المحتويات:
تعريفها
مشروعيتها
حكمة مشروعيتها
أركانها
وصف عقد المساقاة
حكم المساقاة الفاسدة
يد العامل
انتهاء المساقاة
اختلاف العامل والمالك
هي - في اللغة - مأخوذة من السَّقْي.
وشرعا: هي أن يتعاقد صاحب الشجر مع غيره، على أن يقوم بإصلاحه وتعهده وما يحتاج إليه من عمل، ويأخذ جزءاً معيناً مما يخرج منه من ثمر.
وسميت مساقاة: لأن هذا العمل يحتاج الى السقي بالماء ونضحه ونقله أكثر من غيره، فهو أكثر الأعمال مشقة على العامل، وأنفعها للمتعاقد من أجله وهو الشجر.
وتسمىٰ معاملة، وتسميتها مساقاة أولىٰ، لما ذُكر.
المساقاة مشروعة وجائزة، وقد دل على مشروعيتها:
1 - السنّة: ومن ذلك ما رواه عبدالله بن عمر رضى الله عنهما: أن رسول الله ﷺ أعطى خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع، وفي رواية: عامل أهل خيبر .. [أخرجه البخاري: المزارعة، باب: المزارعة بالشطر ونحوه، رقم: 2203، ومسلم: المساقاة، باب: المساقاة والمعاملة بجزء من الثمر والزرع، رقم: 1551].
2 - إجماع الصحابة رضي الله عنهم، فقد استمروا علىٰ ما فعله رسول الله ﷺ خلافة أبي بكر وعمر رضى الله عنهما، ولم ينكر ذلك أحد منهم. [انظر صحيحي البخاري ومسلم الموضع المذكور قبل].
إن الحكمة من مشروعية المساقاة هي تلبية الحاجة الداعية إلىٰ ذلك، والتيسير علىٰ الناس في تحقيق مصالحهم المشتركة من غير ضرر ولا ضرار، فقد يكون للرجل الأرض والشجر ولا قدرة له علىٰ تعهدها والانتفاع بها، ويكون غيره لا أرض له ولا شجر، ولديه القدرة البدنية والخبرة العملية لإصلاح الشجر واستثماره. وفي استئجار من يقوم بالعمل إحتمال ضرر بالغ بالمالك، فقد يهمل الأجير العمل، فلا يخرج شيء من الثمر، أو يخرج قليل منه لا يقابل الأجر الذي غرمه المالك، وربما غرمه فور التعاقد علىٰ العمل. فبهذا العقد ينشط العامل ويندفع للعمل، فربما كان الثمر كثيراً، فينتفع هو مقابل جهده، وينتفع المالك من ثمرة ملكه دون أن يقع عليه ضرر، فتتحقق مصلحة الطرفين، بل مصلحة المجتمع بالانتفاع برزق الله عز وجل، الذي يكون ثمرة الكسب والعمل والبذل، مع الصدق والأمانة والحفظ.
للمساقاة أركان ستة: مالك، وعامل، وصيغة، ومورد، وعمل، وثمر، ولكل منها شروط، وسنبيِّنها مع شروطها بعون الله تعالىٰ.
ويشترط فيه أن يكون كامل الأهلية، إن قام بالتعاقد لنفسه، فإن كان المالك غير أهل للتعاقد - كالصبي والمجنون والمحجور عليه لسفه - ودعت الحاجة والمصلحة إلىٰ هذا التعاقد، قام بالتعاقد من له ولاية على المالك، أو من له ولاية علىٰ المِلْك كأن كان المالك غير معين - كمال بيت المال والوقف - قام بذلك ناظر الوقف أو الحاكم أو نائبه.
ويشترط فيه ما يشترط في المالك من الأهلية، فلا تصح إذا كان صبياً او مجنوناً.
لابد في المساقاة من إيجاب وقبول، فالإيجاب قد يكون بلفظ صريح: كأن يقول ساقيتك علىٰ هذا النخيل - مثلاً - بكذا من الثمرة، وبلفظ الكناية: كقوله سلمت اليك هذا الشجر لتتعهده بكذا، أو اعمل علىٰ هذا الشجر بكذا، ونحو ذلك من الألفاظ التي يتعارفها الناس في هذا التعاقد، فإذا قبل العامل بلفظ يدل على رضاه بما أوجبه المالك صحّت المساقاة.
ولا تنعقد بلفظ الإجارة على الأصح، فلو قال: استأجرتك لتقوم بتعهدها بكذا من ثمرتها، لم تنعقد مساقاة، لأن لفظ الإجارة صريح في عقد آخر، ولم تنعقد إجارة لجهالة الأجرة في هذه الحالة.
ولا بد لصحة الانعقاد من القبول علىٰ ما ذكرنا، وأن يكون لفظاًً متصلاً بالإيجاب عرفاً، وتقوم الإشارة والكتابة من الأخرس مقام اللفظ.
أي ما ترد عليه صيغة المساقاة، وما يصح أن يحصل التعاقد على إصلاحه وتعهده من الشجر، وهو شجر النخيل والعنب.
وذلك لأن النص قد ورد في النخيل صراحة، فقد جاء في رواية من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "دفع إلىٰ أهل خيبر نخلها وأرضها .. ".
وقيس شجر العنب على النخيل لأنه في معناه، لأن ثمر كل منهما تجب فيه الزكاة باتفاق الفقهاء، ويتأتىٰ فيه الخرص - أي تقدير ما يكون في رطبه من يابس - ولكلٍّ منهما رطب ويابس يدخر ويقتات به، فالنخيل يؤكل ثمره رُطباً ويصير تمراً، وشجر العنب يؤكل ثمره عنباً كما يصبح زبيباً.
واختار بعض أئمة المذهب ومرجحيه صحة ورودها علىٰ جميع الأشجار المثمرة، قياساً علىٰ النخيل والعنب، ولعموم قوله "من ثمر .. ".
ولعل هذا الذي اختاره هو الأرجح والأوفق لحكمة التشريع، من رعاية المصالح والتيسير علىٰ الناس، ولاسيما في هذه الأزمان التي كثُر فيها تنوع الأشجار المثمرة، فصارت الحاجة ملحة لصحة المساقاة في كل شجر، ولعل سبب ورود النص على النخيل أنه كان الأكثر والغالب في بلاد العرب ولاسيما الحجاز، وخصوصا خيبر، يدل علىٰ هذا اختلاف روايات الحديث، وإن الأكثر منها لم يذكر فيه النخيل، والله تعالىٰ أعلم.
وصحتها في كل الأشجار المثمرة هو قول الشافعي رحمه الله تعالىٰ القديم، ومذهب أكثر الفقهاء غير الشافعية
وهو ما يقوم به العامل من جهد لرعاية الشجر واصلاحه.
وعلىٰ العامل أن يقوم بكل عمل يُحتاج إليه لصلاح الثمر واستزادته، مما يتكرر كل سنة:
فعليه السقي وما يتعلق به: من إصلاح طرق الماء، وفتح رأس الساقية وسدها عند السقي، وتنقية مجرى الماء من طين وعشب ونحوه، وإصلاح الحفر حول أصول الشجر ليستقر فيها الماء.
وعليه تلقيح الأشجار ونحوه.
وكذلك إزالة قضبان مضرّة وتنحية أعشاب وحشائش قد تؤثر على الشجر.
وعليه - أيضاً - تعريش ما جرت العادة بتعريشه من الأشجار في تلك البقاع، ووضع حشائش ونحوها على الثمار لصيانتها من الشمس، حسب العادة والحاجة.
والأصح أن عليه حفظ الثمر وصيانته من السرّاق، وكذلك عليه حفظه من الحشرات بالرش بالمبيدات ونحو ذلك، كما أن عليه قطعه وتجفيفه إن كان مما يجفَّف، كثمر النخيل والعنب والتين.
فإن عجز عن بعض هذه الأعمال - لكثرة الشجر مثلا أو كبر البستان - استعان عليها، وكانت نفقتها عليه.
وليس عليه أن يقوم بأي عمل يقصد به حفظ الشجر، ولا يتكرر كل سنة.
فليس عليه بناء حيطان، ولا حفر نهر جديد أو بئر، ولا نصب باب، ولا أدوات حراثة، ولا ما يستخرج به الماء كمحرّك، ونحو ذلك، بل ذلك كله ونفقاته علىٰ المالك.
ولو شرط المالك على العامل القيام بما ليس عليه لم تصحّ المساقاة، وكذلك لو شرط العامل علىٰ المالك القيام بما هو من واجب العامل.
ويشترط في صحة المساقاة:
أن ينفرد العامل بالعمل وباليد، أي في التخلية بينه وبين المعقود عليه وأن يسلم إليه، ليتمكن من العمل متى شاء. فلو شرط بقاء البستان في يد المالك، أو اشتراكهما في اليد لم تصحّ المساقاة، ولو شرط المالك وجود أجير له، ليقوم عنه بما يترتب عليه ويخصه من أعمال، صحّ.
كما يشترط معرفة قدر العمل إجمالاً، وذلك بذكر مدة تثمر فيها الأشجار المعقود عليها غالباً وتبقىٰ صالحة للاستغلال.
فلا تصحّ مطلقة عن المدة، أو مقيدة بزمن لا تثمر فيه تلك الأشجار غالباً، لخلوّها عن العوض بالنسبة للعامل، ولا مقّيدة بزمن لا تبقي فيه الأشجار صالحة للأستغلال.
ولا يصح توقيتها بإدراك الثمر علىٰ الأصح، لجهالة المدة، لأن إدراكه قد يتقدم وقد يتأخر.
أي ثمرة الأشجار التي ورد عقد المساقاة على تعهدها، ويشترط في هذا:
1 - أن تكون مختصّة بهما، أي المالك والعامل، فلا يجوز أن يشترط جزء منها لغيرهما، فلو شرط شئ من ذلك فسد عقد المساقاة.
2 - ان يشتركا في الثمر، فلو شرط أن كون الثمر كله لواحد منهما كانت مساقاة فاسدة.
3 - أن يكون نصيب كل منهما معلوما بالجزئية، كربع وثلث ونصف ونحو ذلك، فلو قال: علىٰ أن الثمر بيننا، كان مناصفة، فلو شرط لواحد منهما نصيب معين - كألف صاع مثلاً ، أو ألف رطل من الثمرة - لم يصح، لأنه ربما ما أثمرت ذلك، أو لم تثمر غيره، فيخلو العاقد الثاني عن العوض، ومثل هذا لو شرط لواحد منهما قدر معين من النقد.
ويثبت حق العامل في الثمرة بظهورها، فإذا أطلعت قبل انقضاء المدة - أي ظهر أول حملها ولو لم يظهر تماماً - ثبت حقه فيها.
ويصحّ عقد المساقاة قبل أن يكون الثمر بالكلية، كما يصحّ بعد وجوده وظهوره - لكن قبل بدء صلاحه - علىٰ الأظهر، لبقاء أكثر العمل.
عقد المساقاة عقد لازم من العاقدين، فإذا وجدت أركانه بشروطها أصبح كل منهما ملزماً بتنفيذه وليس له فسخه والرجوع عنه إلا برضا العاقد الآخر، سواء أكان ذلك قبل العمل أم بعده، لأن العمل المعقود عليه يكون في أعيان قائمة بحالها، فيلزمه إتمام أعمالها ولو تلفت الثمرة كلها بآفة ونحوها.
ووجه لزومها مراعاة مصلحة العاقدين:
إذ لو كان للعامل فسخها قبل تمام العمل لتضرّر المالك بفوات الثمرة أو بعضها، لعدم تمكّن المالك من إتمامه، لكونه لا يحسنه او لا يتفرغ له.
ولو كان للمالك فسخها لتضرر العامل بفوات نصيبه من الثمرة، لأن الغالب أن يكون أكثر من أجرة مثله.
كل ما سبق من أحكام يترتب علىٰ المساقاة الصحيحة، وهي التي استوفت أركانها بكامل شروطها. فإذا اختل ركن من الأركان أو شرط من الشروط كانت المساقاة فاسدة، كما بينا ذلك في مواضعه، وذلك في كل موضع قلنا فيه: لا تصلح المساقاة: كأن شرط علىٰ أحدهما ما ليس من عمله، أو يكون نصيبه مجهولاً أو غير معلوم بالجزئية، أو كان موردها شجراً غير مثمر، ونحو ذلك.
فإذا تبين فساد المساقاة: كان الثمر لصاحب الشجر، لأنه نماء ملكه، وكان للعامل أجرة مثله لمثل عمله الذي قام به، لأنه بذلك منفعته علىٰ أن تقابل بعوض، ولم يكن متبرع بعمله.
يد العامل يد أمانة، فإن ادعىٰ هلاك شئ تحت يده - من شجر أو ثمر أو غير ذلك - بغير تقصير منه ولا تعد، كان القول قوله، فيصدق بيمينه. وكذلك فيما إذا ادعى المالك خيانته وأنكر هو، فإنه يصدق بيمينه، لأن المالك قد ائتمنه، والقول دائماً قول المؤتمن بيمينه.
تنتهي المساقاة إذا انتهت المدة المتعاقد عليها، إذا كان الثمر قد نضج وقطف. فإذا انتهت المدة وكان الثمر قد ظهر طله - أي بدء وجوده - فقد تعلق به حق العامل كما علمت، فتستمر المساقاة حتىٰ ينضج ويقطف، وعلىٰ العامل أن يستمر بالعمل حتىٰ يتمّه.
ولا تنتهي المساقاة بموت أحدهما: فإذا مات المالك استمر العامل بعمله وأخذ حصته عند تمام العمل.
وإذا مات العامل كان للوارث أن يتم العمل بنفسه، وعلى المالك أن يمكنه من ذلك إذا كان ثقة عارفا بالعمل، وإن كان لم يكن كذلك استأجر المالك بإذن الحاكم مَن يقوم بالعمل من تركة العامل. ولا يجبر الوارث علىٰ العمل، بل له أن يتمّه من تركة الوارث أو من ماله.
ويجبر علىٰ إتمام العمل، إذا ترك العامل تَرِكَة، لأنه حق قد وجب عليه، فيلزم أداؤه من التركة كغيره من الحقوق. فإذا لم يترك العامل تركة لم يُجبر الوارث علىٰ إتمام العمل لا بنفسه ولا من ماله. ولا يقترض علىٰ العامل. بل للمالك أن يفسخ المساقاة لتعذر استيفاء المعقود عليه وهو العمل، ويستحق ورثة العامل أجرة المثل لما مضى إن لم يظهر الثمر، وإن ظهرت الثمرة كان للورثة قيمة نصيب العامل علىٰ تلك الحالة، والله تعالىٰ أعلم.
ولا تنتهي المساقاة بخيانة العامل، إذا ثبتت بإقراره أو ببينة ونحو ذلك، وإنما يضم إليه مشرف ليمتنع عن الخيانة، ولا ترفع يده عن العمل لأنه واجب عليه، ويمكن استيفاؤه منه بهذا. وتكون أجرة المشرف عليه لأنها استحقت بسببه.
فإذا لم يتحفّظ عن الخيانة رغم وجود المشرف أزيلت يده بالكلية، واستؤجر عليه من ماله مَن يقوم بالعمل ويتمّه، لتعذر الاستيفاء منه مع لزومه له.
وكذلك الحال فيما لو هرب العامل - أو حبس أو مرض- قبل تمام العمل والفراغ منه، فلا تنفسخ المساقاة، بل يستأجر عليه الحاكم مَن يقوم بالعمل ويتمّه، إلا إذا تبرع عنه المالك وغيره، فيبقىٰ استحقاقه فيما اتفق عليه من نصيب من الثمر.
وفي حال عدم التمكن من الرجوع الى الحاكم - أو عدم استجابته لذلك - يستأجر المالك من يقوم بالعمل، ويشهد في ذلك علىٰ ما ينفقه من أجله، وأنه ينفق ليرجع علىٰ العامل، فإذا أشهد كان له الرجوع على العامل بما أنفق، وإلا كان متبرعاً.
وإذا لم يجد الحاكم ولا المالك من يقوم بالعمل عن العامل - ولم يشأ المالك التبرع عنه - كان للمالك أن يفسخ المساقاة، لتعذر استيفاء المعقود عليه وهو العمل. وكان للعامل أجرة مثل ما سبق من عمله إن لم تظهر الثمرة، وقيمة نصيبه علىٰ تلك الحالة إن كانت قد ظهرت.
إذا اختلف العامل وصاحب الشجر في العوض المشروط، فقال المالك: شرطت لك ثلث الثمرة، وقال العامل: شرطت لي نصفها، يحلف كل منهما علىٰ إثبات دعواه ونفي دعوىٰ خصمه، لأن كلا منهما منكر لدعوىٰ الآخر، فإذا تحالفا انفسخ عقد المساقاة، وكان الثمر كله للمالك، وللعامل أجرة مثله.