المحتويات:
أولاً: نصاب النقدين (الذهب والفضة)
ثانياً: نصاب الأنعام ومقدار ما يجب فيها
ثالثاً: نصاب الزروع والثمار ومقدار ما يجب فيها
رابعاً: الحَوْل والنِّصاب في أموال التجارة ومقدار ما يجب فيها
خامساً: نصاب المعدن والرِّكاز وما يجب فيهما
قد عرفتَ الأموال الزكويّة وعرفتَ أنواعها.
فأمَّا الأنصبة: فهي جمع نصاب، والنِّصاب: هو الحدّ الأدنىٰ الذي يعتبر وجوده شرطاً لتعلُّق الزكاة بالمال. فإن لم تبلغ كميته في ملك المكلَّف هذا الحدَّ لم تجب الزكاة عليه.
ولكلِّ نوع من أنواع الزكاة نصاب خاصٌّ به، فَلْنستعرضْ هذه الأَنصبة كُلاًّ علىٰ حِدَة:
لا زكاة في الذهب حتى يبلغ قدره عشرين مِثقالاً، فهذا هو نصاب الذهب.
ولا زكاة في الفضّة حتى تبلغ مائتي درهم، فهذا هو نصاب الفضَّة.
ودليل ذلك:
ما رواه أبو داود (1573) عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كانت لك مائتا دِرْهَم، وحال عليها الحَوْلُ، ففيها خمسةُ دراهمَ، وليس عليك شيءٌ ـ يعني في الذهب ـ حتىٰ يكون لك عشرون ديناراً، فإذا كان لك عشرون ديناراً، وحال عليها الحَوْلُ، ففيها نصف دينار، فما زاد فبحسابِ ذلك".
وقوله - صلى الله عليه وسلم - "لَيْس فيمَا دُونَ خَمْسِ أوَاقٍ مِنَ الوَرِقِ صَدَقَةٌ". رواه البخاري (1413) ومسلم (980) واللفظ له.
[الوَرِق: الفضّة، وأواق: جمع أوقية، وهي أربعون درهماً]
ما هو المثقال:
إنّ المعروف لدينا الآن نوعان من المثاقيل:
أحدهما المثقال العجمي: وهو يساوي أربع غرامات وثمانية أعشار الغرام، والعشرون مثقالاً تساوي إذاً ستاً وتسعين غراماً.
وثانيهما المثقال العراقي: وهو يساوي خمسة غرامات، فالعشرون مثقالاً تساوي إذاً مائة غرام.
والاحتياط في الأمر أن نعتمد الأقل، وهو المقدار الأول، حرصاً علىٰ مصلحة الفقير، وبذلك يكون نصاب الذهب ستة وتسعين غراماً. فإذا كانت قيمة الغرام الواحد من الذهب اليوم خمس عشرة ليرة سورية مثلاً، فإنَّ نصاب الزكاة من الذهب هو حاصل ضرب النِّصاب بسعر الغرام، ويساوي: ألفاً وأربعمائة وأربعين ليرة سورية.
وهكذا إذا اختلف سعر الذهب اختلافاً عادياً ننظر إلىٰ سعره، ولا ينظر إلىٰ سعره في الأحوال غير العاديَّة.
ما هو الدرهم:
من المتفق عليه أن كل عشرة دراهم تساوي في الوزن سبعة مثاقيل، أي فهي تساوي ثلاثة وثلاثين غراماً وستة أعشار الغرام،
على التقدير الأول الذي اعتمدناه، فمائتا درهم تساوي إذاً ستمائة واثنين وسبعين غراماً من الفضَّة.
ويبدو من التحقيق التاريخي أن قيمة مائتي درهم من الفضّة كانت تساوي في صدر الإِسلام عشرين مثقالاً من الذهب، وعلىٰ هذا الأساس كان كلٌّ منهما نصاباً لوجوب الزكاة.
ثم إنّ التفاوت طرأ علىٰ قيمتها فيما بعد، بسبب اختلاف قيمة الذهب، فأصبحت قيمة عشرين مثقالاً من الذهب تزيد كثيراً علىٰ قيمة مائتي درهم من الفضَّة، كما هو الواقع الآن.
وعلىٰ كل: فإنَّ الذي يملك أوراقاً نقدية:
له أن يعتبرها عوضاً عن ذهب، فلا يتعلق حقُّ الزكاة بها حتى تبلغ قيمة ستة وتسعين غراماً من الذهب.
وله إذا شاء أن يعتبرها عوضاً عن فضّة، فتتعلّق بها الزكاة، بمجرَّد أن يبلغ ما في ملكه منها قيمة ستمائة واثنين وسبعين غراماً.
والاحتياط في الدين أن يأخذ بما هو أصلح للفقير، ويقدرها بالأقلِّ قيمة، حتىٰ يكون علىٰ يقين من براءة ذمته عند الله عز وجل، فإذا كان تقديرها بالفضَّة يجعل النصاب أقل من تقديرها بالذهب قدَّرها بها، حتى تجب عليه الزكاة ويؤدّيَها.
إذا تكامل نصاب الذهب أو الفضة، على نحو ما أوضحنا، اشتُرط في وجوب الزكاة فيه أن يمرَّ علىٰ تملُّك المكلَّف له، حَوْل قمري كامل دون أن ينزل المال عن الحدِّ الأدنىٰ منه.
ودليل ذلك: قوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه أبو داود (1573) -"لَيْسَ في مَالٍ زكَاةٌ حَتىٰ يَحُولَ عَلَيْهِ الحَوْلُ": أي حتىٰ يمضي علىٰ تملّكه عام قمري.
وحديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي ذكرنا نصّه عند الكلام عن نصاب النقدين.
فإن هبطت كمية المال عن الحد الأدنىٰ من النِّصاب المعتبر، ولو خلال يوم أو ساعة واحدة من السنة، ثم ازداد المال وارتفع مرة أخرىٰ إلىٰ حدّ النِّصاب، أُلْغِيَ التاريخ السابق لملكية النِّصاب، وسُجِّل تاريخ جديد لحصوله وتجمعه، واستؤنف الحَوْل من حين يكمل النصاب (1).
(1) مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى: أن العبرة بوجود النصاب أول الحَوْل وآخره، ولا يؤثر نقصه بينهما. ولعل الأنفع للمستحقِّين، والأوْرَع للمالكين أن يأخذوا بهذا، ولا مخالفة فيه لمذهب الشافعي رحمه الله تعالى.
إذا ملك المكلَّف نصاب أحد النقدَيْن أو ما يزيد عليه، ومرّ عليه عام قمري بشرطه السابق، وجب عليه أن يخرج من مجموع المال الذي حال عليه الحَوْل في ملكه رُبْع عُشْره، أي نسبة اثنين ونصف في المائة منه.
دليل ذلك:
حديث علي - رضي الله عنه - الذي مرَّ ذكره.
ما جاء في كتاب أبي بكر - رضي الله عنه -: في الرِّقة ربع العُشر. والرقة: الفضَّة.
لا خلاف أنّ زكاة النقد إنما تُخْرَج نقداً، ولا يصح للمالك أن يُخْرِج بدلَها سِلَعاً تساوي قيمتُها المقدار الواجب فيها.
وإذا دفعها المالك لغيره، من حاكم أو وكيل أو غيره، فليس لهؤلاء أن يتصرفوا فيها تصرفاً يخرجها عن طبيعتها قبل إيصالها إلىٰ مستحقيها.
قال النووي رحمه الله تعالى: (قال أصحابنا: لا يجوز للإِمام ولا للساعي بيع شيء من مال الزكاة من غير ضرورة، بل يوصلها إلىٰ المستحقين بأعيانها، لأن أهل الزكاة أهل رشد لا ولاية عليهم، فلم يجز بيع ما لهم بغير إذنهم) المجموع [6: 178].
وهذه الضرورة التي ذكرها النووي رحمه الله تعالى: كما إذا خاف علىٰ الزكاة الواجبة تلفاً أو فساداً إذا أبقاها حتىٰ تصل إلىٰ مستحقّيها، أو احتاج إلىٰ مؤونة في نقلها، فباع جزءاً منها لذلك.
وعليه: نلفت نظر المشرفين المخلصين علىٰ الجمعيات الخيرية إلىٰ أنه: لا يجوز لهم أن يتصرفوا بما يُدفع إليهم من أموال على أنَّها زكاة، فيشتروا بها سِلَعاً غذائية وغيرها، يعطونها للمستحقين، بحجّة الإِشفاق عليهم ورعاية مصلحتهم، حتى لا يأخذوا الأموال ويتصرفوا بها تصرفاً ليس في صالحهم وصالح أولادهم وعيالهم.
ونحن ننصح لهؤلاء المخلصين، إن كانوا حريصين علىٰ الأجر والثواب، أن لا ينصبوا أنفسهم مشرِّعين، وأن لا يصوِّروا المصلحة في شرع الله تعالى كما يبدو لهم، وأن لا يجعلوا من أنفسهم أولياء علىٰ من لم يجعل الله عز وجل لهم ولاية عليهم، وأن يلتزموا ما نقله النووي رحمه الله تعالىٰ عن العلماء الأجلَّة: من أن أهل الزكاة أهل رشد لا ولاية عليهم، فلا يجوز التصرف فيما وُكِّلنا بأدائه إليهم بغير إذنهم، وإنما يعتبر إذنهم بعد أن يُدفع إليهم حقُّهم، ويحوزوه بأنفسهم، ويدخل في قبضة يدهم.
قال النووي رحمه الله تعالى: قال أصحابنا: ولو وجبت ناقة أو بقرة أو شاة واحدة، فليس للمالك بيعها وتفرقة ثمنها علىٰ الأصناف بلا خلاف، بل يجمعهم ويدفعها إليهم، وكذا حكم الإِمام عند الجمهور. [المجموع: 6/ 178].
وينبغي أن لا يغيب عن ذهننا أن الزكاة عبادة، والعبادة لا محل فيها للرأي والاجتهاد إلّا بحدود ضيِّقة، ولذا يقف فيها الفقهاء عند النصوص، ولا ينظرون إلىٰ ما قد يُتوهَّم من مصلحة في مخالفتها.
قال النووي رحمه الله تعالىٰ: (وقال إمام الحرمين: المعتمد في الدليل لأصحابنا أنَّ الزكاة قُرْبة لله تعالىٰ، وكل ما كان كذلك فسبيله أن يُتْبع فيه أمر الله تعالىٰ، ولو قال إنسان لوكيله: اشتر ثوباً، وعَلِم الوكيل أن غرضه التجارة، ولو وجد سلعة هي أنفع لمَوكلِّه، لم يكن له مخالفته وإن رآه أنفع، فما يجب لله تعالىٰ بأمره أولىٰ بالاتباع)[المجموع: 5/ 403]: أي ليس لنا مخالفته بحجة الفائدة والنفع.
علمت فيما مضىٰ أنَّ الأنعام هي: الإِبل، والبقر، والغنم.
فإن أول نصابها أن يمتلك الرجل خمسة منها، فلا زكاة فيما دون ذلك.
ثم إن الزكاة تزداد كلما ازداد عددها كثرة، طِبْقَ ضابط محدّد إليك بيانه:
النِّصاب ... القدر الواجب
من 5 إلى 9 ... شاة واحدة
من 10 إلى 14 ... شاتان ... والشاة: واحد الغنم، على أن تكون جَذَعة ضأن، أي لها سنة. أو ثنيّة مَعْز، أي لها سنتان.
من 15 إلى 19 ... ثلاث شياه
من 20 إلى 24 ... أربع شياه
من 25 إلى 35 ... بنت مَخاض (وهي من الإبل ما دخلت فيها سنتها الثانية)
من 36 إلى 45 ... بنت لَبُون (وهي من الإِبل ما دخلت في الثالثة من عمرها)
من 46 إلى 60 ... حِقّة (وهي من الإِبل الناقة التي دخلت عامها الرابع)
من 61 إلى 75 ... جَذَعة (وهي الناقة التي دخلت في الخامسة من العمر)
من 76 إلى 90 ... بنتا لَبُون
من 91 إلى 120 ... حِقّتان
ثم إن زادت الإِبل علىٰ ذلك: وجب في مقابل كل أربعين ابنة لَبُون، ومقابل كل خمسين حِقّة.
فلو بلغت إبله مائة وسبعين وجب فيها بعد حَوَلان الحول ثلاث بنات لبون وحِقّه واحدة، لأن مائة وسبعين بعيراً تتضمَّن ثلاث أربعينات وخمسين واحدة.
دليل ما سبق:
ما رواه البخاري (1386) عن أنس - رضي الله عنه -: أن أبا بكر - رضي الله عنه - كتب له هذا الكتاب لمَّا وجهه إلىٰ البحرين لجمع الزكاة: بسم الله الرحمن الرحيم، هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علىٰ المسلمين، والتي أمر الله بها رسولَه، فمن سألها من المسلمين علىٰ وجهها فليُعْطَها، ومن سأل فوقها فلا يُعْطَ: (في أربع وعشرين من الإِبل فما دونها ـ من الغنم ـ في كل خمس شاة، فإذا بلغت خمساً وعشرين إلىٰ خمس وثلاثين ففيها بنت مَخَاض أنثى، فإن لم يكن فيها بنت مخاض فابن لَبُون ذكر،فإذا بلغت ستاً و ثلاثين إلىٰ خمس وأربعين ففيها بنت لَبُون أنثىٰ، فإذا بلغت ستاً وأربعين إلىٰ ستين ففيها حِقَّةِ طروقة الجمل، فإذا بلغت إحدىٰ وستين إلىٰ خمس وسبعين ففيها جَذَعة، فإذا بلغت ستاً وسبعين إلىٰ تسعين ففيها بنتا لَبُون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حِقتان طروقتا الجمل، فإذا زادت علىٰ عشرين ومائة: ففي كل أربعين بنت لَبُون، وفي كل خمسين حِقَّة).
[من الغنم: أي تُعطىٰ زكاتها من الغنم. طروقة الجمل: أي أصبحت يمكن للفحل أن يعلوها لضرابها، والضراب للبهائم مثل الجِماع للإِنسان].
فإن أدنَى درجات نصابه ثلاثون، فلا زكاة فيما دون ذلك.
ثم إن ما يجب إخراجه يزداد حسبَ ضابط معيَّن، كلما تكاثرت كمية البقر، وإليك بيان هذا الضابط:
النصاب ... القدر الواجب
من 30 إلى 39 ... تبيع أو تبيعة (وهو من البقر ماله من العمر سنة)
من 40 إلى 59 ... مُسِنَّة (وهي من البقر ما لها سنتان)
من 60 إلى 69 ... تبيعان
من 70 إلى 79 ... مُسِنَّة وتبيع
من 80 إلى 89 ... مُسِنَّتان
من 90 إلى 99 ... ثلاثة أتبعة
من 100 إلى 109 ... مُسِنَّة وتبيعان
من 110 إلى 119 ... مسنتان وتبيع
ثم إذا ازداد العدد على ذلك ففي كل ثلاثين منه تبيع، وفي كل أربعين منه مُسِنَّة.
دليل ذلك:
ما رواه الترمذي (623) وابو داود (1576) وغيرهما عن معاذ - رضي الله عنه - قال: (بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن، فأمرني أن آخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعاً أو تبيعة، ومن كل أربعين بقرة مُسِنَّة).
فلا زكاة فيها حتى تبلغَ أربعين رأساً.
فإذا بلغت أربعين رأساً وجب فيها واحدة منها، ثمَّ إن القدر الواجب فيها يزداد كلَّما ازدادت الأغنام طبق ضابط معين نوضحه فيما يلي:
النصاب ... القدر الواجب
من 40 إلى 120 ... شاة واحدة، ذات عام واحد إن كانت من الضأن، وعامين إن كانت من المعز
من 121 إلى 200 ... شاتان
من 201 إلى 300 ... ثلاث شياه
ثم يتصاعد القدر الواجب علىٰ أساس مطَّرد، وهو: في كل مائةٍ شاةٌ، أي كلما ازدادت شياهه مائة زاد القدر الواجب فيها شاة.
دليل ذلك:
حديث البخاري (1386) عن أنس - رضي الله عنه -، وكتاب أبي بكر - رضي الله عنه - له وقد سبق ذكر أجزاء منه وفيه: (وفي صَدَقة الغنم ـ في سائمتها ـ إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة شاةٌ، فإذا زادت علىٰ عشرين ومائة إلىٰ مائتين ففيها شاتان، فإذا زادت علىٰ مائتين إلىٰ ثلاثمائة ففيها ثلاث شياه، فإذا ازدادت علىٰ ثلاثمائة ففي كل مائة شاة، فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاةً شاةً واحدة، فليس فيها صدقة، إلا أن يشاء ربُّها...).
[سائمتها: هي التي ترعىٰ الكلاء المباح. ربُّها: صاحبها].
مرَّ بك بيان الشروط العامّة لوجوب الزكاة، تحت عنوان (من تجب عليه الزكاة)؛ إلّا أن لوجوب الزكاة في الأنعام شروطاً إضافية أخرىٰ، علاوة علىٰ تلك الشروط العامّة التي مرّ بيانها وهي:
1ـ أن تكون سائمة: أي ترعىٰ الكلاء المباح أكثر السنة، بحيث لا تتوقف حياتها وصحتها علىٰ أكثر من ذلك، لحديث البخاري السابق: (في سائمتها).
2ـ أن تتخذ الماشية للدَّر ـ أي الحليب ـ أو النَّسل أو التسمين، لا للعمل، فلو اتَّخذها للعمل ـ كالحراثة والتحميل، ونضح الماء ـ لم تجب فيها الزكاة. ودليل ذلك: قوله - صلى الله عليه وسلم - في الخبر الصحيح: "ليس في البقر العوامل شيء". أخرجه الطبراني. ويُقاس علىٰ البقر غيرها.
3ـ يستثنىٰ فيها من اشتراط الحَوْل ـ وهو شرط فيها علىٰ العموم ـ ما توالد من الأصل أثناء الحَوْل، فإنه لا يشترط لوجوب الزكاة فيه مرور عام جديد علىٰ ولادته، وإنّما يزكَّي عنه مع الكبار عند تمام حولها، لأنها تبع للأصول، والتابع يأخذ حكم المتبوع.
نصابها:
سبق بيان الأصناف التي تتعلّق فيها الزكاة من الزروع والثمار، كما سبق بيان الدليل من القرآن والسُّنَّة على ذلك.
ونوضِّح لك الآن النِّصاب الذي يشترط أن يتوفر في الزروع والثمار حتى تجب الزكاة فيها، فنقول:
نصاب الثمار أو الزروع: ما لا يقل عن خمسة أوسق كَيْلاً،
وذلك بعد تصفيتها من نحو قشر وطين وتراب، وبعد أن يجفَّ الثمر الجفاف المعتاد، فإذا بلغ الناتج خمسة أو ستة فما فوق تعلَّقت به الزكاة.
الدليل:
قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس فيما دونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ". رواه البخاري (1340) ومسلم (979).
ولمسلم (979): "ليسَ في حَبّ ولا تَمْرٍ صَدَقَةٌ حتىٰ يَبْلُغَ خمسةَ أوسُقٍ".
وفي رواية عندهُ (ثَمَر) ـ بالثاء المثلثة ـ بدل (تَمْر) بالتاء المثنَّاه، وهي أشمل، إذ تشمل التمر والزبيب.
ما هو الوَسْق:
الوَسْق من المكاييل، وقد قدّره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بستين صاعاً من صِيعان المدينة في عهده عليه الصلاة والسلام. جاء في الحديث السابق عند ابن حِبّان: والوسق ستون صاعاً. والصاع يساوي أربعة أمداد، أي أربع حَفَنات كبار.
وقد قدّرت دائرة المعارف الإسلامية في (المجلد 14/ ص 105) الصاع بثلاثة ألتار، فيكون الوسق علىٰ هذا مائة وثمانين لتراً، ويكون نصاب الزروع والثمار، تسعمائة لتر كيلاً.
القدر الواجب فيها:
كل زرع أو ثمر يُسقىٰ بماء المطر أو بماء الأنهار، دون الحاجة إلىٰ بذل كُلْفة أو نفقة من صاحب الزرع والثمر، أو يشرب بعروقه ـ كالأشجار البعلية ـ يجب فيه العُشر إذا بلغ نصاباً، فيجب في ثلاثمائة صاع ـ وهو أدنىٰ النصاب ـ ثلاثون صاعاً، وفي تسعمائة لتراً تسعون لتراً.
أما إذا كان يُسقىٰ بالنواضح أو المحرِّكات أو نحوها، ممّا يُسبِّب للزرَّاع كلفة ونفقة، فإنَّ زكاته عندئذ نصف العُشر، أي فيجب في ثلاثمائة صاع خمسة عشر صاعاً، وفي تسعمائة لتر خمسة وأربعون لتراً.
دليل ذلك:
ما رواه البخاري (1412) عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "فيما سقتِ السماءُ والعيونُ ـ أو كان عَثَرِيّاً ـ العُشْرُ، وفيما سُقي بالنَّضح نصفُ العُشْر". والعَثَريُّ من الشجر: ما سقته السماء أو امتص بعروقه، وهو ما يسمىٰ بالبَعْل.
وروىٰ مسلم (981) عن جابر - رضي الله عنه -:أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"فيما سقت الأنهارُ والغَيْمُ العُشورُ، سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ".
وعند أبي داود (1599): "أو كان بَعْلاً العُشْرُ".
[الغَيْمُ: المطر. السَّانِيَةِ: ما يستخرج بواسطته الماء من البئر ونحوه].
متى تجب زكاة الثمار والزروع:
لا يثبت وجوب الزكاة في الزروع ـ التي تجب فيها الزكاة ـ إلا بعد أن ينعقد الحَبُّ ويشتد. ولا يشترط اشتداد الجميع، بل اشتداد بعضه كاشتداد كله.
ولا تثبت في الثمار ـ التي تجب فيها ـ إلا بعد أن يبدو صلاحها، أي يظهر نضجها باحمرار أو اصفرار أو تلوّن، حسب المعهود في كل ثمر. ويعتبر ظهور الصلاح في البعض كظهوره في الكل.
وإنّما اشتُرط بدوُّ الصَّلاح في الثمار، والاشتداد في الحب، لأنها قبل هذه الحالة لا تعتبر أقواتاً، ولا يصلح للادخّار.
وإذا ثبت الوجوب بالاشتداد وظهور الصلاح فلا يجب الأداء وإخراج المقدار المناسب في ذلك الوقت وإنَّما تخرج الثمار عندما يصبح العنب زبيباً والرُّطَب تمراً، دلّ على ذلك حديث عتَّاب بن أَسِيد - رضي الله عنه -: "أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُخْرَصَ العنبُ كما يُخْرَص النَّخْلُ وتؤخَذُ زكاتُه زبيباً كما تؤخذ صدقة النخل تَمْراً" الترمذي (644).
وزكاة الزروع عند الحصول عليها بعد تصفيتها من القشر وغيره، لقوله تعالى: {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141].
بيع الثمار والزروع بعد وجوب الزكاة فيها:
إذا باع الزروع أو الثمار ـ بعدما وجبت الزكاة فيها ـ لم يصحّ البيع في المقدار الذي يجب إخراجه منها، إلّا إذا خُرِص الجميع.
أي قُدِّر ما يكون من الثمار زبيباً أو تمراً.
وقُدِّر ما يكون من الزروع حَباً صافياً، لأن الخرص تضمين للمالك قَدْرَ ما يستحق عليه من الزكاة.
ومثل البيع كل تصرّف بأكل أو هبة أو إتلاف، فإذا تصرّف بشيء من ذلك غرم مقدار الزكاة فيما تصرف فيه. وإن كان عالماً بالتحريم أثم، وإلّا فلا.
وعليه: فالمستحب للحاكم أن يبعث من يخرص الثمار والزروع حين تجب فيها الزكاة، لحديث عتّاب - رضي الله عنه - الذي مرّ ذكره.
وإذا لم يفعل الحاكم ذلك تحاكم المالك إلىٰ عَدْلَين خبيرين يَخْرِصان له ما يتحصل عنده، ومقدار ما يجب عليه، وبعد ذلك يجوز له التصرف فيما عنده.
إخراج القيمة بدل العين:
علمنا أنّ الواجب في زكاة المواشي أعيانٌ نصَّ عليها الشارع في كل عدد مملوك منها، والزكاة حقٌّ لله تعالىٰ يُصْرَف لمستحقيه، وطالما أن الشارع علَّق هذا الحق بما نصَّ عليه فلا يجوز نقله إلىٰ غيره. وعليه: فالواجب إخراج زكاة المواشي من أعيانها كما بُيِّن فيما سبق مع أدلته. ولا يجوز إخراج القيمة بدل الأعيان.
وكذلك الأمر بالنسبة لزكاة الزروع والثمار، لأن الشارع علَّق الحقَّ فيما يخرج منها، حين قال: "فيما سَقَت السماءُ...".
ويُستثنىٰ من هذا بعض الحالات للضرورة، كما إذا وجبت عليه شاة في خمس من الإِبل، وبحث عنها فلم يجدها، وكان الفقراء يتضرّرون بالتأخير حتىٰ الوجود. ومثله لو امتنع المالك من أداء الواجب، وأخفىٰ الأموال الواجب فيها، فوجد له الحاكم أموالاً أخرىٰ فإنه يأخذ ممّا وجد.
عرفتَ فيما مضىٰ أنَّ أموال التجارة ـ أو عروض التجارة ـ هي: تلك السِّلَع التي تقلب بالمعاوضة لغرض الربح، أياً كانت هذه السِّلَع، وتسمّى عُروض التجارة. فكل سِلْعة يتاجر فيها الإِنسان، سواء كانت أصلاً من الأصناف التي تزكىٰ: كالذهب والفضة والحبوب والثمار والماشية، أم كانت من غيرها: كالأقمشة والمصنوعات والأرض والعقارات والأسهم، تجب الزكاة فيها بشروطها.
إذا عرفتَ هذا، فاعلم أنَّ عروض التجارة معتبرة بالذهب والفضَّة من حيث النصاب، وحَوَلان الحَوْل، ومقدار ما يجب فيها.
أي تُقوَّم الأموال التجارية بالنقد المتعارف عليه والمتعامل به، فإن بلغت قيمتها قيمة ستة وتسعين غراماً من الذهب، أو قيمة مائتي درهم من الفضّة، وجبت فيها الزكاة، وله الخيار أن يقدِّرها بقيمة الذهب أو قيمة الفضَّة، إلا إذا اشتُريت في الأصل بأحدهما عيناً وجب تقديرها به.
والعبرة ببلوغ الأموال التجارية نصاباً آخر العام من البدء بالمتاجرة، فلا يشترط بلوغها نصاباً عند بدء التجارة، ولا بقاؤها كذلك خلال الحَوْل.
وبهذا يُعلم أن المراد بالحَوْل في زكاة التجارة مرور عام قمري علىٰ تملَّك السِّلَع بنيّة التجارة، إلا إذا كان تملكها بنقد يبلغ نصاباً أو يزيد عليه فبَدْء الحول في هذه الحالة من تاريخ تملِّك النِّصاب من النقد الذي اشتريت به عروض التجارة.
وبناء علىٰ ما سبق فإنَّ التاجر يُجري جرداً عامّاً لكل ما هو تحت يده من هذه الأموال التي يتاجر بها، ويقدِّر قيمتها وقت الجرد بقيمة الذهب أو الفضة علىٰ ما مرّ، فإن بلغت نصاباً؛ وجب أن يخرج ربع عشر قيمة هذه الأموال زكاة، وإن لم تبلغ نصاباً لم يجب فيها شيء.
ويلاحظ عند الجرد والتقويم ما يلي:
أولاً:
لا يدخل في الأمور التجاريّة التي يجب تقويمها الأثاث وما في معناه، والأجهزة الموجودة في المحلِّ لقصد الاستعانة بها لا لقصد بيعها، فلا زكاة عليها مهما بلغت قيمتها.
ثانياً:
يدخل في الأموال التي يجب تقويمها كلٌّ من رأس المال والربح معاً، فيُضَمَّان إلىٰ بعضهما، وتُؤدّىٰ الزكاة عن الجميع، فلو بدأ تجارته بما قيمته ألفا ليرة سورية، وفي آخر العام بلغت خمسة آلاف ليرة سورية، وجبت الزكاة عن الكل.
الواجب إخراجه في زكاة التجارة:
علمنا أنَّه إذا حال الحَوْل على التجارة قُوِّمت العُروض بالنقد الغالب المتعامَل به، فإذا بلغت نصابَ الذهب أو الفضة وجبت فيها الزكاة بنسبة اثنين ونصف في المائة.
وهل تُخْرَج هذه النسبة من عين عروض التجارة المقوَّمة، أم من القيمة التي قُوِّمت بها؟
في المذهب ثلاثة أقوال:
أـ يجب الإِخراج ممَّا قُوِّمَت به العروض، ولا يجزئ الإخراج من نفس العروض؛ لأن عروض التجارة ليست بأموال زكوية في الأصل، وإنما صارت كذلك بنية التجارة، وتعلَّقت بها الزكاة بالنظر إلىٰ قيمتها بما قُوِّمت به، فوجب الإِخراج منها.
وهذا هو القول الأصح الذي عليه العمل وبه الفتوى.
ب ـ يجب الإِخراج من نفس السِّلَع التجارية ولا تجزئ القيمة، لأن العروض هي سبب وجوب الزكاة.
ج ـ يُخَيَّر بين الإِخراج من القيمة أو من نفس العروض، لأن الزكاة تعلَّقت بهما، إذ أنَّ كُلًّا منهما سبب لوجوبها.
تنبيه ولفت نظر:
هذا وينبغي التنبيه هنا إلى أنه إذا قلنا بجواز إخراج القدر الواجب في الزكاة من نفس عروض التجارة فيجب إخراج اثنين ونصف في المائة من كلِّ نوع نملكه من العروض.
ولا يجزئ أن نُخْرِج بدل القدر الواجب من نوع بقيمته من نوع آخر.
وكذلك يجب أن يخرج القدر الواجب من كل نوع من الصنف الوسط منه، ولا يجزئ أن نُخْرِج الأقل قيمة، والمعيب، وما كسد سوقه، ونحو ذلك.
قد علمتَ معنىٰ كل من المعدن والرِّكاز، فلا نعيده الآن. وإنما المهم هنا أن تعلم النِّصاب الذي تتعلَّق به الزكاة من كلٍّ منهما، والنسبة التي يجب إخراجها.
فأما المعدن:
فنصابه نصاب الذهب والفضة نفسه، إلَّا أنه لا يشترط لوجوب الزكاة فيه حَوَلان الحَوْل، بل تجب الزكاة فور استخراجه.
فإذا استخرج الرجل ذهباً أو فضَّة من معدنه، وبلغ ما أخرجه من ذلك نصاباً، وجب عليه أن يخرج زكاته فوراً، بنسبة ربع العُشر، أي اثنين ونصف في المائة من المجموع.
وأما الرِّكاز:
فنصابه أيضاً نصاب النقدَين، ولا يشترط لتعلُّق الزكاة به مرور حَوْل بل يجب إخراج زكاته فوراً، إلَّا أنَّ المقدار الذي يجب إخراجه هنا إنما هو الخُمسُ، أي عشرون في المائة من مجموع ما قد استخرجه.
دليل ذلك:
ما رواه البخاري (1428) ومسلم (1710) عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وفي الرِّكازِ الْخُمُسُ".
وافترق عن الأنواع الزكوية الأخرىٰ؛ لأن سبيل امتلاكه يكون بغير مؤونة أو كُلفة ذات أهمية، فكان حقُّ الفقراء فيه أكثر.
ولم يُشْتَرَط الحَوْل في المعدن والركاز: لأنَّ كلًا منهما مُسْتخرَج من الأرض، فهو بمنزلة الزرع، فتؤخذ منه الزكاة كما تؤخذ من الزروع فورَ الحصول عليها، وبعد تنقيتها وتصفيتها من الشوائب الدخيلة عليها.