مغالطات منطقية [4]: الإلحاد والحيادية
1.
- "هل الملحد حيادي؟"
التفكير الديني يستند بنيوياً إلى منطق المغالطات.
لأن التفكير المنطقي والعقلاني السليم يؤدي بعيداً عن الدين. إذ لا يمكن البرهنة على الإيمان ولهذا يستوجب أن يقوم الدين بتثبيت منطق تبريري وتاريخ من المغالطات التي تستحيل بمرور الزمن إلى نوع من "الواقع". وقد أشرت في موضوع منشور "ما الفرق ما بين قانوني الكذب النازي والإسلامي؟" ما يلي:
"فإذا كان اتجاه الكذب النازي من الداخل إلى الخارج، إذا صح التعبير، وذلك لأنه وحينما تردد النازية الأكاذيب تسعى إلى خداع الآخرين، فإن اتجاه الكذب الإسلامي من الداخل إلى الخارج مرة ومن الخارج إلى الداخل مرة أخرى: اكذب . . اكذب حتى تصدقَ نفسك!"
إذ لا يمكن إقناع "الذات" الواهمة إلا بالمغالطات. فتتحول "المغالطات" إلى أسلوب في تقرير "حقائق زائفة" عن الآخرين [وعن الذات في آن واحد] ولهذا يمكن مهاجمتها بسهولة.
فاتهام الملحد بأنه غير محايد يقول لنا، وبصورة بائسة، بأن المسلم "حيادي"! وبالتالي فأنَّ "لا حيادية" الملحد إدانة لموقفه المضاد للإسلام!
يا للمنطق!
إذا كان للقطة أربعة أرجل فإنَّ الكلبَ قطةٌ - فهو الآخر له أربعة أرجل!
2.
ولكيلا "يَعْلَقُ" السؤال في الهواء، فإن الإجابة الواضحة هي:
أن الملحد لا يقف على الحياد وإنه في اللحظة التي يكتشف فيها "هراء الدين" يصبح منحازاً للدفاع عن الحقيقة.
والحقيقة التي يدافع عنها الملحد تتعدى غياب الآلهة إلى الحق في أن يعتقد البشر في هذا الغياب.
ولهذا فإن "الحياد" إزاء منطق الخرافة الإسلامي والثقافة الإسلامية خيانة أخلاقية وفكرية.
3.
أن التساؤل ذاته [وهو مبني بأسلوب المغالطة والمناورة] فيما إذا كان الملحد محايداً وغير منحاز يكشف كالعادة عن عجز المسلمين عن فهم فكر الآخرين عندما يتعلق الأمر بالمفاهيم والمصطلحات من خارج هراء الفقه [السني والشيعي على حد سواء].
وهذا الفقر المفاهيمي هو طبيعة متجذرة في تركيب الفكر اللاهوتي. فهم يفهمون [أو يعتقدون بأنهم يفهمون] ما يقررونه مسبقاً.
فهم مثلاً يسمون التخلي عن المبادئ والخضوع للسلطان: "تقية". وعندما تقول لهم بأن هذا التخلي هو “خيانة" فإنهم يعجزون عن فهم كلمة "خيانة"، لأنَّ أدمغتهم محشوة بعقيدة "التقية"!
فهل مواقف المسلمين من المختلفين معهم والمخالفين لهم غير منحازة؟
3.
إنهم باختصار لا يفهمون "مفهوم" الإلحاد". لأنهم غارقون بالهراء حتى أذنيهم وعاجزون عن فهم الحقيقة البسيطة وهي أن الملحدين يرفضون هذا "الهراء" جملة وتفصيلاً. فبالهراء يكمن معنى وجودهم: وإلا كيف يمكن أن يتصوروا بأن يكون الملحد على الحياد في القضية المتعلقة بوجود الله، وكأنهم يتحدثون عن دائرة مربعة [كما أشرت في الحلقة الماضية]!
فطالما يعتقدون بوجود "الله" و"الملائكة" و"السعالي" و"الشيطان" و"الجن" و"الطناطل" فإنهم قد فقدوا القدرة على تقرير حقائق العالم وكيف يفكر الآخرون. ولهذا فإنهم يفهمون التزام الملحدين بقوانين التفكير العلمية أن يكون نوعاً من الحياد وعدم الانحياز!
4.
فهل التفكير العلمي قضية غير منحازة؟
إنَّ التفكير العلمي قضية غير منحازة عندما يتعلق الأمر بالبحث ودراسة وتقرير الحقائق.
غير أنَّ الدفاع عن الحقيقة هو موقف منحاز بحد ذاته:
فوجود "الله" و"الملائكة" و"الشيطان" و"الجن" والسعالي هو وَهْم ولا يمكن تلطيف هذا الموقف أو قوله بطريقة أخرى ترضي المسلمين.
[وأنا شخصياً واحد ممن لن يلطف الموقف من خرافة "الله" وكل ما ينتج عنها من خرافات ثانوية]
5.
كما يبدو أن المسلمين قد يأسوا من رحمة "ربهم"، فهل يأسوا من قدرة عقولهم على التفكير ورؤية العالم المحيط بهم كما هو؟
فعندما يقرُّ المسلم بأنه أمام ملحد، فإن عليه أن يقرَّ مسبقاً بأنَّ هذا الملحد لا يقرُّ بوجود الأرباب والآلهة مهما كانت صفاتها، ومهما كانت أسماءها.
الملحد متحيز من حيث المبدأ إزاء موضوع "الله" وهو لا يبحث عن الأدلة على وجوده فهو يرفض هذا "الوجود". وعندما نقول بأن لا "دليل" على وجود الله، فهذا لا يعني بأننا ننتظر دليلاً على هذا الوجود!
فـ"اللا دليل" في العلم لا يعني موقفاً محايداً، بل موقفاً تجريبياً على غياب الدليل على وجود حقيقة ما!
وإن مبدأ اللايقين والريبة لا يعني موقفاً لاأدرياً، بل هو موقف يقرر حقائق الوجود كما هي الآن من جهة، وهذا لا يزحزح الحقائق التي تم البرهنة عليها تجريبياً حتى اللحظة الراهنة من جهة أخرى: فذرة الهيدروجين، وهي من أبسط الذرات، تحتوي على نواة وإلكترون واحد. وهذا لا يعني بأننا نشك في هذه الحقيقة أو نؤجل الاعتراف بها حتى قدوم دليل أكثر فاعلية!
6.
أولاً:
إننا لا نعترف بوجود أي نوع من الكائنات مفارق، متعال، خلق الكون ويتصرف بأقدار البشر؛ ولا نعترف بالحياة ما وراء القبر، ولا نعترف بالملائكة والشياطين والجن والسعالي. وإن عدم الاعتراف هذا (من حيث المبدأ) هو نتيجة لغياب الأدلة على وجود هذا الكائن وليس ثمة حاجة إلى أن نقدم الأدلة على أنه لا دليل على وجود الآلهة.
إن هذا لأمر مضحك!
ثانياً:
كم علينا أن ننتظر حتى ينزل الدليل بسَلَّة ربانية على وجود "الله"؟
إذ لم يكشف وجود البشر، الذي عمره الملايين من السنين، عن أية أدلة على وجود مثل هذه الكائنات الخرافية (الله والملائكة والشيطان وهلم جرا)!
وهذا هو الدليل على غياب هذه الكائنات الخرافية.
وإذا لم يقنع المؤمنون بهذه الفترة الزمنية (ملايين السنيين!) فأمامهم متسع من الوقت (ملايين سنيين أخرى) لتقديم الأدلة (لا أقصد هراءات البراهين العقلية) الواقعية على وجود هذا "الكائن" الهش، إن شاءوا. فهذه مشكلتهم ومأساتهم في آن واحد!
7.
إذن:
الملحدون منحازون إلى جانب الحقيقة!
الملحدون غير محايدين عندما يتعلق الأمر بالهراء المقدس!
لا وجود لرب في السماء (سواء يجلس على عرش أو يهرول) أو في أي مكان آخر!
لا ملائكة ولا شياطين ولا جن تتنزه على الأرض أو تسافر بين الكواكب!
هل هذا واضح!
- آمل ذلك!