الإسلام دين عبودية [1]: مقدمة: أوهام الحرية في الإسلام
"إن عبودية القن تجعل السيد يفقد إنسانيته أيضاً"!
هيغل
ليس من هذا الموضوع هو تقرير واقع " أن الإسلام لم يلغ العبودية". فهذا واقع لا جدال فيه [وإن جادل فيه المسلمون]. إذ أن حصر "العبودية" في إطار "عدم إلغاء الرق" فقط ابتسار واختصار للقضية. وهذا ما يرحب به المسلمون دائماً حتى يتسنى لهم توظيف أسلحة اللغة العربية الفضفاضة والبلاغة الخطابية الخالية من المعنى والاستشهاد بنصوص أكثر "فضفضة" وهي نصوص مختلقة "حسب الطلب " تأتي مرة على لسان هذا ومرة على لسان ذاك.
في هذه الحلقة والحلقات القادمة سأقوم بمحاولة الكشف عن فكرة العبودية في ثقافة المسلمين وبشكل خاص في اللغة والأدب والفقه وفي إطار مراحل تاريخية مختلفة.
1.
ثمة نكتة تهكمية مشهورة تتحدث عن شخص لَصَقَ على سُّكَّرِيَّة (وعاء السُّكر) قطعة صغيرة من الورق مكتوباً عليها: "مَمْلَحَة" حتى يُبْعدَ النَّمْلَ عن السُّكر!!!
من المشكوك فيه أن يكون هذا الشخص قد حَلَّ مشكلة النَّمْلُ.
فالنَّمْلُ، كما يعرف الجميع عدا صاحبنا، لا يقرأ ولا يكتب (كالجزء الأعظم من المسلمين) ولهذا لن ينخدع بأنَّ هذا إناء ملحٍ وليس إناء سُكَّر! بلْ لا يوجد أيُّ شكٍّ بأنَّ النملَ قد هجم على السُّكَّرِيَّة وقضى حاجته من السُّكَّر الموجود فيها. فالنملُ، على عكس هذا النوع من “الكَتَبَة"، لا تخدعه هذه الحيلة الساذجة ولن ينخدع أيضاً الكثير من الناس بخرافات من نوع "غياب العبودية والرق في الإسلام" و"الحرية في العقيدة الإسلامية" أو أيِّ عنوان أنيق معاصر من هذا القبيل لا لسبب إلا لأن المسلمين يدَّعُون ذلك وهم يعتقدون به!
2.
فنحن لا نعتقد بأنَّ "الأرض تدور حول الشمس" لأنَّ مثل هذه العبارة قد كتبت في مكان ما!
لقد قبلنا بأنَّ "الأرض تدور حول الشمس" لأنَّ البشرية قد أثبتت عن طريق المعارف التي لا شك في صحتها والتجربة الفعلية والواقعية القابلة للامتحان أنَّ الأرض ليست مركز الكون وأنها تدور حول الشمس.
3.
ليست "الحقيقة" الادعاء بوجود شيء بل هي الشيء الثابت الصحيح؛ الثابت قطعياً؛ لا تهويش كلام أو أضغاث أحلام!
إن أحلام اليقظة "Maladaptive Daydreaming" التي تحلُّ محل الوقائع هي حالة مرضية تستدعي العلاج الطبي. وهذه من الأمراض البنيوية في جميع الأديان.
لا يمكننا أن ننتزع ثقافة الوهمَ من الأديان، فهي ستكف عن كونها أدياناً.
إن الدين هو المعادل الموضوعي للأوهام.
4.
إنَّ الحديث عن خرافات من نوع (الإسلام حارب العبودية) هو امتداد لأوهام المسلمين عن أنفسهم وعن تاريخهم وهو انعكاس للحالة المرضية"Maladaptive Daydreaming" التي يعانون منها كتعويض عما يفتقدوه.
وإن خطورة هذا النوع من الادعاءات لا تقل خطورة عن غياب الحرية ذاتها في عقيدة المسلمين وفي تاريخ تطبيقها. لأنَّ الكذب والتلفيق والتدليس ليست ظواهر بريئة تعبر عن "حرية التعبير". فشرعية حرية التعبير تكمن في قول الحقيقة أو في أسوء الأحوال غياب الكذب والتدليس والتلفيق.
أمَّا ما يقولونه عن تاريخهم وعقديتهم فهو مجرد" أخبار كاذبة". وإنَّ ما يسمى بـ"الأخبار الكاذبة" في عصر شبكات الاتصال الاجتماعية تشكل هجوماً مضاداً للديمقراطية والقوانين الوضعية وحق المجتمع بأن لا يكون ضحية للأكاذيب. إنها جريمة تخضع للمحاسبة القانونية حتى في الدول العربية (طبعاً إذا ما ارتأت الدولة هذا الأمر وإذا ما كان الأمر لا يضر بمصالحها!).
وإذا ما كانت نتائج فعل الكذب الذي قام به صاحب السُّكَّرِيَّة تقع على رأسه هُوَ فقط ولا أحد غيره يتحمل النتائج فإنَّ نتائج نشاط فيلق الأوهام وخرافة "الحرية في الإسلام" تقع على رؤوس الجميع!
إنها نسخة معاصرة "زمنياً فقط" من عصر التدوين القديمة:
حيث تم تزوير وتلفيق الأحداث مرة؛
وتمت صناعة التاريخ من هذه "المادة “الملفقة مرة ثانية؛
ثم تناسوا ذلك مرة ثالثة!
والقانون الذي يمكن استخلاصه هو: طالما يكذب المرء في كتابته للتاريخ فإنه سيكذب بصدد الحاضر والمستقبل.
5.
هذه هي المشكلة وعلينا التصدي لها وأثبات واحد من أمرين:
إما أنهم يكذبون "على رؤوس الأشهاد"؛
أو أنهم لا يمتلكون القدرة على القراءة؛
وإذا كانوا قادرين على القراءة فَهُمْ لا شكَّ عاجزون عن إدراك معنى الكلمات؛
وإذا ما كانوا قادرين على فَهْمِ معاني الكلمات فَهُمْ عاجزون عن التفكير المنطقي ويفتقدون لملكة التحليل واستنتاج الحقائق من بين ركام أوهام التاريخ!
فالسُّكَّرِيَّة إناء للسُّكَّر مهما كتبوا عليها بأنها ملح، والأرض تدور حول الشمس مهما استشهدوا بالقرآن، والحرية غائبة في العقيدة الإسلامية مهما حاولوا اللعب بالكلمات واختلاق "الحقائق" على أساس التفاسير المزيفة للقرآن!
6.
يستند المسلمون في "فرضية الحرية" على ثلاثة مصادر أساسية:
القرآن والحديث وقول الأئمة (الذي يشمل الخلفاء الراشدين والصحابة والتابعين وتابعي التابعين و"الفقهاء" وغيرهم من مؤسسي اللاهوت الإسلامي).
يعرف كلُّ مطلع على "منطق" و"آلية تفكير" الكُتَّاب المسلمين بأنهم حوَّلوا هذه المصادر إلى مَشْجَبٍ عام هائل للملابس: يُعَلِّقُون عليه ما شاءوا من الأفكار، ويأخذون منه ما يناسب أفكارهم.
وينطبق ذات الشيء على المفسرين والفقهاء. فجعلوا من اللغة شيئاً أقرب إلى لعبة "الليغو Lego" وأبعد ما يكون عن حقائق اللغة التاريخية. وهذه أمثلة تفقع العيون:
- "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" [سورة البقرة /256]
- "أفأنت تُكْرِهُ الناسَ حتى يكونوا مؤمنين" [سورة يونس/99]:
لنر كيف تم تفسير هذه الآية من قبل محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (المتوفي حوالي 1273م) في تفسيره المعروف بـ"الجامع لأحكام القرآن":
يؤكد القرطبي ومنذ البداية أنَّ "العلماء" قد اختلفوا في معنى هذه الآية وهو يسرد لنا ستة "أقوال":
1. قِيلَ إنها منسوخة!
2. هي ليست منسوخة وإنما نزلت في "أهل الكتاب" فقط.
3. إنها نزلت في الأنصار، على حد زعم ابن عباس.
4. نزلت الآية في رجل من الأنصار يقال له "أبو حصين".
5. "وَقِيلَ معناها لا تقولوا لمن أسلم تحت السيف مجبرا مكرها".
6. "أنها وردت في السبي متى كانوا من أهل الكتاب لم يجبروا إذا كانوا كبارا، وإن كانوا مجوسا صغارا أو كبارا أو وثنيين فإنهم يجبرون على الإسلام؛ لأن من سباهم لا ينتفع بهم مع كونهم وثنيين"[1].
وهكذا .. وهلم جرا .. والخ!
7.
هذا ما يقوله "السلف" نفسه عن حقيقة الآيتين المشار إليهما. فهل تغير الأمر بعض الشيء في زماننا؟
ليقرأ مِنَ المسلمين مَنْ هو قادر على القراءة، أو ليسمع مَنْ هو قادر على السمع كيف يفكر "الخلف":
في الفتوى المسجلة على فيديو (قناة fatwaksa) تحت عنوان (في حكم قتل الكفار والمشركين واستباحة دمائهم إذا رفضوا الدخول الى الإسلام ومنع حرية الفكر والاعتقاد) يقول صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء في السعودية عام 2009) رداً على سائل حول حرية الاعتقاد في الإسلام وآية " لا إكراه في الدين" ما يأتي:
[هذا كذب على الله عز وجل. الإسلام لم يأت بحرية الاعتقاد. الإسلام جاء بمنع الشرك والكفر وقتال المشركين. فلو كان جاء بحرية الاعتقاد لما احتاج الناس إلى مجيء الرسل ونزول الكتب ولا احتاج الناس إلى جهاد والقتال في سبيل الله [...] الدين كله لله والذي يأبى أن يعبد الله يُقَاتَل ولا يُترك حتى يرجع إلى الدين أو يُقتل ....] إلخ
ملاحظة هامة: هذا الكلام في عام 2009 ميلادية!
ويدعم هذا التفسير "خلفٌ" آخر وهو ابن باز الذي يقول في تفسيره للآية ما يلي:
[ . . . كان هذا قبل أن يشرع الله سبحانه الجهاد بالسيف لجميع المشركين إلا من بذل الجزية من أهل الكتاب والمجوس، وعلى هذا تكون هذه الآية خاصة لأهل الكتاب والمجوس إذا بذلوا الجزية (. . .) أما من سوى أهل الكتاب والمجوس من الكفرة والمشركين والملاحدة فإن الواجب مع القدرة دعوتهم إلى الإسلام فإن أجابوا فالحمد لله، وإن لم يجيبوا وجب جهادهم حتى يدخلوا في الإسلام، ولا تقبل منهم الجزية (. . .) وقد صح عن رسول الله أحاديث كثيرة تدل على هذا المعنى منها: قول النبي: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله عز وجل» متفق على صحته، فلم يخيرهم النبي بين الإسلام وبين البقاء على دينهم الباطل، ولم يطلب منهم الجزية]
[المصدر]
7.
هذه هي الحصيلة "الكمية" النهائية لآيات "مُحْكَمَات" وما يتبعه من تطبيق عملي إجرائي لـــ" لا إكراه في الدين":
zero
Zéro
Null
零
शून्य
ゼロ
Μηδέν
Cero
אפס
صِفْرٌ لا شكَّ في قيمته ولا لبس في معناه!
فكيف تستوي الأمور إذاً مع "الآيات المتشابهات؟!
فهل يكفي أن نستند إلى الادعاءات وأحلام اليقظة والنوايا الحسنة وما كُتِبَ وما لم يُكْتَبْ وما قِيلَ وما لم يُقَال؟
- - - - - - - - - - - - - - - - - - -
[1]أنظر: محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 2006، من ص 280 إلى ص 282
أقرأ أيضاً:
الإسلام دين عبودية [2]: الثقافة العبودية