Blogger المدونة الرئيسية في
1.
هل إعجاز هو أم عجز؟
كشفت النقاشات المتعلقة بقضية المسلمين الكبرى "الإعجاز" إنَّ الإصرار على وهم "الإعجاز" هو في حقيقة الأمر يعبر عن عجزهم عن أية إمكانية أخرى لكي ينظروا إلى الوجه الآخر للعملة. وإنَّ هذا العجز بمرور وقت النقاش (إذا كان ثمة شيء يسمى نقاش) وشيئاً فشيئاً يستحيل إلى حالة عصاب وتوتر نفسي وإرهاق فينتهي في نهاية المطاف إلى النقطة المبتذلة من الخطاب الإسلامي التقليدي: الإساءة والشتائم والتكفير و÷رسال اللعنات العلنية أو المستترة!
إنَّ الأمر مفهوم إلى حد ما.
فسقوط قدسية كتاب محمد (وهو كأي كتاب دين: كتاب مُلَفَّق) ووضعه بين آلاف كتب البشر المفبركة والمجمعة في كتاب مرقع في ظروف تاريخية غامضة ومصادر أكثر غموضاً لا يعني غير سقوط خرافة محمد. ومن هنا يبدأ التهاوي المترابط لكامل المنظومة الإسلامية العقائدية.
وهذا ما فعله عُقَّال القرون العصور المظلمة مثل ابن المقفع وابن الراوندي والرازي (محمد بن زكريا) وجابر بن حيان وغيرهم الكثير من الأصوات العلنية (أو بالسر والترميز خوفاً من الاضطهاد والعقاب) الذين رفضوا من حيث المبدأ فكرة "النبوة" فرفضوا بالتبعية محمد وكتابه معاً.
2.
الإيمان يؤدي إلى الجهالة:
ثمة مفارقة كبرى في قضية الإيمان:
إنَّ المرء حالما يسقط نهائياً في مصيدة الإيمان فإنَّه لا محالة يودِّع عقله إلى الأبد.
وهنا يتساوى الأمر ما بين حملة الشهادات (المزورة وغير المزورة) والناس البسطاء السذج الذين لم يمسكوا في حياتهم قلماً ولم يتعلموا حرفاً واحداً ويجهلون كل شيء عن وجودهم وظلوا غارقين في الجهل والخرافة.
وفي اللحظة التي يتم فيها هذا السقوط فإن حاستي السمع والبصر يكفان عن العمل و"يرفضان" سماع ورؤية ملَّ ما يعارضه المسلم أو عاجزاً عن إدراكه ويظل مشدوداً بحبل من مسد إلى شيوخ العته والخرافة (السنة والشيعة على حد سواء) بل يحصل نوع من النكوص الغريب يرجع البشر بتأثيره إلى الخلف قروناً عديدة.
أمَّا المسلم الذي منحته الطبيعة موهبة الحفاظ على عقله فإنه إما قد ترك مملكة الظلام الإسلامية منذ زمن بعيد وإما سيتركه آجلاً أم عاجلاً فهذا أمر لا ريب فيه.
3.
خرافة الوحي:
لكن المشكلة هي أكثر خطورة من ذلك.
لقد تحول الإيمان التسليمي بخرافة "الوحي" إلى حجر أساس وجود الإسلام والسلطة الإسلامية.
إذ أنَّ اتضاح خرافة "القرآن المنزل" وانكشاف وَهْمُ الاعجاز يفتح الباب على مصراعيه أمام انهيار بقية العناصر الواحد تلو الآخر.
إذ أن "صانعي" الإعجاز في تلك العصور المظلمة أدركوا (وقد كان إدراكهم في محله) أن محمداً لم يحمل شيئاً من "المعجزات!" التقليدية التي يفخر بها أنصار اليهودية والمسيحية. فلا "شقَّ محمدٌ البحرَ" ولا "مشى على الماء" ولا "أحيا الأموات"!
ولهذا فقد اتجهوا إلى فقه اللغة الذي ما كان يفهمه 99% من المسلمين ولا يزالون لا يفهمونه واصطنعوا "قواعد" و"مبادئ" و"معايير" للإعجاز هي "بالتفصيل" على مقايس كتاب محمد – مثلما كان النحو على مقاييسه. فتحول "الإعجاز" إلى عقيدة راسخة يرسخ بوجودها كتاب محمد وينهار هذا الكتاب بانهيارها.
4.
لا أثر للإعجاز المفترض على وعي الناس!
وهذا ما دعا واحد من أكبر شعراء القرن العشرين معروف الرصافي إلى القول:
"إنهم [يقصد المسلمين] يهولون بإعجاز القرآن كل التهويل، لكنهم لا يستطيعون أن يذكروا لهذه المعجزة العظمى أثراً بيناً في نجاح الدعوة الإسلامية، إذ لا مرية في أن الدعوة الإسلامية إنما نجحت بالسيف لا بمعجزة القرآن. فلو سألناهم كم مؤمنا كانت هذه المعجزة هي السبب الوحيد لإيمانه، لما استطاعوا أن يجيبوا جوابا صحيحاً"[الشخصية المحمدية أو حل اللغز المقدس، ألمانيا 2002، ص 608]
غير أنَّ ما له علاقة بموضوع "التحدي" الذي ناقشناه في الحلقة الماضية [سخافة فكرة التحدي الربانية] هو آراء شاعر كبير متمكن من الأدوات الجمالية للغة العربية مثل الرصافي في قضية " فليأتوا بحديث مثله".
فهو إذ يرفض إمكانية المعارضة من حيث المبدأ لأسباب تتعلق بذات المنطلقات التي أشرتُ إليها في الحلقة الماضية وهي الخصوصية الفردية للكاتب والنص على حد سواء (سواء كان كتاب محمد أو رواية لنجيب محفوظ) فإنه يرفض فكرة "المعارضة" بالإتيان بمثله في آية واحدة أو آيتين. لأن ذلك في رأيه سهل متيسر لكل أحد، خصوصاً وهناك آيات تتكون من كلمة واحدة مثل "مدهامتان".
ولأهمية هذه الفكرة ولاعتماد الرصافي على مصادر مختلفة ومجمعة في مكان واحد فإنني في الفقرة التالية رقم [5] سوف أعتمد كلياً على تحقيقه ومصادره [الصفحات: 606-607 بتصرف]
5.
المسلمون والكفار أوحوا لمحمد بآيات مثلها!
تقول لنا المصادر الإسلامية بأن الاتيان بمثله في آية أو آيتين قد وقع في أيام نزول كتاب محمد من المسلمين ومن الكفار على حد سواء.
في "الاتقان في علوم القرآن: يشير السيوطي إلى أن يهودياً لقى عمر بن الخطاب فقال له: إن جبريل الذي يذكره صاحبكم عدو لنا، فقال عمر: " من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين". فنزلت هذه الآية بعد ذلك كما قالها عمر.!
وأخرج سنيد في تفسيره أن سعد بن معاذ لما سمع ما قيل في أمر عائشة (في موضوع الإفك) قال: "سبحانك هذا بهتان عظيم". فنزلت كذلك آية بذات النص!
كما وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة: "لما أبطأ على النساء الخبر في أُحد، خرجن يستخبرن، فإذا رجلان مقبلان على بعير، فقالت امرأة: ما فعل رسول الله؟ قال: حي، قالت: فلا أبالي يتخذ الله من عباده شهداء (تعني قتلى أحد). فنزل في كتاب محمد ما قالت المرأة: "ويتخذ منكم شهداء"!
وفي الاتقان: قال ابن سعد في الطبقات: أخبرنا الواقدي: أن مصعب بن عمير حمل اللواء يوم أحد فقطعت يده اليمنى فأخذ اللواء بيده اليسرى "!" وهو يقول: "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم". وما كانت هذه الآية قد "نزلت" يومئذ ثم نزلت بعد ذلك!
فكل من هؤلاء الأشخاص لم "يأت بحديث من مثله" فقط بل قد أتى بحديث لم يكن من "قريان" محمد، ثم "نزل" على محمد قرآناً موحاً من الله!
والمفارقة المضحكة هي أنه قد وقع مثل ذلك للكفار أيضاً:
فقد ذكروا عن النضر بن الحارث إنه كان إذا جلس محمد مجلساً يحِّدث فيه قومه ويحذرهم ما أصاب قريش من قبلهم من نقمة الله يخلفه في مجلسه، ويقول لقريش: هلموا فإني والله يا معشر قريش أحسن حديثاً منه، ثم يحدثهم عن ملوك فارس. ويقول صاحب السيرة الحلبية: ولما تلا محمد عليهم نبأ الأولين، قال النضر بن الحارث: قد سمعنا، لو نشاء لقلنا مثل هذا "إن هذا إلا اساطير الأولين". وهذا الكلام ورد بعد ذلك القرآن فصار بقدرة قادر آية قرآنية!
ومن هذا القبيل ما قاله عبد الله بن أبي سرح فكان سبباً لارتداده.
إذ أن عبد الله قد أسلم وكان يكتب "الوحي!". فاتفق يوماً إن كان محمد يملي عليه آية نزلت: "لقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين" فكتبها، ثم أملى: "ثم جعلناه نطفة في قرار مكين" فكتبها، ثم أملى: "ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم إنشأناه خلقاً آخر". فلما كتب ذلك عبد الله تعجب من تفصيل خلق الإنسان، فقال: "فتبارك الله أحسن الخالقين"، فقال له محمد: اكتب ذلك، هكذا نزلت. فوقع من ذلك في نفس عبد الله ريب، فقال: إن كان محمد يوحى إليه فأنا يوحى إلي أيضاً، فارتد عن الإسلام ولحق بمكة وصار يقول لقريش: إني كنت أصرف محمداً كيف شئت، كان يملي علي "عزيز حكيم"، فأقول "عليم حكيم"، فيقول: نعم كل صواب، وكل ما أقوله يقول: اكتب هكذا نزلت.
6.
كما هو واضح ومن مصادر المسلمين أنفسهم أن المسلمين والكفار لم يكونوا قادرين على "الإتيان بحديث مثله" بل "أوحوا" لمحمد بحديث من مثله!
إلا أن الفكرة الأساسية التي انطلقنا منها لا تزال قائمة:
إن الإيمان التسليمي بكتاب محمد قد وصل حداً متأزماً لم يؤثر على سيكولوجية المسلمين الذين أدى بهم إلى العصاب الديني بل أن تأثيره عليهم جسدياً يمكن أن يدفعهم إلى ارتكاب ما لا تحمد عقباه وقد حدث الكثير من ذلك في مملكة الظلام وخارجها.
لقد تحول "محمد" و"إعجاز كتابه!" إلى حجر أساس في الدفاع عن خرافات الإسلام.
فهما مصدر جميع تناقضات الإسلام العقائدية والأخلاقية والقيمية والسياسية وإنَّ الإطاحة بالخرافات المكونة لهما والمحيطة بهما هي عملياً الطريق إلى الإطاحة بالإسلام من الداخل.
وهذا ما يجعل الدفاع عنهما قضية حياة أو موت بالنسبة للجهالة الإيمانية المستحكمة.
من هنا تبدو فكرة إقناعهم بأنَّ الإعجاز مجرد خرافات – بل وحتى مناقشتهم فيها، قضية فاشلة كما أشرت لها في موضوع سابق.
قضية فاشلة، لأن مبدأ النقاش يفترض سماع الآخر وتأمل فكرته. وهذا ما لم يحدث ولن يحدث لأن أي نوع من الشك في عظمة كتاب محمد هو كفر يستحق القتل إن توفرت الظروف لذلك.