Blogger المدونة الرئيسية في
[في اللحظات الأخيرة التي تسبق غيبته الكبرى]
1.
“الديك الرومي” محنة وجودية وفلسفية في آن واحد.
رغم أنَّ بضع لحظات لا غير تفصله عن موته (موته الشخصي هُوَ لا موت أحد آخر) فإننا نراه كيف يمشي في حديقة بيتِ قاتلِهِ، حتى أنه لا يعرف عنوانه وموقعه على الخارطة، متبختراً ناشراً ريش ذيله على شكل قوس قزح وهو يخطو كالقائد المنتصر.
لا أحد يدرك ما يخطر بباله – إن كان يخطر بباله شيء!
[من أين لي أنْ أدرك ما يحدث في بال ديك رومي آيل إلى الزوال!]
لا أحد يعرف إنْ كان يفكر حقاً بحياة القبر كما يفكر الكثير– مع أن قبره متفرق متعدد المستويات والأمكنة (ألا سيكون في بطون ضيوف الاحتفال؟!).
بل هل يدرك بأنه كائن مُكَلَّف؟!
فألا يقول محمد بن عبد الله (أو أياً كان القائل) في كتابه المعروف بـ"القريان" بأنَّ "يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ"؟!
ومن يسجد لإله فإنه بطبيعة الحال مكلف؛ وعلى المكلف أن يدرك بأنه فانٍ وأنَّ عليه واجبات – أما حقوقه الوحيدة:
فهي الطاعة والخضوع – أي العبودية وحفنة رخيصة من الحبوب كعلف.
2.
ولا أحد يعرف إنْ كان الديك الرومي يفكر بجدية بقضية وجوده على الأرض وغيابه القريب عنها والمعلن مسبقاً – وهي غيبة لا عودة أو ظهور من ورائها ليس فقط بالنسبة له، وإنما بالنسبة لجميع المخلوقات: فلا حضور بعد غيبة ولا عودة بعد موت. أما وبعد أنْ تكون الغيبة بتأثير سكين قصَّاب مُحْتَرِف، فإن الحديث عن الغيبة الصغرى مجرد "عباطة" من جانب الديك الرومي وليسمح لي بهذا التوصيف!
فهو، ولشديد الأسف، يكرر خرافة الشيعة.
ولا أحد يعرف أيضاً إنْ كان يدرك شخصياً (أقصد الديك الرومي) أنَّ لا معنى لوجوده ..
بل لا أحد يعرف فيما إذا كان يدرك أن حياته وَهْمٌ محض!
إنَّ غيبة البشر جميعهم والديك الرومي معهم هي واحدة: غيبة كبرى: مرة واحدة وإلى الأبد!
3.
لكنَّ مشيته التي تذكرنا بالزهو والعظمة (هل تتذكرون القذافي؟!) تذكرنا أيضاً بحالة الأوهام والضباب التي تلف عقول بعض الناس الذين لا يدركون حتى محط أقدامهم ولا ينظرون أبعد من أنوفهم ولا يدركون أنَّ في الإمكان أحسن مما كان!
إنه زهو ُمَنْ يسير في مستنقع آسن لكنه يضع على رأسه تاجاً من الورق الرخيص وتزين صدره نجوماً من التنك.
الديك الرومي هذا محنة نفسه ووجوده المضبب.
إنَّه محنة الوجود المؤقت الذي يكتسب معناه فيما بعد موته:
في الفُرْن (أو في الطنجرة – أنا أفضل الفُرن، وأنتم؟) وقد غطته طبقات الفلفل الأحمر والزعتر والكمون – وأنا أقترح الليمون!
4.
غير أن للفلسفة أحكاماً مثلما هي الضرورة:
فسؤال " يكونُ أم لا يكون" سؤال عقيم وعديم الفائدة (كان وسيبقى دائماً) عندما يتعلق الأمر بوجوده المؤقت المُخَطَّط له مسبقاً والمُحَدَّد من قبل مربي الدواجن – وربة البيت التي قررت أن تفاجاً الضيوف هذا العام بديك رومي مشوي على الطريقة الإيرلندية.
أيْ أنَّ وجوده المؤقت "واجب الوجود" كطعام للآخرين ولن يحظى هو إلا بعلف الطيور (رغم أن له أجنحة لكنه محروم من الطيران).
ولا شيء يمكن أن يضمن له البقاء غير أنْ يقرر أحدهم أن يحوله إلى حيوان منزلي أليف يقضي حياته في زريبة البيت كما يقضي يومه طوال النهار يمشي متبختراً ناشراً ريش ذيله على شكل قوس قزح وهو يخطو كالقائد المنتصر.
هذه هي فرصته الوحيدة للوجود المؤقت.
5.
لكن هذه الفرصة الذهبية لن تتوفر إلا لديكي رومي واحد من بين ملايين الديكة الرومية على الأرض التي ستنتهي إلى المجزرة وأخيراً على مائدة الاحتفالات الدينية – و "المُخَلِّص" في هذه الحالة هو واحد لا غير (ولا علاقة للأمر بيشوع):
الرئيس الأمريكي (ديموقراطياً كان أم جمهورياً فهو من تقاليد البيت الأبيض).
والمفارقة الوجودية هي التالي:
عندما يقرر يشوع أن يقوم (والقرار لا علاقة له بالتنفيذ) فإنَّ الديك الرومي ينزل وهذا تنفيذ من غير قرار!
حينئذ يكون قد خرج من الفرن محمصاً بالبهارات والزبدة!
أمَّا تحوله إلى "موضوع" لعيد الشكر – كما في الثقافة الأمريكية مثلاً، فإن الشكر لا يتعلق به ولا يخصه!
6.
لست متأكدا (مثلما لست متأكداً من الكثير من الأشياء) بأن الديك الرومي سيفهم الدرس.
فظروفه الوجودية باعتباره ديكاً رومياً لا توفر له شروط إدراك الدروس الحياتية.
وهو إذا ما أدرك الدرس حقاً فإنه لن يعد ديكاً رومياً وهذا أمر محال طالما نحن نتحدث عنه باعتباره ديكاً رومياً!
فهل ثمة قدر يتحكم بحياته؟
لا.
فـ"الأقدار" من خزين ثقافة تنتمي إلى وعي ساذج وسطحي للوجود. ورغم أنه مكلف "لاهوتياً"، فإنه لا يمتلك الحق في وجوده – إنه ذو وجود وهمي تماماً.
الحقيقة في الطبيعة:
إنها قوانين التطور التي آلت بالديك الرومي إلى أن يكون طعاماً شهياً قليل الكوليسترول!
أما الاحتفالات القومية والدينية – وخصوصاً قيامة صاحبنا يشوع فقد وفرت الفرصة "الذهبية" ليكون على مائدة الاحتفال غالباً (لأنَّ الأرنب في بعض الأحيان يحلُّ محله - وهذا موضوع آخر من الكتاب) – ليس ضيفاً طبعاً بل ضحية!
هذا هو الواقع ببساطة!
7.
يحلو للبشر، مثلما يحلو لهم الكثير من الهراء، أنَّ يَدَّعُوا بأن المرء يتعلم من أخطاءه.
لكن الديك الرومي خارج القاعدة - هو خارج أي قاعدة!
فهو لم ولن يتعلم من أخطاءه.
فحياته من القصر والابتذال فإنَّه سيكون عاجزاً عملياً عن التعلم:
فخطأه (تصوراته المبتذلة عن نفسه والعالم) ببساطة يؤدي به إلى ظلِّ "سكين" القصَّاب. وبعد أن تهبط "السكين" أو "الساطور" فإنه ليس ثمة حياة يمكن أنْ يتعلم فيها من أخطاءه.
وهذا لا يعني غير ثلاثة أشياء:
أن خطأه لا يقبل الإصلاح أولاً؛
وأنَّه سيخطأ لا محالة ثانياً؛
وأن الغياب سيلف وجوده وسيظهر ديك رومي آخر يحل محله تحت السكين من غير أن يتعلم من أخطاءه ثالثاً وهكذا إلى أبد الآبدين .... . . ...
ملاحظة هامة جداً:
ليس وراء موت الديك الرومي أي نوع من الدروس فلا تسيئوا الفهم!