Blogger المدونة الرئيسية في
1.
لم يقل لا داروين ولا أي عالم آخر بأنَّ "الإنسان ينحدر من قرد".
لكن المسلمين وفي مقدمتهم شيوخ النفاق يصرون – كما يصرون على أوهامهم وخرافاتهم وظلامية ثقافتهم – بأنَّ الملحدين يقولون ذلك.
أما أن فكرة كون البشر و"القردة العليا "منحدرون من أصول واحدة وإنه حصيلة للتطور (قانوني التكيف والانتقاء) وهذا ما يقوله داروين - فإنها فكرة مختلفة عن الفكرة السابقة وهو أمر لا يريدون سماعه لأنه لا يوفر لهم فرصة للصراخ واتهام الملحدين بما يعتقدون بأنه كفر.
والهدف الأساسي من هذا النفاق الصريح هو سعيهم إلى تشويه سمعة الآخرين عن طريق الأكاذيب من جهة، ولتجنيب نبيهم بأنه إنسان - حاله حال الجميع الذين لهم أصول مشتركة مع نوع من القردة العليا!
2.
حسناً أريد أنْ أوفر عليهم مشقة التفكير والمشاعر القهرية بأنَّه "ليس!" لنبيهم أصول مشتركة مع القردة العليا!
كما أريد أن أوفر عليهم مشقة البرهنة التي عجزوا عن تقديمها على امتداد تاريخ الإسلام وأقبل معهم بأنَّ صاحبهم "الله!" قد صنع آدم من الطين!
كما إنني أريد أن أتغاضى عن المصيدة التي يضعون أنفسهم فيها: عملية الصنع (كالصناعات الفخارية) ذات الطابع البشري لـ"جدنا" آدم!
كما إنني لا أريد أن أذكرهم بأنه قد كان من الأسهل والأفضل عليهم أن يلتزموا بخرافة "كنْ فيكون!" [أو شبيك لبيك عبدك بين يديك] التي "خلق" صاحبهم "الله!" بواسطتها الكونّ – فهي أقرب إلى خرافة "الله!" - فما وصفوه به من الأوصاف لا تمنعه من "خلق" حبيبنا آدم بذات الطريقة السهلة والرشيقة!
وأريد أن أوفر عليهم مغبة التبريرات السخيفة والألعاب البهلوانية والنط والقفز إلى الخلف والأمام بقول ما لا معنى له ولا منطق وأقبل تصوراتهم هذه على "علاتها!"- فاليوم هو الأول من السنة الجديدة وأريد أن أتظاهر بأنني أقبل خرافاتهم بهذه المناسبة السعيدة!
إذن لا علاقة للبشر لا بالقرود العليا ولا بالقرود الدنيا (والعياذ منها ومن شرها جميعاً ومن شرِّ غاسق إذا وقب ومن شرِّ مسمار إذا ثقب)، وإننا من الطين "اللازب" الصرف كما يقول حبر الملفقين وترجمان الأوهام ابن عباس. وهو طين ولابد أن يكون صاحبنا قد أخذه من مكان ما قريب من نهر الفرات.
3.
هكذا وصلت بنا الأمور وما علينا إلا أنْ ننظر في سلوك الكثير من المسلمين الذين لا علاقة لهم – مثلما لا علاقنا لنا – بالقرود وأشباهها - فهل اسْتَرَحْتُم؟!
حسناً – والآن لنبدأ من جديد:
إذا كان البشر قد صنعهم صاحبنا "الله!" من الطين، فكيف صنع هذا "الخالق!" القردة؟
لابد وأن يكونوا من الطين أيضاً (قد يكون طيناً قِرَديَّاً لازبا – لا يهم فهو طين والسَّلام)!
أليس كذلك؟
أم أنه قد صنعهم من مادة أخرى (أكثر قِرَدِيَّة) وبطريقة (قِرَدِيَّة) مختلفة تمام الاختلاف عن "الطين" البشري؟
والجواب المنطقي – إن تبقى شيء من المنطق في رؤوس أصحاب الفكر الظلامي – هو أنَّ القردة قد "صنعت" من ذات الطين اللازم الذي تحدث عنه صاحبهم حبر الملفقين وترجمان الأوهام.
وهذا يعني أننا نبقى في صلة قرابة مع القرود شئتم أم أبيتم:
نحن من مادة واحدة – وبكلمة أدق من طينة واحدة – لازبة، كما يقول حبر الملفقين وترجمان الأوهام ابن عباس!
ولهذا فإذا كان المسلمون يستندون في أخلاقهم إلى "الوحي!" فإنَّه لابدَّ وأنْ تكون أخلاق القردة هي الأخرى، ولا أظن إلا كذلك، تستند إلى "الوحي" – لا بسبب الأصل المشترك "الطين اللازب"، بل ولأن القردة، مثلما يفعل المسلمون، تسجد لذات "رب العالمين!" كما يقولون هُمْ أنفسهم – أقصد المسلمين وليس القردة.
4.
هذا ما يقوله لنا "البرهان العقلي"! وعلى عبَّاد "البراهين العقلية!" الساجدين أمام السفسطة اللاهوتية أن يقبلوا بتواضع رباني وروحاني وصمت (وليكن صمتاً ثقيلا) مثل هذا البرهان وإلا أخلُّوا بما صنعوه:
- فالإنسان "مصنوع" من الطين اللازب ويُسَبِّح "لله"، ولهذا له مرجعية أخلاقية؛
- والقِرْدُ هو الآخر "مصنوع" من الطين اللازب ويُسَبِّح "لله"["أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ"!]؛
إذَنْ:
للقِرْدِ مرجعية أخلاقية كمرجعية المسلمين.
وهذا هو المطلوب.
5.
وهذا ما تثبته الوقائع التجريبية.
لقد قدم علم النفس التطوري ما يكفي من الأدلة على أنَّ الأخلاق هي نتاج التطور للمجتمعات المختلفة وتكمن مرجعيتها القائمة في داخل ذات المجتمعات البشرية وتطورها الثقافي والتاريخي وليس لقوة خرقاء تستوي على "عرش" في عقول البشر.
أما الوسط البيئي (توفر أو عدم توفر الغذاء الكافي والماء، الطبيعة الجغرافية والمناخية وغيرها) فلها دور هام باعتبارها عامل مساعد على التطور. ولكنَّ المرجعية الأخلاقية والسلوكية للإنسان تظل كامنة في داخل المجتمع البشري نفسه واستناداً إلى العلاقات المتبادلة بين الناس والطبيعة التفسيرية والتكيف السلوكي مع مظاهر الطبيعية.
6.
ولهذا:
هل المسلمون أكثر أخلاقاً من سكان " Swaziland" الإفريقية؟
وهل فتيات Swaziland أقل أخلاقاً من الفتيات المسلمات؟
بل ما "الأخلاق" وما هي السمات المحددة لها إذا كان لا الفتيات السوازلندات أنفسهن ولا عوائلهن يجدون ما يسيئ إليهن في مظهرهن في الصورة؟
ولأن البشرَ بشرٌ فلابد أن تجمعهم مجموعة من العناصر "الأخلاقية" كضرورة الصدق وكراهية الكذب ورفض الأنانية وتشجيع الإيثار والتعاون والاحترام وغيرها. لكن شروط التطور الداخلي للمجتمعات البشرية المنعزلة بعضها عن البعض الآخر وذات الشروط الجغرافية والمناخية المختلفة تحتم اختلافات "أخلاقية" في قضايا مختلفة مثل: العيب ومعيار الملابس المحتشمة والأجزاء "المحرمة" سواء من جسد الرجل أو المرأة.
[من الاحتفال السنوي في Swaziland حيث تشترك أكثر من 100 ألف فتاة شابة للاحتفال بعذريتهن وتكريم الملكة الأم]
7.
كما أنَّ "الأخلاق" ليس ظاهرة فريدة محصورة في إطار الإنسان.
إذ نجد الكثير من "الظواهر الأخلاقية البدائية" في حياة الحيوان وليس أكثر بياناً وبلاغة من رعاية الحيوانات الإناث لصغارها ومشاركة الذكور في حمايتهم وتوفير الغذاء.
ولكن وإذا ما تغلغلنا عميقاً في الظواهر الأخلاقية في حياة الحيوان فإن هراء المسلمين عن أخلاقهم المتميزة تبدو مثيرة للضحك والسخرية.
فمجموعة قردة البونغو " Bongo " تعاقب القرد الذي لا يقوم بتقديم ما عنده من موز إلى أعضاء المجموعة. إذ أن القرد الذي لا يقوم بهذا العمل "الإيثاري" يعتبر سيئاً.
وثمة الكثير من الأمثلة النموذجية على سلوك ذي طابع "أخلاقي" في المجتمعات الحيوانية. فقد ظهر في إحدى التجارب إنَّ إعطاء مكافآت غذائية مختلفة المقدار لقردة تقوم بنفس العمل تثير عند بعض القردة ردود فعل تعبر عن الظلم وغياب العدل.
8.
هذه النظرة إلى الأخلاق هي واحدة من استنتاجات علم النفس التطوري الذي يستند إلى أدلة التاريخ والوقائع وليس إلى كتب المخرفين اللاهوت. فالعلاقات الأخلاقية التي تشكل نسيج أي "مجتمع" هي نتاج الانتقاء الطبيعي ويمكن اختزال الأخلاق في العلاقات الكيميائية في الجينات التي تختارها الاحتياجات التطورية المختلفة في البيئة الفيزيائية مثل الحب والكراهية؛ مشاعر الشعور بالذنب والندم؛ الامتنان والحسد والعدل والظلم؛ حتى فضائل اللطف والإخلاص، أو ضبط النفس يمكن تفسيرها جميعا من خلال سبب وتأثير الطفرات الوراثية الصدفية والانتقاء الطبيعي التي تتخذ بمرور الزمن وفي مختلف المجتمعات وفي إطار شروط طبيعية مختلفة (كالمناخ والطبيعة الجغرافية وتوفر أو عدم توفر الغذاء الكافي وغيرها) ردود فعل وعلاقات ومشاعر وقيم أخلاقية مختلفة أو ذات طابع متميز قد لا نجدها عند مجتمعات أخرى.
لا توجد مجتمعات "لا أخلاقية" و"أخرى أخلاقية"؛ بل لا توجد أخلاق منزلة من السماء "توحي" بها آلهة تجلس على عرش من الخرافات إلا في عقول أصحاب ثقافة التخريف التي تسعى إلى احتكار "براءة الاختراع" على الأخلاق ومظاهر السلوك البشري كوسيلة استبدادية قمعية ولا شيء آخر.