بدايةإدراك أكاذيب الدين [2]
1.
أكنتُ محظوظاً إذن؟
ربما، وبقدر ما يتعلق الأمر بالمحيط العائلي!
إن غياب الله في حياتي، في مَرْحَلَتَي الطفولة والصبي، لم يكن سماء خالية من الغيوم وأراضي آمنة من غير أعاصير. فقد كانت المدرسة هي "المصيدة" التي تترصدنا وتقيس درجات الإيمان في "قلوبنا". ولم يكن هذا في دروس مادة "التربية الدينية" فقط بل كان هناك على امتداد المراحل الدراسية الثلاث الكثير من "المتبرعين" لمراقبة ما يحدث في عقولنا وما ترتكبها ألستنا من "ذنوب". وعلى رأس هؤلاء "المتلصلصين" على عقولنا مدرس قميء للغة العربية في الصف الثالث المتوسط، إذا لم تخني الذاكرة.
2.
كانت هذه بداية إدراكي بأنني "معادٍ" للعالم الذي أعيش فيه و"مرفوضٍ" من قبله وعليَّ الاحتراس. فـ"لامبالاتي إزاء الدين"، وهذا ما كان في البداية، معادلاً لارتكاب جرائم يعاقب عليها "القانون" (الفقرات غير المكتوبة في القوانين العربية!).
أُولى التحديات كانت في أحد دروس الإنشاء وبعد مرور مدة قصيرة على "عيد الأضحى".
أعطانا مدرس اللغة العربية القميء واجباً بيتياً لكتابة إنشاء تحت عنوان: "عيد الأضحى المبارك!". حينئذ وعيت لأول مرة على "وقاحتي"، على حد قول المدرِّس، وكان عليَّ الدخول (كما يقول السياسيون الحركيون) في مرحلة "العمل السري". ففي الصفحات الأربع التي كتبتها (ولدهشتي الآن) لم استخدم ولا مرة واحدة كلمة "مبارك"؛ ولم أتحدث عن الصلاة ولا تقديم الأضاحي؛ ولم أتحدث عن "فرح الأطفال بالعيد" ولا "ابتهالات الكبار"؛ لم أشر لا من قريب ولا من بعيد إلى "حج بيت الله الحرام"! ولم "أشكر الله على نعمته"؛ و"لم استشهد بآية من القرآن". فقد كان إنشاءً لا وجود للدين فيه والله ينأى بعيداً عن الأرض.
3.
كنت باختصار: "وقحاً" و"كان قلبي خالياً من دفء الإيمان"، كما وصفني المدرس! ولم أكن متأكداً آنذاك فيما إذا كان عليَّ أنْ أفرح لهذه الأوصاف أم أحزن!
فعلى امتداد الصفحات الأربع تحدثت عن عائلة فقيرة في منطقتنا السكنية كانت الأم تجمع فضلات الطعام وتحمله إلى البيت. ولم يعرف أطفالها في ذلك "العيد المبارك" لا الهداية ولا "فرح الأطفال" ولا "ملابس العيد الجديدة". لا شيء آخر غير مظاهر العوز والفاقة والله كان بعيداً عنهم! والطامة الكبرى أنني لم أكشف عن أية مشاعر شخصية بمناسبة "عيد الأضحى المبارك" وكنت "وقحاً" حقاً عندما تساءلت من غير أية ضغينة ولا استخفاف: لماذا يترك الله هؤلاء الأطفال؟ وتحدثت عن زوجها السكير الذي يقضي طوال الوقت بعد العودة من عمله (وعندما ليس لديه نقود يسكر بها) في الجلوس مع آخرين عند عتبة باب الجامع القريب!
4.
وبعد عاصفة من التوبيخ الطويل، ذكرت بعضاً من مكوناته وأوفر على القارئ البعض الآخر، قال مدرسة العربية بثقة عالية:
- من أين تعرف بأن الله قد تركهم؟ إن الله لا يترك عباده (أو شيء من هذا القبيل)!
هذه كانت بداية إدراك الأكاذيب من جهة، وإن ما أقوله وما أفكر به يخضع للعقوبة ولموقف عدائية وعلى ما أفكر به أن يبقى هناك حيث هو في تلافيف الدماغ حتى "يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود"! وعندما حللت في ملكوت المرحلة الإعدادية فإن "اللوحة" قد اتضحت ومعالم الطريق قد أخذت بالظهور و"الكلمة" الدالة، والمخيفة بعض الشيء، أخذت تدوي في أذني: ملحدٌ!
للموضوع بقية . . .