عقيدة خير القرون



[هذه هي مصادر عقيدة خير القرون] 

"خَيْرُ القُرُونِ القِرْنُ الَّذِي بُعِثْتُ فِيهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ"!

"خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ"!

"خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ"!

1.

هذا "حديث نبوي"، "حسن"، "صحيح"،"إسناده جيد ورجاله ثقات"، "حسن غريب" ... الخ من الصفات التي تُطلقها كتب الحديث والفقه الإسلامية على هذا الكلام الذي يرد بصيغ لا تعد ولا تحصى!

2.

غير أنه لا يعنينا هنا:

1. لا الحقائق المتعلقة بـ "تاريخية" الأحاديث.

2. وسواء صدر هذا الكلام عن محمد أو لم يصدر.

3. أو إنه قد "ورد" بهذه الصيغة أو بصيغة أخرى.

4. والأمر سواء أيضاً إن كان هذا "الخبر" حقيقة أم خيال!

فهذه أمور لا قيمة لها من الناحية العقلية. فهي ذات طابع شكلي لا تمس صميم المشكلة:

إنَّ الأمر المهم والخطير في هذا النوع من الكلام هو أنه تحوَّل إلى عقيدة دينية وفكرية عند المسلمين في "عصرنا الحالي" ـ عصر التفكير العلمي والاكتشافات الثورية في مجالات العلوم الطبيعة والاجتماعية المختلفة وعصر التطور العاصف في آليات التفكير وتراكم الخبرة والمعلومات عن الوجود البشري!

لمحمد شأنه إن قال هذا الكلام أو لم يقله!

وللمسلمين شأنهم إن صدَّقوا هذا الكلام وأخذوه على محمل الجد أم لا!

ولكن حين يسعون إلى تطبيقه عملياً من خلال العودة بالناس إلى تلك العصور التي هي "خَيرُ!" العصور فإن الأمر يتعلق بعمليات انتحار جماعية شاملة لكامل وجودنا البشري المادي والروحي.

إنهم يقومون، عملياً، بسدِّ نوافذ الحياة الاجتماعية ويسمِّرونها بالحديد والنار!

إنهم يعتقلون بسجون العصور المظلمة حضارتنا المعاصرة وينفون حركة التاريخ بعيداً في "ربعهم الخالي"!

ولهذا فإن الأمر يهمنا!

3.

ملخص الفكرة بسيط جداً:

لا قيمة للتطور ولا مناص من العودة إلى الوراء ـ. إلى عصور السلف. فالنكوص "العودة إلى الوراء" هو "الخَيْرُ" والتقدم إلى الأمام هو "الشَّرُ"!

هذه هي المعادلة!

وأكرر من جديد، وأعيد آلاف المرات، أنَّ المشكلة لا تكمن في حقيقة هذا الحديث، بل إنَّ شيوخ الفقه يؤمنون به وينشرونه بنجاح بين أوساط المسلمين "المعاصرين" جسداً والمتخلفين روحاً ويشيعون هذا المنطق في المدارس والجامعات ويبثونه في محطات الإذاعة والتلفزيون ويسدُّون به نوافذ شبكة الإنترنت ويمكن العثور عليه في الثلاجات والغسالات ومكيفات الهواء!!!

هذا هو مصدر الخطر، وهذا هو الأمر الذي يجب محاربته.

4.

إنها ليست مجرد فكرة رجعية، بل هي نظام شامل رجعي للحياة يطبقونه على مرأى البشرية في "دولتهم الإسلامية" أو في دولهم "العلنية" المُقَنَّعَةُ بمنتجات التكنولوجيا والمُسْتَخْدَمَة لتطبيق روح هذا النظام السلفي الذي يتحدثون عنه ليلَ نهار!

ولا قيمة ذات أهمية تذكر حتى لهذا التناقض: يلعنون التطور وينامون في أحضانه كالعاهرات! فالتناقض العقلي والأخلاقي هو طبيعة متجذرة في جميع العقائد الدينية. 

المشكلة تتعدى كل هذه التناقضات لأنهم "يستهلكون" منتجات التطور ثم يشتمونها، وكما كانوا يفعلون دائماً، هو جزء من إنتهازيتهم المبتذلة.

المشكلة هي إن العقيدة السلفية العلنية والمستترة ذات أهداف سياسية محضة:

منع وتقييد أية محاولة للمساس بسلطتهم التي لا تستحوذ على الموارد المالية والثروات الطبيعية لبلدانهم وحسب، وإنما تقوم بفرض القيود حتى على جوانب الحياة الشخصية للأفراد وتفتيت الحياة المدنية إلى طوائف ومذاهب لا علاقة لها بالحياة الفعلية للبشر.


 حاملة ثقافة "خير القرون"!


هذه هي عقيدة "خير القرون"! وهكذا رآها توما الأكويني (مثيلهم المسيحي بالعقيدة الدينية الغيبية) حين كتب:

" إنَّ نور الإيمان يجعلنا نرى ما نعتقد فيه"!

هذه هي الحقيقة:

إنهم لا يرون إلا ما يعتقدون به، ولا تعني لهم شيئاً ذات قيمة جميع الدلائل التي تكشف لهم شخصياً عن لامعقولية عقائدهم وتناقضها مع أبسط الحقائق اليومية. فالإيمان "أعمى" لا يميز "ما بين الخيط الأسود من الأبيض"؛ وهو في الحالة التي نتحدث عنها يرفض بصورة مطلقة كُلَّ ما يقوله المبصرون!