Blogger المدونة الرئيسية في
1.
أعترفُ أنَّ "معجزة" البحر الذي شقه موسى بعصاه [أو بأي شيء آخر!] تصنع في الرؤوس الساذجة عبر التاريخ صور مثيرة للخيال الديني ولابد أنها تحفز الساذج على أن يكون أكثر سذاجة [إنَّ الكثير من اليهود المتعلمين الذين التقيتهم لا يأخذون هذه القصة إلا باعتبارها رمزاً لعناية الرب بالشعب الإسرائيلي].
ورغم ذلك فإن أسوء ما في هذه الخرافة ليس مضمونها الخرافي بل أنها حدثت في "عصور غابرة جداً جداً" من غير أي دليل أو أثر على حدوثها [طبعاً هذه محاكمة عقلية مع المسلم فقط. إذ لا يمكن البرهنة على خرافة].
أقول "دليلاً" لا لأنه ثمة دليل بالنسبة للعاقل ولكن مَنْ يدعي أمراً ما فإن عليه أن يعطي شيئاً من رائحة "الدليل" على ما ادعى – حتى لو كان الأمر يتعلق بأسطورة.
أمَّا منطق "صدقني! أنا أقول الحق" فهو منطق أعوج لا يصلح لغير الاستخدام الداخلي بين المؤمنين. فهم سكارى – وما هم بسكارى فقد خُتِمَ على عقولهم [وليس قلوبهم] بالشمع الأحمر.
أمَّا الدليل من ذات الحكاية التي لا دليل عليها فهو إفلاس فكري من الطراز الرفيع!
2.
يتساءل جورج طرابيشي في بداية كتابه [سبات العقل في الإسلام]:
- هل أنَّ سبات العقل في الإسلام جاء من جراء عوامل خارجية أم أن استقالة هذا العقل ما جاءت بعامل خارجي، ولا تقبل التعليق على مشجب الغير، لأنها في الأساس مأساة داخلية ومحكومة بآليات ذاتية، يتحمل فيها العقل العربي الإسلامي إقالة نفسه بنفسه؟
والجواب الذي لا يحتاج الكثير من التفكير هو أنَّ هذه "الاستقالة" التي دامت أكثر من 14 قرناً هي حصيلة داخلية متجذرة في العقيدة الدينية والتي تتمثل في "منطق المعجزة" في الموروث العربي الإسلامي.
3.
محمد وخلافاً لأعضاء فريق الأنبياء الإبراهيميين ظل يتيماً لا معجزة له يفخر بها بين الأنبياء. والأنكى من ذلك، وكما تقول السيرة الأدبية للإسلام نفسها، إن محمداً وعندما عرَّج إلى السماء السابعة وكان على قاب قوسين أو أدنى من ربه فإنه لم يتعرف عليه أحد:
كان مجهولاً تماماً بين الملائكة والفضل يعود إلى كبير الأنبياء إبراهيم الذي عرف طاقم المكتب الإلهي به!
4.
بل أنَّ عائشة [ورغم أنها لم تكن شاهداً مثل أم هاني!] قررت أنَّ محمداً قد عرَّج إلى السماء في منامه أو كما تقول – لم يبارح فراشه. وشهادة عائشة – سواء كانت شاهدة عيان أمْ لا، تُعادل عند السنة شهادة 12 إماماً معصوماً!
والبرهان على غياب المعجزة هو كتاب محمد:
فمهما طالب القوم في مكة ويثرب، وسواء كانوا من "الكافرين" أم من أهل الكتاب بأن يقدم لهم ولو "مُعَيْجِزَة!" واحدة كان محمد يعتذر المرة تلوى الأخرى ويتحجج بأنه "رجل مثلهم" ويُحِيلُ طلباتهم إلى المدير العام:
العلي القدير – هناك في السماء/ في مكان ما من درب التبانة!
5.
إنَّ غياب "المعجزة" التقليدية التي تحظى بقبول الجميع [من المعجبين والمعجبات بالأساطير] أخذ يكتسب قوة مع مرور الوقت.
في هذه الأثناء قررت الهيئة العليا لمؤلفي "المعجزات" العودة إلى الماضي السحيق – طفولة محمد الضائعة في صحراء التاريخ وتاريخ الصحراء على حد سواء، وفي فضاء الصحراء الفسيح الذي لا شاهد يشهد ولا عين ترى، وفبركوا خرافة الملائكة الذين شقوا صدر صاحبنا وأخرجوا قلبه ووضعوه في إناء من الذهب ثم غسلوه [لم يقولوا طبيعة السائل ومساحيق الغسيل المستخدمة] وأعادوه إلى مكانه. . إلخ [سوف أحلل بشيء من التفصيل "حديث "شق الصدر" في الحلقة التالية: "محمد [3]: حديث شق الصدر أكذوبة صريحة أمْ تخيليات؟"]
6.
حسناً!
وما هي العبرة؟
الحق أنها حكايةٌ أقرب إلى الكوميديا وأبعد ما تكون عن المعجزة.
لأن من شروط المعجزة وجود شهود عدول – كما حدث مثلاً مع شق البحر! – فقد شهد الحادث مئات الآلاف "!" أما استعراض نزهة يشوع على الماء وغيرها فقد حضره الكثير من الناس"!"؛ ورأوا بأمَّ أعينهم قابلياته الفذة ومهارته التقنية في تحويل الماء إلى نبيذ برمشة عين.
إنها أشياء بسيطة من واقع الحياة والناس بحاجة إلى هذا النوع من العروض.
7.
وهذا ما عجز عن صناعته المسلمون في البداية.
فتبارى الكتاب المسلمون - النكرات والمعروفون، العصابيون والدجالون المرتزقة، الأغبياء والمهوسون على توصيف محمد بأعظم الألقاب والصفات والقدرات التي يعجز العقل عن تخيل وجودها في رجل واحد! حتى أنَّ شيخ الأنبياء ومؤسس التقاليد النبوية لا يمتلك حتى ذرة من هذا المديح – أقصد إبراهيم..
لكنها، للأسف، لا تخرج عن إطار المديح – والمديح ليس معجزة!
8.
حينئذ انبرى للمهمة عُصْبةُ من أصحاب "النحو والبلاغة" فضربوا ضربتهم القاتلة: الإعجاز اللغوي!
ولكن من سوء حظهم إن هذه المعجزة لا تساوي شروى نقير بالنسبة للملايين من الأنصار والمعجبين والمعجبات " Fans" [من الطريف أن كلمة معجب Fan باللغة الإنجليزية تعني أيضا مِرْوَحَة!] الذين لا يعرفون القراءة والكتابة بالأمس واليوم وغداَ.
فـ"معجزات" يشوع مثلا ذات طابع سينمائي هوليوودي من الطراز الرفيع:
فالمشي على الماء وتحويل الماء إلى نبيذ وشفي المشلول وإعادة البصر للمكفوفين وأحياء الموتى وغيرها لها قوة في الماضي وفي الحاضر على حد سواء!
وفي عصر وسائل الفنون المرئية المتطورة تمتلك "قوة" سينمائية مدهشة على السذج هي أبعد تأثيراً وأمضى اثراً من بلاغة اللغة أو "إعجازها" المحمدي.
فالجاهل يجهل اللغة [ولهذا يسمى جاهل رغم أن الكثير من المتعلمين المؤمنين هم أيضاً يغرقون في الجهل] ولا يعتمد عليها في تحصيل "معارفه" الفقيرة. إذ أن مصدر معارفه المشاهدة والصور والخرافات القابلة للتحول إلى صور بسيطة وسهلة التقبل. وهذا ما ليس بإمكان خرافة الإعجاز تحقيقيه أن تقدمه.
إن بصمات الثقافة والأدب اليونانيين في صياغة معجزات يشوع واضحة بقوة وإن هذا النوع من المعجزات لا تحتاج إلى تفسير حتى لجهلة المسيحية - وهم كثيرون.
9.
وهذا ما كان يعرفه المسلمون جيداُ منذ عصر التدوين. ولهذا السبب انخرطوا في تأليف "المعجزات". لكنها "معجزات" ضعيفة جداً من الناحية التأليفية والبنائية والدرامية، كما أنها لم تتحول إلى صور. فقد كان تحريم تيوس الفقه للصور أكبر خطأ من الناحيتين الاستراتيجية واللاهوتية في نشر خرافات "الاعجاز!" المحمدية الإسلامية.
لقد فقدوا قوة هائلة لنشر الخرافات ولهذا السبب بالذات – وليس لسبب آخر يغض تيوس اللاهوت المعاصرين النظر عن المسلسلات العربية التي تلفق تاريخاً تلفزيونياً للإسلام حيث تنشر الخرافات والظلام في مملكة الظلام.
10.
وهذا ما سعت الشيعة إلى تلافيه من أجل نشر الخرافات الإمامية واستخدموا الرسم كوسيلة فعالة في خلق نجوم الإمامية [رغم أنها بالنسبة للعاقل مثيرة للضحك]!
أما قضية "الأعجاز" فهي لسوء حظ المسلمين لا تنفع لغير أنصاف المتعلمين الذين يعتقدون بأنهم يعرفون اللغة. وتحول اعترافهم بخرافة "الإعجاز" إلى وسيلة للظهور بمظهر "العارف".
غير أن مشكلة "الجهل" هو أن الجاهل لا يعرف جهله.
11.
إذن:
طلع محمد من المولد بلا حمص!
لا معجزة ولا هُمْ يحزنون!
- فما العمل؟
- هذه ليست قضيتي!