Blogger المدونة الرئيسية في
اقتباس:
"يا سيد ديدات: لقد قلت إن إلهنا كان يأكل الطعام، وكان يبكي، وكان ينام. ماذا عن إلهك أنت؟ هل صعدت إلى السماء وقابلتَ الله؟ وهل غيَّر إله المسلمين رأيه وأخطأ فصرف النبوة عن عَلِيٍّ وأعطاها لمحمد؟ وهل إله المسلمين، إلهك، وليس إلهنا، يغير رأيه ويخطئ؟
إجابة العلامة ديدات:
لقد سألت صاحبةُ السؤال، وأرجو أن أكون قد فهمت سؤالها، سألت: هل يرتكب الله الأخطاء. والإجابة هي: لا. لا يرتكب الله أخطاء.
(تهليل وتصفيق)
انتهى الكتاب.
[من كتاب: مناظرتان في ستوكهولم بين داعية العصر: أحمد ديدات وكبير قساوسة السويد: استانلي شوبيرج، دار الفضيلة، القاهرة 1992]
[الخوف يجعل الناس أكثر حذراً، وأكثر طاعة، وأكثر عبودية - سقراط]
1.
وهكذا ينتهي الكتاب بالتهليل والتصفيق [كما يرد فعلا في الكتاب المشار إليه أعلاه]!
لا يسعني إلا أنْ أعبر عن قلقي إزاء مثل هذا النوع من الإجابات!
أولاً:
إنها واحدة من الإجابات الدينية النموذجية للمسلمين من حيث الفجاجة والعنجهية في شروط "التقية".
أكرر: في شروط التقية.
لأنَّ الردَّ والموقف كانا يمكن أن يختلفا تماماً لو كانتْ السائلة قد طرحت هذا السؤال في دولة عربية/ إسلامية أولاً، ولم تكن أجنبية ثانيًا. بل لقلقتُ على رَأْسِهَا قلقاً جدياً!
ولكنها لحسن حظها تعيش في ستوكهولم وتحميها الدولة بكل الوسائل لكي تكون حرة، ولهذا فإن المُبَشِّر بالجنة، أقصد ديدات، اكتفى بإجابة منفعلة حادة مقتضبة تلغي أي نوع آخر من الأسئلة أو ما يفترض التعقيب. وهذا ما يكشف عنه غياب التوازن "اللفظي" ما بين السؤال والجواب.
هذا النوع من الإجابات، لمن يعرف آليات التخاطب من جهة والمسلمين عن قرب من جهة أخرى، تكشف عن الشعور بالامتياز والتسلط وقدسية الانتماء والمنشأ، باختصار: تُعبِّرُ عن صورة "الوَهْم" الإسلامي بامتلاك الحقيقة الدينية الكاملة والنهائية وعدم قدرة المسلمين على رؤية أنفسهم من الخارج [سبق لي أن ذكرته وسأكرره دائما: هذا من أعراض مرض الذهان الجماعي].
2.
ثانياً:
إنه مثال على أجوبة يَنْظَمُّ السياسيون العرب إليها. فهم يشعرون، كالكهنوت الإسلامي، بـ"العصمة"، وهو عادة شعور يواكب أصحاب السلطة. وهذا النوع من الأسئلة الصريحة والمكشوفة والمباشرة والمتعلقة بمصداقية وجودهم وصواب قراراتهم تهدد هذه "العصمة". وأنا على يقين بأن القراء على اختلاف انتماءاتهم قد شاهدوا وسمعوا مثل هذا النوع من ردود بعض السياسيين على الأسئلة التي يرون أنها قد تعدت "الخطوط الحمراء"!
- لا. الله لا يخطأ!
هذا هو الجواب في شروط "التقية"!
غير أن الإجابة الجازمة القصيرة والتي تجاهلت مكونات السؤال الأخرى تشي دائمًا بما يناقضها وتوجه اهتمام السامع إلى الاتجاه المضاد.
فديدات تجاهل المكونات الأخرى للسؤال:
- ماذا عن إلَهِك أنتَ (هل يأكل الطعام، يبكي، وكان ينام)؟
- هل صعدتَ إلى السماء وقابلتَ الله؟
- وهل غيَّر إله المسلمين رأيه وأخطأ فصرف النبوة عن عَلِيٍّ وأعطاها لمحمد (تجنباً للفهم الخاطئ لا يهمني إن كان الأمر يتعلق بعلي أو بغيره)؟
- وهل إله المسلمين، إلهُك، وليس إلهَنَا، يغير رأيه؟
3.
إن طارحة السؤال متدينة من غير شك. وهي تؤمن بألهها مثلما يؤمن ديدات بإلهه. ولهذا فهي حين تسأل فإنها تنطلق من قناعة راسخة "بوجود الآلهة". وإن مثل هذا المنطق يجعل من عقيدة الشخص المقابل "بوجود إله" حتى لو كان مغايراً له نوعاً من “حقيقة" أو بكلمة أدق: "حقيقة مغايرة".
4.
لكن الأمر مختلف تماماً بالنسبة لنا:
فلا "إله" السائلة "حقيقة" ولا "إله" ديدات "حقيقة" هو الآخر. فنحن أمام وَهْمِين يتصارعان أيهما أحق بالوجود من الآخر!
فسواء كان "إله" يشوع يأكل الطعام ويبكي وينام أم لا، وسواء جلس إله المسلمين على العرش أم لا، هي تفصيلات أدبية لا تمنح لآلهتهم المصداقية.
5.
والآن:
- هل يخطأ الله؟
إن الإجابة على هذا السؤال لابدَّ أن تَمُرَّ من خلال تحديد معنى "الخطأ" أولاً؛ وأنَّ البرهنة على أنَّ "الله يخطأ" يُقَوِّضُ بناء الدين الإسلامي بأكمله ثانياً. ولكني مع ذلك ولكيلا أوَفر "لمؤلفي" الكلمات المبعثرة والمتقاطعة شروط المماحكات وفهلوية التبريرات والرقص على الحقائق والنطِّ كالأرانب البرية والقفز على الكلمات كالكناغر وابتلاع السيوف وقذف النار من أفواههم، سوف أتجنب:
- الأخطاء اللغوية؛
- والأخطاء المنطقية؛
- والأخطاء العلمية؛
- والأخطاء التاريخية؛
فهذه المواجهات لا تنفع معهم ولا تدفعهم إلى التفكير ولا تستفز عقولهم - إنها تستفز عدائيتهم فقط.
إنه لا يعقلون!
إنهم بحاجة إلى نوع آخر من الإجابة التي تدفعهم (على أقل تقدير) إما إلى الصمت والهروب إلى الأزقة الضيقة وتجنب ضوضاء هرائهم، أو إلى الشتائم التي خبروها من قرآنهم وكتبهم ومحمدهم على حد سواء: وهذا هو ما يكشف للقراء حقيقة أخلاقهم!
6.
- هل يخطأ "الله"؟
ها أنا أجيب على السؤال بصراحة ووضوح:
- لا، "الله" لا يخطأ!
وأنا والمسلمين على طرفي نقيض!
7.
لماذا لا يخطأ "الله" من وجهة نظري؟
لأنَّ الخطأ من صفات الكائنات الواقعية التي تتصف بالوجود والتي تحتكم إلى العقل (أو نوع من العقل)، والتي تمتلك ملكة المقارنة ما بين الوقائع والأشياء حتى تكتشف الفروق فيما بينها وتميز ما يستند إلى الوقائع وما يتناقض معها.
و"الله" هذا: وَهْمٌ والأوْهَام لا تخطأ.
إنَّه منافاة العقل والسير ضد حركة التاريخ ومعارضة المنطق البشري السوي هي صفات قرر المسلمون الاتصاف بها حتى لا يودعون أسلافهم، وهي حالة مرضية على أية حال.
8.
إنَّ مِنَ الخطأ ومنافاة للعقل أن نقرر أن الآلهة تخطأ أو ترتكب الجرائم وتختلق مبررات الإرهاب. فكل ما تقوله وتدعيه وتتصف به لا يتعدى كونه "دوراً" كتبه الناس للتعبير عن أهدافهم هُمْ وإنَّ ما ينادون به من خلال فكرة "الله" هو ما يسعون إليه بأنفسهم.
لقد صنعوا "نصاً" واختلقوا "شخصيات و" وزعوا "الأدوار" كما شاءوا، ثم نسوا أو تناسوا (وهذه من أعراض الذهان) بأنهم هم المؤلفون ومن الممكن وفي ظروف مختلفة وشروط تاريخية أخرى كان من الممكن كتابة نصٍ آخر، وخلق شخصيات أخرى، وتوزيع الأدوار على آخرين.
9.
وهذا ما يدركه الكهنوت الإسلامي منذ قرون بعيدة، بل أن هذا ما يدركه الكثير من المسلمين (لقد مسه المعتزلة مساً خفيقاً تحت فكرة "خلق القرآن" وهذا ما سأتحدث عنه في موضوع منفصل).
لكنَّ قانون الخوف أشدَّ وطأة وأكثر قسوة من قوة الحقيقة بحيث لا يكتفي بدفعهم إلى الصمت وحسب، بل ويجبرهم من داخل أنفسهم حتى على تكذيب أنفسهم علناً والدفاع عن السلطة الدينية. وهذه نموذج أصيل لمتلازمة ستوكهولم.
إنهم قد عرفوا بما يكفي من الثقة بأن "الله" كائن أسطوري: وّهْمٌ، لكن الاعتراف بما عرفوا يتطلب منهم مغادرة أوهامهم التي اعتادوا عليها وأصبحت جزءاً من حياتهم. وهذا ما يحتاج إلى الكثير من الشجاعة والجرأة.
إنَّ انحناءهم اليومي (الذي سموه صلاة) يمنعهم من رؤية الأفق الرحب.
إنَّ عليهم أن يرفعوا رؤوسهم حتى يروا هذا الأفق!
حينئذ سيكتشفون ما اكتشفناه نحن: إن الله لهو أكبر كذبة في التاريخ!
للكلام بقية . . . . .
هل يرتكب الله الأخطاء [2]: من هو المسؤول عن جريمة التحريض على العنف؟