المحتويات:
تعريفها
مشروعيتها
أركان الحوالة وشروطها
خيار الشرط وخيار المجلس
شروط صحة الحوالة
حكم الحوالة
انتهاء الحوالة
اختلاف المحيل والمحال في الحوالة
حوالة المحال أو المحال عليه
الحوالة البريدية
في اللغة: هي النقل أو الانتقال، قال في المصباح المنير: (تحول من مكانه انتقل عنه، وحوّلته تحويلاً نقلته من موضع إلى موضع ... وحوّلت الرداء نقلت كل طرف إلى موضع الآخر، والحَوالة - بالفتح - مأخوذة من هذا، فأحلته بديَنْه نقلته إلى ذمة غير ذمتك، وأحلت الشيء إحالة نقلته أيضاً. ويُقال: حال عن العهد أي انتقل عنه وتغيّر).
وفي الاصطلاح: عقد يقتضي نقل دَيْن من ذمة إلى أخرىٰ. قال في "مغني المحتاج ":(ويُطلق علىٰ انتقاله من ذمة إلى أُخرىٰ، والأول هو غالب الاستعمال).
دلّ على مشروعية الحوالة وجوازها: ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: " مَطْلُ الغنيِّ ظُلْمٌ، فإذا أُتْبع أحدُكم علىٰ مليءٍ فلْيَتْبَع " وفي رواية عند أحمد: " ومنْ أُِحِيل علىٰ مليءٍ فليَحْتَل " [البخاري في كتاب الحوالة، باب: في الحوالة وهل يرجع في الحوالة، رقم: 2166. ومسلم في المساقاة، باب: فضل إنظار المعسر رقم: 1564. وأحمد في مسنده (2/ 463)].
[مطل الغني: تأخيره ما استحق عليه أداؤه، والغني: المستدين الذي يجد لديه ما يفي به دينه. ظلم: تعدّ على حق غيره وهو محرّم عليه. أتبع أحدكم: أحيل مَن كان منكم له دين على غيره. مليء: غني قادر يجد ما يقتضي به الدين. فليحتل: فليقبل الحوالة].
وقد أجمع المسلمون في مختلف العصور على مشروعية الحوالة وجوازها، ولم يُعلم مخالف في هذا.
وجمهور العلماء علىٰ أن الأمر المذكور في الحديث بقوله " فليتبع " وقوله " فليحتل " أمر ندب واستحباب لا أمر فرض وإيجاب. وعليه: فمَن كان له دين علىٰ آخر، فأحاله المستدين علىٰ غيره استحبّ له أن يقبل هذه الحوالة ولم يجب عليه ذلك. بل ويعتبر في هذا الاستحباب أن يكون من أُحيل عليه لديه ما يفي بدين المحال، وأن لا يكون في ماله شبهة. فإذا لم يكن لديه وفاء بدين المحال، أو كان في ماله شبهة لم يكن قبول الحوالة مستحباً في حق المُحال.
للحوالة أركان تقوم عليها وتتألف منها، وكلّ من هذه الأركان له شروط تتعلق به. وإليك بيان هذه الأركان مع بيان ما يتعلق بكلّ منها من شروط:
1 - المُحيل: هو المَدين الذي يحيل دائنه بدَيْنه علىٰ غيره.
ويُشترط فيه: أن يكون أهلاً للعقد، أي أن يكون عاقلاً بالغاً، فلا تصح الحوالة من المجنون والصبي غير المميِّز، لأنه في حكم الذي لا يعقل، والعقل شرط لصحة ممارسة التصرفات.
2 - المُحال: وهو الدائن الذي يُحال بدينه ليستوفيه من غير مدينه، أي هو الدائن للمحيل الذي أحاله ليستوفي دينه من غيره، ويقال له أيضاً: المحتال، أي طالب الإحالة.
ويُشترط فيه أيضاً: أن يكون أهلاً للعقد، أي أن يكون عاقلاً، لأن قبول المحال من أركان عقد الحوالة، وغير العاقل ليس من أهل القبول. وأن يكون بالغاً أيضاً، لأن قبول الصبي غير صحيح، لعدم اعتبار أقواله في المعاملات شرعاً.
3 - المُحال عليه: وهو الذي يلتزم بأداء الدَّيْن للمُحال.
ويُشترط فيه: العقل والبلوغ، فلا تصحّ الحوالة علىٰ المجنون ولا علىٰ الصبي ولو كان عاقلاً مميزاً، لأن التزام الدَّيْن وأداءه فيه معنىٰ التبرّع، وغير البالغ العاقل لا يصح منه التبرع.
4 - المُحال به: وهو الحق الذي يكون للمحال علىٰ المحيل، ويحيله به على المحال عليه.
ويُشترط فيه:
أ - يكون ديناً: فلا تصحّ الحوالة بالأعيان القائمة، لأن الحوالة نَقْل حكمي، لأنها نقل لما في الذمة إلىٰ ذمة أُخرى، والنقل في الأعيان القائمة نقل حقيقي لا حكمي، لأنها لا تثبت في الذمة، فلا حوالة فيها.
فإذا أحاله ليستوفي عيناً قائمة - كسجادة مثلاً أو غسالة - كانت وكالة لا حوالة، وتثبت في هذه الحالة أحكام الوكالة لا أحكام الحوالة.
ب - أن يكون الدين لازماً: كالثمن بعد تسليم المبيع وانتهاء مدة الخيار، أو آيلاً إلى اللزوم: كالثمن في زمن الخيار، لأنه يؤول إلىٰ اللزوم بانتهاء مدة الخيار. وهذا هو الأصح، فلو أحال البائع أحداً على المشتري ليقبض منه الثمن، صحّت الحوالة.
وقيل: لا تصح الحوالة بالثمن زمن الخيار، لأنه دين غير لازم.
وتصحّ الحوالة بالدَّيْن وإن لم يستقر بعد، كالصداق قبل الدخول، والأجرة قبل مضي مدة الإجارة، والثمن قبل قبض البيع.
5 - الصيغة: وهي الإيجاب والقبول، فالإيجاب أن يقول المحيل: أحلتك على فلان، والقبول أن يقول المحال: قبلت أو رضيت.
ويشترط في الإيجاب والقبول أن يكونا في مجلس العقد.
ويشترط في عقد الحوالة أن يكونا باتاً، فلا يثبت فيه خيار المجلس ولا خيار الشرط:
أما خيار الشرط: فلأن الأصل فيه أن يثبت في العقود لحماية المتعاقدَيْن من الغبن، وعقد الحوالة لم يُبْنَ على المغابنة، وإنما هو عقد للإرفاق والمعاونة.
وأما خيار المجلس: فلأنه يثبت في بيع الأعيان، والحوالة بيع دين بدين على الأصح.
1 - وجود دَيْن للمحيل على المحال عليه:
فلا تصح الحوالة إلا علىٰ مَن كان عليه دَيْن للمحيل، لأن الأصح أنها بيع دين بدين أُجيز للحاجة، فلا بدّ أن يكون للمحيل على المحال عليه شيء يكون عوضاً عن حق المحال.
ويشترط في الدين للمحال عليه:
أ - أن يكون دَيْناً لازماً أو آيلاً إلى اللزوم، كما هو الحال في الحق المحال به.
ب - أن يكون متساوياً مع الدين المحال به: حلولاً وأجلاً، وجنساً وقدراً وصفة. فإذا اختلف الحقان في شيء من هذا لم تصحّ الحوالة، لأن الحوالة عقد معاوضة للارتفاق، أُجيزت للحاجة والتعاون، فاعتبر فيها الاتفاق كما هو الحال في القرض، فإذا اختلف الحقان صار فيها طلب زيادة علىٰ الحق، فلا يجوز.
وكذلك الحوالة تجري مجرى المقاصّة، لأنه يسقط بها ما في ذمة المحيل بمقابل ماله في ذمة المحال عليه، والمقاصة لا تصح حال الاختلاف بين الحقَّيْن.
2 - رضا أطراف الحوالة: المحيل والمحال والمحال عليه.
أما المحيل: فلأن له إيفاء الحق الذي في ذمته من حيث شاء، فله أن يوفي دائنه بنفسه، وله أن يوفيه بواسطة مدينَه الذي هو المحال عليه، فلا يُلزم بجهة معينة سواء كانت نفسه أو مدينَه، فإذا رغب دائنه أن يستوفي حقه من جهة غيره فلا بد أن يكون ذلك برضاه.
وأما المحال: فقد اشتُرط رضاه حتىٰ تصحّ الحوالة، لأنه هو صاحب الحق الذي سينتقل بالحوالة من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، وحقه إنما ثبت له في ذمة المحيل لا في ذمة غيره، فلا يصح أن ينتقل إلا برضاه، لأن الذمم تتفاوت في حسن القضاء أو المماطلة، فإذا انتقل حقه بدون رضاه كان في ذلك ضرر عليه، بإلزامه أن يتبع مَن لا يُحسن وفاءه لحقه.
وأما المحال عليه: فلا يشترط رضاه لأن الحق عليه لا له، والمحيل صاحب الحق له أن يستوفيه بنفسه وأن يستوفيه بغيره، كما لو وكّل غيره بالاستيفاء وقبض الدين، فلا يعتبر رضا مَن عليه.
3 - يُشترط لصحة الحوالة أن يعلم المحيل والمحال بالدَّيْن المحال به والدين المحال عليه، قدراً وجنساً وصفة، لأن الحوالة بيع - كما ذكرنا - والجهالة في الثمن أو المبيع تمنع صحة البيع.
هو انتقال الحق من ذمة المُحيل إلىٰ ذمة المُحال عليه، فإذا صحّت الحوالة باستكمال أركانها وتوفر شروطها ترتب عليه حكمها، وهو: براءة ذمة المُحيل من دين المُحال، وانتقال الحق من ذمته إلى ذمة المُحال عليه. وبالتالي: يسقط دينه عن المُحال عليه، مقابل نظيره الذي صار في ذمته وأصبح مُحالاً عليه، ليوفيه إلىٰ المُحتال.
علمنا أن حكم الحوالة انتقال الحق من ذمة المُحيل إلى ذمة المُحال عليه بصورة تبرأ بها ذمة المُحيل من الدين.
وبهذا تنتهي الحوالة، ولا تبقى أية علاقة بين المحيل والمحال، وإنما تصبح العلاقة بين المُحال والمُحال عليه، وليس للمُحال عودة على المُحيل حتى ولو لم يستطع الحصول علىٰ الدَّيْن من المُحال عليه بسبب من الأسباب، كما لو وجده مُفْلساً، أو أنكر المُحال عليه الدين.
وذلك لأن الحق تحول بالحوالة من موضعه الأول إلىٰ غيره، وما تحوّل من موضعه لا يعود إليه إلا بتجديد عودته.
وكذلك بالحوالة سقط الحق من ذمة المُحيل، وما سقط لا يعود، لا بإعسار ولا بغيره، كما لو قبض عوضاً عن حقه فتلف في يده، فإنه لا يعود عليه بشيء لسقوط الحق من ذمته، فكذلك الحوالة فهي كالقبض للحق، وتعذُّرُ الحصول علىٰ الحق كتلفه في يده.
وسواء في ذلك أعلم بإعسار المُحال عليه عند الحوالة أم لا. وسواء أشرط يساره أم لا. فيكون كمَن أشترىٰ شيئاً هو مغبون فيه، فإنه لا يرجع بشيء ولو شرط عدم الغبن، لأنه مقصَّر بترك البحث عن حال المُحال عليه عند الحوالة، ولا عبرة بشرطه.
ولو شرط المحال الرجوع علىٰ المحيل عند تعذّر الإستيفاء بسبب من الأسباب بطلت الحوالة، لأن هذا الشرط منافٍ صراحة لمضمون الحوالة، وهو تحوّل الحق وانتقاله.
إذا قبض المُحال الدَّيْن من المُحال عليه، ثم اختلف مع المُحيل: فقال المُحيل: لم يكن لك علىّ دَيْن، وإنما أنت وكيلي في القبض، والقبض لي، وقال المُحال بل أحلتني بما لي عليك من دين فقبضته. فالقول قول المُحيل مع يمينه، لأن المُحال يدّعي عليه ديناً، والمحيل ينكر، والقول قول المنكر عند عدم البينة مع يمينه.
وكذلك لو أقرّ المُحيل بالدَّيْن، ولكن قال: وكّلتك لتقبض لي، وقال الآخر: بل أحلتني أو قال المُحيل: أردت بقوله أحلتك الوكالة، فقال المحال: بل أردت الحوالة، صُدِّق المحيل بيمينه، لأنه أعرف بإرادته وقوله. ولأن الأصل بقاء كل حق على حاله والمُحال يدّعي خلاف ذلك.
ولو قال: أردت قولي: (أحلتك بالمائة التي لي علىٰ فلان) الوكالة، لم يُقبل قوله، لأن اللفظ لا يحتمل إلا حقيقة الحوالة، فيُقبل قول مدّعيها مع يمينه.
إذا صحّت الحوالة: كان للمُحال أن يُحيل غيرة من دائنيه علىٰ المحال عليه، ليقبض دينه منه.
وكذلك للمُحال عليه أن يحيل المُحال على غيره من مدينيه، ليقبض دينه منه.
إذا أعطىٰ إنسان أخر مبلغاً من المال ليدفعه إلى فلان من الناس في بلد كذا:
فإن أعطاه إياه أمانة جاز بلا كراهة، ولا يضمنه الناقل إذا لم يقصر في حفظه ولم يخلطه مع ماله، فإن خلطه بماله كان ضامناً له.
ومن هذا القبيل ما يسمى الآن بالحوالة البريدية، فإن المبالغ التي يدفعها الناس لمؤسسة البريد، لتوصيلها إلى أشخاص معينين، يُخْلَط بعضها ببعض وبغيرها، ولا تُدفع هي بذاتها للمحمولة إليه. ولذلك فهي مضمونة علىٰ المؤسسة.
وإذا أعطاه إياه قرضاً، دون أن يشرط عليه دفعها إلىٰ فلان في بلد كذا، ثم طلب منه ذلك بعد القرض جاز أيضاً ولا كراهة.
فإذا أعطاه إياها قرضاً بشرط أن يدفعها إلىٰ فلان في بلد كذا، كانت كشرط الأجل في القرض:
إن لم يكن للمقرض فيه غرض صحّ القرض ولغا الشرط، وإن كان يندب الوفاء به.
وإن كان للمقرض غرض فيه، كما إذا كان في طريق خطر محقق، بطل العقد، لما فيه من جرّ المنفعة للمقرض.