Blogger المدونة الرئيسية في
[1]
المؤتمر الصحفي لرئيس الجمهورية:
على صعيد آخر [كما يقول مذيعو الأخبار العربية وغالباً ما لا توجد أية علاقة ما بين "الصعيدين"] وبعد يومين طويلين وثقيلين من المباحثات والتداول والتشاور وتبادل الآراء مع مستشاريه قرر الرئيس[29] عقد مؤتمر صحفي مرتجل على الطريقة الأمريكية "briefing" حتى يقول للناس رأيه في موضوع الحمار [وسائل الأعلام الرسمية لا تذكر اسم الحمار. إذ غالباً ما تكون صياغة الخبر كالتالي: "رأيه في الموضوع". والحرُّ تكفيه الإشارة!]. كانت القاعة المخصصة للمؤتمرات تغص بكاميرات وميكروفونات محطات الإذاعة والتلفزيون المحلية والعربية والعالمية ووكالة أنباء كوريا الشمالية ومراسل جزر القمر وممثل عن المركز الصحفي لقرية الحمار " Donkey village" ويشغل في نفس الوقت منصب مستشار العلاقات الخارجية لمختار القرية[30]، أما الصحفيون فقد كانوا يترقبون ظهور الرئيس وهم يرتجفون من الخوف [إحدى مراسلات التلفزيون الرسمي كانت بحاجة إلى الذهاب إلى "بيت الأدب" أكثر من مرة بسبب الخوف!].
[2]
كان الجو متوتراً ومشحوناً بالكثير من الأسئلة التي رفض الكثير من المسؤولين الإجابة عليها. حتى "الحاج" وزير الأوقاف قد اعتذر عن الإجابة على أسئلة الإعلام الرسمي، المهتمين بنقل الحقائق "المُرْضية" و"المفيدة" للحكومة، متحججاً بأنه قد عاد لتوه من العُمرة وهو بحاجة إلى التعرف على "حيثيات" القضية. وقد ظل يردد طوال الأيام التي سبقت المؤتمر الصحفي لسيادة الأب القائد:
-" يا أخوة، الحيثيات مهمة، بدون حيثيات لا يوجد أي شيء، الحيثيات، الحيثيات أهم شيء".
[3]
أما هيئة الإفتاء الوطنية [أو القومية] والتي لا تهتم كثيراً بالحيثيات وبعد صمت دام أكثر من أسبوع قررت الكلام ممثلة بالشيخ المَفْتُون [هكذا كان اسمه، ولا أحد يعرف بمن أو بما هو مَفْتُوٌن!]، وهو مسؤول الإعلام الخارجي [هل يوجد مسؤول للإعلام الداخلي؟]، الذي قرأ أمام الصحفيين وبصوت كئيب خال من أية حياة [من المؤكد أنه قد تدرب عليه طويلاً]بياناً رسمياً مقتضباً ما يلي نصه:
"الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء محمد، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين. أما بعد:
فبناء على قرار من سماحة رئيس الهيئة رقم:
[ألمص طسم ف35258097889674476628090262] وبتاريخ6/9/2009 وبناءً على مستجدات أمور الدين سيتم عقد دورة طارئة لمجلس هيئة كبار العلماء في موضوع الحمار.
وقد أعدت اللجنة الدائمة بحثاً في ذلك يتضمن أمرين:
الأول: تعريف وبيان أسس وأنواع وأركان الأذان، وحكم المؤذن من غير جنس البشر سواء كان حماراً داجناً أو وحشياً، والاطلاع على الحكم عليه بالإباحة أو المنع.
الثاني: ذكر خلاف الباحثين في حكمه وأدلة كل فريق منهم مع المناقشة.
وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه".
[4]
في قاعة المؤتمرات [تحرص أغلب حكومات العرب على بناء قاعات المؤتمرات استلهاما للتراث العربي على شكل خيمة تسميها القطة المرقطة: حدبة البعير!] طال انتظار الصحفيين وفي لحظة ما بدا وكأن المؤتمر الصحفي قد تم إلغاءه وقرر البعض مغادرة القاعة فسمع الجميع جلبة قادمة من مكان ما ثم ظهر أفراد الحماية الذين تجاوز عددهم ضعفي الصحفيين المتواجدين في القاعة وسرعان ما ظهر وزير الداخلية مغموماً متثاقلاً يزحف على الأرض زحفاً، وقد أرسله رئيس الجمهورية حتى يورطه. فلعل لسانه يزلُّ ويجد حجة لإقالته. لأنه هو السبب لكل هذه الضجة. إذ كان عليه أن يلقي القبض على الحمار قبل أن تستفحل الأمور ويعرف جميع أولياء الأمور!
وقف وزير الداخلية خلف المنصة [لم يظهر من الوزير القصير إلا رأسه وأوداجه المنتفخة والمتوترة] وبعد أن جال بنظره في أرجاء القاعة بنظرات لا معنى لها ولا هدف قرر الكلام قائلاً:
"بسم الله الرحيم. باختصار، الكل يعرف قضية ... هذا، المؤذن ... . المهم. هذا الحمار، أو أي شيء آخر، الموضوع واضح جداً. الدولة في الوقت الحاضر لا تستطيع التدخل في الموضوع. لحد الآن ليست لدينا أدلة عقلية ولا حسية. . . ما علاقتنا بالموضوع؟ اتصل سيادة الرئيس بسماحة رئيس هيئة الإفتاء القومي وشرح موقفه من القضية ورجا سيادتُه سماحة المفتي بالتفضل بإبداء الرأي. وقد وعده خيراً. فـ .. فهذا، أنتم تعرفون للحمار تاريخ ملتبس وعليه الكثير من علامات الاستفهام، هو مؤذن في جامع صغير، ولا أعرف لماذا عملتم ضجة؟ سوف نتدخل إذا طلبت المرجعية ذلك. هذا واضح للجميع. فالحمار، لا أعرف ما اسمه، قام بحماقة كبيرة، كما قلت هذه ليست أول حماقة، له سوابق، عنده آراء متطرفة والرئيس ضد تطرف الحمير، هل هو حمار أم فقيه؟ إذا تحول الحمير إلى فقهاء فماذا نفعل إذن بالفقهاء؟! لماذا لا يتناول علفه ويحمد الله على توفر العلف بدلاً من الكلام حول موضوعات لا تخصه؟ لا أعرف. نحن ننتظر مجريات الأحداث. هذا كل ما عندي".
فأخذ الصحفيون يتصايحون ويتسابقون للحصول على أسبقية طرح السؤال الأول. فأشار الوزير إلى ممثل التلفزيون الرسمي (طبعاً).
- سيادة الوزير، الموضوع جِديٌّ . .
فقاطعه الوزير بعصبية:
- وأنت من أين تعرف بأنه جِديٌّ؟ هل أنت تفهم أحسن من الحكومة؟
- لا، سيادة الوزير. ولكن صرَّح عَالِمٌ مسلمٌ بأن أذان الحمار هو السبب في سقوط مركبة فضائية على القمر!
سأل الصحفي مرتبكاً. فرفع الوزير يده لإسكات الصحفيين الذين أخذوا يتصايحون طالبين طرح الأسئلة:
-"هذه مبالغة مُغْرضة، أكيد نشرتها CNN . كيف وصل صوت الحمار إلى القمر؟ هل هذا معقول؟ هل سمعه أحد هناك؟ هذه مبالغة لا معنى لها. سوف تقوم اللجنة الفقهية التابعة للحكومة بدراسة الموضوع بالتفصيل. وبعد ذلك سننظر بقضية هذا الحمار. ما اسمه؟ لا أقصد الحمار الأول، بل العَالِم المسلم؟ لماذا لا يتفرغ للصلاة كما يفعل جميع المسلمين؟ سنرى قضيته فيما بعد".
ثم غادر مثلما جاء محاطاً بعشرات من رجال الحماية وشرب الصحفيون ماء بارداً كما يقول المثل!
أما ما يتعلق بمراسلي محطة CNN فقد قرروا مغادرة القاعة والبلاد والشرق الأوسط على عجل!
[5]
هجوم كتائب الصاعقة الحكومية وقوات التدخل السريع:
ازدادت الأحداث في بيت الحمار توتراً ودرامية.
فبينما كان المؤتمر الصحفي لرئيس الجمهورية [ هذه لغة عربية: مؤتمر رئيس الجمهورية الذي مثله وزير الداخلية!] لا يزال جارياً داهمت مجموعة من أفراد الشرطة وكتائب الصاعقة ووحدة مكافحة الإرهاب وقوات المشاة وقوات التدخل السريع وهيئة الأخلاق التابعة لقسم العلاقات الخارجية في هيئة الإفتاء ومسؤول العمل الحربي في وزارة الأوقاف والقطة المرقطة [في الحقيقة لم يكن لحضور القطة المرقطة طابعاً رسيماً. فقد تسللت بصورة غير قانونية] بيت الحمار وقاموا بتفتيش جميع أنحاء البيت، بل وحتى علف الحمار.
الأمر الغريب هو أنهم لم يكونوا يبحثون عن الحمار. فقد كان حضرته في المعلف يراقب أفراد الشرطة بمشاعر خليطة من الاستغراب واللا أبالية واللااكتراث [فهو لا مكترث].
وكما يبدو فإن أفرد الشرطة كانوا يبحثون عن شيء آخر أكثر أهمية من الحمار، وثائق ومستندات سرية أو منشورات سياسية أو أدبيات أجنبية لها علاقة بوكالة الاستخبارات الأمريكية أو وثائق تعود للمخابرات السويدية مثلاً تنادي بالإطاحة بالحكومة بصورة صريحة أو رمزية أو مجازية. لكنهم لم يعثروا على شيء من هذا القبيل. كل ما عثروا عليه هو غلاف مجلة أسبوعية قديمة تظهر عليه فتاة جميلة تأكل وجبة طعام ماكدونالد.
طبعاً، لا أحد يعرف لماذا يحتفظ الحمار بغلاف المجلة هذا - هل من أجل صورة الفتاة أم من أجل سندويش المكدونالد، الله أعلم!
ومع ذلك ورغم أنهم لم يعثروا على "أدبيات ممنوعة" فقد قرر أفراد الشرطة مصادرة غلاف المجلة لغرض التحقيقات وكمستندات فوتوغرافية مادية وكبراهين حسية على الانحلال الخلقي والاغتراب الروحي ومخالفة الشرع وتقاليد المجتمع للحمار بتناوله لحم الخنزير أو أي لحم محرم.
[6]
كانت زوجة الحمار قد وصلت لتوها من اجتماع القرية بصحبة الحمار الوسيم[ابن الجيران] وحالما رأت قوات الشرطة أخذت تولول [لا أعرف كيف تولول الأتان، ولكن هذا ما قالته لي القطة المرقطة "إنها تولول"] وتبكي ولا تعرف ماذا تفعل. فالشرطة لم تعتقل الحمار، بل حتى لم يسأل أحد عنه. وظل صاحبنا يجلس في "غرفة العلف" مطأطئ الرأس وعندما سأل أحد أفراد الشرطة زوجة الحمار "هل هذا هو الحمار المعني" أجابت وهي تنحب:
- وهل ترى حماراً آخر غيره!
غادر أفراد الشرطة البيت تاركين المسكينة [زوجة الحمار] تبكي وتنحب نادبة حظها النحس.
[7]
في المعلف واصل الحمار تأمله وهو يراقب الضوء المتسلل من ثقب في السقف. .
الآن أخذ شعاع الضوء يسقط تماماً على رأس الحمار. فكان النور يشكل هالة حول رأسه فيبدو الحمار مهيباً وجميلاً. بل حتى كأنه لم يكن حماراً في يوم ما! فرغم علامات القلق والإجهاد الفكري، فأن ملامح كاريزمية روحية مؤثرة كانت تظهر على وجهه الكريم!
كان يتأمل ويفكر، لكنه لم يكن خائفاً قطُّ.
اقتربتْ منه زوجته بوجل ومازالت الدموع تنهمر من عينيها وسألته بشيء من الرجاء والحسرة:
- لماذا فعلت هذا يا "رجل"! أرجوك أخبرني لعلي أستطيع مساعدتك؟
- لم يكن أمامي حلٌّ آخر!
- هل أنت تمزح؟ كيف؟ أمامك آلاف الحلول ولم تختر إلا هذا الحل؟
- إنَّا لم نختره، لقد فرضه رب العالمين علينا ولم يعد أمامنا غير التحدي!
رد الحمار بصوت الواثق من قضيته. حينئذ مسحت زوجته دموعها بأكمام جلبابها المتهرئ وانفجرت صارخة:
- هل حصل شيء في دماغك يا حمار يا ابن الحمار؟ بل هل عندك دماغ؟ هل تفهم ماذا تخرف؟ هل تريد أن تتحدى ربك؟
- هو الذي بدأ "والبادي أظلم"! لقد هدر كرامتنا لا لسبب إلا لكي يضرب بنا الأمثال!
رد الحمار بهدوء.
- وهل تعرف إلى أين ستأخذنا كرامتك المهدورة؟ إلى جنهم مباشرة. بل أن جهنم هي الآن هنا وسوف "تنخبط" على رأسك ورأس أبيك، هل تفهم كلامي يا "رجل"!؟ نحن حمير وأصواتنا نكرة فهل تغيرت الأحوال بأذانك؟
قالت زوجته منفعلة وهي تنظر إلى حمارها [أو زوجها، لا فرق].
- هذا موقف! العين بالعين و"الأذان" بــ"الأذان"!
قال الحمار وهو يبتسم لأول مرة وقد عجبته فكرة "العين بالعين والأذان بالأذان" وظهرت أسنانه البيضاء من تأثير التبن.
- هل أنت تُخرِّف؟
أطلقت زوجته صرخة مدوية، وهي تلطمه على رأسه بكل ما تملك من قوة:
- ها أنت قد فقدت ذرة العقل الوحيدة التي كانت في رأسك؟ هل تعرف المصير الذي ينتظرك؟ أنت قد فَتَلْتَ الحبل الذي سيعلقونك به على نفس العمود الذي يعلق عليه القصاب ذبائحه الفاسدة في مركز القرية وستظل معلقاً عليها حتى تتعفن جثتك ويدب فيها الدُّود! إنهم لا يعرفون الله فهل تريد أن يعرفونك؟!
- إنَّا قررنا. هذا موقفنا! لا أحد يستطيع الهرب من مواقفه!
فقررت المرأة تركه هو ومواقفه المبدئية والجحيم الذاهب إليه وأخذت بعض المتاع والملابس وفرش الأسنان وَنادتْ حميرها الصغار وغادرت المنزل متجهة إلى معلف حمار الجيران الوسيم.
أما حمارنا فقد ظل وحيداً كما ولدَ في معلفه ينتظر نهايته المتوقعة وهو ينظر عبر النافذة بحثاً عن الأمل.
في وقت ما بعد الغروب سمع طرقات متواصلة على الباب وصوت جلبة وصياح، ثم سمع صوت تهشم خشب الباب الخارجي ووقع أقدام وهرولة في باحة البيت.
- ها قَدْ حانتِ السَّاعةُ، ليس في الأمر كذب أو إشَاعَة، أنها شناعة الشناعة، وعلي أن أحتمي بالشجاعة!
ردد الحمار مع نفسه.
وفجأة حلَّ الظلام . . .
[29] حسب المعلومات التي حصلت عليها من مصادر مختلفة فإن مسقط رأس رئيس الجمهورية هو قرية Donkey village. لكنه ينكر ذلك بحجة أن أمه كانت في زيارة لأبنة خالتها [زوجة القصاب الأولى التي ماتت أثر سقوطها من سطح البيت رغم عدم وجود سُلَّم يؤدي إليه!] وقد صادفت ولادتها هناك.
[30] وهو الملقب بـ "أبي الشباب" وابن أخت المختار وزوجة إمام الجامع الثالثة. ولكنه ليس ابن إمام الجامع بل من زوجها السابق. وهو يعمل في أكثر من مكان. أما من أهم الأماكن التي يعمل فيها فهي حسب أمين الشحات إمام الجامع الأعور "ليس من مصلحة الوطن التعرف عليها!"