المحتويات:
معنى الصلاة
حكمتها
تاريخ مشروعيتها
الصلوات المكتوبة
دليل مشروعيتها
مكانتها في الدين
حكم تارك الصلاة
أوقات الصلوات المفروضة
الأوقات التي تُكره فيها الصلاة
إعادة الصلاة المكتوبة وقضاؤها
من تجب عليه الصلاة؟
تُطلق كلمة الصلاة في اللغة العربية على الدعاء بخير.
قال الله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ} [التوبة: 103]. أي ادع الله لهم بالمغفرة.
أما في اصطلاح الفقهاء: فتُطلق كلمة الصلاة على أقوال وأفعال مخصوصة، تفتتح بالتكبير وتختتم بالتسليم.
سميت صلاة لأنها تشتمل على الدعاء ولأنه الجزء الغالب فيها، إطلاقاً لاسم الجزء على الكل.
للصلاة حِكمٌ وأسرار كثيرة نلخصها فيما يلي:
أولاً: أن ينتبه الإنسان إلى هويته الحقيقة
وهي أنه عبدٌ مملوك لله عز وجل، ثم أن يظل متذكراً لها، بحيث كلما أنسته مشاغل الدنيا وعلاقاته بالآخرين هذه الحقيقة جاءت الصلاة فذكَّرته من جديد بأنه عبد مملوك لله عز وجل.
ثانياً: أن يستقر في نفس الإنسان أنه لا يوجد مُعين ومُنعِم حقيقي إلا الله عز وجل
وإن كان يرى في الدنيا وسائط وأسباباً كثيرة يبدو - في الظاهر - أنها هي التي تُعين وتُنعم، ولكن الحقيقة أن الله سَخَّرها جميعاً للإنسان. فكلما غفل الإنسان واسترسل مع الوسائط الدنيوية الظاهرة، جاءت الصلاة تُذكِّره بأن المُسبِّب هو الله، فهو وحده المُعين والمُنعم، والضار والنافع، والمُحيي والمميت.
ثالثاً: أن يتخذ الإنسان منها ساعة توبة يتوب فيها عما يكون قد اقترفه من الآثام
إذ الإنسان مُعرَّض، في ساعات يَومه وليله، لكثير من المعاصي التي قد يشعر بها وقد لا يشعر، فتكون صلاته المتكررة بين الحين والآخر تطهيراً له من تلك المعاصي والأوزار.
وقد أوضح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك في الحديث الذي رواه مسلم (668)، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَثَلُ الصلوات الخَمس كمثل نَهَرِِ جَارِِ غَمْرِِ على باب أحَدِكُم، يَغتسل منه كل يومِِ خَمْسَ مراتِِ" قال: قال الحسن: وما يُبْقى ذلك من الدَّرَن؟.
[غَمْرِِ: كثير المياه. الدَّرَن: الوَسَخ، والمراد هنا الدَّرَن المعنوي وهو الذنوب، ويدل على ذلك رواية أبي هريرة - رضي الله عنه - عند مسلم أيضاً (667): "فذلك مَثَلُ الصلوات الخَمْسِ يَمْحُو الله بِهِنَّ الخَطايا"]
رابعاً: أن تكون غذاءً مستمراً لعقيدة الإيمان بالله تعالى في قلبه
فإن مُلهيات الدنيا ووَساوس الشيطان من شأنها أن تُنسي الإنسان هذه العقيدة وإن كانت مغروسة في قلبه، فإذا استمر في نسيانه بسبب انصرافه إلى ضجيج الأهواء والشهوات والأصدقاء تحوَّل النسيان إلى جحود وإنكار، كالشجرة التي قُطع عنها الماء تذبل حيناً من الزمن ثم يتحول الذبول إلى مَوت وتتحول الشجرة إلى حَطَبِِ يابس.
ولكن المسلم إذا ما ثابر على الصلاة، كانت غذاءً لإيمانه، ولم تعد الدنيا وملهياتها قادرة على إضعاف الإيمان في قلبه أو إماتته.
الصلاة من العبادات القديمة في مشروعيتها، فقد قال تعالى عن سيدنا إسماعيل عليه السلام: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم: 55]، فقد عرفتها الحنيفية التي بُعث بها إبراهيم عليه السلام، وعرفها أتباع موسى عليه السلام، وقال تعالى على لسان عيسى عليه السلام: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31].
وعندما بُعث نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي ركعتين كل صباح ويصلي ركعتين كل مساء، قيل: وهما المقصودتان بقول الله تعالى خطاباً لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [غافر: 55].
وهي الصلوات المفروضة على كل مسلم مُكَلَّف وهي: الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء.
شُرعت هذه الصلوات ليلة أُسريَ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بيت المقدس ثم عُرج به إلى السماوات، فقد فرض الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - وسائر المسلمين خمسين صلاة في اليوم والليلة، ثم خَفَّفها الله عز وجل إلى خَمْس صلوات، فهي خَمْسٌ في الأداء والفعل وخَمْسون في الأجر.
جاء في حديث الإسراء والمعراج الذي رواه البخاري (342)، ومسلم (163)، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "فُرِجَ عن سَقْفِ بَيْتي وأنا بمكة، فنَزَلَ جِبريل .. ثم أخذ بيَدي فَعَرَج بي إلى السماء... فَفَرَضَ الله على أُمَّتي خَمْسين صلاةً... فراجَعْتُهُ فقال: هي خَمْسٌ وهي خَمْسُونَ، لا يُبَدَّلُ القَوْلُ لديَّ".
والصحيح أن حادثة الإسراء كانت قبل هجرة النبي عليه الصلاة والسلام إلى المدينة بثمانية عشر شهراً، وإذاً فإن الصلوات الخمس المكتوبة نَسَخَتْ الركعتين اللتين كانتا في الصباح والمساء.
ثبتت مشروعية الصلاة بآيات كثيرة من كتاب الله، وبأحاديث كثيرة من سُنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
فمن القرآن:
قوله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 17 ، 18].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: أراد بقوله: {حِينَ تُمْسُونَ}: صلاة المغرب والعشاء، {وَحِينَ تُصْبِحُونَ}: صلاة الصبح، {وَعَشِيًّا}: صلاة العصر، {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} صلاة الظهر.
وقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء: 103]. أي محتمة وموقتة بأوقات مخصوصة.
ومن السُنة:
حديث الإسراء السابق.
وما رواه البخاري (1331)، ومسلم (19)، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث معاذاً - رضي الله عنه - إلى اليمن فقال: "ادْعُهُمْ إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فَأَعْلِمْهُمْ أنَّ الله قد افترض عليهم خَمْسَ صلواتِِ في كلِّ يَوْمِِ ولَيْلَة...".
وقوله - صلى الله عليه وسلم - للأعرابي الذي سأله عما يجب عليه من الصلاة: "خَمْسُ صَلَواتِِ في اليوم والليلة"، قال الأعرابي: هل عليَّ غيرُها؟ قال "لا إلَّا أَنْ تَطَوَّع". (رواه البخاري: 46، ومسلم: 11).
الصلاة أفضل العبادات البدنية على الإطلاق، فقد جاء رجل يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أفضل الأعمال فقال له: "الصلاة" قال: ثم مَهْ؟ قال: "ثم الصلاة" قال: ثم مَهْ؟ قال: "الصلاة" ثلاث مرات. (رواه ابن حبان: 258).
وقد ثبت في الصحيحين أن الصلاتين يؤديهما المسلم أداءً سليماً تكونان كفارة لما بينهما من الذنوب.
فعند البخاري (505)، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الصلوات الخَمْسُ يَمحو الله بِها الخَطَايَا".
وعند مسلم (231)، عن عثمان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مَن أَتَمَّ الوُضوء كما أَمَرَهُ الله تعالى فالصلوات المكتوبات كَفَّاراتٌ لما بَيْنَهُنَّ".
كما أن التهاون في الصلاة تأخيراً أو تركاً، من شأنه أن يؤدي بصاحبه ـ إن هو استمر على ذلك ـ إلى الكُفر. إذ إن الصلاة هي الغذاء الأول للإيمان كما قد علمت.
روى الإمام أحمد (6/ 421)، عن أم أيمن رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تتركي الصلاة مُتَعَمِّدة، فإنه مَن تَرَكَ الصلاة مُتَعَمِّداً فقد بَرِئتْ منه ذِمَّةُ الله ورسولِه". وروي مثله عن معاذ - رضي الله عنه - (5/ 238).
تارك الصلاة إما أن يكون قد تركها كسلاً وتهاوناً، أو تركها جحوداً لها، أو استخفافاً بها:
فأما من تركها جاحداً لوجوبها، أو مستهزئاً بها
فإنه يكفر بذلك ويرتد عن الإسلام، فيجب على الحاكم أن يأمره بالتوبة، فإن تاب وأقام الصلاة فذاك، وإلا قُتل على أنه مُرْتَد، ولا يجوز غسله ولا تكفينه ولا الصلاة عليه، كما لا يجوز دفنه في مقابر المسلمين، لأنه ليس منهم.
وأما إن تركها كسلاً، وهو يعتقد وجوبها
فإنه يُكَلَّف من قبل الحاكم بقضائها والتوبة عن معصية الترك. فإن لم ينهض إلى قضائها وجب قتله حدَّاً، أي يعتبر قتله حدَّاً من الحدود المشروعة لعصاة المسلمين، وعقوبة على تركه فريضة يُقاتَل عليها. ولكنه يُعتبر مسلماً بعد قتله ويُعامل في تجهيزه ودفنه وميراثه معاملة المسلمين لأنه منهم.
روى البخاري (25)، ومسلم (22)، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أُمِرْتُ أن أُقَاتِلَ الناس حتى يَشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويُقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عَصَموا مني دماءَهُم وأموالَهُم إلا بحق الإسلام، وحِسابُهُم على الله".
دلَّ الحديث على أن من أقرَّ بالشهادتين يُقاتل إن لم يُقِم الصلاة، ولكنه لا يكفر.
بدليل ما رواه أبو داود (1420) وغيره، عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "خَمْسُ صَلَوَاتِِ كَتَبَهُنَّ اللهُ على العِبَادِ، فَمَنْ جاءَ بِهِنَّ، لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئاً استِخْفَافاً بِحقِّهِنَّ، كانَ لهُ عِنْدَ اللهِ عَهْدٌ أنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، ومن لم يَأْتِ بِهِنَّ فليس لهُ عِنْدَ اللهِ عَهْد، إن شاء عَذَّبَه، وإن شاء أَدْخَلَهُ الجنة".
فقد دلَّ على أن تارك الصلاة لا يكفر، لأنه لو كفر لم يدخل في قوله: "وإن شاء أَدْخَلَهُ الجنة"، إذ الكافر لا يدخل الجنة قَطعاً، فحُمِل على من تركها كسلاً، جَمْعاً بين الأدلة.
روى مسلم (82) وغيره، عن جابر - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن بَيْنَ الرجل وبَيْنَ الشِّرك والكُفْرِ تَرك الصلاة".
وهو محمول على الترك جحوداً وإنكاراً لفريضتها، أو استهزاءً بها واستخفافاً بشأنها.
الصلوات الخمس، كل منها لها وقت معين، ذو بداية لا تصح إذا قُدِّمَت عليها، وذو نهاية لا يجوز تأخيرها عنها.
قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء: 103].
أي كانت فريضة محددة بأوقات مخصوصة. وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن جبريل عليه السلام جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن فُرِضَت الصلوات الخَمْس، يُعَرِّفه أوقاتها، ويضبط له وقت كلِِّ منها ابتداءً وانتهاءً.
[انظر سنن أبي داود كتاب الصلاة، باب ما جاء في المواقيت رقم (393)، والترمذي أول كتاب الصلاة رقم (149)].
كما بَيَّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك للمسلمين بالقول والفعل.
والحديث الذي يجمع مواقيت الصلوات الخَمْس ما رواه (مسلم: 614) وغيره، عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه أتاه سائلٌ يسأَلُه عن مواقيت الصلاة فلم يَرُدَّ عليه شيئاً.
وفي رواية أخرى قال: "اشْهد مَعَنَا الصلاة". قال: فأقام الفجر حين انْشَقَّ الفَجر، والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضاً، ثم أمره فأقام بالظهر حين زالت الشمس، والقائل يقول: قد انْتَصَفَ النهار وهو كان أعلم منهم، ثم أمره فأقام بالعصر والشمس مرتفعة، ثم أمره فأقام بالمغرب حين وَقَعَتِ الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشَفَق.
ثم أخّر الفجر من الغد، حتى انصرف منها والقائل يقول: قد طلعت الشمس أو كادَت، ثم أخَّرّ الظهر حتى كان قريباً من وقت العصر بالأمس، ثم أخَّرّ العصر حتى انصرف منها والقائل يقول: قد احمَرَّت الشمس، ثم أخّر المغرب حتى كان عند سقوط الشَّفَق، ثم أخَّرّ العشاء حتى كان ثُلُث الليل الأول. ثم أصبح، فدعا السائل فقال: "الوقت بَيْنَ هَذَيْنِ".
[انشق الفجر: طلع ضوؤه. زالت: مالت عن وسط السماء. الشفق: الحمرة التي تظهر بعد غروب الشمس. سقوط الشفق: غيابه].
وهناك أحاديث بَيَّنَت بعض ما أُجْمِل فيه، أو زادت عليه، كما سترى في تفصيل وقت كل صلاة، وإليك بيانها:
يدخل وقته بظهور الفجر الصادق ويمتد إلى طلوع الشمس.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وقتُ صلاةِ الصُّبح من طُلوع الفَجر ما لم تَطْلُع الشمس". (رواه مسلم: 612).
يبدأ وقته بانحراف الشمس عن منتصف السماء نحو الغروب ـ ويسمونه الزوال ـ حيث يظهر للشاخص عندئذ ظل يسير يبدأ بالامتداد نحو جهة الشرق - ويسمونه ظل الزوال -.
ويمتد وقته إلى أن يصير طول ظل الشيء مثله، علاوة على ظل الزوال الذي كان علامة على أول وقت الظهر.
روى مسلم (612) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "وقت الظهر إذا زالت الشمس، وكان ظِلُّ الرجل كطولِه، ما لم يَحْضُر العَصر".
يبتدئ وقته بنهاية وقت الظهر ويستمر حتى تغرب الشمس.
دَلَّ على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ومن أَدْرَكَ ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدْرَك العصر". (رواه البخاري: 554، ومسلم 608).
ولكن الاختيار أن لا يؤخرها المصلي عن مصير ظل الشئ مثليه علاوة على ظل الزوال، لما مر معك في حديث المواقيت، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ووقت العصر ما لم تصفر الشمس". (رواه مسلم: 612). وهو محمول على الوقت المختار.
يبتدئ وقته بغروب الشمس، ويمتد حتى يغيب الشفق الأحمر ولا يبقى له أثر في جهة الغرب.
والشفق الأحمر: وهو بقايا من آثار ضوء الشمس، يظهر في الأُفق الشرقي عند وقت الغروب، ثم أن الظلام يطارده نحو الغروب شيئاً فشيئاً.
فإذا أطبق الظلام وامتد إلى الأُفق الغربي، وزال أثر الشفق الأحمر، فذلك يعني انتهاء وقت المغرب ودخول وقت العشاء.
دَلَّ على ذلك حديث المواقيت، مع قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وقتُ المغرب ما لم يَغِبِ الشَّفَقُ". (رواه مسلم 612).
يدخل وقته بانتهاء وقت المغرب ويستمر إلى ظهور الفجر الصادق. والاختيار ألا تُؤَخر عن الثُلُث الأول من الليل.
والمقصود بالفجر الصادق ضياء ينتشر ممتداً مع الأُفق الشرقي، وهو انعكاس لضوء الشمس تَقْبِل من بعيد. ثم إن هذا الضياء يعلو نحو السماء شيئاً فشيئاً إلى أن يتكامل بطلوع الشمس.
ودَلَّ على وقت العشاء ابتداءً وانتهاءً واختياراً: ما جاء في حديث المواقيت مع ما رواه مسلم (681) وغيره، عن أبي قتادة - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "أما إنه ليس في النوم تَفريط، وإنما التفريط على مَن يصلِّ الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى".
فدَلَّ على أن وقت الصلاة لا يخرج إلا بدخول غيرها وخرج الصبح من هذا العموم.
هذه هي أوقات الصلوات الخمس، ولكن ينبغي أن لا يتعمد المسلم تأخيرها إلى أواخر أوقاتها، محتجَّاً باتساعها، إذ ربما تسبب عن ذلك إخراجها عن وقتها، بل ربما تسبب عن هذا التهاون تركها، وإنما يُسن تعجيل الصلوات لأول الوقت، وقد سُئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أفضل الأعمال؟ فقال: "الصلاة على وقتها"، أي عند أول وقتها. (رواه البخاري: 504، ومسلم: 85).
واعلم أن من وقع بعض صلاته في الوقت، وبعضها خارجه:
فإنه إن وقع ركعة في الوقت كانت الصلاة أداء.
وإلا كانت قضاء.
ودليل ذلك ما رواه (البخاري: 554، ومسلم: 608)، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر".
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة". (رواه البخاري: 555، ومسلم: 607).
تُكره الصلاة كراهة التحريم:
1 - عند الاستواء إلا يوم الجمعة.
2 - وبعد صلاة الصبح حتى ترتفع الشمس كرمح في النظر.
3 - وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس.
ودليل ذلك ما رواه مسلم (831) عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: ثلاث ساعات كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر موتانا: حين تطلع الشمس بازغةً حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تَضيَّف الشمس للغروب حتى تغرُب.
[بازغة: المراد أول ظهور قرصها. وقائم الظهيرة: أصله أن البعير يكون باركاً فيقوم من شدة حر الأرض، فصار يُكني به عند شدة الحر. تميل: عن وسط السماء. تَضيَّف: تميل مصفرة وتقرب من الغروب].
وهذه الكراهة إن لم يكن للصلاة سبب متقدم، أو تُعمِّد الدفن فيها.
وأما إذا لم يتعمد فيها الدفن وجاء اتفاقاً، أو كان للصلاة سبب متقدم كسُنَّة الوضوء وتحية المسجد وقضاء الفائتة، فإنه لا كراهة في ذلك.
ويدل على عدم الكراهة: ما رواه البخاري: (572)، ومسلم: (684)، عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من نَسِيَ صلاة فليصلِّ إذا ذَكَرَهَا لا كفارة لها إلا ذلك: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] ".
فقوله: "إذا ذَكَرَهَا": يدل على أن وقتها المشروع، والمُطالَب بصلاتها فيه، هو وقت الذِّكر، وقد يذكرها في أحد الأوقات المنهيِّ عنها، فدل على استثناء ذلك من النهي.
وما رواه البخاري (1176)، ومسلم (834)، وعن أم سلمة رضي الله عنها: أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى ركعتين بعد العصر، فسألته عن ذلك فقال: "يا بنتَ أبي أمَيَّةَ، سألتِ عن الركعتين بعد العصر، وإنه آتاني ناسٌ من عَبْدِ القَيْسِ، فَشَغَلُوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر، فهما هاتان".
وقِيس على القضاء غيره مما له سبب متقدم من الصلوات.
ويُستثنى من هذا النهي مطلقاً حَرَم مكة، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "يا بَني عَبْدِ منافِِ لا تمنعوا أحداً طافَ بهذا البيت وصلَّى أيَّةَ ساعة شاء من ليلِِ أو نهار". (رواه الترمذي: 868، وأبو داود: 1894).
أما الإعادة:
فهي أن يؤدي صلاة من الصلوات المكتوبة، ثم يرى فيها نقصاً أو خللاً في الآداب أو المكملات، فيعيدها على وجه لا يكون فيها ذلك النقص أو الخلل.
وحكمها: الاستحباب.
ومثال ذلك أن يكون قد صلى الظهر منفرداً، ثم يدرك من يؤدي هذه الصلاة جماعة، فيُسن أن يعيدها معهم. والفرض بالنسبة له هو الصلاة الأولى، وتقع الثانية نافلة.
روى الترمذي (219)، أنه - صلى الله عليه وسلم - صلَّى الصبح فرأى رجلين لم يصليا معه فقال: "ما مَنَعَكُمَا أن تُصلِّيا مَعَنَا؟" فقالا: يا رسول الله، إنا كنا قد صلينا في رِحَالِنا. قال: "فلا تفعلا، إذا صليتما في رِحَالِكُمَا ثم أَتَيْتُما مسجد جماعةِِ، فصلِّيا معهم، فإنها لَكُما نافِلة". [رحالنا: منازلنا ومساكننا].
أما إذا لم يكن في الأولى خللٌ أو نقص، ولم تكن الصلاة أتمَّ من الأولى، فلا تُسنُّ الإعادة.
وأما القضاء:
فهو تدارك الصلاة بعد خروج وقتها، أو بعد أن لا يبقى من وقتها ما يسع ركعة فأكثر وإلا فهي أداء كما قدمنا سابقاً.
وقد اتفق جمهور العلماء من مختلف المذاهب على أن تارك الصلاة يُكَلَّف بقضائها، سواء تركها نسياناً أم عمداً.
مع الفارق التالي:
وهو أن التارك لها بعذر كنسيان أو نوم لا يأثم، ولا يجب عليه المبادرة إلى قضائها فوراً.
أما التارك لها بغير عذر- أي عمداً - فيجب عليه - مع حصول الإثم - المبادرة إلى قضائها في أول فرصة تسنح له.
ودليل وجوب القضاء للصلاة المتروكة قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من نام عن صلاةِِ أو نَسِيَهَا فَلْيُصَلها إذا ذَكَرَها، لا كَفَّارَةَ لها إلا ذَلِكَ". (رواه البخاري: 572، ومسلم: 684، وغيرهما).
فقوله: "لا كَفَّارَةَ لها إلا ذَلِكَ": يدل على أنه لا بد من قضاء الفرائض الفائتة، مهما كثر عددها أو بَعُدَ زمانها.
تجب الصلاة على كل مسلم ذكراً أو أنثى، بالغِِ عاقلِِ طاهر.
فلا تجب على كافر، وجوب مطالبة بها في الدنيا، لعدم صحتها منه، لكن تجب عليه وجوب عقاب عليها في الآخرة، لتمكنه من فعلها بالإسلام.
ودليل ذلك قوله تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّىٰ أَتَانَا الْيَقِينُ} [المدثر: 42 - 47].
[سَلَكَكُمْ: أدخلكم وحبسكم. سَقَرَ: جهنم، يقال: سقرته الشمس لَوَّحت جلده وغيَّرت لَوْنه. نخوض: نتكلم الباطل ونفعله. اليقين: الموت، أو الاطلاع على الحقيقة بيوم القيامة].
ولا تجب على صبي صغير لعدم تكليفه، ولا على مجنون لعدم إدراكه، ولا على حائض أو نفساء لعدم صحتها منهما، لقيام المانع منها وهو الحَدَث فيهما.
وإذا أسلم الكافر فإنه لا يُكَلَّف قضاء ما فاته ترغيباً له في الدين، ولقوله تعالى: {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38].
إلا المرتد فيلزمه قضاء ما فاته أيام ردته بعد إسلامه تغليظاً عليه.
ولا يجب قضاء ما فات الحائض والنفساء من الصلاة أيام الحيض والنفاس، لأن في وجوب القضاء مشقة عليهما.
وكذلك لا يجب القضاء على المجنون والمغمى عليه إذا أفاقا من الجنون والإغماء.
ودليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "رُفِعَ القلم عن ثلاثةِِ: عن الصَبيِّ حتى يَحْتَلِم، وعن النائم حتى يَستَيْقِظ، وعن المجنون حتى يَعْقِل". (رواه أبو داود: 4403، وغيره). [يَحْتَلِم: يَبْلُغ].
فالحديث ورد في المجنون، وقِيسَ عليه كل من زال عقله بسبب عُذرِِ فيه، وإنما وجب القضاء على النائم بالحديث الذي مر سابقاً: "مَن نامَ عن صلاةِِ أو نَسِيَهَا فَليصَلِّها".
هذا ويجب أن يُؤمر الصبي بالصلاة بعد استكماله سن السابعة، ويُضرب على تركها إذا بلغ عشر سنين تعويداً له على الصلاة.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مُرُوا الصبي بالصلاة إذا بَلَغَ سَبْعَ سنين وإذا بَلَغَ عَشْراً فاضربوه عَلَيها".
(رواه أبو داود: 494، والترمذي: 407، ولفظه: "عَلِّموا الصبي". وقال: حديث حسن صحيح).