Blogger المدونة الرئيسية في
["طاقية الخفاء" الأسطورية]
1.
أتذكر أنني قرأت في مكان ما أنَّ في إحدى التجارب التي أجريت على بعض القردة بهدف التعرف على كيفية تصرفها إزاء قضية الالتزام بقواعد معينة مثل "المنع" و"الإباحة" قد تم وضع سلة من الفاكهة في مكان قريب من قفص كل واحد من القرود. وقد كان القرد يستطيع أن يمد يده عبر القضبان وأخذ الفاكهة. إلا أن من شروط التجربة هو السماح له بمد يده وأخذ الفاكهة في حالة الظلام فقط. أمَّا عندما تُضاء مصابيح القاعة فإنه لا يستطيع مد يده عبر القضبان لأن أحد المشرفين يقوم بمنعه قبل وصول يده إلى السلة.
ولهذا فقد ارتبطت "الإباحة" عند القرد بمد يده وأخذ الفاكهة في حالة عدم الرؤية – في الظلام.
وهكذا تعلمت القرود ألا تمد ايديها عبر القضبان عندما تكون القاعة مضاءة لأنه سوف يتم منعها. وهذه من دروس الأفعال الشرطية التي توصل إليها العالم الروسي بافلوف.
ولكن في أحد الأيام وخلال النهار وضع أحد القرود بصورة اعتباطية إحدى يديه على عينيه ولم يعد يرى شيئاً. حينئذ خطرت له فكرة مد يده وأن يأخذ فاكهة من السلة لإنه لم يعد يرى شيئاً – فقد أطفئت المصابيح!
وهكذا تركوه يقوم بهذه "الحيلة" (على طريقة الحيل الفقهية الإسلامية الشهيرة) المرة بعد الأخرى بمد يده عبر القضبان وأخذ ما يتمكن من الفاكهة واضعاً إحدى يديه على عينيه.
الحق أنني لا أتذكر كيف انتهت التجربة، لكنني لا أستطيع الآن إلا أنْ أقرر بأنَّ القائمين على التجربة قد علموا القرد الكذب بدلاً من أن يعلموه معنى "الممنوع و"المسموح"!
هل يذكركم هذا الأمر بالعقيدة الإسلامية؟!
وبأنصف المتعلمين من المسلمين الذين ينتشرون في المنتديات كالفِطْر "الكَمَأ"؟!
2.
أما أنا فقد ذكرتني هذه التجربة بحكاية سمعتها من جِدِّي عن الصبي، ابن العائلة الغنية، الذي كان يسرق الفاكهة من بستان أبيه (وما كان ثمة ضرورة لكي يقوم بذلك ففاكهة البستان في متناوله دائماً) وهو مغمض العينين حتى لا يراه حارس البستان!
ولأن الحارس يعرف بأنه ابن سيده ورب عمله فلم يكن يعترض طريق الصبي، بل كان يقطع بعض الثمار من الأشجار ويلقيها تحت أقدام الصبي الذي يعتقد بأنها تقع من الأشجار لوحدها أو بقدرة قادر (فهو لا يعرف تفاحة نيوتن ولا يعرف الجاذبية وظل هكذا حتى آخر حياته – فهو واحد من المسلمين الذين هربوا من المعارف).
وعندما شبَّ هذا الصبي (ولابدَّ أنْ يشبَّ في يوم ما – فحتى الأغبياء يشبون) لم يتعلم الدرس مطلقاً:
فقد ظل يسرق من أبيه تحت "جنح الظلام" معتقداً بأن لا أحد يعرف سرقاته!
3.
ومن أجل الحقيقة التاريخية:
فإن القِرْدَ في هذه الحالة أقلُّ "غباءً" من الصَّبي!
لكنَّ القِرْدَ ليس ذكياً مهما كانت الكمية التي حصل عليها من الفاكهة. فقد تحول إلى "محتال" من الدرجة العاشرة (أو أية درجة مناسبة) بسبب تواطئ الآخرين معه لا بسبب قدراته العقلية. ولو كانَ مراقبو التجربة يتحلون بما يكفي من الأمانة لما استطاع القِرْدُ أنْ يأكل قطعة صغيرة من الفاكهة طوال حياته عندما تكون المصابيح مضاءة!
4.
هذه هي ثقافة "طاقية الخفاء" التي تجعل من يرتديها (أو يعتمرها) غير مرئي، حيث لا يختلف بعض البشر عن الحيوانات قيد شعرة!
فشعورهم (وهم يحتكمون إلى مشاعرهم دائماً وأبداً) بأنَّ لا أحد يراهم أو يراقبهم يجعلهم يقترفون الكثير من الجرائم تحت جنح الليل – الحقيقي والمجازي (لا علاقة للموضوع بالمسلسل البلجيكي: Into the Night).
إنَّ هذه الثقافة اللعينة (أقصد ثقافة طاقية الخفاء) هي من بقايا الطفولة لكنها قد تتحول إلى ثقافة راسخة عند الكبار. وهذا يعني أنهم لم يبتعدوا كثيراً عن خفة العقل الطفولية وقلة التجربة.
فثمة مسلمون يعتقدون (وهم يعتقدون فقط) بأن لا أحد يراهم – لا لسبب إلا لأنهم يختفون خلف شاشة الكمبيوتر ويلفقون الأكاذيب ويزيفون الحقائق.
5.
وعندما نتحدث عن بقايا الطفولة فإنَّ المعنى المجازي يمكن أن يحيلنا إلى الميثولوجيا اليونانية (وعصر اليونان هو عصر الطفولة البشرية) فإننا نجد طاقية الخفاء " Helm of Darkness " وهي الخوذة الأسطورية التي كانت ترتديها "أثينا" إلهة الحكمة وبعض الآلهة الآخرين فكانت تتكون حولهم سحابة من الضباب تجعلهم غير مرئيين من قبل الآخرين.
فإذا كنا لا نرى الآلهة – أو أنصاف الآلهة بسبب خوذة ترتديها (ولهذا فلا وجود لهم إلا في العقول المدمنة على تعاطي الأوهام والمخدرات) فإننا نرى ما يقوم به البشر سواء ارتدوا هذه الخوذة أمْ لا.
نحن نراهم بوضوح – هو أقرب إلى وضوح الشمس، بل ونعرف ما يخفونه ويتسترون عليه.
فالمعرفة الحقيقية تمتلك من القدرة ما يمتلكه الضوء. أما التجربة فلها قوة التعود على الرؤية الليلية التي تمتلكها القطط!
["طاقية الخفاء" الأسطورية]
6.
وإذا ما أردنا أن نترجم مفهوم "طاقية الخفاء" إلى لغة الفقه الإسلامي (والفقهُ ألعاب لغةٍ أكثر من أي شيء آخر) فسوف نصطدم لا محال بمفهوم "الحيل الفقهية" الحنفي.
إنَّ المسلمين – سواء قبلوا "الحيل الفقهية" أمْ لا، فإنهم من أكثر الشعوب ارتباطاً بثقافة الحيل و"طاقية الخفاء".
فـ"الفقه" لعبة يتم عن طريقها "تحريم" و"إباحة" ما "يعتقد" رجال اللاهوت صلاحيته أو عدم صلاحيته للبشر. ولا يحتاج الطريق إلى منحه الشرعية غير اقتباس واحد من مئات الآلاف من النصوص المزيفة التي يسمونها "أحاديث".
وقد تحولت لعبة "الحديث" ومنطق لوي عنق اللغة فيما يسمى "تفسير" إلى "طاقية الخفاء" وكأنها سحابة من الضباب أو البخور يتخفى رجال اللاهوت خلفها ويتسترون على نواياهم الشخصية ومصالحهم الطائفية.
والخاسر الوحيد هو:
الملايين من الفقراء الذين تحولوا إلى ضحية لجهلهم وغياب قدرتهم على التفكير النقدي وعدم معرفتهم بأنَّ "طاقية الخفاء" أسطورة ويكفي أن يفتحوا عيونهم لكي يروا الواقع كما هو ...
انتباه!
هذه الطاقية لا تخفيكم عن الآخرين. إنها تخفي عدم إيمانكم فقط:
ليس للموضوع بقية [لحد الآن] . . .