Blogger المدونة الرئيسية في
[هل وجود القمر يعتمد على وجود القطة أم وجود القطة يعتمد على وجود القمر؟]
1.
لقِطَّةِ الجيران السوداء تصورات غريبة عجيبة – سواء عن نفسها أم عن الآخرين. بل أنَّ تصوراتها غريبة عجيبة حتى عندما يتعلق الأمر بوجود الطعام.
فهي "تعتقد" بأنَّ الآخرين مجبرون بحكم قانون رباني من اللوح المحفوظ منزل بواسطة "الملك" جبرائيل (على طريقة تقنيات محمد) أن يقدموا لها الطعام؛ وأن الطعام جاهز كالماء الجاري من الحنفية – أو على طريقة "خالقها!": كن فيكون!
فطالما أحست بالجوع فإنَّ الصحن الموجود في زاوية من أرضية المطبخ سيكون "بقدرة قادر" ممتلئاً وإناء الماء جاهزاً. والويل إنْ وجدت الإناءين فارغين!
فهي تشرع بالمواء حتى تقلب البيت على أصحابه فتتردد أصداءه – أقصد المواء – في أنحاء أوربا!
كما أنها تعتقد بتميزها عن المخلوقات الأخرى وخصوصاً الكلب الذي "ظهر" مؤخراً في البيت – كما تعتقد – رغم أنه يعيش في البيت قبلها غير أنها قررت أن تتجاهله فتحول تجاهلها له إلى حقيقة تتعلق بعدم وجوده!
2.
إنَّ عقلية هذه القطة مشوهةٌ إلى حد بعيد وذات طابع لاهوتي محض – بل أنَّ تصوراتها هي أقرب إلى العقيدة وأبعد ما يكون عن "العقلية"!
فرغم أنَّ الكلب الصغير يقعي بجانبها غير مكترث بوجودها ولا تشغله أوهامها عن نفسها وعنه شخصياً [فهو منشغل عنها بأحلامه الخاصة] فإنها لا تزال تشكُّ بنواياه الخبيثة وأهداف تثائبه الدائم الجهنمية والمريبة. فهي عاجزة عن فهم الحقيقة البسيطة وهي:
أن الكلب يتثاءب – غالباً من الكسل وقلة النشاط ولم يفكر يوماً بالتهامها لأن أهل البيت قد وفروا له ما يكفي من المعلبات - ونادراً من قلة النوم حين تحاول القطة أن تسحب من تحته فراشه الوثير!
فقد وجد الكلب مرة نفسه في بانيو (حوض الغسل) الحمام والحنفية تُقَطُّر على رأسه!!!
3.
أما مصدر غرابة تصورات القطة عن نفسها وعن الآخرين (وبشكل خاص عن ربة البيت) فهو اعتقادها بأنَّ ربة البيت لا يمكن أن تستغني عنها.
بل أنها تعتقد بأنها قد أُرْسِلت رحمة للناس. ولا أحد يعرف ما هي "رحمتها" بالضبط!
فهي "تعتقد" بأنها ثمينة ومُهِمَّة إلى درجة يصعب تصوره حسب عقلها القططي. فالعائلة التي تسكن معها (وهذا هو واحد من اعتقاداتها العجيبة) يمكن أن تستغني عن طفلها ذي السنوات الثلاث والكلب الصغير– ولكن ليس عنها!
فالطفل، في رأيها، مزعج وزائد عن الحاجة. فهو لا يقوم بأي شيء مفيد للعائلة!
أما هي – فالأمر مختلف جداً جدأً.
لماذا؟
4.
إنَّ القطة تعتقد بأنها مركز الكون لا لسبب إلا لأنها تجلس في وسط غرفة الجلوس.
وإنَّ هذا الامتياز الذي حصلت عليه "بجهودها الشخصية!" ومن غير تدخل آخرين له ما يبرره من الناحية العقلية.
كما أنها تعتقد بإيمان عميق (والإيمان عميق دائماً كبئر ارتوازي) بأنَّ حدوث أي خلل في أوقات ونظام تناولها للطعام سوف يؤدي إلى انهيار البيت والكون على رؤوس البشر - وأول ما ينهار القمر!
– طبعاً هي لا تعتبر نفسها من البشر ولهذا لا يقع شيء على رأسها!
5.
وآخر "تقليعاتها"، وكأنها تقليعات مصممي الأزياء، هو الجلوس على أحد أغصان الشجرة الكبيرة في باحة البيت والتحديق في القمر (إنْ كانت الليلة قمراء!).
وبمرور الوقت أخذت تعتقد بأنَّ الفضل في بقاء القمر "قائم" و"يشع" الضوء من غير أن ينشق، وإنَّ أجزاءه لا تسقط خلف الغابة التي تتراءى من بعيد يعود إليها فقط ولا أحد آخر. فهي بفضل تحديقها الطويل فيه تحفظه من الانشقاق والانهيار!
لكنها لا تريد حتى أن تتكرم (وهذه واحدة من بين أسوء خصالها الشخصية الكثيرة) بتغيير اعتقادها بأن القمر لا ينشق ولا يسقط وراء الغابة سواء طالت التحديق به أم قررت الانسحاب إلى مخدعها الوثير!
سيظهر القمر رغماً عن رغائبها وتحديقها الطويل فيه – بل سيظهر رغما عن أنفها وأنف أبيها – أقصد أبا القطة الذي لا أحد يعرفه!
6.
وهذا ما حاول أن يقوله لها الكلب الصغير (الصغير حجماً) شخصياً. لكنها وكالعادة اتهمته بالغيرة والحسد والنقد الهدام ومحاولة تشويه الحقائق. ولأنها لا تمتلك سلطة فعلية ولا وسائل تقنية لكي تحرمه من الطعام عقوبة على جحوده لها ونكران جميلها (لا أحد يعرف ما هو الجميل الذي قدمته للآخرين) فإنَّها اكتفت وبصورة عدائية ومنفعلة القول:
- مياو ... مياو ... مياو ....
لكن الكلب لم يفهم قصدها بالضبط!
فتبدد "المياو" في الهواء ونقلت أصداءه الريح إلى الغابة القديمة واختلط بحفيف الأشجار واختفى كما ظهر.
7.
في المساء قررت عدم الجلوس على غصن الشجرة في باحة البيت وعدم التحديق في القمر حتى تثبت لنفسها (قبل كل شيء) وللجميع بأنَّ القمر لا ينشق ولا ينهار إلا بفضلها ونتيجة لجلوسها على الشجرة وتحديقها فيه ولهذا ولأنها لن تجلس على غصن الشجرة هذه الليلة ولن تحدق فيه فإن الليلة ستكون مظلمة حالكة بسبب اختفاء القمر.
وهذا ما فَعَلَتْهُ بالضبط.
ولهذا ولأنها ظلت قابعة في فراشها في ممر البيت المظلم فإنَّها لم ترَ القمر فاطمأنت إلى أنها قد برهنت بالدليل القاطع على مصداقية ما تعتقد وسوف يدرك الكلب (ابن الكلب) الصغير والبشر جميعاً (وخصوصاً الطفل الصغير) على حد سواء صحة تصوراتها وخلاصات تفكيرها وفرضياتها العقلية (وليس العقلانية) وتنبؤاتها الخزعبلانية . . .
8.
في ذلك اليوم أخذ الطقس يتبدل ويسوء (كالعادة في مثل هذا الفصل من السنة).
شرعت الغيوم تتكور وتتجمع فاستحالت السماء إلى مساحة سوداء (لا يمكن تمييز الخيط الأبيض عن الخيط الأسود!) ولم يعد ثمة فرق ما بين الليل والنهار. فاختفى القمر والنجوم وحلَّ الظلام الدامس قبل أن يقوم البرق بين فترة وأخرى بشق صفحة السماء وتبديد الظلمة للحظات.
وعندما ألقت القطة نظرة سريعة من خلف ستائر المطبخ ورأت اختفاء القمر اطمأنت إلى تصوراتها وصدَّقت أوهامها وانسحبت إلى مخدعها الوثير سعيدة بقدرتها على البرهنة التجريبية "!" والعقلية "!" على مصداقية ما تقول منتظرة أن تحدث المعجزة:
أنْ يقوم البرقُ بشق القمر.
لا أحد يعرف ما هي الأفكار التي كانت تمر بعقلها الصغير. [ربما] كانت وقتها تردد بيتاً من قصيدة لأمرؤ القيس:
دنتِ السَّاعةُ وانْشَقَّ القَمَر/ غزالٌ صَادَ قلبي وَنَفَرْ
طبعاً لا يوجد في القصة أي "غزال" مثلما لم يكن الشاعر العربي قد رأى غزالاً كالعادة!
9.
لكن الساعة لم تدنُ؛
والقمر لا يزال يدور حول الأرض ولم ينشق؛
والكلب الصغير يحلم بعالم آخر لا قطط فيه؛
والطفل الصغير ينام بهدوء وسلام من غير أن يحلم بقطط وكلاب؛
والقطة نائمة على ظهرها رافعة قوائمها الأربع إلى الأعلى وهي تحلم بالمهدي المنتظر وأشياء أخرى . . .
[ها هو القمر سليم لم ينشق وما يزال يدور حول الأرض. أما القِطَّة فلا وجود لها!]