Blogger المدونة الرئيسية في
[1]
قرر مُطِيعٌ الغائبُ [من قرية "المجلجلة"]، ولا أحدَ يعرف أية مقدمات لقراره هذا غير "رب العالمين" و"المالك ليوم الدين" كما يقول أنصار محمد ليل نهار وكأنَّهم تحت المراقبة [فهو „الحكيم!" و“العليم!" ما بالنفوس]، أن يكون مؤذناً!
ورغم أنَّ هذا القرار لا يخلو من التهور والتسرع، وهما سمتان ليستا من سماته، فقد كان قراراً مفاجئاً بالنسبة للجميع:
زوجته وأصدقائه [إنْ كان له أصدقاء] المقربين والبعيدين والقنفذ السريع والفأرة الفويسقة وعشيق[6] زوجة مطيع الغائب، حمار الجيران الوسيم، وأمين الشحات إمام الجامع الأحول والمختار والقصاب وزوجة المختار وشرطي القرية [الذي يعمل خادماً عند المختار] ومِعزة المختار وكلاب الجيران التي تقعي دوماً وكأنها كفت عن الحركة، حتى أنَّ "Boby" - كلبَ الجيران الصغير الذي غالباً ما يلاطفه لم يخفِ دهشته من هذا القرار وأخذ ينبح من غير أسباب وجيهة [الأسباب الوجيهة قضية نسبية].
فناس وحمير وكلاب القرية مندهشون لهذا التغير المفاجئ في التوجه الفقهي واللاهوتي للحمار ورغبته الغريبة في إعادة النظر في تفسير "مصحف" محمد. فمطيع، وهو واحد منهم وهُمْ صورة طبق الأصل منه، ليس من أنواع البشر الميالة لاتخاذ القرارات المصيرية. إذ أنَّ خبز كفاف يومهم هو "إنْ شاء الله"! وهذه الـ"إنشاء الله" تتعارض في الطول والعرض مع أي نوع من إمكانيات اتخاذ القرار أو محاولات تغيير المصير.
[2]
وحتى يفهم القارئُ المحبُ للمعرفة [وحب المعرفة ليس قضية سهلة بدون إرادة ومكابدة] أسباب دهشة الجميع يجب أن يعرف قبل كل شيء، من غير لف أو دوران الخزعبلات الفقهية، بأنه ليس في الأمر "بِدْعَةٌ" أو عائق ما يمنعه من أن يكون مؤذناً.
فهناك الآلاف مثله يؤذنون ليل نهار في جميع أنحاء المعمورة [رغم أنَّ دار الإسلام خربة]. إنما المفاجئ في قرار الحمار هو أنه من نوع الحمير الهادئة التي لا تتَدَخَّلُ لا في شؤون "رب العالمين" ولا في شؤون الآخرين [فهو يؤمن عميقاً بأن الإنسان يولد حراً خلافاً لنبيه الذي جرد البشر من جميع أنواع الحرية غير "حرية" الطاعة والخضوع]، بل هو حتى لا يختلط بالناس الغرباء [والغريب هو الشخص أو الحمار الذي لم يلتقيه أكثر من سبع مرات] ولا يقطع أرزاق الناس - وأقل ما يخطر على باله أن يقطع أرزاق المؤذنين، ويعمل جاهداً وبكل ما بوسعه [وهو واسع البال]، ومنذ أن قرأ عن نفسه كلاماً لا يرضي الأصدقاء والأعداء على حد سواء في "الكتاب الحكيم!" الذي يخلو من أية حكمة، اعتاد إلَّا يرفع صوته أعلى من أنفه بحجة أنَّ صوته "أنكر الأصوات"!
[3]
الحق أن موقف ربِّه منه لم يكن عادلاً، كما لم يكن عادلاً في حق الكثير كالعادة. فلمفهوم "العدل" المحمدي معانٍ غريبة وعجيبة تتنافى مع تقاليد الكثير من البشر.
فما ارتكب صاحبنا خطيئة أو فعلاً مشيناً ومنذ لحظة خلقه[7] ما يستحق كل هذا التهكم والاستهزاء والازدراء وليس من أي كان بل من "رب العالمين" بالذات صاحب كل ما لذ وطاب من الصفات والألقاب والأسماء التي تبدأ بـ"الرحمن!" وتنتهي بـ"الصبور!". وما بينهما "الحليم!" و"العليم!" و"الحكيم!" و"العادل!" و"الغفور"!
لكنَّ الوقائع تقول بأنَّ "ربـَّهم" لا يعرف الحكمة والعدل على حد سواء.
فقواعد "الحكمة" و"العدل" والحُكم المتزن منذ القوانين الرومانية تستند أولاً إلى وصف الوقائع كما هي؛ وثانياً لا جرم بدون جريمة؛ وثالثاً لا يمكن معاقبة الناس والحمير [أو الحمير والناس لا فرق من هو الأول ومن هو الثاني ففي الكثير من الأحيان الأمر سواء] استناداً إلى التصورات والنوايا المسبقة. فحكم الأعمال ليس بالنوايا - فهذا سخف وإنما بالأعمال والأعمال فقط.
فالنوايا، وفي جميع قوانين البشر الطبيعيين، لا تخضع للتجريم ولا يمكن أن تكون مادة للعدالة والحق.
لا يمكن أثبات وجود النوايا مثلما لا يمكن أن تكون جرماً بسبب غياب الجريمة.
فالجرائم ليست من نوع الافتراضات وإنما حقائق مادية موضوعية يجب البرهنة على وقوعها. والنوايا حتى لو كانت تخطيط لجريمة فإن هذه الجريمة "لم تقع".
ولا لهذا لا يمكن إصدار الأحكام ضد إنسان أو حمار عقاباً على "فعل لم يقع" و"نوايا" لا يمكن حتى اثبات وجودها!
[4]
تقول المادة الأولى من مدونة جوستنيان القانونية [القانون الروماني الأساس الذي صدر قبل وجود محمد المفترض بحوالي قرنين[8]] بأن "العدل هو حمل النفس إيتاء كل ذي حق حقه والتزام ذلك على وجه الثبات والاستمرار" وفيما بعد يقول "لا عقاب بلا نص" ويمكن القول الكثير، والكثير جداً.
وهذه مواضعات وقواعد ومبادئ قانون، والحمار يعرفها أفضل من الآخرين. زهي مواضعات يتفق عليها جميع البشر الذين غادروا البربرية:
فما هي جريمة مطيع الغائب؟
وما هو الحق الذي هضمه أو القانون الذي داسه؟
بل وما هو النص الذي يجرمه؟
[5]
فمطيع الغائب فمثلما كان غائب الحقوق[9]، كان غائباً دائماً عن الاحتفالات الوطنية والقومية والدينية؛ وما كان عضواً في نادي أو جمعية أو حزب علني كان أم سري – فكما كان يقول أحد دكتاتوري مملكة الظلام الذين لا يُعد عددهم ولا يحصى بأنَّ "مَنْ تحزب خان"[10]!
فما كان جمهورياً؛ وأقل ما يكون ملكياً – ولم يكن فوضوياً؛ بل ولم يكنْ ولن يكون ماركسياً – وخصوصاً على طريقة المسلمين المستترين . .
وما كان صاحبنا "الحمار" من الناس [أو من مخلوقات "رب العالمين" صانع الإنسان والحمار من الطين] الذين يثقون بمخلوقات "رب العالمين" مطلقاً. ولهذا فهو لا يختلط بهم إلا إذا اختلطوا به؛ ولا يناكحهم ولا يتزوج منهم فهم من طين سيئة في غاية السوء؛ وهو بعيد عن الجميع إلا إذا قرر الجميع متناسين تجاربهم المُرَّة واقتربوا منه [خصوصاً من الخلف على قاب قوسين من قائمتيه الخلفيتين أو أدنى].
فالناس جحيم والحشر معهم مأتم ،فهم جميعاً يهددون" قشَّ الشعير" الذي يعتاش عليه الرَّجُل [أو الحمار – لا فرق]. ولهذا فهو غالباً ما يردد أمام مسمع زوجته:
- " لا تثقي بمخلوقات رب العالمين. فهي حسودة لا تقنع إلا بخراب الآخرين".
- ولماذا يا عبقري؟
تسأل زوجته بتهكم.
- لأن الله قد خلقهم على صورته!
يرد مطيع ببساطة وجرأة لاهوتية "منقطعة النظير"!
[6]
وكما ترون فإن قراره بأن يكون مؤذناً يتعارض مع الفلسفة الفقهية والعقائدية والوجودية التي يؤمن بها مطيع الغائب والتي تنادي بالتقليل من الاحتكاك والتماس والاستئناس بمخلوقات "رب العالمين" رب الوسواس الخناس – ناهيك عن تعارضه مع منطق الأشياء.
بل أنه، إذا شئتم [ومن لا يشاء فله مشيئته]، لا تعني رغبته في أن يكون مؤذناً غير شيء واحد لا غير:
أن يحفر قبره بيديه [أو بحافريه الأماميين، لا فرق!].
فالمحمديون يعتقدون إلى حد الإيمان التسليمي بالأقوال السخيفة التي تدعي الحكمة من قبيل: "لسانك حصانك"؛
و "حفظ اللسان راحة الإنسان"؛
و "الصمت يكسب المحبة"؛
و "من عرف الله كلَّ لسانه"؛
أوصيك بتقوى الله، وعليك بالصّمت، فإنّك به تغلب الشّيطان"؛
الزم الصمت يكسبك صفو المحبة, ويأمنك سوء المغبة, ويلبسك ثوب الوقار, ويكفك مؤنة الاعتذار"
"إذا تكلمت بالكلمة ملكتك وإذا لم تتكلم بها ملكتها"؛
و"إذا كان الكلام من فضة فإن الصمت من ذهب" وغيرها الكثير.
وباختصار مفيد:
صَهْ!!!
وهي ثقافة لا تُعَلِّم الحكمة وإنما تُعَلِّم الصمت والنفاق والخضوع وازدراء الحقيقة والتسليم بالأكاذيب. إنهم لا يدركون مطلقاً بأنَّ الصمت أمام الأكاذيب لغوٌ ما بعده لغو غير لغو الفقهاء والكهنوت.
ولهذا فإن مطيع الغائب قد "حرَّك الماء الآسن" وأطاح بصمت الجميع مع سبق الإصرار والترصد.
لم يصمت لأنه قد كَرِهَ أن يكون حماراً من الحمير فمات شهيداً!
[7]
في البداية قررت زوجته إلا تتدخل و“تزيد الطين بلة" فربما هي مجرد نزوة، "والنزوات تأتي وتروح!" كما كانت تردد[11] :
"فلكل نزوة يومٌ أو يومانِ حتى تمرَّ وكأن شيئاً ما كان، وصاحبنا، وهي تعرفه جيداً ومنذ زمان، سيد النزوات – بل أنه النزوة بذاتها"!
ولهذا قررت الانتظار والصبر "ورب العالمين مع الصابرين"![12]
فحالما مرَّ اليوم الأول، انتظرت الأتان بفارغ الصبر اليوم الثاني حتى يمر الزمان وتمرَّ نزوة زوجها "العنيد" وتعود الحياة إلى مجاريها القديمة [هكذا يقول المثل، وإلا فإن القرية لا تعرف المجاري وغالباً ما تختلط مياه الأمطار بالمياه الوسخة, لكن رب العالمين قد تكفل بحفظهم من الميكروبات وكل ما لا تراه العين استناداً إلى بيطري القرية].
لكنها استيقظت في فجر اليوم الثالث مفزوعة [ولم تكن وحدها إذ كان في فراشها حمار الجيران الوسيم] وكأن زلزالاً بدرجة 8 على مقياس ريختر قد ضرب قريتهم التي لا تعرف الزلازل الأرضية [أما الزلازل السماوية فهذا شيء آخر وهي يومية]. وحالما استيقظت وفركت عينيها ثم تلاشت تدريجياً مخاوف الزلزال أدركت، ويا ليتها لم تدركْ، بأن زوجها كان يؤذن أذان الفجر!
[8]
عندما عاد من الجامع وهو يكاد يطير بجناحين خفيين من نشوة الفرح والفخر الذي لا يخلو من الشعور بالانتصار كانت زوجته في انتظاره وهي تحمل بيدها المكنسة القديمة:
- هل أنت مجنون يا . . . ؟[13]
- وهل ستكونين سعيدة إنْ كنتُ عاقلاً؟!
أجاب صاحبنا كالعادة بتواضع شديد!
- سوف يشنقوك من غير ذنب يا حمار؟
قالت الأتان وهي تلوّح بعصا المكنسة والشرار يتطاير من عينيها.
- وهل تريدين أن أُشْنَقَ مذنباً؟[14]
أجابها مطيع باستغراب شديد.
- وهل تعتقد بأنَّ شنقك يحتاج إلى ذنب؟
تساءلت زوجته وكعادتها بتهكم.
ثم رمت عصا المكنسة باتجاه مطيع الذي لم يتحرك من مكانه قطُّ. والحظ فقط تكفل بأن لا تقع فوق رأسه كما سوف تسقط عشرات المصائب على رأسه ورأس القرية على حد سواء.
كان ذلك اليوم [الثامن والعشرون من شهر آب عام 2009] يوماً تاريخياً لن يسنح للقرية الاحتفال به أبداً فهي والحمار سيكونان في خبر كان . . .
[9]
كان صوته الجهوري المدوي والمثير للأحزان ومهيج الأشجان قد انتشر كصفارات الإنذار قبل القصف الجوي أو في صباح الانقلابات[15] والمؤامرات العربية والإسلامية التي تعلن منع التجول، في كل الجهات، متغلغلاً في جميع الأنحاء؛ لا جدران تصده ولا مسافات تقف حائلاً في طريقه ولا جوامع تعيق انتقاله في الفضاء.
بل أن صوت الأذان [وبدون أية تقنيات معاصرة من دول الغرب الحاقدة على الإسلام] قد وصل إلى آخر حدود القرية التي يعيش فيها متجاوزاً قناة المجاري الوسخة المفتوحة التي تفصلهم عن القرى الأخرى، حتى قِيل، والعهدة على القائل وفي القول "تواتر"، بأن أذانه قد وصل إلى الأحياء البعيدة وتلك القريبة من مركز المدينة [حوالي 60 كم].
كما وقد توالت أخبار الفضائيات العربية [ذات المذيعين والمذيعات الذين لم يكملوا المدرسة الثانوية بسبب خيبتهم] تصل تباعاً وهي تُفيد بأن الأذان قد انتشر في كامل النصف الآخر من المدينة. وهناك من يقسم بربه "العلي القدير!" بأنَّه قد وصل إلى المدن الأخرى.
وهذا ما دعا مدير شرطة العاصمة [الذي لم يحرك ساكناً أمام موجات الجريمة وتجارة المخدرات وعمليات الاغتصاب اليومية] إلى إرسال دوريات مدججة بالسلاح بدعم من قوات الجيش الشعبي إلى جميع الاتجاهات للتحقق من القضية والتعرف على مصدر الصوت.
- "فالتحقق مطلوب في مثل هذه الحالات"!
قال مدير شرطة العاصمة الذي لم يلد ولم يولد ولم يعش ولا يوماً واحداً في العاصمة قبل أن يسلمه رئيس الجمهورية الحالي [وسوف يطرده رئيس الجمهوري القادم بانقلاب ديموقراطي]، وهو من أقاربه المقربين، مقاليد إدارة العاصمة. حتى أن زوجته وعندما سمعت خبر التعيين سألته مستغربة:
- كيف تعين هذا الحمار مديراً للشرطة؟!
فأجاب رئيس الجمهورية[16] شخصياً وبلسانه وبكل ثقة وخبرة إدارية - سياسية:
- الرجل المناسب في المكان المناسب!
[10]
إلا أن تأثير أذان "صاحبنا"[هذه المرة أقصد الحمار]، سواء صدقتم أم لا [المسلمون لا يصدقون غير كلام عجائز الجوامع الريفية وملالي الحسينيات الشيعية]، قد تخطى الحدود والقارات، بل تخطى المدار الأرضي منطلقاً عبر الفضاء واصلاً إلى المدار القمري.
وهذا ما دعا أحد العلماء المسلمين "الملتزمين بالله واليوم الآخر" إلى طرح فرضية في غاية الأهمية والخطورة، رغم غرابتها بعض الشيء، ومفادها، وانتبهوا لكلام العالم جيداً، أن ثمة علاقة ما بين أذان "صاحبنا" وعَطَل مركبة الفضاء الهندية تشاندريان-1 بعد ساعات معدودة من الأذان وبعد سنة واحدة فقط من إطلاقها!
لقد ظلت فكرة هذا التصريح غامضة للغاية، حتى أن رئيس الجمهورية أمر بعدم مناقشة هذا الموضوع في الصحف , كما طلب من هيئة الإفتاء موقفهم في الموضوع وما إذا كان الأذان شرعياً. لأن أوقات الأذان ترتبط بطلوع الشمس، وماذا عن سكان القمر مثلاً، فيما إذا كان هناك سكان أم أقوام من قبيل يأجوج ومأجوج الواردة في "الكتاب" وهذا أمر علمي لا نقاش فيه ولا يقبل اللف والدوران حوله!
[11]
أما ما يتعلق بقرية الحمار نفسه فقد تعقدت الأمور فيها واختلط الحابل بالنابل مما دعا الأمر إلى عقد اجتماع طارئ [إمام جامع القرية سماه "اجتماع فوق العادة" . أما معزة المختار فسمته "اجتماع الحسم"] لأئمة جوامع القرى القريبة والأتقياء من سكانها [لا ينبغي أن تأخذوا كلمة "أتقياء" مأخذ الجد. فالتقي في عرف القرية هو الذي يتقي شر المختار ومخبر إمام الجامع وشرطة الأخلاق]
وقد دُعيَ من القرية القصاب ومخبر الشرطة ومعزة المختار ذات العقل النير والقنفذ السريع وحفار القبور وغيرهم من وجهاء القرية للبحث في الأمور المستجدة.
وإذا ما كان تعبير" الأمور المستجدة" في صيغة الجمع فإن الأمر يتعلق بالعادات اللغوية. فتكاد جميع اجتماعات الحكومات العربية الطارئة تعقد دائماً تحت تبرير "مناقشة الأمور المستجدة".
فهي عادة ما تعقد لمناقشة أمر واحد لا غير: الإطاحة بقائد الجيش مثلاً، أو إقالة وزير الداخلية، أو تغيير رئيس المخابرات، وعادة ما يكون بتهمة الخيانة للوطن أو التآمر على مقدرات الشعب[17]!
أمَّا "التفصيلات" الكثيرة التي ترد في هذه الاجتماعات فهي ذات طابع ثانوي تماماً لتبرير صيغة الجمع من جهة، ورمي الرماد في العيون من جهة أخرى.
وقد كان الاجتماع الطارئ [اجتماع الحسم] مثمراً جداً وإيجابياً جداً.
[12]
كما يبدو أن المشكلة لم تكن هي صوت مطيع المثير للأحزان ومهيج الأشجان الذي كان يحيل الصمت إلى قطع متناثرة كنثار الزجاج. بل أن هذه المشكلة، وهذا ما قاله لي مَن أثق به، هي من أتفه المشاكل!
فالحمار [الذي لا يلد] قد وَلَّد عدداً لا يحصى من المشاكل الفقهية؛ وقد أخذت المشاكل تلد كالأرانب!
فحالما يتم حل مشكلة تولد مشكلة أخرى تنتظر الحل، وأول هذه المشاكل كانت ذات طابع نقابي!
فبسبب كون صوته يصل إلى كل القرى والأحياء السكنية نافذاً في أعماق مركز المدينة فإن هذا أمر من شأنه أن يجعل الكثير من المؤذنين زائدين عن الحاجة [رغم أنهم زائدون عن الحاجة من حيث المبدأ. فالآن حتى معزة المختار لديها موبايل بنظام تشغيل أندرويد وهي تستمع إلى تسجيلات الست "أم كلثوم" مثلما تستمع إلى الاذان من خلال تطبيقات الأذان] وسوف يفقدون ما يعتاشون عليه من مرتبات تمنح لهم من وزارة الأوقاف ومخصصات إضافية من وزارة الثقافة [ومرتبات وزارة الأوقاف دسمة أكثر من لحم الخنزير]. فطالما يوجد مؤذن واحد يسدُّ مسدهم ويستر الناس شر صوتهم فإن وجودهم [اللاضروري بالقوة] ما عاد له أية ضرورة بالفعل!
[13]
أما هو [أقصد صاحبنا مطيع] فلا يطالب بأكثر من كيس واحد أو في أكثر الاحتمالات كيسين من العلف وهذا من شأنه أن يدفع أئمة الجوامع إلى الاستغناء عن خدمات المؤذنين الجليلة[18]. كما لم يعد للجوامع حاجة إلى مكبرات الصوت ولا مكان مرتفع للأذان [ليس من النادر أن يسقط هذا المؤذن أو ذاك كاسراً رقبته أو أطرافه أو يذهب إلى رحمة الله من غير عودة – وهي رحمة مشكوك فيها أو كما يحلو للحمار القول: "الرحمة في ظروف الزحمة وخمة"] .
- لا يوجد أرخص من هذا المؤذن!
عَلَّق غير واحد من أئمة جوامع القرى القريبة.
- وماذا سنقول لنقابة المؤذنين؟
سأل أحدهم.
- وهل ستخالف النقابة، يا جماعة الخير، إرادة الله؟!
قال آخر ثم أضاف:
- الله لا يحب التبذير، وتلى عن ظهر قلب:" إِنَّ "الْمُبَذِّرِونَ" كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا"! ثم يا جماعة أليس الأمر شورى بيننا؟
قالها من غير أن ينتبه إطلاقاً بأنه ومن غير أن يدرك قد توصل إلى تأسيس فقهي "نقلي" و"عقلي" لا يخلو من القياس المنطقي المحكم لكي يتسلم حمارنا مهمة الأذان في جميع أنحاء المدينة وينتهي الموضوع.
- ماذا كنا لنفعل بدون الفقه!
قال معمم كان قد قرر أن "يسبحل" مائة مرة ومرة وقطع التسبيح في المرة الخمسين، لكنه نسي فيما إذا كانت هي المرة الخمسين أم الواحدة والخمسين!
- استغفر الله! لقد ألحنت يا شيخ فعليك القول "المبذرين"!
ردد المعمم من غير أن يعرف الآخرون القضية ثم واصل:
- " إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ" ... إي والله!
- صدق الله العظيم!
قالوا بصوت واحد وأجمعوا، وهذا من حسنات الإجماع، على أن في الكتاب دليلاً، وفي السماء خبراً جميلاً ولا دليل أكبر من أدلة الكتاب ولا أصدق وأجمل من إشارات ورموز السماء، على منح الحمار وظيفة مؤذن درجة أولى تحت الاختبار لمدة عشر سنوات وكأن القضية قد أغلقت.
[14]
ولكن (وأعوذ بالله من شرِّ لكنْ): القضية لم تغلق!
فالاجتماع لم يُغلق بعد:
- يا جماعة لقد حصل الإجماع على دليل التوظيف، ولكننا لم نتطرق إلى قيمة المرتب!
وها هي الفرحة لم تدم إلا ثوان. فقد ظهر أن المشاكل الفقهية ستظهر تباعاً:
أولاً، وقبل كل شيء، من أين لهم بدليل فقهي على مقدار مرتب الحمار؟
ثانياً، هل سيأخذ مبلغاً مقطوعاً أم نسبة من واردات الجوامع أم مرتب وزارة الأوقاف فقط؟
ثالثاً، وماذا عن مخصصات وزارة الثقافة؟
رابعاً، هل ستكون له حصة تقديرية من وارد جميع الجوامع أم من جامع واحد؟
خامساً، وإذا كانت من وارد جامع واحد، فمن أيِّ جامع؟
سادساً، كيف يتم الدفع: نقداً مثلاً أو عن طريق "MasterCard" و "Visa" أم بصورة عينية على شكل عَلَف ومعجون أسنان وجوارب شتائية وعلب كبريت وأقراص النعناع؟
وغيرها من المسائل الشرعية جداً جداً والتي لم ينتبه إليها أحد وليس لها مثيل لا في "المصحف" ولا عند "الشيخين" ولا في "الكتب الأربعة"[19] أو في " موسوعة الشيخ البصير لفتاوى السنة والشيعة لكل أمر صغير أو كبير"!
[6] رغم أنهما لم يبذلا أي جهد في إخفاء علاقتهما إلا أنَّ أهل القرية يبدو وكأنهم غير مهتمين في الأمر. ولهذا لم يتهمهم أحد بتهمة الزنا حتى إمام الجامع المنافق. وقد أخبرني مَنْ أثق به بأنه منحط الأخلاق وله علاقات مشبوهة مع بعض نساء القرية. وقد قرر مختار القرية، خشية أنْ تكون إحدى نساءه واحدة من ضحاياه، أنْ يوجه إليه "نقداً بناءً" بالابتعاد عن الموبقات لكنه تقاعس ولم ينفذ هذا القرار فهو، وإمام الجامع يعرف جيداً بالأدلة، بأنه ليس أقل منه فسقاً. كما أنَّ إمام الجامع أعلى منه مقاماً باعتباره مخبر أمني.
[7] لقد ظل سراً من أسرار "رب العالمين" طبيعة المادة التي خلق منها الحيوانات. وقد شب نقاشاً حامياً ما بين إمام الجامع الأحول والقصاب حول الموضوع. فإمام الجامع دافع عن الفكرة اللاهوتية التالية: عدم وجود" أدلة نقلية" لا من الكتاب ولا من السنة حول الموضوع. ولهذا فإن الصمت من ذهب. أما القصاب فقد أنطلق من فكرة مفادها كون الإنسان والحمار مثلاً من لحم وعظم ودم. ولهذا لابد وأن يكونا قد خلقا من نفس المادة: وهي الطين اللازب.
[8] صدرت مدونة جوستنيان في الثاني والعشرين من نوفمبر 533.
[9] بل حتى أنهم منعوه من التصويت في الانتخابات الرئاسية كباقي الحمير بحجة أنه قد خرق "قانون الانتخابات" بالتفوه بجمل وعبارات تحريضية لصالح قائمة المعارضة لرئيس الجمهورية. وفي الدولة الديمقراطية، يقول شرطي القرية، لا ينبغي القيام بمثل هذه الأفعال. وعندما رد مطيع بأن ممثل رئيس الجمهورية شخصياً يجتمع الآن بالكثير من سكان القرية ويحثهم على انتخاب رئيس الجمهورية اتهموه بالإساءة إلى الدين ونشر الفتن والشغب في البلاد. ولهذا قرر بعدم المشاركة بالتصويت حتى يتجنب شرهم.
[10] هذه الفكرة الدكتاتورية من "بنات" أفكار القذافي.
[11] كانت زوجة الحمار تعتقد بصدق بأنها ذات عقل نير وحكيم وتتقن علم الكلام. لكنها لم تستطيع أمام انتقادات معزة المختار المباشرة أن تقدم أية مسوغات "نقلية" أو "عقلية" على خيانة مطيع الغائب مع حمار الجيران غير أن تنهق [أو تشهق – من يعرف؟] وقد سالت الدموع من عينيها الواسعتين . .
[12] بسبب صبرها المبالغ فيه سمَّت ابنها البكر "صابراً" وعندما شبَّ ورأى صبر الآخرين بعينيه انتحر برمي نفسه من أعلى المنارة الأولى التي تهاوت قبل بناء المنارة الثانية والتي تهاوت بدورها أيضاً. ويدعي المختار، باعتباره حافظ الأسرار، أن ابن الحمارِ صابراً فد انتحر لأسباب عاطفية!
[13] ملاحظة هامة: لا أعرف بالضبط الكلمة التي تفوهت الزوجة بها، هل هي "يا رجل" أمْ "يا حمار"؟!
[14] الحق أنَّ هذه العبارة لسقراط.
[15] اعتادت الكثير من الإذاعات العربية في فجر الانقلابات والانقلابات المضادة أن تبث النشيد الكابوسي "الله أكبر فوق المعتدي". والمعتدي عادة هو الزمرة "أو الحكومة" التي تم الانقلاب ضدها. وعندما تعود هذه الزمرة بعد عدة أشهر بانقلاب مضاد فإن نفس هذه الإذاعات تبدأ عادة فجر يوم الانقلاب بذات النشيد الكابوسي " الله أكبر فوق المعتدي" وهَلُّمَ جَرَّا وهكذا دواليك وإلى آخره . . .
[16] صاحبنا "رئيس الجمهورية" كان رئيس عرفاء في الجيش. وبعد الانقلاب الذي أتى من خلاله إلى الحكم "بصورة ديموقراطية" ترقى إلى رتبة مشير وهي أعلى رتبة عسكرية في الجيوش العربية!
بل هناك من "رؤساء" الجمهورية العرب الذين حصلوا على أعلى رتبة عسكرية وعشرات ميداليات الاستحقاق والتقدير العسكرية وهو لم يخدم ولا يوماً واحداً في الجيش.
[17] مرة سألتْ معزةُ المختار إمامَ الجامع، وقد اعتادت الرعي حول الجامع، ماذا يعني "مقدرات الشعب"؟
فأجابها إمام الجامع بعصبية وانفعال:
- وماذا يخصك أنتِ بالموضوع؟!
[18] لابد وأنَّ القارئ النبيه سوف يدرك مباشرة بأنَّ المشكلة تتعلق بالمؤذنين السنة فقط. أما الشيعة فلا يعتدون بأذان المؤذنين السنة ولا يشترونه بقرش واحد. فبدون ذكر اسم أبي تراب في الأذان فإنه باطل بطلاناً محكماً وناقص الأركان وناقض للإيمان.
[19] "الكتب الأربعة" هي كتب الحديث المعتبرة عند الشيعة: الكافي" للكليني و"تهذيب الأحكام" و"الاستبصار" للطوسي و" من لا يحضره الفقيه" للشيخ الصدوق!