هند الشقاع

استمر إبداع الجمعية السعودية للفنون التشكيلية (جسفت) بفرع المدينة المنورة بمواصلة سلسلة أمسياتها الفنية يوم الخميس الماضي الموافق 26/ 10/ 1441هـ ضمن برامج فرع الجمعية للفعاليات المقامة عن بُعد بعنوان (ساعة فن).

من مهَّد الحضارات، إرَمَ ذاتِ العِمَادِ، مَسَاكِنُ قومِ عَاد، أصلٌ وجذور عبر العصور. اليَمَنَ السَّعِيد، حضارةٌ عريقة عرفها التاريخ، بين قلاعٍ وحصون، وآثارٍ وقصور، فمن الطينِ والحجارة بُنيت تلك الحضارة. فالموروث الثقافي اليَمَنيّ غني ومتنوع، ولم يقتصر على البناء العمراني وحسب، بل إن حياكة المنسوجات تألقت بجمال خيوطها المنسوجة بأنامل مهرة، وعناية فنية فائقة، وانسجام ألوانها وأشكالها، بتلك الآلات الخشبية البسيطة، ويتجسد ذلك الجمال في: المعاوز والمقاطب – الإزار – التي تتباين أشكالها باختلاف المناطق فمنها: اللَّحجِي، الحضرمي، الحُديدي، وغيرها. كذلك الأزياء النسائية: الزنَّة، القُنبع، السُترة، وغيرها، فمهما تعددت المسميات إلا أنها اجتمعت في أناقة صُنعها، وجمال نقوشها المرصعة بالفضة والأحجار الكريمة مثل الياقوت والمرجان والعقيق والكهرمان. وصناعة الجنبية المنقوشة التي لا تكاد ترى لهها مثيل يضاهي جمالها، ومن الفنون أيضاً صناعة الخواتم الرجالية، والحُلِّي النسائية، وهناك الرقصات الشعبية وغيرها. فحسبنا أن نأخذ من القلادة ما أحاط بالعنق، فأرض اليَمَنَ أنجبت الفنانين والفنانات في شتى المجالات.

أما عن أمسيتنا، فقد تألقت بتواجد الفنانة - الأستاذة هند الشقاع - من اليَمَنَ الشقيق، التي تعايشت مع موهبتها منذ الطفولة على استحياء، إلا إنها التحقت بكلية الفنون الجميلة وصقلت موهبتها ونوعت الأساليب والتقنيات الفنية، جابت بساتين الفنون، وأخذت من كل بستان زهرة. بعد أن أنهت دراستها الأكاديمية، احترفت الفن بالتطبيق، وساهمت في الحراك الفني من عدة اتجاهات، حيث كانت عضو مؤسس لدار الفن بالحديدة، وعضو التحالف الدولي (ألواني) ومديرة لبيت الفن التشكيلي بصنعاء القديمة، وعملت في معرض –جاليري- صنعاء الدولي بوزارة الثقافة اليمنية، فشاركت ونظمت العديد من المحافل الفنية، وحصدت العديد من الجوائز.

من جانبها أوضحت أنه في عام 2015م انتقلت إلى المدينة المنورة، حيث تعتبرها محطة تحول فني لها، وفي إحدى المحافل الفنية التقت بفنان المدينة التشكيلي -الأستاذ فهد الجابري– الذي كان له دور مهم في تعريفها بمجموعة كبيرة من فناني وفنانات المدينة المنورة.

كما أشارت إلى التحاقها بعدة مجموعات: بيت الفنانات، شغف المدينة، رواق أديبات ومثقفات المدينة، الجمعيات الفنية، ومدى علاقته بالانخراط في المجتمع الفني المديني.

وأشادت بالأثر الكبير الذي تُحدثه الملتقيات والمشاركات الفنية، حيث إنها أثنت على تجربتها مع (علايا آرت) و(مهرجان ينبع للزهور) التي جمعت العديد من فناني الخليج العربي، وتلاحمت الثقافات والخبرات المتنوعة.

أوضحت أنها من خلال التنقل والتجربة بين المدارس الفنية المتنوعة، استهواها أسلوب تحليل اللون، والتأثيرية (الانطباعية)، وقوة ضربات الألوان وتأثيرها، ثم استقرت على التعبير باللون والكتل، وتجريد الأشكال.

مهما تنقل الفنان بين المدارس ونوّع أساليبه إلا إن الحِس الفني يظل حاضر في أعماله، ولو تأملنا اللوحة الواقعية التي رسمتها الفنانة أثناء تواجدها في اليَمَنَ قبل سنوات من قدومها المدينة المنورة، والتي يمكن أن تسمى (اليَمَنَ السَّعيِد) لما نقلته من طبيعة التضاريس الجغرافية، والحضارة العمرانية الخاصة بها. ومن المحتمل أن يسمى العمل (الاستقرار) أو غيرها مما يدل على حالة من الهدوء في مجمل اللوحة، ناهيك عن اتزان العمل، وتناسق العناصر وتناسبها، وهدوء الألوان واتساقها وتناغمها.

أما ما تشاهده خلال اللوحة الثانية والتي تم إنجازها في المدينة المنورة، بعد سنوات من اللوحة السابقة الذِّكر، تجد أن الفنانة وكأنها تريد أن تسمي العمل بالعودة، أو الأمل، ويمكن أن تُعبر عن الانتظار، في اللوحة التجريدية، جردت الأشخاص الذين تجردوا من مما اعتادوا عليه، إما للسفر والعمل، أو خشية النزاع والفتن جراء الصراعات والحروب، فاختاروا الملاذ الآمن لهم بالابتعاد، فالمتذوق الفني يُبحر حيثما يريد بخياله، لكنه ينطلق مما شاهده وأحس به تجاه العمل.

مما سبق يتضح تطور الفنان في رؤيته الفنية، وأسلوبه في التنفيذ، وإحساسه تجاه المواضيع، ولا شك أن البيئة المحيطة لها جانب من التأثير، يتجلى في أعماله واختياره للموضوعات التي تلامس فِكره، وتثير مكامن إبداعه.

وفي الرد على بعض الاستفسارات من أحد الحضور، حول تأثرها بأبرز الفنانين؟ أجابت بمدى تأثرها: بالدكتورة هيفاء المشهداني، والدكتور عاصم فرامان، والدكتورة نجوى الحمامي، والتشكيلية كارين بونزاير.

وأردفت: هناك فنانين يمنيين رواد لهم الأثر الكبير في الحركة الفنية في اليَمَنَ أمثال: هاشم علي، عبدالجبار نعمان، فؤاد الفتيح، آمنة النصيري، حكيم العاقل، وغيرهم الكثير.

وأوردت اللجنة الإعلامية سؤال حول اختيار صنعاء عاصمة الثقافة العربية 2004م ماذا قدم للحركة التشكيلية في اليَمَنَ؟ فأعربت عن سعادتها بما قدمته وزارة الثقافة لتلك المناسبة، من دعم وتشجيع واحتواء كامل للفنانين، وتقديم جميع الخدمات التي كان لها الأثر الكبير في الحركة التشكيلية في وطنها الغالي.

وفي الختام تقدمت بوافر الشكر والتقدير للجمعية، والحضور، والقائمين على تلك الأمسية الفنية: الفنان منصور الشريف، مدير الفرع. الفنان عادل حسينون، الفنان فهد الجابري، مسؤول لجنة الفعاليات. الفنان إبراهيم الجابري، مسؤول اللجنة الإعلامية. الفنان سلطان حلمي.

http://www.almadenh.com/show_news.php?id=30500