الإيمان ضد العقل

1.

نحن "نعتقد" طوال سنين حياتنا في الكثير من القضايا المتعلقة بحياتنا، من وجود الله حتى قيمة وجودنا، من غير أنْ نُراجع هذا "الاعتقاد" ولا أنْ نتساءل، حتى ولو مرة واحدة، كيف حصل هذا "الاعتقاد" ذاته! بل حتى حين نصطدم بجدار الحقائق المصنوع من "الخرسانة المسلحة" فإنَّ وفائنا العميق لـ"معتقداتنا"، الذي لا تهزه لا صواعق السماء ولا زلازل الأرض، يجعلنا نفتح أبواب مستودعات الوَهْم على مصراعيها بحثاً عن أسباب أخرى لآلامنا وجراحنا الدامية على الجدار الخرساني بعيداً.. بعيداً عن الأسباب الحقيقية!

2.

الحقائق عدونا الأكبر!

إنَّها تحيُّرنا؛ تقلقنا؛ تشكك في "عقيدتنا"؛ تخرجنا عن طورنا؛ تدفعنا لمزيد من الأسئلة؛ تفتح أمامنا أنفاق البحث والتقصي عن هذا وذاك وتعرِّضنا لمهاوي اللاوضوح والتعقيد!

ولهذا نهرب بعيداً عن الحقائق حتى لا تنتقل إلينا عدوى البحث والتقصي!

ــ "قالَتِ الأعْرَابُ آمَنَّا قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وإن تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ"؛

هذا هو مفتاح الوجود المزدوج: "الإيمان" و"الطاعة" ولا شيء آخر.

"الإيمان" هو الدليل على الوجود والانتماء وهو ما يجعل الأشياء واضحة، بينة، سهلة القبول والاستهلاك، تريح العقل [الصغير] والضمير [الديني]. 

أما "الطاعة" فتحررنا من قلقنا ومن حريتنا على حدٍّ سواء. فهي تحررنا من قلق المسؤولية وتقدم لنا حلولاً تُسَهِّل علينا وجودنا!

الحرية عبءٌ يُثْقلُ كواهلنا ويورطنا بما لا رغبة لنا فيه: الاختيار!

3.

أنْ تختار، فهذا يعني أنْ تفضِّل وتمِّيز وتقارن وتناقش وتتحقق من حقيقة الأشياء والأقوال والأساطير التي حلت محل الوقائع. وهذا ما يفقدنا الثقة في موطأ أقدامنا.

ولهذا لنهرب بعيداً عن حرية الاختيار حتى لا تنتقل إلينا عدوى التمييز ومناقشة حقيقة الأشياء!

وهكذا فقدنا نعمة التفكير وبدلاً من ذلك سلَّحنا أنفسنا بالبلاغة والتأويل اللتان لا تعتدُّان بغير دلالات الكلمات لا بحقائق الوجود المعبرة عنها.

نحن ضحايا "عقائدنا" المصنوعة من أسمال تاريخ من أنصاف الحقائق والخرافات والأكاذيب الصريحة.

لا شيء يخيفنا أكثر من الحقائق المثيرة للأسئلة!

لا شيء يخيفنا إلى حدِّ الرعب أكثر من الغموض واللاوضوح، والحقائق المختلفة، والوقائع الملتبسة وتنائي الدلالة بعيداً عنِّا!

4.

لا شيء يخيفنا إلى حدِّ الجنون أكثر من التفكير!

فالتفكير يدفع إلى الاختلاف لا محالة، والاختلاف أشدُّ الخطايا:

"وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ".

فـ"البينات" قد جاءت و"بانت!"، و"رفعت الأقلام وجفت الصحف" وظهر نور الحق يضيء الكون والتاريخ، وإضافةً إلى إرادة الله فإنَّ "الحَشْرَ مع الناس عِيدٌ": أنْ تكونَ مع الآخرين، مجرد قيمة تافهة من الكتلة الكبيرة، هو عيدٌ للروح وطمأنينة للخاطر. فالآخرون يدفعون عنك شرَّ وحدة التفكير ورجاحة العقل. فـ"الخلاف يهدم الرّأي"، كما "يُقَال" أن علي بن أبي طالب قال!

5.

أنْ "تُحشر" مع الناس حشراً في نفق "الإيمان" و"الطاعة" هو الطريق المُعَبَّد إلى عبودية الدولة:

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ"!

أنْ "تُحشر" مع الناس حشراً، فالأمر لا يعني غير أن تكون عبداً لأوهامك من غير أغلال مرئية، تقف في طوابير "الجماهير" للحصول على بركة "القائد الأوحد" أو "المُحَرِّر" أو "الأمير الحكيم" أو "الرئيس الملهم" أو "حُماة الديار" وغيرها من ألقاب العتاة السخيفة!

6.

من بين دروب الضلال التي يشير إليها الإسلام هو "العقل"، كما ينصُّ قولٌ مسندٌ إلى عليٍّ بن أبي طالب (مَنْ اعْتَمَدَ عَلَى عَقْلِهِ ضَلَّ)! وفي باب الوضوء (مسألة المسح على الخفين) يقول عليٌّ أيضاً: " لو كانَ الدِّينُ بالرأي لكانَ أسفلُ الخَفِّ أوْلَى بالمَسْحِ من أعْلاه". ويقول هو أيضاً: "إياك أن تفسر القرآن برأيك، حتى تفقهه عن العلماء".

إذن:

 فالاعتماد على العقل هو عين الضلال!

لا تفكرْ!

لا ترى!

وإن رأيت" لا تعملْ الرأي فيما ترى أو تعتقد!

فالعقل ضلال والإتباع نجاة!

هذه هي الصيغة الكيميائية المُثْلى للوجود الإنساني بالنسبة للثقافة الإسلامية!