المحتويات:
تعريف القسمة
مشروعية القسمة
أنواع القسمة
أحكام القسمة
القسمة لغة: مأخوذة من قسم الشيء يقسمه، إذا فصله إلي أجزاء.
والقسمة شرعاً: تمييز بعض الأنصباء عن بعض تبعاً لمصلحة الشركاء، وطبقاً لشروط مخصوصة، وكيفيات معينة.
القسمة مشروعة نص الكتاب والسنة، ودليل الاجتهاد والنظر.
أما الكتاب، فقول الله عز وجل: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً} [النساء: 8].
فقد علق الأمر بإكرام اليتيم وأولي القربىٰ علىٰ حضورهم قسمة المال، فدلّ ذلك على مشروعيتها، وعدم وجود ما يمنع منها، إذا جرت علىٰ أصولها المشروعة.
وأما السنة، فقد روي [البخاري [2138] في الشفعة: باب: الشفعة فيما لم يقسم، ومسلم [1608] في المساقاة، باب: الشفعة]، عن جابر رضي الله عنه قال: قضى رسول الله ﷺ بالشفعة في كل ما لم يُقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة.
فتعليق حق الشفعة علىٰ عدم القسمة فرع عن مشروعيتها، ودليل علىٰ جوازها، كما دلت الآية المذكورة سابقاً.
وأما دليل النظر والاجتهاد، فهو أن الشركة لما كانت عقداً جائزاً من الشريكين، أي لكلٍّ منهما فسخها متىٰ شاءَ كان لابدّ للقسمة أن تكون مشروعة استجابة لرغبة كلٍّ منهما، إذ لا معنىٰ لانفساخ الشركة، إذا لم يكن سبيل إلىٰ القسمة، ولأن في القسمة مصلحة صاحب الحق عندما يرىٰ مصلحته في ذلك.
تنحصر القسمة المشروعة في ثلاثة أنواع، وذلك بالنظر إلي طبيعة المال الذي تعلقت به القسمة.
النوع الأول:
القسمة بالأجزاء ـ وتسمىٰ أيضاً: قسمة المتشابهات ـ: وهي التي تتعلق بمال لا تحتاج قسمته إلىٰ ردٍّ، ولا إلىٰ تقويم، ولا إلىٰ التجاء لسبيل من سبل التسوية بين الأقسام: كالمثليات من حبوب، ودراهم، وأقمشة، ونحوها، وكأرض مستوية القيمة والأجزاء.
ويمتاز هذا النوع من القسمة بسهولة تقسيمه، وإن تفاوتت الحصص.
النوع الثاني:
قسمة التعديل: وهي تطلق علىٰ تقسيم كل متمول تختلف قيمة أجزائه: كأرض تختلف قيمة أجزائها بسبب اختلافها في قوة الإنبات، وخصوبة التربة، أو القرب من الماء، أو نحو ذلك، بحيث تكون قيمة ثلثها كقيمة ثلثيها مثلاً.
ويمتاز هذا النوع من القسمة بضرورة ملاحظة القيمة دون الاقتصار علىٰ المساحة أو الشكل أو الكيل وحده.
النوع الثالث:
القسمة بالرد: وهي أن تتعلق بمتموّل يمتاز ببعض أجزائه بشيء غير قابل للقسمة، ولا يوجد نظيره في الطرف الآخر، أو الأجزاء الأخرى، كأن يكون في أحد جانبي الأرض بئر أو شجر، وليس في الجانب الآخر ما يعادله، إلا بواسطة ضميمة خارجية إليه.
ويمتاز هذا النوع بضرورة إدخال الجبر على التقسيم فيه كي تتحقق العدالة في القسمة.
فإذا تأملت في هذه الأنواع الثلاثة للقسمة أدركت أن بينها قدراً مشتركاً من الشبه، وهو أنها جميعاً تتعلق بأموال قابلة للقسمة من حيث المبدأ، أي لا ضرر في قسمتها، وإن اختلفت هذه الأنواع بعضها عن بعض في طريق القسمة.
وبذلك تعلم أن ما وراء هذه الأنواع الثلاثة للقسمة، ما لا يقبل القسمة: أي يقع ضرر بالمالك بسبب قسمته: كالجوهرة، والثوب، والرحىٰ، والبئر، والسيارة، ونحو ذلك.
فلا يدخل في القسمة المشروعة، ولا يجبر الطرف الممتنع عن القسمة علىٰ القسمة، لأن فيه إضاعة للمال، وإضراراً بالمالك، بل يحرم التقسيم وإن رضي الطرفان، إذا كان فيه نقص بيّن للمنفعة، أو إهدار لها، لأنه من التبذير الذي نص الله عز وجل على وجوب اجتنابه.
للقسمة أحكام نذكرها فيما يلي:
أولاً:
شأن القسمة أن يتولاها الشركاء، أو من يرتضونه، أو مَن يحكّمونه عند الاختلاف، أو مَن ينصبه الحاكم.
فأما في الحالتين الأوليين، فلا يشترط أكثر من التراضي وموافقة الأطراف.
وأما في الحالتين الأخيرتين، فيشترط في القاسم أن يكون:
ذكراً، مسلماً، بالغاً، عاقلاً، حراً، عدلاً، عالماً، بالحساب والمساحة، وذلك لأن القاسم له ولاية على من يقسم لهم، لأن قسمته ملزمة، ومن لم تتوفر فيه هذه الشروط، فليس من أهل الولاية.
وأما معرفة الحساب والمساحة، وما يحتاج إليه القاسم حسب نوع المقسوم، فلأن ذلك آلة القسمة، كما أن معرفة أحكام الشرع آلة القضاء. فالقاسم في الحالتين الأخيرتين، يتولىٰ إذاً منصباً سواء جاء عن طريق الحاكم، أو عن طريق الشركاء، ولا بد لتوليه هذا المنصب من توفر شروط الكفاءة فيه، وهي ما ذكرنا.
أما في حالة ارتضاء الشركاء بمن يقسم بينهم، فإنه ليس أكثر من وكيل عنهم، ولهم أن يوكلوا عنهم في ذلك مَن يشاؤون، إذا كانت شروط الوكالة كالعقل والبلوغ ونحوها متوفرة في القاسم.
ثانياً:
كل ما عظم الضرر في قسمته، لا يجبر الطرف الممتنع علىٰ قبول قسمته، ولا يجب الحاكم الأطراف - وإن اتفقوا ـ في تعيين خبير يتولىٰ القسمة بينهم.
فإن تولّوا هم بأنفسهم التقسيم بناءً على رضا الجميع، جاز لهم ذلك إن لم تبطل منفعة المقسوم بالكلية، وليس للحاكم أن يمنعهم من القسمة، ولم يجز لهم ذلك إن بطلت بسبب تلك القسمة منفعة المقسوم بطلاناً تاماً، وللحاكم أن يمنعهم من المضي في تلك القسمة: ككسر سيف، وتجزيء سيارة، ونحو ذلك.
ثالثاً:
كلا ما لا ضرر في قسمته من الأنواع الثلاثة التي ذكرناها يُستجاب فيها لرأي طالب القسمة، فيجبر الممتنع من الشركاء عليها، إذ لا ضرر عليه فيها، وفي الاستجابة لتعنته إضرار بشركائه الآخرين، والنبي ﷺ يقول: " لا ضَرَرَ ولا ضِرار ". [رواه مالك مرسلاً [2/ 745] في الاقضية، باب: القضاء في المرفق، وغيره، بأسانيد يقوي بعضها بعضاً].
فإن كان المال من النوع الأول (وهو قسمة الأجزاء) عدلت السهام حسب نصيب كل من الشركاء، كيلا في المكيل، ووزناً في الموزون، وذرعاً في المذروع كالأرض، فإن استوت الحصص: كأرباع، مثلاً، أو نصفين، وجب اعتماد القرعة في توزيع هذه الحصص علىٰ أصحابها.
وإن كانت القسمة من النوع الثاني (وهو قسمة التعديل) كأرض تختلف قيمة أجزائها حسب تفاوت منافعها، أو اختلاف خصائصها: كبستان بعضه نخل، وبعضه عنب، أو بعضه أقوىٰ في الإنبات والخصوبة من بعض وجب التعديل في أجزائها، بحيث تتساوىٰ قيمة الأقسام إذا كانت متساوية: كأرباع وأثلاث، أو بحيث يكون لكل جزء من القيمة ما يتفق مع نسبته إلىٰ الكل.
فالذي يملك السدس يجتزأ له من الأرض ما يساوي سدس مجموع القيمة، والذي يملك الربع يجتزأ منها ما يساوي ربع مجموع القيمة، بقطع النظر عن مساحة أجزاء الأرض، ثم تُعيَّن الحصص لأربابها، إذا كانت متساوية عن طريق الاقتراع.
وإن كانت القسمة من النوع الثالث (وهو قسمة الرد) وهو ما كان في أحد أجزائه شيء له قيمة مالية خاصة به ولا يمكن قسمته: كأرض في بعض جوانبها بئر أو دار، وجب جعل البئر، أو الدار ضمن أحد الأنصبة، وردّ نسبة حصص الآخرين من قيمتها عليهم، فإن كانت الأرض بين اثنين مثلاً أخذ البئر أحدهما وأعاد نصف قيمتها إلىٰ شريكه، وإنما يأخذ البئر، أو نحوها مَن خرجت له القرعة.
رابعاً:
لا بد من التراضي بعد تحقيق ما سلف ذكره من الأسباب، وبعد الاعتماد علىٰ وسيلة الاقتراع فإن لم يقع التراضي لم تصح القسمة.
خامساً:
قسمة الأجزاء (وهو النوع الأول) من قبيل الإفراز، أما النوعان الآخران (وهما قسمة التعديل، وقسمة الرد) فبيع علىٰ الصحيح، لتقابل المال بالمال فيه وقيل: هو بيع في القدر الذي يتم فيه التعديل والرد.
وعلىٰ كلٍّ فهو بيع ضمني وليس بيعاً صريحاً، فهو لا يتوقف في صحته على إيجاب وقبول و نحوهما.
سادساً:
كل قسمة تتضمن تقويماً ـ كقسمة الرد ـ لابد لصحتها من الاعتماد علىٰ قاسمين اثنين. إذ هي تتضمن شهادة تعيين قيمة لشيء متمول ومثل هذه الشهادة لا بد فيها من شاهدين اثنين. أما ما لا يعتمد منها علىٰ تقويم، فيكتفىٰ فيه بقاسم واحد، سواء كان من قبل الحاكم أو من قبل الشريكين.