هل يرتكب الله الأخطاء[2]: من هو المسؤول عن جريمة التحريض على العنف؟
1.
عندما يدَّعى أحدهم أمام المحكمة بأن "فلاناً" قد ارتكب فعلاً ما في مكان ما وزمان ما، فإنَّ على هيئة المحكمة التحقق بالأدلة المادية (تسجيلات مرئية، صور فوتوغرافية أو اعترافات شهود يمكن الاعتماد عليهم والثقة بما يقولون) وتقرر واقعة وجود المتهم في مكان وزمان اقتراف الفعل.
إذ لا يمكن اتهام أحد بفعل وهو لم يكن حاضراً في أثناء حدوث هذا الفعل.
وهذا ما قررناه في الحلقة السابقة: إنَّ من لا وجود له لا يمكن أن يخطأ؛
ولأن لا دليل على وجود الله في أي زمان ومكان؛
فإن الله لا يمكن أن يرتكب خطأ!
ولهذا فـ"هو" لا يتحمل جرائم التحريض على قتال الآخرين.
لأنه "كيان" لا وجود له - هو مجرد فكرة.
2.
ولكنْ إذا كانت هيئة المحكمة تتكون من قضاة عادلين متأهلين لكي ينظروا في مثل هذه القضايا بعين العقل لا "فقهاء" يحملون أحكاماً صادرة من قرون الظلام في جيوبهم التي لم تر مرة خدمات اللوندري (التنظيف الجاف) ولهذا تراها ممتلئة بالأحكام البائدة والمتهرئة، فإنهم سيتحققون أيضاً من هوية "المتهم".
إذ أن القوانين الجنائية المكتوبة على أساس التقاليد العقلانية وحكمة التجارب الأخلاقية والمنطقية للقضاء ترفض رفع قضية ضد "متهم" لا تتوفر فيه الشروط القانونية المتبعة في محاكم العالم المتقدم:
- أن يكون الشخص حياً أو موجوداً في مكان ما من الأرض [لا تُرفع قضايا جنائية ضد الموتى وضد مَنْ لا يقيم على الأرض. فالأحكام الجنائية تتعلق بالأرض فقط وإذا ما كان "المتهم" يعيش في كوكب آخر فإن قرارات المحاكم لا تشمله]؛
وهذا ما لا ينطبق على الله!
- كما أن قرارات المحاكم تكون نافدة المفعول أولاً في إطار الدولة المعنية ولا تنفذ الأحكام بحق شخص يعيش خارج إطار الدولة المعنية إلا في حالة واحدة: وجود معاهدة ثنائية (أو متعددة الأطراف أو جماعية) موقع عليها من قبل الدولة المصدرة للحكم الجنائي والدولة التي يعيش فيها المتهم الصادر في حقه الحكم القضائي من دولته. وإن التوقيع على معاهدة ثنائية لا يكفي من غير أن تنظر محاكم الدولة التي يعيش فيها المتهم في دستورية الإجراءات المتخذة في عملية إصدار الحكم؛
- لا ينظر القضاء في القضايا المتعلقة بالأحداث التي تخضع لمبدأ التقادم؛
- أنْ يتم إثبات شخصية "المتهم": إذ لا يمكن الحكم على شخص مجهول الهوية، بل لا يمكن البدء في أية إجراءات جنائية قبل أن يتم التحقق من شخصية المتهم: الاسم، ومكان السكن، ورقم القيد في السجل المدني (أو أي صيغة من المعلومات المتعلقة بدوائر النفوس) على أساس وثيقة معتبرة يمكن قبولها قانونياً. إذ لا يمكن إصدار حكم على مجهول (يمكن أن يُسجل الحادث ضد فاعل مجهول في دوائر الشرطة فقط)؛
وهذا ما لا ينطبق على الله!
- أن يكون "المتهم" شخصاً عاقلاً يدرك التهمة الموجهة إليه ومسؤولا عما يقوم به من أفعال؛
وإن هذه الشروط تنطبق أيضاً على مَنْ نتهمه بالخطأ.
وهذا ما لا ينطبق على الله!
[قاعة المحكمة فارغة بانتظار هيئة قضائية مستقلة لمحاكمة المسلمين]
3.
وعندما نأخذ بنظر الاعتبار قضية "أخطاء الله وجرائمه" علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أيضاً الشروط المشار إليها والمتفق عليها من قبل الدول الديموقراطية المعاصرة (لا أقصد طبعاً: "الجمهوريّة الجزائريّة الديمقراطيّة الشعبيّة" و"جمهورية الصومال الديمقراطية" و"المملكة العربية السعودية الديمقراطية" و"جمهورية مصر الديمقراطية" و"الجمهورية العراقية الديمقراطية" و"جمهورية إيران الديمقراطية" وغيرها من الديمقراطيات الإسلامية!).
فإذا ما تم النظر في "قضية الله" من قبل قضاء ديموقراطي معاصر فإن القاضي سوف يرفض تهمة "ارتكاب الخطأ" بحق الله لعدم توفر الشروط المشار إليها:
- إذ لا يمكن التثبت من شخصية "الله" أو وجوده (لا توجد أدلة مادية على وجوده)؛
- إنَّ الله "فكرة" ولا يمكن رفع قضية ضد "فكرة". فالفكرة قد تكون خاطئة أو صائبة، لكنها "بذاتها" لا يمكن أن "تخطأ" أو "لا تخطأ". فالذي يخطأ هو "الذات" والله ليس "ذاتاً" موجوداً يمكن تخطئته. والقضايا ترفع ضد "ذوات"، أفراداً كانوا أم جماعات.
باختصار:
القضاء لا يستطيع توجيه الاتهامات ضد "لأفكار" مهما كانت منافية لقيم الحضارة وإنما يقوم بمحاكمة حاملي هذه "الأفكار".
- كما أن الله غير مسؤول عن أعماله وأقواله فهو كما يقول كاتب القرآن"لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ"! وإن عدم مسؤوليته تتأتى من كونه فكرة. والمسؤول عن الخطأ هو صاحب هذه الفكرة بالذات، وهو في الحالة التي ننظر فيها وبالتحقيق هو: محمد.
4.
إذن:
إذا نظر القضاء في "أخطاء الله" فإنه يتم استدعاء صاحب الفكرة الخاطئة وصاحب الفكرة الخاطئة لم يعد له وجود ولا أحد يعرف إن كان له وجود في يوم ما وهو: محمد!
5.
ها نحن نصل إلى عبثية "الله" وعبثية "أخطاءه"!
كما أن محاسبة "محمد" لا تقل عبثية عن عبثية محاسبة "الله"!
فمحمد أقرب ما يكون إلى الشخصيات الأدبية وأبعاد ما يكون عن الشخصيات التاريخية.
وهكذا يتوفر في "شخصية محمد" عنصران هامان تمنع المحاكم المتحضرة من توجيه اتهاماً ضده وهما:
إنه شخصية أدبية - والشخصيات الأدبية لا تخضع لتحمل المسؤوليات الجنائية؛
وإذا ما كان ثمة "شذرة" من الحقيقة في هذه "الشخصية الأدبية" فإنَّه لم أي وجود مادي لهذا "الشذرة".
6.
ولهذا فحين نتحدث عن الله "الفكرة" يتوجب توجيه اللوم إلى مَنْ يدعي بوجودها، سواء كان ذلك محمداً أمْ أنصاره الذين يعلنون عن مسؤوليتهم وتحمل تبعات ما قاله محمد.
ولأننا قررنا بأن محمداً شخصية أدبية فإن هذا يستدعي تقديم أنصار محمد إلى القضاء على ما يدعون في قرآنهم وهي جرائم يُحاكم عليها في كل نظام حقيقي عادل.
7.
فإذا لم تعد الفاشية والنازية "رأياً" في الدول المتحضرة، بل تحولت إلى جريمة يخضع حاملوها للعقوبات القانونية بسبب تحريضها على الكراهية والعنف ضد الآخرين فإن ما تحمله نصوص القرآن من أفكار معادية للآخرين والتحريض على قتالهم لتستحق هي الأخرى المنع.
وهذ بضعة نماذج لا غير:
- " لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ". سورة المجادلة 58: 22
- " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ". سورة الأنفال 8: 65
- أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) الحج:39.
- إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) التوبة:36.
- الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) النساء:76.
- وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) التوبة:12.
- وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) البقرة:244.
- وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) البقرة:193.
- وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً) النساء:75.
- " وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ". سورة المائدة 5: 18
تعقيب هام:
بغض النظر عن حقيقة "الله" ومحمد" فإن ثمة وجه آخر للقضية هي من اهتمامات التاريخ وليس القضاء.
"الله" كان فكرة قرر محمد [ايا كان] العمل عليها والشروع بكتابة نص يسنده إلى "الله" – الفكرة.
ليس لدينا معلومات دقيقة حول النصوص التي تعود لمحمد والنصوص التي تمت إضافتها خلال فترة لا تقل عن قرن.
ولم يظهر الإسلام باعتباره دين محمد إلا في فترة عبد الملك بن مروان، وإن المسلمين المعاصرين قد تبنوا الصيغة التي ظهرت في العصر الأموي للإسلام وتمت المحافظة عليها في العصر العباسي.
وهذا يعني أن المسلمين المعاصرين فقط يتحملون تبعات نصوص القرآن التي تحرض على الإرهاب والعنف والقتل.
هذه هي الخلاصة التي يمكن أن تصل إليها أية هيئة قضائية مستقلة وغير منحازة دينياً أو سياسياً:
جرائم التحريض على الإرهاب والعنف والقتل التي يقوم بها المسلمون علنياً وفي كل مناسبة دينية.