الشَّرْخُ [4-4]: الخاتمة – موت الله وبداية الطريق

[النهاية الحتمية]

ليس ثمة خاتمة احتفالية بمناسبة انهيار الجسور غير خبر موت فكرة الله!

1.

عندما أعلن نيتشه بأنَّ الله قد مات فإنه في حقيقة الأمر قد أعلن خبراً عن حدث قديم جداً. غير أنَّ قدم الأحداث لا تلغي صحتها – بَلْهَ قيمتها. وإنَّ تكرار هذا الخبر القديم يعني أنَّ تجربة اكتشاف هذه الحقيقة تتكرر باستمرار.

وقد تحول إعلان هذا الموت القديم جداً إلى تقليد ثقافي وفكري عند خاتمة كل تاريخ شخصي مع الإسلام.

2.

ليس هذا الإعلان مجرد إعلان رمزي عن حدث سابق، بل هو إعلان عن موقف معاصر لحياة الأشخاص وهو مضاد للعقيدة الإسلامية ورؤية مستقبلية للحياة.

إنه إعلان للمستقبل.

3.

موت "الله" هو المعادل الموضوعي لانهيار الأوهام.

4.

ولهذا فإن هذه "الخاتمة" هي بداية طريق طويل حتى يكاد المرء لا يرى نهايته.

إذ ليس ثمة خاتمة إلا بالمعنى المجازي. فكل خاتمة هي بداية جديدة لتاريخ جديد.

5.

قد يشعر المرء بالغربة بعد انهيار الأوهام.

إلا أنَّ التجربة البشرية تقول بأنك لن تجد نفسك إلا حين تتغرب. وهذه هي أول لحظة في تاريخ الوعي البشري:

انفصال الإنسان عن الوسط المحيط:

فهو لم يعد جزءاً أعمى صلداً في هذا الوسط، بل أخذ يدرك ذاته ويشرع في امتلاك الوسائل الضرورية للسيطرة عليه والتحرر منه في آن واحد.

6

إنَّ كامل منظومة التعاليم اللاهوتية والطقوس والأعراف والمواضعات الدينية الإسلامية لها هدف واحد لا غير:

إنْ يكون المسلم "جُزْءاً " تافهاً من كيان صلد أعمى لا كيان منفصل حر. فالحرية والتفكير المستقل تؤديان بالمرء إلى ذاته – والإسلام لا يكره "الذات" الإنسانية فقط بل ويتعارض معها تعارضاً لا يمكن تذليله.

المسلم مكلف. والتكليف تفريغ لاستقلالية الذات الإنسانية.

7.

والآن هو خارج هذا الكيان الصلد الأعمى.

وهذا هو مصدر الغربة ولكنه مصدر الشعور بالحرية من أجل أنْ يكتشف طريقه – طريقه الشخصي.

هنا تتحول الغربة إلى نوع من الألفة:

فالآن يرى العالم كما هو؛

يرى أنَّ الحرية ليست وحدة مع النفس بل هي أداة للانتماء إلى العالم الحقيقي – بل وحتى الصعوبات والأزمات التي يتصف بها هذا الطريق هي صعوبات وأزمات العالم الحقيقي وليس عالم الأوهام.

8.

ليس الطريق سهلة لكنها طريق مفتوحة على أفاق لم يكن يفكر بها أو يتوقع وجودها:

الحياة هنا والآن بكل أزماتها وشرورها وجمالها وتحدياتها اليومية.

هذه هي الحياة الوحيدة للوجود البشري - أما ما عدا ذلك فهو مجرد أوهام.

 

[ها هو الطريق سالك – والوصول إلى النهاية يعتمد عليك]