الطريق إلى الجنة
ليس للقصة بداية – لأنها مكتظة بالأكاذيب والخرافات والادعاءات!
فالتاريخ مختلق؛ والأحداث مصطنعة. أما الشخصيات فلا وجود لها إلا في عقول جيش المؤمنين بتلك الأكاذيب والخرافات والادعاءات.
1.
"قِيلَ" إنه قد حضر صاحب الزمان ويوم القيامة قد حان. وها هم الفقراء والسذج والمغفلين والمخدوعين، ولا أحد غيرهم، منطلقين نحو الصحراء!
قوافلُ الساعين إلى "الجنة" الموعودة تغصُّ بها الطرق والشعاب، يقتلهم الظمأ والجوع والحاجة وبقايا علل الجسد المنهك.
كالنمل تدبُّ أفواج الناس، حتى أنها لا تعرف الاتجاهات فهي تتحرك ككتلة لا شكل لها تتبع ممن يدعون أنهم يعرفون الاتجاهات.
من مكان ما كان يتعالى صوت نباح كلاب وكأنها تسعى إلى تنبيه الناس إن هذا الطريق لا يؤدي إلى شيء!
2.
كانت أفواج الناس كتلة صامتة،
كتلة منهمكة في أحلامها ومنهكة من رحلتها التي لن تنتهي،
كتلة مضطربة البال،
تحث الخطى إلى "دار السلام"!
- هل هذا طريق الجنة، يا أخي؟
سأل أحدهم وعيناه تغص في محجريهما.
- هكذا يقول الآخرون! [أجاب صوت مبحوح من كثرة التسبيح وهو يسعل من غير انقطاع بسبب تدخين السجائر الرخيصة]
- إذن هذا هو!
أسرعي يا امرأة قبل حلول الظلام!
[تمتم الرجل وهو يجرُّ زوجته التي أرهقها المسير جراً كالبقرة]
3.
قوافلُ المؤمنين تتوالى من غير انقطاع.
البعض منهم كان يولول ويندب حظه العاثر لأنه تارك للصلاة؛ والآخر لم يكن يأخذ الله مأخذ الجد؛ والثالثُ آمن بعد فوات الأوان؛ والرابع لم يحج لقلة المال؛ والخامي لقلة الزمان؛ والسادس كان سكران، يسأل عن صاحب الزمان. أما أحد الأطفال فقد كان حائرا يتساءل:
- هل وصلنا الجنة يا ماما أنا عطشان!
- الماء في الجنة يا ماما كثير.
أجابت المرأة بميكانيكية من غير حتى أن تفكر، فهكذا أخبروها وعليها أن تصدق.
4.
كانَ الهَمُّ يلفُّ الجموع:
- هل سنصل في الموعد المحدد؟
- وهل للجنة موعد محدد؟
أجاب أحدهم منزعجاً.
- إن شاء الله، فالله لا يخلف الوعد!
ردَّ آخرُ، فاشترك الجميع يرددون وكأنَّ الله يستمع إليهم، فالمبالغة في الإيمان لا يضر أحداً:
- إنه خير الواعدين!
هلل الأطفال والنساء والرجال:
- إنه خير الواعدين!
5.
في زحمة هذا المشهد ثمة صبي يجلس على قارعة الطريق. لم يكن مكترثاً بمسعى الناس حوله، ولم يكن ينتظر أحداً، ولم يكن يسعى إلى أي مكان. كان جالساً لا غير، وحين لا يرفع بصره للتفرج على الجموع المتحركة أمامه بابتسامة ساخرة كان يعزف بناي خشبي ألحاناً راقصة.
- هذا الطريق لا يؤدي إلى أي مكان، يا عم!
[قال الصبي للرجل الساعي مع زوجته وهو يتوقف عن العزف]
- ماذا تقول؟
- أقول إنكم اجتزتم الطريق إلى الجنة!
- هل أنت تمزح؟
- الجنة قبل المنعطف!
- إنها أرض قاحلة، فكيف تكون الجنة؟! ألا ترى كلَّ هذه الجموع؟ أهي على خطأ وأنت على حق؟
- وماذا عليَّ أن أفعل - هل عليَّ أن أتحملَ تبعات ضلال الآخرين؟
- ومن أين تعرف الطريق
- كنت هناك!
- أين هناك؟
- في الجنة!
- ولماذا تركتها؟
- هل هذا معقول يا عم؟ ألا تعرف؟
- وماذا أعرف؟
- أنها صحراء خربة خالية إلا من نبات العاقول والأحجار البركانية.
- هذا الصبي يخرَّف! لنواصل الطريق!
[قالت المرأة وهذه المرة كانت هي التي تجر زوجها كما تجر الثور]
- كيف لُعِبَ بعقولهم؟!
ردد الصبي بلهجة ساخرة ثم قرر النهوض ومواصلة طريق العودة بالاتجاه المعاكس لقوافل الساعين نحو مملكة الوهم.
[النهاية]
ما زال نباح الكلاب يتعالى من غير ملل وولولة الحالمين بالجنة تتصاعد يأساً وحيرة بغياب الأمل وتبدد الأحلام.
إنها مملكة قاحلة لا ظلال شجرة تحميهم من حرائق الشمس المشتعلة؛ لا جنة تجري من تحتها الأنهار ولا "شجرة المنتهى" يحتمون بظلالها.
إنها أساطير ولا شيء آخر.
الصوت الوحيد الذي يعلو على جميع الأصوات ويبدد أساطير السذج والمخدوعين هو صوت عزف الصبي المشاكس الذي أخذ يبتعد شيئاً فشيئاً حتى اختفى تماماً.