الثلاثي المقدس [1]: الإسلام والعروبة ودولة حكم الأقلية
سنظلُّ نرتاد "مقاهي" الغربة حتى الرمق الأخير. والأمر، رغم مأساويته، فيه شيء من المنطق: فقد ولدنا غرباء، وهذا ما جعلنا غرباء كما هو مفترض أن نكون! فابن الفيل لن يكون نمراً أبداً، ولون البشرة لن يتغير بتغيير المناخ ولون العينين يبقى كما هو حتى الموت!
إذن ما هو مصدر مأساتنا؟
ليست المأساة في "الغربة" ذاتها، بل في عجزنا المتغلغل عميقاً في وعينا عن أدراك أسبابها؛
المأساة في وَهْم الانتماء الذي أسكرتنا نشوته وضيعت علينا رؤية أنفسنا. إذ غالباً ما يُفَسَّر "اغترابنا" سياسياً أو دينياً [رغم ما للسياسة والدين من أثر في تعميق اغترابنا] وكأنَّ سقوط عامل سلطة السياسة والدين سَيُعيد إلينا الإلفة والإحساس بالانتماء. ألسنا الآن خارج سلطة السياسة والدين؟
فما الفرق؟!
إذنْ ثمة عامل آخر يكاد يحتلُّ مساحة الغربة بأسرها.
إنَّهُ غياب الانتماء!
1.
نحن لا انتماء لنا، لأننا لا نعرف مَنْ نحن!
نحمل افتراضاً مهلهلاً بائساً، وهو من غير شك كاذباً، بأننا "عرب"، تحكمنا قيمٌ وأنظمة سياسة تجعل الهروب من هذا الافتراض أمراً عصياً.
هو افتراض بائس لأنه لا دليل على صحته ولا أمل في العثور على هذا الدليل.
2.
منذ عصور التدوين، التي لعبت دوراً حاسماً ضد "تدوين" التاريخ، قامت سلطة الإسلام [بدعم من شيوخ الحكم المطلق العربي: الفقهاء والمحدثون وحتى النحويون) على تدمير وتذويب كل الأدلة المتعلقة بجذورنا الثقافية والتاريخية صانعة "تاريخاً مزيفاً" بعد أنْ أتلفت كل الأدلة المادية التي من شأنها أن تلقي الضوء على هذه الأصول.
نحن الآن من غير أصول.
لم يبق لدينا إلَّا الـ"دَنَا" [1] الشخصي لكل واحد منَّا على انفراد!
فنحن جميعاً "عرب" بقرار علوي "مقدس"، حتى يثبت التاريخ عكس ذلك! ولأنَّ التاريخ كتبه الحُكَّام بمباركة "فقهاء الإسلام" منذ القرن الثامن حتى الآن، فإن نسبة احتمال العثور على دليل يثبت العكسَ معادلةٌ لنسبة فكرة الحرية في منظومة مملطة الطغيان الإسلامية.
3.
نحن فقدنا انتمائنا عندما فقدنا أصولنا وجذورنا الإنسانية. أذابوا بداياتنا في حامض الهيدروكلوريك وتحللت جميع المعلومات الأولية لأصولنا إلى عناصر فاقدة للمعنى ولا تحمل أية أدلة على عمليات النشوء والتكوين. وقد كان الإسلام، وعن جدارة، هو حامض الهيدروكلوريك: حرق أصُولنا حرقاً لم يتبق بعدها غير روائح كريهة لأقدام وسخة كتلك الروائح المنتشرة في الجوامع ووقبور "الأئمة" وأماكن الطقوس وتقديم القرابين!
4.
لم تدمر ديانة جذور الشعوب المحتلة مثلما قام به الإسلام. لم يقم بما قام به الإسلام حتى المهاجرين إلى أمريكا الشمالية ولا حتى الإسبان في أمريكا اللاتينية. رغم عمليات الإبادة التي تعرض لها السَّكان الأصليين لأمريكا (الشمالية والجنوبية) والذين سموهم فيما بعد "الهنود الحمر"، فإنَّ هؤلاء السكان الأصليين تمكنوا من الاحتفاظ بذاكرة البدايات. إنهم ظلوا حاملين ذاكرة الجذور ولم تستطع جحافل المسيحية أن تهدم هذه الذاكرة.
فلماذا فقدنا نحن ذاكرتنا؟
هل كنَّا أقل مقاومة من سكان أمريكا الأصليين أما كان الإسلام أكثر تدميراً وقسوة من المسيحية؟
لماذا استطاع الإسلام أن يروض ثقافات شعوب ما بين النهرين العالية وأن يبيد تاريخها ويلبس سكان العراق لباساً واحداً لا يليق بغير نزلاء مستشفيات المجانين الهائجين؟
لماذا أصبحنا "عرباً" بكل هذه البساطة وقررنا التخلي عن جذورنا وعن أصولنا العقلية والثقافية وانتمينا إلى ثقافة الوهم والخرافة؟
هل قاومنا؟
وهل ......
5.
ليس ثمة جدوى من البحث عن الأجوبة.
لقد حلت "الحكايات" محل التاريخ. وأية محاولة لكتابة تاريخ جديد أكثر مصداقية من التاريخ الحالي هو محاولة عبثية.
والحل الوحيد هو رفض "التاريخ" الحالي ولا معنى لتاريخ آخر.