المهدي المنتظر[3]: خرافة الإمام الثاني عشر الذي لم يُولَد حتى يغيب 

ملاحظة عامة:

بسبب حرصي على أنْ تكون المقالات بحجم معين يسهل قراءتها ولا يشتت ذهن القارئ عن الفكرة الرئيسية فإنَّ الأمر يتطلب عدم مناقشة الكثير من القضايا والإشارة إلى الكثير من الأحداث والمصادر المتوفرة.

ولهذا فإنَّ هذه المقالات (والتي تعتمد على المصادر الشيعية فقط) هي بمثابة منافذ للقارئ يطلع من خلالها على أهم الحقائق المتعلقة بالموضوع وتوجه اهتمامه إلى متابعتها بحرية في مصادر الشيعة أو المصادر الأخرى شخصياً.

مقدمات:

[1]

تتسم أسطورة موت "يشوع" وقيامه (وهي من الأساطير المؤسسة لأسطورة "المهدي المنتظر") بنوع من المنطق الشكلي السردي الحكائي الأسطوري [حتى مسلسل الأطفال: "ميكي ماوس" يتضمن نوعاً من التماسك السردي]:

فقد ظهر طفل بـ"معجزة" ثم صُلب " للأسف بدون معجزة"، وبعد ذلك قام "بمعجزة"!

وكما يلاحظ القارئ أننا أمام حكاية معجزات (حتى وإنْ غابت هنا أو هناك)، لكنها مع ذلك منطقية "من الناحية الشكلية" بكونها حكاية أسطورية.

فـ"صاحبنا"، الذي خذله أبوه أمام مرأى البشر، في الأسطورة لم يُصْلَبُ إلَّا بَعْدَ أنْ ولد؛ ولم "يَقُمْ -إنْ قامَ" إلا بعد أنْ صُلب.

أمَّا فيما إذا كانَ قد وُلد وصُلب وقامَ – فهذه قضية أخرى وعلى عهدة صيادي السمك - مؤلفي العهد الجديد.

[2]

لكنَّ المشكلة "الصغيرة!" في أسطورة "الإمام المنتظر!" الشيعي الإثني عشري هي أنَّ ""صاحبنا - عجل الله فرجه"- الإمام الذي يلعب تحت رقم [12] لم يُولَدْ ولم يلد "لا بمعجزة" و "لا بدون معجزة" – بل لم يُولدْ كما يولد الأطفال، ولا كما وُلِدَ يشوع، ولا حتى بطريقة قيصرية (إخراج الطفل عن طريق شق البطن). بل أنَّ الحسنَ العسكري – الإمام [رقم11] لم يتزوج ولا أحد يعرف بأنه قد تزوج ولا حتى أقرب الأقربين إليه: أخوه جعفر وعمته حكيمة التي تعيش على قاب قوسين أو أدنى منه!

نحن لا نملك غير خرافة سخيفة (بكل ما يمكن أن يكون السخف) تسرد لنا أحداثاً مهلهلة (هي أسوء من أحداث أية أوبرا سيئة) وتصطنع شخوصاً مثيرة للضحك والهزل ولا شيء آخر.

غير أنَّ المؤلفين الشيعة قلبوا فيما بعد إنَّ "الطفل المستحيل" هذا قد مات (ولينتبه القارئ: من غير أن يولد) – ولنقل على أساس منطق الشيعة الساذج: قد "غاب" والغياب "شئنا أم أبينا" معجزة!

وهذا عبث روائي وسردي وأسطوري:

إنه إخلال فض حتى بمنطق السرد الأسطوري.

[3]

فهو لكي يغيبَ فإن عليه أن يولد أولاً (حتى لو كانت الولادة "قليلة" جداً!!!) ويتمتع بالحضور (ولو قليلاً جداً) وإن يراه على الأقل شخص واحد "ولو قليلاً جداً"، ثم ليغب بعد ذلك مَا شَاءَ من الغياب ومتى شَاءَ أن يغيب وأينما أراد أن يغيب في سرداب في سامراء أمْ في جبل أعلى مِنَ السماء – فهذه قضيته وإلى حيث ألقت رحلها!

1.

قبل أن نتحدث عن أسطورة "المهدي المنتظر" – هذا الذي سوف يقوم كما قام يشوع [وهو موضوع الحلقة القادمة] فإننا لابد وأن نمر على قضية يهرب منها الشيعية بكل ما استطاعوا من قوة وعزم وبذلوا الغالي والنفيس من أجل دحضها. فلفقوا كالعادة عشرات الخرافات من أجل تبرير خرافة واحدة!

فقد مات الإمام الحادي عشر – الحسن العسكري [260 ه] من غير "خلف" له، بل ولا يوجد ما يشير حتى إلى أنَّ له زوجة.

وكالعادة، وكما حصل بالعلاقة مع كل "إمام" وقع أنصار عقيدة "الأئمة الإثني عشر" في ورطة وتفرقوا إلى فرق [سوف نشير إلى هذا الموضوع في الحلقة القادمة] وقد كان عليهم الخروج من هذه الورطة من أجل إكمال العدد الذي تتضمنه الأسطورة: الإمام الثاني العشر!

وهكذا كان عليهم "إيجاد" هذا الولد رغم أنف التاريخ والحقيقة!

2.

هل وُلِدَ أمْ لمْ يُولدْ هذا هو السؤال؟

فهل وُلِدَ للحسن العسكري (الإمام الحادي عشر) ابنٌ، وإذا ما ولد له أبنٌ هل عاش لكي "يتقلد" الإمامة المفترضة؟ وهل رآه أحد؟ وهل للحسن العسكري زوجة؟

وهل حملت هذه الزوجة؟

وهل ولد "شيء" من هذا الحمل؟

وهل رأى أحدٌ هذا الطفل؟

إنها أسئلة تصيب بالصميم الأساس الذي تستند إليه الشيعة في عقائدهم.

إن خطورة عقيدة "المهدي المنتظر" والإمامة، وكل العقائد الشيعية الأخرى، لا تكمن في كونها تدخل في باب أصول العقيدة الدينية، بل أنها اكتسبت منذ ظهورها مكونات ومطالب وأهداف سياسية محضة، من جهة وهي "الأفيون" المجاني الذي قام ويقوم اللاهوت الشيعي في زرعه في عقول البسطاء والسذج والفقراء المسلمين الذين يحاربون ليل نهار من أجل لقمة العيش من جهة أخرى.

3.

لنختار مصدراً لكاتب مرموق وشهير ويحتل مكانة بين المؤرخين المسلمين:

لنقرأ ما يكتبه المسعودي أبو الحسن علي بن الحسين [283-346] المؤرخ المتشيع في كتابة " إثبات الوصية للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام 1988]:

"و(روى) جماعة من الشيوخ العلماء، منهم علان الكلابي وموسى بن محمد الغازي وأحمد بن جعفر بن محمد بأسانيدهم أن حكيمة بنت أبي جعفر عليه السّلام عمّة أبي محمّد (ع) كانت دخلت الى أبي محمّد فتدعو له أن يرزقه الله ولدا وأنها قالت دخلت عليه يوما فدعوت له كما كنت أدعو، فقال لي يا عمّة أما انّه يولد في هذه الليلة وكانت ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين المولود الذي كنّا نتوقعه فاجعلي إفطارك عندنا ـ وكانت ليلة الجمعة فقلت له ممّن يكون هذا المولود يا سيدي فقال من جاريتك نرجس قالت ولم يكن في الجواري أحبّ إليّ منها ولا أخف على قلبي، وكنت اذا دخلت الدار تتلقاني وتقبّل يدي وتنزع خفي بيدها، فلما دخلت إليها ففعلت بي كما كانت تفعل ، فانكببت على يدها فقبلتها ومنعتها ممّا تفعله ، فخاطبتني بالسيادة ، فخاطبتها بمثله ، فأنكرت ذلك ، فقلت لها لا تنكري ما فعلته فان الله سيهب لك في ليلتنا هذه غلاما سيّدا في الدّنيا والآخرة قالت فاستحيت.

قالت حكيمة فتعجبت وقلت لأبي محمّد إني لست أرى بها أثر حمل فتبسّم صلّى الله عليه وقال لي انّا معاشر الأوصياء لا نحمل في البطون ولكنّا نحمل في الجُنُوب [الجَنْبُ والجَنَبةُ والجانب: شق الإنسان، ناحيته]. وفي هذه الليلة مع الفجر يولد المولود المكرّم على الله إن شاء الله"!!! [ص:272]

3.

هذه هي "الواقعة التاريخية!" على الحمل المقدس في "الجُنُوب وليس في البطون" للإمام [الثاني عشر] والذي سيكون "المهدي المنتظر"!

هل يحتاج القارئ العاقل إلى تعليق؟

في صياغة الحكاية كما سردها المسعودي نفهم شيئين:

أن عمته "حكيمة" لا تعرف شيئاً عن الأم التي ستحمل بالمهدي " فقلت له ممّن يكون هذا المولود يا سيدي؟".

وإنَّ "الأم" المستقبلية لا تعرف بأنها حامل بحيث أن عمته هي التي تخبر الجارية [وليس الزوجة] بأنها ستلد!

ولكن من يقرأ هذه الحكاية كما يسردها لنا المجلسي (في بحار الأنوار) سوف "يندهشُ" كيف "تندهشُ" الجارية لتصريح عمة الإمام [الحادي عشر] بأنها حامل:

"فأنكرت قولي وقالت ما هذا يا عمة قالت فقلت لها: يا بنية إن الله تبارك وتعالى سيهب لك في ليلتك هذه غلاما سيداً في الدنيا والآخرة"!

[بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي، الكتاب الثالث عشر، ص 5، قُمْ 1388]

لنمضي بالرواية "الوثائقية!" التي يسردها لنا واحد من أكبر المؤرخين المسلمين وبلسان حكيمة عمة الإمام [الحادي عشر]:

"قالت فنمت بالقرب من الجارية، وبات أبو محمد [الإمام الحادي عشر] عليه السّلام في صَفَّة في تلك الدار، فلما كان وقت صلاة الليل قمت والجارية نائمة ما بها أثر الولادة، وأخذت في صلاتي ثم أوترت.

فبينا أنا في الوتر حتى وقع في نفسي أن الفجر قد طلع ودخل في قلبي شيء، فصاح أبو محمّد عليه السّلام من الصَّفَّة لم يطلع الفجر يا عمّة بعد، فأسرعت الصلاة وتحرّكت الجارية فدنوت منها وضممتها إليّ وسمّيت عليها ثم قلت لها هل تحسين شيئا قالت نعم. فوقع عليّ سبات لم أتمالك معه ان نمت. ووقع على الجارية مثل ذلك فنامت وهي قاعدة. فلم تنتبه إلّا وهي تحس مولاي وسيدي تحتها وبصوت أبي محمد عليه السّلام وهو يقول يا عمتي هات ابني إليّ. فكشفت عن سيّدي صلّى الله عليه فاذا أنا به ساجدا منقلبا الى الأرض بمساجده وعلى ذراعه الأيمن مكتوب: جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً. فضممته إليّ فوجدته مفروغا منه ـ يعني مطهّر الختانة ..."[المسعودي: ص 273] راجع أيضاً [المجلسي: ص 6 مع بعض التغييرات الإنشائية المضحكة]

4.

أجد في نفسي ممانعة عقلية هائلة في أنْ أُكْمِلَ الحكاية السخيفة عن "ولادة" الإمام [الثاني عشر]. كما أنني لا أريد أن أستهزأ بعقول القراء كما يستهزأ اللاهوت الشيعي والمخرفين وأنصاف المتعلمين والجهلة بعقول الناس؟

لكنني مضطر لاقتباس السطور أعلاه حتى يعرف القارئ إلى أي منحدر ينحدرون وكيف يمكن أن تقودَ الخرافاتُ الشيعيةُ الناسَ البسطاء وأصحاب الأدمغة البلاستيكية إلى هاوية اللاعقل!

لكنَّ التخريف الشيعي بصدد وهم الإمام [الحادي عشر] لم يقف عند هذا الحد.

فالمسعودي، كما يبدو، لم يرض أن تنتهي الحكاية عند هذا الحد – فعلى الإمام المنتظر أن يمشي وأن يركض في فترة زمنية قصيرة محدودة:

وهكذا تواصل "عمتنا" حكيمة روايتها "الوثائقية":

"بعد أربعين يوما دخلت دار أبي محمّد عليه السّلام فاذا بمولاي يمشي في الدار فلم أر وجها أحسن من وجهه (صلّى الله عليه) ولا لغة أفصح من لغته. فقال أبو محمّد عليه السّلام: هذا المولود الكريم على الله جلّ وعلا.

قلت: يا سيدي ترى من أمره ما أرى وله أربعون يوما.

فتبسّم عليه السّلام وقال:

يا عمتي أو ما عَلِمْتِ إنَّا معاشر الأوصياء ننشأ في اليوم مثل ما ينشأ غيرنا في الجمعة وننشأ في الجمعة مثل ما ينشأ غيرها في الشهر وننشأ في الشهر مثل ما ينشأ غيرنا في السنة.

فقمت فقبّلت رأسه وانصرفت"!

هل يكفي هذا للبرهنة على "ولادة" الإمام، وكيف شبَّ وشاب بأربعين يوماً، وكيف تعلم وتثقف وفصح لسانه!

وكل هذا ولا أحد يعرف بولادته حتى اللحظة الراهنة غير عمة أبيه!

ولأن "الحكاية" الملفقة لا تحتمل الاستمرار (أو قد يبدو أن المسعودي عاجز عن الاستمرار بها من غير شهود) ولهذا فقد تقرر موت الإمام (أو غيابه – لا فرق).

تقول عمة الأئمة حكيمة:

"ثم عدت وتفقدته فلم أره فقلت لسيدي أبي محمّد عليه السّلام: ما فعل مولانا؟

فقال: يا عمّة استودعناه الذي استودعت أم موسى"!

إذن غاب الإمام بكل هذه العجالة!

5.

وكما هو متوقع فإن ملفقي "التاريخ" الشيعي يواصلون رواية هذه الحكاية بهذا السن أو ذاك (والسند لعبة إسلامية) لكنهم لا يخرجون عن المنطق السقيم للمعجزات.

فابن بابوية القمي "المعروف بالشيخ الصدوق!" [306-381 ه] في"کمال الدین وتمام النعمة" ج2 يسير على هدى المسعودي حذو النعل بالنعل ولا يغير غير السند:

" حدثنا محمد بن الحسن بن الوليد رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار قال: حدثنا أبوعبدالله الحسين بن رزق الله قال: حدثني موسى بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: حدثتني حكيمة بنت محمد بن على بن موسى بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبي طالب عليهم السلام، قالت: بعث إلي أبو محمد الحسن بن علي عليهما السلام فقال: يا عمة اجعلي إفطارك[هذه] الليلة عندنا فإنها ليلة النصف من شعبان فإن الله تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة والحجة وهو حجته في أرضه، قالت: فقلت له: ومن أمه؟ قال لي: نرجس، قلت له: جعلني الله فداك ما بها أثر، فقال: هو ما أقول لك، قالت: فجئت، فلما سلمت وجلست جاءت تنزع خفي وقالت لي: يا سيدتي [وسيدة أهلي] كيف أمسيت؟ فقلت: بل أنت سيدتي وسيدة أهلي، قالت: فأنكرت قولي وقالت: ما هذا يعمه؟ قالت: فقلت لها: يا بنية إن الله تعالى سيهب لك في ليلتك هذه غلاماً سيداً في الدنيا والآخرة قالت: فخجلت واستحيت [...]

قالت حكيمة: وخرجت أتفقد الفجر فاذا أنا بالفجر الاول كذنب السرحان وهي نائمة فدخلني الشكوك، فصاح بي أبو محمد عليه السلام من المجلس فقال: لا تعجلي يا عمة فهاك الامر قد قرب، قالت: فجلست وقرأت الم السجدة ويس، فبينما أنا كذلك إذا انتبهت فزعة فوثبت إليها فقلت: اسم الله عليك، ثم قلت لها: أتحسين شيئا؟ قالت: نعم يا عمة، فقلت لها: اجمعي نفسك واجمعي قلبك فهو ما قلت لك، قالت: فأخذتني فترة وأخذتها فترة فانتبهت بحس سيدي فكشفت الثوب عنه فإذا أنا به عليه السلام ساجدا يتلقى الارض بمساجده فضممته إلى فإذا أنابه نظيف متنظف فصاح بي أبو محمد عليه السلام هلمي إلي ابني يا عمة فجئت به إليه فوضع يديه تحت أليتيه وظهره ووضع قدميه على صدره ثم أدلي لسانه في فيه وأمر يده على عينيه وسمعه ومفاصله، ثم قال: تكلم يا بني فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم صلى على أمير المؤمنين وعلى الائمة عليهم السلام إلى أن وقف على أبيه"!!!![ص 453]

6.

صَدَقْت حكيمة!

أما المجلسي [1037-1111 ه] في " بحار الأنوار، الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار " الكتاب الثالث عشر فهو يفعل ذات الشيء الذي فعله القمي ويقوم بتكراره حرفياً.

وها هو يواصل اللعبة:

"قالت حكيمة: فلما كان في اليوم السابع جئت وسلمت وجلست فقال: هلمي إلي ابني فجئت بسيدي في الخرقة ففعل به كفعلته الأولى ثم أدلى لسانه في فيه.

كأنه يغديه لبناً أو عسلاً ثم قال: تكلم يا بني فقال عليه السلام: أشهد أن لا إله إلا الله وثنى بالصلاة على محمد وعلى أمير المؤمنين والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين حتى وقف على أبيه عليه السلام ثم تلا هذه الآية " بسم الله الرحمن الرحيم ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين [...]

قال موسى: فسألت عقبة الخادم عن هذا فقال: صدقت حكيمة"[ص: 6]

أنظر أيضاً: " کمال الدین وتمام النعمة" ج2 ص 454.

7.

حكيمة: الشاهد المستحيل!

لكن المجلسي، وخلافاً لمن سبقه، قرر أن "يُزَوِّج" الجارية نرجس للإمام [الحادي عشر] حتى لا تبقى شبهات معلقة، كما كانت معلقة عند المسعودي والقمي. والمصيبة الكبرى أن المصدر والشخصية الرئيسية هي ذاتها: العمة حكيمة:

فقلت: يا مولاتي هل كان للحسن عليه ‌السلام ولد فتبسمت ثم قالت: إذا لم يكن للحسن عليه ‌السلام عقب فمن الحجة من بعده؟ وقد أخبرتك حدثيني بولادة مولاي وغيبته عليه ‌السلام. قال: نعم، كانت لي جارية يقال لها نرجس : فزارني ابن أخي عليه ‌السلام وأقبل يحد النظر إليها ، فقلت له : يا سيدي لعلك هويتها فأرسلها إليك؟ فقال: لا يا عمة لكني أتعجب منها فقلت: وما أعجبك؟ فقال عليه ‌السلام سيخرج منها ولد كريم على الله عزوجل الذي يملا الله به الارض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما فقلت: فأرسلها إليك يا سيدي؟ فقال: استأذني في ذلك أبي، قالت : فلبست ثيابي وأتيت منزل أبي الحسن فسلمت وجلست فبدأني عليه ‌السلام وقال : يا حكيمة ابعثي بنرجس إلى ابني أبي محمد قالت : فقلت : يا سيدي على هذا قصدتك أن أستأذنك في ذلك، فقال : يا مباركة إن الله تبارك وتعالى أحب أن يشركك في الاجر ويجعل لك في الخير نصيبا قالت حكيمة : فلم ألبث أن رجعت إلى منزلي وزينتها ووهبتها لابي محمد وجمعت بينه وبينها في منزلي فأقام عندي أياما ثم مضى إلى والده ووجهت بها معه"[ص:10]

إذن ذات المصدر الثقة "حكيمة " تفاجأت عند المسعودي بنكاح الإمام [الحادي عشر] لجاريتها نرجس (وهذا ما نلاحظه عند القمي وآخرين) فإنها تقوم عند المجلسي في " بحار الأنوار" الكتاب الثالث عشر [الجزئين 51-52] شخصياً بتزويج جرايتها نرجس للإمام [الحادي عشر] (‫وعاشوا في تبات ونبات وخلفوا صبيان وبنات)!

8.

كما يلاحظ القارئ الذي صان عقله (أمَّا الذي ودعه فإلى جهنم وبئس المصير!) بأنَّ تاريخ ولادة الإمام [الثاني عشر] يستند بالكامل إلى لسان من يقولون عنها بأنها "ناقصة عقل ودين!" ولا تُقبل شهادتها أمام المحكمة وهي عند الإمام [الأول]:

"إن النساء نواقص الإيمان، نواقص الحظوظ، نواقص العقل"[ص:105]

و "خِيَارُ خِصَال النساء شِرَارُ خِصَال الرجال"[ص:508]

و " المرأة شرٌّ كلُّها وأشرُّ ما فيها أنَّها لابدَّ مِنْها"[ص: 510]

[نهج البلاغة، دار الكتاب المصري وطار الكتاب اللبناني، القاهرة – بيروت 2004]

فهي في وجودها "ناقضة عقل ودين" وعندما يتعلق الأمر بالأساطير فإنَّ عليهم إعلاء شأنها وتحويلها إلى "شاهد مقدس" يشهد على المعجزة!

وقد صنع المؤلفون الشيعة سلاسل إسناد مختلفة ولكنهم ومهما لعبوا وتشقلبوا وتفننوا بـ"تقنيات" الإسناد وغيروا البداية وأحلوا محل النهاية أسماء جديدة فإن السلسلة – آجلاً أمْ عاجلاً تنتهي عند حكيمة عمة الإمام [الحادي عشر] ولا شاهد آخر غيرها!

بل لا وجود حتى لأخي الإمام [الحادي عشر] جعفر الذي تمَّ تجاهله بالكامل في جميع الروايات المتعلقة بالولادة "الغائبة" ولم يحضر في روايات الشيعة إلا عندما قرر أنْ يحل محل أخيه المتوفي والمطالبة بالإمامة وبالميراث لأنَّ أخيه لا ورثة له!

ونفس الشيء حدث مع أم " الإمام رقم 11". فهي لم تحضر في الروايات إلا عندما تعلق الموضوع بتقاسم الميراث مع ابنها جعفر.

لقد أفسد جعفر، إذن، عليهم ما صنعوه وكان عليهم إخراجه من العائلة المقدسة بأي ثمن، وتكذيبه والتشهير به على تقاليد الشيعة.

أمَّا الفرق الشيعية فإنها جميعاً (ما عدا فرقة واحدة) لم تعترف بخرافة "الولد الذي لم يلد" واعتبرت الكثير منها بإمامة جعفر كإمام "رقم 12".

وهذا ما سنطلع عليه بشيء من التفصيل في الحلقة القادمة.


[المهدي: من وحي الخيال اللاهوتي الساذج الذي تحوَّل إلى حقيقة مقدسة]