Blogger المدونة الرئيسية في
"إنا خلقناهم من طين لازب "
أرى من الضروري أن أعترف منذ البداية بأنني لست من الناس الذين يهوون مناكدة "الخالق!"
صحيح أنَّ لدي الكثير من الاعتراضات على "إرادته!" و"عدله!" و"فلسفته!"، بل لي اعتراضات لا مسالمة ولا تراجُع فيها على "وجوده" بالذات، ومع ذلك فأنا نادراً ما أقوم بمناكدته على أفعاله. والمرة هذه، وليسمح لي، استثناء لابد منه!
1.
لقد تحولت فكرة "وقد خلق الله الإنسانَ على صورته" إلى تعويذة بوذية ترددها الأديان الشرق- أوسطية ليل نهار، وفي السر والعلن، وأينما يضع كُتَّابها أقلامهم "!": على الأوراق أم على الحجر، على ضباب الشتاء أم على رمل السواحل!
ورغم آلاف الصفحات التي "تتغزل" بهذه التعويذة لم يقل لنا أحد منهم عن أي "إنسان" يتحدث ربهم الشرق-أوسطي؛ وفي أية مرحلة من تطور هذا "الإنسان". فهذه، لو تَفَضَّلَ وسمح لنا بالقول، هي توضيحات ضرورية جداً.
لا يحق لنا أن نأخذ الأمور على علاتها كقرد قرر أن يصنع من الطين قرداً آخر على صورته. فوقف أمام المرآة وبدأ يخلق ذاته. ولأنه يحب دمية الأرنب (stuffed bunny) وبدلاً من قرد على صورته صنع أرنباً أخذ ينطُّ حالما اكتمل وصار أرنباً!
2.
وقبل أن نمضي في المناكدة التي وعدتكم بها وقد بدأت بها منذ قليل، أجد من الصعب إلا نطل ولو بصورة خاطفة على "فرقعات" فقهاء المسلمين النحوية من جهة، وتأويل المسيحية التنزيهي من جهة أخرى.
النحو العربي كما تعلمون هو "قدس الأقداس" يجعل لكلام الله معنى ويحرسه من الزلل. إنه "الحارس الأمين" على كلام سيد العالمين.
فهؤلاء "الظرفاء"، أقصد "الفقهاء!" ـ ما يزالون حائرين، والحيرة سمة للعقل:
لمن يعود الضمير المتصل "الهاء" في "صورته"؟
إلى "الله" أم إلى الإنسان؟ [ملاحظة سريعة: مازلنا حائرين كالفقهاء عن أي "إنسان" يتحدث ربهم؟]
فمنهم من يقول بأنَّ "الهاء" تعود إلى "الله"، ومنهم من يصر على أنها تعود إلى "الإنسان". وهكذا حاروا وحيرونا معهم.
فإذا كانت عائدة على الله (وكلنا سنعود إليه يوماً!) فعلى القرد أن يصنع قرداً. أما إذا كانت تعود إلى "الإنسان" فسيكون لإنسان أي إنسان كان، حتى ولو كان أرنباً.
3.
وحتى لا نمر مرور الكرام فسأقتبس لكم أفضل ما في مكتبة الإسلام من درر مكورة لا وجه لها ولا من طريقة للمسك
بها.
يقول "أحد كبار العلماء!" المسلمين:
"هذا ثبت عن الرسول في الصحيحين أنه قال عليه الصلاة والسلام: إن الله خلق آدم على صورته وجاء في رواية أحمد وجماعة من أهل الحديث: على صورة الرحمن فالضمير في الحديث الأول يعود إلى الله، قال أهل العلم كأحمد رحمه الله وإسحاق بن راهويه وأئمة السلف: يجب أن نمره كما جاء على الوجه الذي يليق بالله من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيل، ولا يلزم من ذلك أن تكون صورته سبحانه مثل صورة الآدمي، كما أنه لا يلزم من إثبات الوجه لله سبحانه واليد والأصابع والقدم والرجل والغضب وغير ذلك من صفاته أن تكون مثل صفات بني آدم، فهو سبحانه موصوف بما أخبر به عن نفسه أو أخبر به رسوله ﷺ على الوجه اللائق به من دون أن يشابه خلقه في شيء في ذلك كما قال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ
شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11]
ها نحن نمسك بالهواء:
فـ"الهاء" اللعينة تعود إلى الله ومع ذلك فصورة آدم ليس كما هي صورة الله!
4.
وهذا هو أنصع مثال على منطق اللاهوت الإبراهيمي.
أما المسيحية فلا تخرج عن هذا المنطق:
اللعب بالكلمات و"الشقلبات" اللغوية والاستعارات المرتقة بصمغ سيء الصنع.
وكأبناء عمومتهم فإن اللاهوت المسيحي لا يجري بعيداً، بل هو في جوهره نسخة طبق الأصل لا يكلف نفسه عناء
الاختلاف. فهم إذ يقتبسون لنا من "عهدهم القديم":
"فخلق الله الانسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكراً وانثى خلقهم"[تكوين1/27]
فهم كلاهوت الإسلام: خلق الإنسان على صورته، ولكن ليس كذلك!؟
رداً على تهكمات ليوتاكسل (التوراة كتاب مقدس!) الذي يقول:
“إن الله صنع الإنسان على صورته ومثاله”. إذاً ما الذي يميز التصوُّر اليهودي والمسيحي لله عن تصوُّر الديانات الأخرى له، الديانات التي “وصمتها” المسيحيًّة بالوثنية؟ فالرومان الذين أخذوا معتقداتهم من الإغريق، لم يتصوَّروا الآلهة إلَّا في صورة بشرية، الأمر الذي يرغمنا على القول: ليس الله هو الذي صنع الإنسان على صورته ومثاله، بل الإنسان هو الذي تخيل الآلهة على صورته ومثاله".
يقول فريق الدفاع اللاهوتي في الرد ما نصه:
"بكل تأكيد عندما قال الله: «نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا» لم يكن يقصد الصورة الخارجية لأننا نؤمن أن الله روح وليس جسد، غير محدود، أزلي أبدي، فنقرأ:
“اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا” (يو4: 24).
هذا هو المنطق البهلواني: الله (أو أي واحد من أتباعه) قال، لكنه لم يكن يقصد!
ها هي دائرة اللاهوت الشرق-أوسطي تكتمل:
خلق الله الإنسان (أو آدم لا فرق) على صورته ولكنه لم يخلقه على صورته! إذ لو أنه قد خلقه على صورته لكان الله على صورة هي أقرب إلى القرد من الإنسان لا محالة!
5.
كما رأيتم أن هذا سؤال يستحق التأمل والاهتمام، أما ما يخص سؤالي عن أي "إنسان" يتعلق الكلام فلا صدى له لا في المناقشات النحوية ولا في المجموعة الدفاعية: لا شيء غير "جعجعة بلا طحين" [وهذا عنوان إحدى كوميديات شكسبير جلَّ جلاله].
إذن، هنا نحن نصل إلى حيث بدأنا: "خلق الله الإنسان على صورته"!
ولكن أية صورة، لا أحد يعرف. وإن ما يقولونه لنا هو بالضبط الشيء الذي يتسترون عليه ولا يريدون قوله:
إنهم أكثر الخلق من لا يأخذون مأخذ الجد لا كتبهم المقدسة ولا "صحاحهم" ولا "الكلمة التي كانت في البدء"!
هم أكثر الخلق الذين لا يؤمنون بخرافات نصوصهم نفسها رغم ما يرددونها آلاف المرات من شروق الشمس حتى غروبها. إنهم كالخنزير المدهون بسمن الخنزير لا يمكن مسكه إلَّا بطريقتين لا ثالثة لهما:
أما بمعجزة ربانية أو بطلقة في الرأس تسقطه صريعاً!
مازالت صورة القرد أمام المرآة عالقة في رأسي وهو يقف أمام المرآة حيث ينوى خلق كائناً على صورته. ولأنه يحب دمية "الأرنب الأبيض" فهو بدلاً من قرد على صورته صنع أرنباً أخذ ينطُّ حالما اكتمل وصار أرنباً!
فلا رب صانعاً ولا مخلوق على صورته!