Blogger المدونة الرئيسية في
[1]
بعد سماع تهشم الباب الخارجي وتدفق أصوات عشرات الأقدام، ظهر أمامه رجال قوات الصاعقة وقوات العمليات الخاصة وقوات مكافحة الإرهاب وعشرات من أفراد الشرطة وقوات المشاة وقوات التدخل السريع والجميع مدججون برشاشات كلاشنكوف [AK 47]ومدافع الهاون. وأمام البيت كانت تقف منصات راجمات الصواريخ وصواريخ كاتيوشا الروسية ومدافع الرشاش السويسرية [ APC9K].
كان الجميع يصرخون بكلام خليط وهجين غير مفهوم وكأنَّ أفاعي قد لسعتهم في آن واحد:
- أين حمار الدار. . الحمار . . أين الحمار!
- أنا الحمار.
رد صاحبنا بهدوء وهو يحاول أن ينهض من معلفه.
- ما القضية يا أخوة!
لسنا أخوتك يا ابن الكلب! هيا تعال معنا!
- إلى أين يا أخوة؟
- لنأكل بقلاوة؟
قال أحد المسلحين الملثمين بسخرية ثم تقدموا نحوه وقيدوا يديه [هل هي يداه أم حافراه؟)] بسلسلة تلتف حول عنقه وجرجروه من المعلف باتجاه باحة البيت.
- إلى أين ستأخذونني يا أخوة؟
- أنت فعلاً حمار! لسنا أخوتك يا ابن الكلب!
- لا تخف. كل شيء على ما يرام. إجراءات روتينية فقط. سوف نتحدث معك عند المختار وستعود إلى البيت بعد ساعة أو ساعتين إن شاء الله مع كيلوغرام من الموز!
قال آخر مبتسماً.
[2]
لكنه لم يرجع لا بعد ساعة ولا ساعتين – بل لم يرجع حتى بعد أيام.
صاحبنا راح من غير صياح ونياح ولن يعود مهما كانت العهود!
فالرتل العسكري الذي تجاوز العشرات من المركبات العسكرية المدرعة المضادة للصواريخ اخترق ساحة القرية باتجاه الطريق السريع المؤدي إلى غرفة العمليات في معسكر قوات الصاعقة. وفي لحظات معدودة اختفى الرتل عن الأنظار وكأن شيئاً لم يكن.
وعندما سأل أهلُ القرية المختارَ عن الموضوع أجاب كالأهبل:
- أي موضوع؟
- قوات الصاعقة والقوات الخاصة وقوات مكافحة الإرهاب؟
- هل أنتم تخرفون؟ هذي أضغاث أحلام يا مهابيل؟ هذا من تأثير مشاهدة الأفلام الأمريكية! سوف أقطع البث التلفزيوني والإنترنت والراديو حتى تتعلموا معنى الكلام! عودوا إلى بيوتكم ولا تتناقلوا الإشاعات!
وهذا هو كل ما حدث:
مجرد أوهام تحت تأثير مشاهدة الأفلام الأمريكية!
[3]
رغم قرارات الدولة وما بذلته من مساع كبيرة جداً[بل جبَّارة وهي مشكورة على ذلك] للتستر على "عملية" اعتقال الحمار السرية التي شاركت فيها الكثير من أجهزة الدولة الأمنية كالشرطة وقوات الصاعقة وقوات مكافحة الإرهاب والبوليس السري والحرس الجمهوري وقوات التدخل السريع وقد حضره قائد القوات الشمالية ورئيس محطة التعبئة الغازية ورئيس هيئة النزاهة في البرلمان وغيرهم، فإن العديد من محطات التلفزيون والصحف الأوربية والأمريكية [الحاقدة] والمنظمات اللاحكومية والبث المباشر لمحطة الصومال الفضائية و"DW" و" CNN" و"BBC" وإذاعة "صوت الله أكبر" السرية كانت تعرف بما حدث وتمَّ نشر العديد من الصور التي تكشف عن تواجد هذه القوات في قرية الحمار [لصعوبة لفظ اسم القرية الحقيقي فقد أُطلق على القرية في وسائل الإعلام العالمية، وخاصة في الإنترنت، اسم " Donkey village"].
بل تسربت الكثير من التفصيلات عن وقائع الاعتقال التي رفضت وسائل الإعلام الرسمية أن تأخذها "مأخذ الجد" واعتبرتها جزءاً من "الحملة الشرسة" على الأمة العربية والإسلام والتقدم الحضاري والإنجازات العظيمة!
[4]
واستناداً إلى المعلومات "المسربة" [كما تقول القطة المرقطة] اتضح بأنه في الليلة السابقة على اعتقال الحمار قد عُقد اجتماع سري للغاية "!" في إحدى القصور الحكومية حضره كل من: رئيس الجمهورية ووزير الدفاع ورئيس هيئة الإفتاء الوطنية ومسؤول العلاقات الخارجية في الهيئة ووزير الداخلية وقائد القوات المسلحة وقائد قوات الصاعقة وقائد قوات مكافحة الإرهاب وقائد قوات التدخل السريع شخصياً وممثلون عن الإدارات المحلية لوزارة الداخلية ووزير الشباب واللجنة الأولمبية ومحافظ المدينة وأئمة الجوامع المحلية ومختار قرية الحمار Donkey village وبائع الحلويات في القرية وصاحب مطاعم "السعادة" في العاصمة ومدير المجاري العامة ورئيس مستشفى المجانين المركزي ومدير الإذاعة والتلفزيون وممثلون عن الهيئات والإدارات الحكومية ذات العلاقة!
كما وتسربت معلومات هامة عن مجريات "الاجتماع السري". إذ تشير هذه المعلومات بأنه قد حدثت مناقشات حامية و"ذات طابع علمي وفقهي رصين" وطُرحت "مقترحات معاصرة ومتطورة" تتعلق بقضية الحمار وكيفية اعتقاله بدون إثارة وسائل الإعلام العالمية والبث المباشر لمحطة تلفزيون جزر القمر الفضائية.
وقد طُلب من رئيسة هيئة الإفتاء الوطنية [أو القومية] رأيه الفقهي بالموضوع وخصوصاً بما يتعلق بالسؤال التالي: هل يمكن شرعاً اعتقال حمار؟ وهل يمكن سجنه؟
[5]
وتشير المعلومات "المتسربة" [والعهدة على القطة المرقطة] أن رئيس هيئة الإفتاء وبعد مقدمة فقهية طويلة و"عميقة" جداً جداً، مما دفع البعض إلى" الغرقِ" في قِعْر غفوة لذيذة، وبعد أن عرض فيها الكثير من المستجدات في عالم الفقه والتفقه والصناعة قرر بأن ما قام به الحمار هو "بدعة" ما بعدها بدعة وإذا لم يُتخذ موقف حاسم وحازم وحاد وحدي (وصفات كثيرة تبدأ بحرف الحاء) فإن الأبواب ستفتح على مصراعيها أمام بدع أخطر وأسوء من شأنها أن تشكل خطراً على الدولة والعقيدة والإصلاح الزراعي. إذ ليس من البعيد أن تطالب القطط بحقوق دينية مثلاً!
إلا أن الجواب المتعلق بالموقف من الحمار كان من أعقد الموضوعات الفقهية "في العالم!" Super Answer، فقد أشار الفقيه إلى "أن أبدان الحمير والبغال طاهرة وهذا يعني بأنه لا حرج في أن تتواجد بيننا وفي السجون. كما اتفقت كل المذاهب على أنَّ قتل الحيوان غير محرم بدون إعطاء سبب فقهي واضح. وهذا هو فصل الكلام: السبب يا جماعة!
ولأنَّ السبب متوفر في حالة الحمار، وهو تشويه سمعة الدين وتعريض العقيدة لمخاطر كبيرة فإنه يجوز معاقبته حتى يكون عبرة لمن لم يعتبر"!
[6]
واستناداً إلى المعلومات المتسربة أو "المُسَرَّبة" بأن الحاضرين لم يناقشوا موضوعاً آخر غير موضوع الحمار. وفي نهاية الاجتماع تم إقرار الخطة المفصلة لاعتقال الحمار بصورة "سرية للغاية" ومن غير إثارة الرأي العام العالمي ومنظمات الرفق بالحيوان ومنظمة الطاقة الدولية. أو كما عبر عنه مدير الإذاعة والتلفزيون [وهو خريج "الحوزة في قُم"] بقوله:
- يجب اعتقاله بصورة "دَمِثَة" (ملاحظة من الكاتب: الدَّمَاثَة هي اللُطْفُ والرِّقَة)!
وقد ختم رئيس الجمهورية كالعادة، الاجتماع السري بقولة:
- "أيها السادة، لا نريد حماراً يُصبح شهيداً. فلدينا الكثير من الشهداء"!
وقد أجمع الحضور على أهمية هذا الموقف. فهو يعبر عن سياسة راشدة وحكيمة، فمن يريد حماراً شهيداً؟
وانتهى الاجتماع بنشيد "الله أكبر على المعتدي" والسلام الجمهوري!
[7]
وكما اتضح فيما بعد وللجميع فإنه لم يبق من الاجتماع شيئاً سرياً [غير سعال رئيس الجمهورية من كثرة التدخين] ولا كان اعتقال الحمار هو الآخر سرياً "أو دَمِثَاً".
وقد شاعت أخبار الاجتماع والاعتقال ما بين الداني والقاصي. بل حتى القطة المرقطة من قرية الحمار التي تحدثنا عنها في يوم اجتماع القرية في الساحة المركزية كانت على اطلاع واسع بالموضوع وهي كانت من مصادر معلوماتي الرئيسية في كتابة وقائع قصة الحمار هذه وقد بعثت لي Message بالمعلومات المستجدة. طبعاً كان لديها اعتراض على عنوان الحكاية. ففي رأيها أنه كان من الأفضل أن يكون العنوان: "حكاية الحمار والقطة المرقطة وأشياء أخرى"!
على أية حال، هذا موضوع جانبي ولا علاقة له بحكايتنا!
[8]
في اليوم التالي من تاريخ الاعتقال ساد في القرية جواً كئيباً وأصْبَحَ سكان القرية صبحهم، بشراً وكلاباً وقططاً وحميراً، بمزاج سوداوي جداً.
وقد ظلت الدكاكين والمقاهي مغلقة. ولم يذهب المزارعون كعادتهم إلى مزارعهم. ولم تظهر زوجة المختار الصبية على عادتها على الشرفة المطلة على ساحة القرية الرئيسية حتى تكشف عن مفاتنها أمام المارة. بل لم ير أحد قطة أو كلباً يتمشى في شوارع القرية أو تتجمع أمام الدكاكين ومحلات القصابين لمناقشة أخبار القرية. الكائن الوحيد الذي تم مشاهدته من قبل القطة المرقطة هو شلحوت السريع[قنفذ إمام الجامع الذي يزوده بالأخبار] وقد مرَّ من أمام القطة المرقطة بسرعة حتى لم تتمكن من الاستفسار عن الأخبار.
أما الحمير فقد أضْرَبَتْ عن الطعام والكلام وعادة الاستماع إلى الراديو والرد على السلام.
باختصار: كانت القرية في حالة وجوم جماعي شامل. لكن ما هو مثير لاهتمام المؤرخ أو كاتب السير هو أنَّ لا أحد يعرف السبب الذي يختفي وراء هذا الإحساس الكئيب.
[9]
قد يتبادر إلى الذهن، لأول وهلة، بأن السبب هو اعتقال الحمار. ولكن لم يخطر الحمار مطلقاً على بالِ أحد من القرية.
فهي (أقصد Donkey village)، ولله الحمد، مليئة بالحمير. حتى أن نسبة الحمير إلى عدد السكان قد يصل إلى 1.33 حمار لكل واحد من سكان القرية. وهذا يعني بأن العائلة التي تتكون من خمسة أفراد تمتلك 6.65 من الحمير!
وهذا أمر غريب جداً. إذ أن زيادة الحمير على عدد السكان يجعل من القرية فعلاً وقولاً قرية الحمير Donkey village.
فما هو سبب هذا الحزن إذن؟
سؤال حلو!
[10]
الأحداث الغامضة:
بعد أن رفض الجميع التعاون معي على حل هذا اللغز حتى القطة الصغيرة رمقتني بنظرة غريبة قائلة:
- هل أنت مُخَبَّل!
ثم اختفت بلمح البصر.
وهكذا كان عليَّ أن أتأمل الوقائع التي حصلت في قرية الحمار والقرى الأخرى وأن أربط ما بينها وبين النتائج الممكن حدوثها [استناداً إلى معرفتي بديمقراطية النظام!] كما عليَّ أن "أغربل" المعلومات التي وفرتها لي القطة المرقطة وأدرس نتائجها، لكي أخرج بنتيجة هي أقرب إلى الواقع من مجرد فرضية محتملة. فرغم مصداقية ما نقلته لي القطة المرقطة فإنَّ فيها الكثير من الفراغات التي يجب ملؤها بسبب أسلوب القطة المختصر والمختزل والسريع.
في تلك المرحلة حدثت الكثير من الأحداث الغامضة:
اختفاء أكثر من شخص من سكان القرى الأخرى، لأنهم رفضوا الصلاة علناً؛ تعذيب إحدى القطط السلفية لأنها صلت وحدها "صلاة الجمعة" لأنَّ الصلاة وراء إمام الجماعة الحكومي باطل.
وقد اعتبر أحد أئمة الجوامع هذا التصرف مخالفاً للدين. لأن صلاة الجمعة، كما قال، هي صلاة جماعة، فكيف تصلي القطة وحدها؟!
وعندما قال له أحد الحاضر بأن "الإمام مالك" امتنع عن الذهاب إلى الجامع ولم يصلي جماعة، أجابه إمام الجامع:
- وأنتَ مالَك!
وقد تعرض الكثير من الصحفيين إلى الاعتقال ومن أشهر الحالات هي قضية أحد الصحفيين "المغرر بهم" من قبل أمريكا وإسرائيل والاستعمار البريطاني لأنه نشر وقائع تعذيب القطة في صفحته على الإنترنت.
وهكذا اختفى المسكين بعد حين وتم إغلاق الصفحة بالشمع الأحمر إلى إشعار آخر [يوجد لون أحمر على الصفحة الفارغة!]
[11]
قبل أسبوعين من اعتقال الحمار وقعت أحداث أخرى أكثر غرابة:
فقد ادعت الحكومة بأن سكان القرى، كما يبدو لها، قد أخذوا يتعاطون الكحول ويجب معاقبة المخالفين لشرع الله.
ومن ضمن الأحداث الغريبة هذه هو اختفاء إحدى القرى المجاورة!
بالضبط - لا يوجد خطأ مطبعي:
اختفاء قرية بكاملها من الجغرافية والتاريخ والمكان الذي كانت تتواجد فيه!
فهناك من ادعى بأنهم قد سافروا للسياحة!
ومنهم من قال بأن الدولة منحتهم شققاً في بنايات جديدة ملائمة لتربية الماعز!
وتسربت أخبار، ما تزال غير موثقة، بأنَّ أهل القرية راحوا "في خَبَرِ كانَ"!
وعندما سألت القطة المرقطة حول الموضوع، هزت رأسها كالعادة وعلى طريقة أبطال الأفلام الهندية قائلة: هل أنتَ من سكان المريخ يا أستاذ؟
وعندما سألتها ماذا تقصد ردت عليَّ كسياسي "محنك":
- بدون تعليق!
فما هو سبب هذا الوضع النفسي التي تمر به قرية الحمار Donkey village ، وكما يبدو القرى الأخرى أيضاً؟
إنه الخوف من اقتراب الساعة!
لا - لا أقصد تلك "الساعة". أقصد "ساعتهم" الأرضية. فسكان القرية، ككل البشر على الأرض، لهم ذاكرتهم القروية التاريخية. وإن ذاكرتهم التاريخية وتجاربهم تقول لهم أن المصائب تبدأ هكذا:
تعذيب قطة هنا، واختفاء حمار هناك، ثم اختفاء قرية بأكملها!
فمتى سيأتي دورهم يا ترى؟!
[12]
تقول آخر المعلومات [من مطلعين على مجريات الأمور في البلاد رفضوا ذكر أسماءهم] إن الحمار قد اقتيد إلى معتقل سري يقع في المنطقة الصناعية خارج المدينة لا يعرف أحدٌ حتى مِنْ سكان تلك المنطقة بوجوده. وعادة ما تقتاد الدولة إلى هناك المعتقلين الذين لا عودة لهم بعد اعتقالهم – أو أنَّ عودتهم مشكوك فيها بعض الشيء!
المسكين مطيع الغائب، الحمار، راح ضحية الدفاع عن حقوقه المدنية ضد الإرادة الإلهية!
كان عليه أن يعرف أنَّه في مملكة الظلام، والحديث في مملكة الظلام عن الحرية جريمة ما بعدها جريمة.
أما أخر ما كتبه الحمار في الإنستغرام فهي الجملة التالية:
"نحن اليوم هنا وغداً هناك!".
وقد أثارت هذه الجملة الكثير من التعليقات والتأويلات والتخمينات والتفسيرات في وسائل التواصل الاجتماعي. ولكن، للأسف، لم يحصل إجماعاً حول الدلالات العميقة التي تختفي خلف هذه الجملة!
فهل يعني الانتقال إلى دار الآخرة؟
أمْ إلى المعتقلات السرية التابعة لأمن الدولة؟
أمْ تلك المعتقلات التأديبية للمنظمات العقائدية؟
ولماذا، يا تُرى، اكتفى بهذه التعليق فقط؟
ألا يجوز أنْ يكون التعليق من قبل جهاز الأمن الذي استطاع اختراق [account] مطيع الغائب؟
وغيرها الكثير من الأسئلة المُحَيِّرة في زمان تحولت فيه الحِيرة إلى طريق عيش وأسلوب تفكير.
فأين يا تُرى يقبع الآن حمارنا؟
هذا هو السؤال!