كتاب الحيوان الصغير [11]: حكمة السلحفاة وخرافة الحجر الأسود!
مقدمات:
[1] منذ أن وعيت على "فكرة" أنَّ للسلاحف حِكْمَةً فقدت الثقة بأي نوع من الحِكْمة!
[2] إنَّ طول العمر ليس حِكْمَةَ.
[3] إذا كان الأمر هكذا فإنَّ جيراننا في الحي الذي كنا نعيش فيه عندما كنت صغيراً وقد تجاوز التسعين كان أحكمُ الحكماء!
غير أنَّ صاحبنا "الحكيم" هذا كان يتطير من صورة الحصان!
[تعقيب ضروري:
لم أفهم حينئذ السبب. ولكن فيما بعد، وحين أدركت الحدود الجغرافية لمملكة الظلام، اكتشفت بشيء من الفزع "الحكمة!" المنافية لأية حكمة. إذ ظهر لي أنَّ نبيه محمداً قد قال:
"إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ"!
1.
للسلحفاة أحلام كما للبشر أحلام.
ولا يختلف نوعا الأحلام عن بعضهما في الشيء الكثير بالنسبة لبعض الناس:
فالسلاحف والبشر يحلمون بالماء والخضرة والوجه الحسن!
قد نختلف على إمكانية أن تحلم السلحفاة بالوجه الحسن؛ وقد لا يمكننا انْ نتصور طبيعة "الوجه الحسن" بالنسبة للسلاحف. ولكن ليس علينا أن "نختلف!" على هذا الجانب "التافه!" من الموضوع. فهو أمر ليس جديراً بالاختلاف عليه. إذ علينا أن نختلف (طبعاً لمن لا يخشى الاختلاف) حول أمور أكثر بشرية وأرضية وأهمية!
المشكلة هي أنني كلما رأيت قوقعة السلحفاة فإنني أتذكر صورة "الحجر الأسود"– والعكس ليس صحيحاً وبالقوة نفسها لأنني لم أرَ هذا الحجر التعس ولن أراه ولن أحلم برؤيته!
فهل ثمة علاقة فيما بينهما أم لا يتعلق الأمر إلا بتشابه خارجي لا غير؟
2.
السلحفاة من أقدم الحيوانات التي ظهرت على سطح الأرض. فهي من عصر الديناصورات. إذ تعود أصولها إلى ما بين 298.9 و251.9 ميلون سنة.
لكن "حجرنا" نكرة تماماً ولا أحد يعرف تاريخه.
هل هو الآخر من عصر الديناصورات؟
بالتأكيد لا.
فهو من زمن أقرب إلينا وأبعد ما يكون عن زمن الديناصورات – أمَّا "حدوتة" إبراهيم وبناء "البيت" فلتبق لإبراهيم ولخلفه من المسلمين السذج الميامين!
لكنني الآن أراها أمامي – أقصد السلحفاة وكأنها الحجر الأسود تماماً الذي لم يكن أسود – كما يقولون. فتتبدى أمامي ملايين السنين التي تحمل قوقعتها من غير حكمة!
3.
إلا أن التاريخ "الشخصي" المجهول للحجر لا يخفي عنا طبيعة الحجر ذاتها:
فقد تكوَّن من رمال الصحراء بسبب ارتطام نيزك في الأرض فعثروا عليه وقرروا عبادته وانحنى أمامه قومٌ كثيرون: "الجاهليون" الكفار والأحناف والمسلمون على حد سواء.
ومنذ أنْ قرر محمد أن يحوِّل قطعة الحجر هذه إلى "Logo" صار هذا الحجر النيزكي من "أحجار الجنة" ودخل في حيز التقديس!
[ملاحظة عابرة: بعد أن تمت سرقة "الحجر الأسود المقدس!" من قبل القرامطة من "بيت الله الحرام!" وتهشيمه وإعادة مقدار "سلحفاة" صغيرة منه فقط لقاء مبلغ من المال فإنَّ "البيت!" هذا لم يحمِه أحد وآخر مَنْ فشل في حمايته هو رَبُّه بالذات – وهذه قضية أخرى]
4.
أنا هنا الآن – في هذا الزمان الذي يبدو عجيباً إذا ما تذكرنا زمن الحجر الأسود الخرافي.
كنت على عادتي أراقب المحيط وقوارب صيد السمك العائدة إلى الخليج.
كانّ الخليج الحجري الصغير على شاطئ المحيط وعراً جداً حتى بالنسبة للبشر.
وقد قال لي أحد الصيادين بأنَّ السلاحف في هذا الوقت تغادر مناطقنا متجهة نحو السواحل الدافئة لكي تضع بيوضها ثم تعود من جديد.
في هذا الخليج الوعر ثمة سلحفاة تبذل جهوداً جبارة لاجتياز العوائق الطبيعية حتى تصل ماء المحيط متوجهة صوب السواحل الحارة.
إلا أنَّ حكمة صاحبتنا السلحفاة قد خذلتها تماماً!
وبسبب المد والجز فقد حشرت نفسها (ولا علاقة للحَشْر بالحِكْمَة وأقل ما له علاقة بالحشر المحمدي) بين عدة صخور عالية وإن مهمة عبورها لا يقل استحالة عن عبور المحيط بزورق من زوارق الهنود الحمر [بالعربي الفصيح: غير ممكن]!
5.
راقبتها مدة طويلة.
كنت أجلس على صخرة قريبة من "صاحبتنا" – أو بكلمة أدق قريبة من المصيدة التي وقعت السلحفاة فيها.
فانتقل اهتمامي من مراقبة القوارب إلى السلحفاة ومن أجل هدف واحد لا غير:
أنْ أرى حكمتها الشهيرة واتحقق من إمكانيات تغلبها "بحكمتها!" على الصخور الوعرة والوصول إلى المحيط بسلام.
6.
انتظرت طويلاً جداً وأكثر مما كان يسمح وقتي.
غير أنَّ صاحبتنا "الحكيمة" ما زالت في مصيدة الصخور وهي عاجزة عن التقدم، كما هي عاجزة عن الرجوع من حيث أتت.
إنها في النقطة القاتلة وإنَّ فرصتها الوحيدة للخلاص هي أنْ يصل ماء المدِّ إلى المكان حيث ورطت نفسها.
قررت إلا أتدخل في قضايا الطبيعة!
فنهضت وغادرت المكان عائداً إلى البيت.
7.
في اليوم التالي كان الطقس لا يزال يحتمل النزهة فذهبت إلى الخليج الصخري وقد نسيت تماماً حكاية السلحفاة.
لكنني وحالما وصلت إلى "نقطة المراقبة!" التي اعتدت الجلوس فيها تذكرت السلحفاة "الحكيمة" فبحثت عنها في المكان الذي تركتها فيه ولشدة مفاجأتي كان هناك "الحجر الأسود" الذي لم يعد أسود!
اقتربت من "الحجر الأسود" ثم رفعته. لكنني وحالما رفعته من الماء تكسر إلى قطع صغيرة وظهرت من بين القطع الحجرية ورقة صغيرة كُتب عليها:
من يعثر على هذا الحجر فعليه إعادته إلى "بيت الله الحرام!" ومن يخالف هذا الأمر فإنَّ عقابه الجحيم!
8.
كان النص المكتوب صفيقاً للغاية وخالياً من الأدب.
فجمعت قطع "الحجر الأسود" ورميت بها واحدة تلو الأخرى في المحيط وأنا أراقب دوائر الأمواج المتكونة على سطح ماء المحيط الهادئ ثم واصلت عودة قوارب الصيد المحملة بالأسماك.