المهدي المنتظر [4]: رفض ابن العائلة العلوية لخرافة ولادة الثاني عشر!

ملاحظة عامة:

بسبب حرصي على أنْ تكون المقالات بحجم معين يسهل قراءتها ولا يشتت ذهن القارئ عن الفكرة الرئيسية فإنَّ الأمر يتطلب عدم مناقشة الكثير من القضايا والإشارة إلى الكثير من الأحداث والمصادر المتوفرة.

ولهذا فإنَّ هذه المقالات (والتي تعتمد على المصادر الشيعية فقط) هي بمثابة منافذ للقارئ يطلع من خلالها على أهم الحقائق المتعلقة بالموضوع وتوجه اهتمامه إلى متابعتها بحرية في مصادر الشيعة أو المصادر الأخرى شخصياً.

مقدمات:

[1] لقد بدأتْ الخرافات الشيعية في تاريخ "مَا" مجهول (لأنه تاريخٌ باطنيٌّ يمكن أن يكون في كلِّ لحظة من التاريخ مثلما يمكن أنْ يكون الفأر كنغراً وهذا ما سنراه بوضوح جديد عندما سنتحدث عن الخرافات الإسماعيلية) ولا تزال تَتَدَفَّقُ (كبترول دول الخليج) حتى الآن مِنْ غِيْر إيِّ اعتبار لتقلبات الزمن وتحولات التاريخ وتطورات الحياة.

[2]

إنَّ أطنان الكتب الشيعية عن "المهدي المنتظر – الإمام الذي يلعب تحت رقم [12]" [الآن تحولت إلى غيغابايتات!] هي أطنانُ دفاعٍ لاهوتيٍّ سقيمٍ عن أسطورة ناقصة وليس فيها ولا حدث واحد يحظى بالتأييد من أحد غيرهم (وغيرهم كلمة نسبية بحد ذاتها)؛

بل أنَّ جعفرَ الشخصية التاريخية [وهو جعفر بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب] –ابن العائلة "المقدسة!" والأخ الشقيق القح للإمام رقم [11] الحسن العسكري وحفيد الأئمة وفاطمة وأبيها "المصطفى" وليس أي شخص آخر، يجهل جهلاً تاماً بأنَّ لأخيه ولد!

بل وأكثر من هذا:

فحتى "نكاح" الحسن العسكري (رقم 11) المفترض نفسه من الجارية "نرجس" هي أسطورة من ذات النسيج والطبيعة الصناعية السقيمة ولم يسمع به أحد.

أنظر:

المهدي المنتظر [3]": خرافة الإمام الثاني عشر الذي لم "يُولَدْ" حتى "يَغِيب"!

[3]

إنَّ "إمامة" جميع "الائمة!" هي أساطير شيعية شعبية.

وإذا ما تجاهلناها في هذه السلسلة فإن السبب هو أنَّ موضوعنا أسطورة "صاحبنا" الذي غاب قبل أن يحضر ومات قبل أن يولد فقط!

1.

قضية المهدي والمهدوية:

إنَّ استقراء تاريخ فكرة "المهدي" و"المهدوية" ومن خلال تاريخ الفرق والجماعات الشيعية من جهة وما نقل عن آراء العائلة العلوية من جهة أخرى واستناداً إلى كتب الشيعة بالذات فإننا نصل إلى نتيجة واضحة وبينة:

لم تكن فكرة "المهدي" وحتى القرن الرابع الهجري فكرة متجسدة بشخص بعينه. فقد كانت فكرة عامة وذات طابع سياسي موجهة ضد العباسيين وهي "دعوى" الأنصار الشيعة وليس أفراد العائلة وبشكل خاص – الخط الوراثي الواصل بالحسين.

فقد تم ربط المهدوية بعدد كبير من الأشخاص من العائلة العلوية بدءاً بمحمد بن الحنفية حتى الحسن العسكري -الإمام [رقم 11]. [للمزيد من المعلومات أنظر: تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه، أحمد الكاتب].

ومن الأمور ذات الدلالة الكبيرة أن علي زين العابدين بن الحسين (وهم الإمام المفترض رقم 4] قد تنازل عن الخلافة ليزيد من معاوية، مثلما تنازل الأمام [رقم 3] الحسن بن علي عن الخلافة لصالح معاوية.

أما زيد بن علي بن الحسين (ومن ثم الزيدية) فمع أنه يقبل إمامة علي بن أبي طالب حتى أبيه علي بن الحسين فإنه قد رفض أن يكون "المهدي المنتظر" متجسداً في شخص محدد. فهو كان يقول لأنصاره بأن المهدي "كائن من أهل البيت، ولن تدركوه، وذلك يكون عند انقطاع الزمن، فلا تنكلوا عن الجهاد، الداعي منا إلى كتاب الله وسنة رسوله القائم بذلك" [مجموع كتب ورسائل الإمام زيد (ع)، اليمن/صعدة 2001،ص: 384]

وفي [جوابات وفتاوى الإمام زيد] يرى بأن المهدي من ولد فاطمة "وهو كائن ممن يشاء من ولد الحسن أمْ من ولد الحسين" [المصدر السابق، ص: 360]. كما روي عنه أنه سُئل:

يا ابن رسول الله، أنت المهدي بلغنا أنك تملأها عدلاً؟

فأجاب" "ويحكم أما علمتم أنه ليس من قرن إلا يئسوا إلا بعث الله عز وجل منا رجل حجة على ذلك القرن..." [المصدر السابق].

أي أنه يرفض فكرة الإمام الثاني عشر مثلما يرفض أسطورة تجسد المهدي في إمام محدد. بل أن زيد بن علي بن الحسين لم يصدر عنه ما يشير إلى وجود فكرة الأئمة الاثني عشرة في زمانه.

للمزيد من المعلومات حول موقف زيد من الإمامة أنظر:

الإسلام الشيعي هو الوجه الآخر للإسلام السني  [6]: زيد بن علي وسقوط أسطورة الإمامة

أما الإسماعيليون (من مختلف الفرق) فهم أيضاً يرفضون فكرة الأئمة الأنثى عشرة ويرون أنَّ لكل زمان إمامه. أما "المهدي المنظر" وخلافاً للشيعة الإثني عشرية الذين يؤمنون بأنه من نسل الإمام السابع موسى الكاظم، فإنَّ الإسماعيليين يرون أنه من نسل إسماعيل!

2.

قضية جعفر - ابن علي بن محمد الهادي الإمام [رقم 10] والأخ الشقيق للإمام [رقم 11]:

الحق أنها واحدة من أكبر القضايا في تاريخ الانتحال العقائدي الشيعي وصناعة الخرافات.

فهي من القضايا التي تكشف بسطوع عن واحدة من أهم خصال اللاهوت الشيعي وصبيانهم:

تشويه سمعة اَيِّ شخص- أكرر: أي شخص (شخصية طبيعية أم اعتبارية) وتزوير أيِّ حَدَثٍ واصطناع أي نوع من التفاصيل حتى ولو تعارضت مع أبسط قوانين الوجود من أجل إضفاء المصداقية على خرافات الأئمة.

فموضوع "الائمة" هو حجر أساس وجودهم الطائفي فإن سَقَطَ سقطوا!

وإنَّ استعدادهم هذا لا يستثني حتى أفراداً من "العائلة المقدسة!" نفسها، وهذا ما حدث بالفعل مع جعفر – أخي الحسن العسكري الإمام رقم [11] في السلالة الإمامية الخرافية.

3.

فكما لاحظنا في [الإسلام الشيعي هو الوجه الآخر للإسلام السني  [3]:  الأساطير الشيعية والإمامة ] أن ولادة الإمام [12] (والتي ينبغي أن تكون قد حدثت في عام 255 ه) لا أحد يعرف عنها في التاريخ المكتوب من خارج الكتب الشيعية الاثني عشرية الخرافية المتأخرة وهي محض حكاية لا دليل عليها ولا يحكمها أي منطق غير منطق الأسطورة سيئة الصنع. وقد نقلها المسعودي [283-346 هـ] عن "ثقات من مشايخه!" كما يقول، ولا شيء آخر.

ولكن جميع الأخبار التاريخية (ومن بينها مصادر شيعية!) تقر بوجود جعفر الأخ الأصغر للإمام حسن العسكري رقم [11] الذي مات في عام 260 ه أولاً، وبمطالبته بالإمامة لأنَّ لا ولد لأخيه ثانياً.

وإنَّ مطالبة جعفر بالإمامة برهان على أنَّ الحسن العسكري لا ولد له؛ وإنَّ خرافة "الولد" يقرها (بطريقة أو أخرى)

4.

غير أن اللاهوت الشيعي وبعد أن اصطدم بهذه القضية التي أفسدت عليهم خرافة الأئمة الاثني عشر المنحدرين بالتسلسل بالأبوة ولا استثناء إلا "إمامة" الحسن والحسين الأخوين، كانَ عليهم البدء بـ"خط حديثي" جديد وبتأثير رجعي وهو:

أنَّ ادعاء جعفر بالإمامة أمر معروف لدى "الأئمة" حتى قبل أن تحدث الأحداث ويولد الأشخاص. فقد كتب في "صحيفة المحن!":

عن علي بن الحسين:

حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) قَالَ : إِذَا وُلِدَ ابْنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَسَمُّوهُ الصَّادِقَ ، فَإِنَّ الْخَامِسَ الَّذِي مِنْ وُلْدِهِ الَّذِي اسْمُهُ جَعْفَرٌ يَدَّعِي الْإِمَامَةَ اجْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ وَ كَذِباً عَلَيْهِ فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ جَعْفَرٌ الْكَذَّابُ الْمُفْتَرِي عَلَى اللَّهِ ، الْمُدَّعِي لِمَا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ ، الْمُخَالِفُ عَلَى أَبِيهِ وَ الْحَاسِدُ لِأَخِيهِ ، ذَلِكَ الَّذِي يَكْشِفُ سِرَّ اللَّهِ عِنْدَ غَيْبَةِ وَلِيِّ اللَّهِ"

[بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي، الكتاب التاسع، ص 371، قُمْ 1388]

5.

إذن تعود "المعرفة الباطنية" بأسرار المستقبل إلى محمد شخصياً الذي يقول هو شخصياً أيضاً وفي كتابه: " وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ" أو " قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ" وغيرها من الخزعبلات المحمدية.

وما هي اللعبة؟

اللعبة أيها القارئ هي أنَّ الشخصية الحقيقية (جعفر) ابن العائلة لا يعرف أنَّ أخيه متزوج وأقل ما يعرف بأنَّ له ولد، وعدم المعرفة هذه لا تعني غياب ما ينبغي معرفته، بل عدم وجود ما ينبغي معرفته!

وذات الشيء يتضح من ردود أفعال حكيمة (عمة الأئمة) – بل حتى نرجس (الأم المفترضة) نفسها لا تعلم أنها أمٌّ لإمام! وهذا ما يؤدي إلى انهيار أسطورة الإمام رقم [12] فتنهار الأسطورة الشيعية بكاملها.

ولهذا وفيما بعد تم تلفيق (حديث محمد عن جعفر الكذاب).

وإنَّ القارئ الذكي قد يطرح هذا السؤال:

هل تعرف الكتب الشيعية قبل عام 260 ه(تاريخ موت الإمام رقم [11] ) بالأسطورة المتعلقة بكذب وافتراء جعفر وادعائه بالإمامة زوراً؟!

الجواب: لا.

فإنَّ هذه الحكاية قد ظهرت في مؤلفات الشيعة التي تعود إلى عصور لاحقة.

وقد يطرح القارئ السؤال الواضح والبسيط الآخر:

لماذا كل هذا التعنت برفض إمامة جعفر – وهو ابن الإمام رقم [10] وأخي الإمام رقم [11]؟

36.

قضية الميراث:

قد يتساءل القارئ لماذا هذا الإصرار من قبل الجماعات الشيعية آنذاك (حوالي سنة 260 ه وهي سنة وفاة الإمام رقم 11) على أن يكون للحسن العسكري ولد؟

إن تاريخ الشيعة هو تاريخ نزاعات على الزعامة ولا زعامة من غير أموال يستند إليها الزعيم. فللإمام حق في أموال الخمس التي تُجمع من الأنصار الشيعة (حتى تاريخ اليوم!) عن طريق أشخاص معتمدين من قبل الإمام يسمون "وكلاء".

"ومن هذه النزعات يتضح انشقاق عدد من الفرق الجديدة بين الشيعة. وحسبنا نتذكر الأحداث التي وقعت بعد موت الإمام موسى بن جعفر (ولد سنة 128/745، وتوفي سنة 183/799) عندما اعترف معظم الشيعة بعلي بن موسى الرضا بوصفه خليفة لهم وإماماً. فكتب الإمام الجديد إلى وكلاءه بشأن الأمور، التي كانت تنتظر حلولها، أي الأموال التي تمت جبايتها باسم أبيه، فلم يستجب لطلبه الوكيل زياد بن مروان بمبلغ 70000 ألف دينار، وكذلك علي بن أبي حمزة بمبلغ 30000 وعثمان بن عيسى الرواسي بنفس المبلغ، وإنما نازعوا في شرعية الرضا بدعوى أن الإمام السابق لم يمت، وإنما اختفى من العالم، ولذلك فهم يحتفظون بالأموال باسم الإمام موسى بن جعفر" [المهدي عند الشيعة، الدكتور جواد علي ص 16]

إذن لهذه "الأموال" أهمية كبرى في الخلافات على "الإمام". فـ"تخليف" إمام يعني صعود نجم جماعة سياسية موالية له، مثلما يعني مصالح مالية لهذه الجماعة. وهذا ما دعا الحسن بن موسى النوبختي – المؤرخ الشيعي [من أعلام الشيعي الأمامية من القرنين الثالث الرابع الهجري]:

بأن " فرق الأمة كلها المتشيعة وغيرها اختلفت في الإمامة في كل عصر ووقت كل إمام بعد وفاته وفي عصر حياته منذ قبض الله محمداً (ص)"[ فرق الشيعة، بيروت 2012، ص: 31]

وهذا ما يؤكده سعد بن عبد الله أبي خلف الأشعري القمي في [كتاب المقالات والفرق].

إن هذا التفرق والاختلاف " في كل عصر ووقت كل إمام بعد وفاته وفي عصر حياته" والتطاحن بين أجنحة الشيعة، التي لا تعد ولا تحصى، هو الصوهذا ما سوف نبحثه في الحلقة القادمة.فة المميزة لتاريخ الشيعي الحقيقي (وليس الأدبي).


[المهدي: من وحي الخيال اللاهوتي الساذج الذي تحوَّل إلى حقيقة مقدسة]