنها أموال باطنة هو أدرىٰ بها وبكميتها.
فإن طلب الإِمام زكاة هذه الأمور وجب علىٰ المالك تسليمها إليه، لظاهر قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103].
وإن لم يطلبها الإِمام كان المالك بالخيار: بين أن يتولَّى دفعها للمستحقين بنفسه، وأن يسلِّمها للإِمام. ولكن الأفضل إعطاؤها له، لأنه ـ أي الإمام ـ أعرف بالمستحقِّين وأقدر علىٰ استيعابهم، ولأن توزيعها عن طريق الإِمام أضمن لعدم إيذاء المستحقِّين بالتمنُّن أو الاستعلاء، إذ علاقة الحاكم بها كعلاقة الأب بأولاده، فلا مجال لشيوع معنىٰ التمنُّن أو الاستعلاء بينهما، ولأن ذلك خير سبيل لإٍغناء المستحقِّين بالزكاة، مما يجعلهم يعتمدون علىٰ أنفسهم بشقِّ سُبُل الكدح والارتزاق لأنفسهم.
هذا إذا كان الإمام عادلًا في قسمة الأموال وصرفها إلىٰ المستحقين، فإن كان جائرًا، بل غلب على الظن أنَّه لا يسلِّمها إلىٰ المستحقين، فإن الأفضل أن يتولَّىٰ المالك توزيع زكاته بنفسه، إلَّا أن يطلبها الإِمام علىٰ وجه الحتم، وكانت أموالًا ظاهرة، فلا سبيل عندئذ للمالك إلى منعها عنه، وإن كان جائرًا.
الأفضل أن يخرج المالك زكاة ماله ويعطيها للمستحقين بنفسه، إلّا ما قد علمت من حكم إعطائها للإِمام بالتفصيل الذي ذكرناه.
ولكن هل له أن يوكِّل بها غيره؟
نعم، له أن يفعل ذلك، لأن الزكاة إنّما تتعلق بحقٍّ ماليٍّ، والحقوق المالية يجوز التوكيل في أدائها، كالتوكيل في دفع الديون والأثمان، وإعادة الودائع والعواري إلىٰ أصحابها.
فيجوز للمالك بها أن يوكِّل كلَّ من يملك أن يفعل ذلك عن نفسه، فيدخل فيه الكافر والصبي المميِّز، ولكن يشترط إذا وكَّل بها كافرًا وصبيًا أن يعيِّن له الشخص المدفوع إليه.
تجب النية عند إخراج الزكاة تمييزًا لها عن الكفارات وبقية الصدقات، وللحديث المشهور: "إنما الأعمال بالنيات". البخاري (1) ومسلم (1907).
فإن تولىٰ إخراج الزكاة بنفسه، استحضر نية ذلك عند الدفع للمستحقِّ، أو عندما يعزل المبلغ الذي يريد إخراجه عن بقية ماله، أي فإن نوىٰ عند العزل أن هذا المبلغ هو زكاة ماله، كان ذلك كافيًا، ولم يجب استحضار النية مرة أخرىٰ عند الدفع.
وإن وَكَّل بها، نوىٰ الزكاة عند تسليم المبلغ إلىٰ الوكيل، ولا يجب على الوكيل بعد ذلك أن يستحضر أي نية عند إعطائه للمستحقِّين، ولكن الأفضل أن ينوي الوكيل أيضًا عند توزيع المبلغ عليهم، فإن لم ينوِ المالك عند تسليمها للوكيل لا تكفي نية الوكيل عند دفعها للمستحقين.
وإن سلَّمها للإِمام أو نائبه، نوىٰ عند دفعها له، وكان ذلك كافيًا، لأنَّ الإِمام نائب عن المستحقِّين، فكانت النية عند إعطائها له بمثابة النية عند إعطائها للمستحقِّين أنفسهم.
فإن لم يستحضر المالك النية عند إعطائها للإِمام لم تفد نيّة الإِمام عنه بعد ذلك، ولا يعتبر المال المدفوع له مجزئًا عن الزكاة، وذلك لأن الإِمام ـ كما قلنا ـ نائب عن المستحقين، وليس نائبًا عن المالك كما هو الشأن في الوكيل، لذلك فلا عبرة بنيته عن المالك.
على أن نية الوكيل لا تكفي، إذا لم ينو المالك الموكّل كما علمتَ.