المنهج التربوي في القرآن الكريم والسنة النبوية

بسم الله الرحمن الرحيم

المنهج التربوي في القرآن الكريم والسنة النبوية

إن الحمد لله ، نحمده و نستعينه و نستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) }(1) يقول ابن كثير في تفسير هذه الآيات : يقول تعالى آمراً عباده المؤمنين بتقواه وأن يعبدوه عبادة من كأنه يراه وأن يقولوا { قَوْلًا سَدِيدًا } أي مستقيماً لا اعوجاج فيه ولا انحراف و وعدهم أنهم إذا فعلوا ذلك أثابهم عليه بأن يصلح لهم أعمالهم أي يوفقهم للأعمال الصالحة وأن يغفر لهم الذنوب الماضية ، وما قد يقع منهم في المستقبل يلهمهم التوبة منها ثم قال تعالى { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } وذلك أنه يجار من نار الجحيم ويصير إلى النعيم المقيم .(2)

حيث يتبين لنا من خلال تفسير الآيات الكريمة أن الله سبحانه وتعالى أمرنا بتقواه وعبادته دون اعوجاج أو انحراف وذلك بالقول السديد المستقيم ، وأنه من أطاع الله ورسوله قد فاز فوزاً عظيماً ، فتلك هي الغاية التي ينشدها المؤمنون فَحْريٌ بنا أن ننتهج ونتبع الأسلوب والطريقة التي أوصانا بها الله عز وجل لتحقيق مبتغانا ، ولا ريب أن السبيل إلى ذلك هو بتربية المسلمين التربية المستقيمة التي تستقي من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة منهاجها فأي تربية أعظم وأقوم من تربية مصادرها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة الأحزاب ( آية 70 – 71)

(2) ( تفسير القرآن العظيم – الحافظ أبي الفداء اسماعيل ابن كثير القرشي الدمشقي – دار المعرفة – بيروت – 1407هـ- الطبعة الأولى – المجلد الثالث – ص ( 529 )

وعندما نتحدث عن المنهج التربوي في القرآن الكريم والسنة النبوية يجب أن نسلط الضوء على معاني المفردات حتى يتبين لنا المعنى بشكل واضح .

المنهج – التربية – القرآن الكريم – السنة النبوية

المنهج في اللغة /

يقول ابن منظور : نهج طريق نهج : بين واضح ، وهو النهج ، وطرق نهجه ، وسبيل منهج : كنهج . ومنهج الطريق : وضحُهُ ، والمنهاج كالمنهج وفي التنزيل { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } (1) وأنهج الطريق : وضح واستبان وصار نهجاً واضحاً بيناً ، والمنهاج : الطريق الواضح . و استنهج الطريق : صار نهجاً ، ونهجت الطريق : أبنته وأوضحته ، ويقال اعمل على ما نهجت هلك ، ونهجتُ الطريق : سلكته . وفلان يستنهج سبيل فلان ، أي يسلك مسلكه .والنهج : الطريق المستقيم . (2)

و في مختار الصحاح / المنهاج : الطريق الواضح ونهج الطريق أبانه وأوضحه ونهجه أيضاً سلكه . (3)

المنهج في الاصطلاح /

{$ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } يقول ابن كثير : المنهاج هو الطريق الواضح السهل .(4)

ويقول الأصفهاني / نهج :النهج الطريقُ الواضحُ ونهج الأمرُ وأنهجَ وضَحَ ومنهجُ الطريق ومنهاجه ، ومنه قولهم : نهج الثوب وأنهج بان فيه أثرُ البِلَى وقد أنهجهُ البِلَى . (5)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)(سورة المائدة – آية " 48 " )

(2)(لسان العرب – ابن منظور – دار المعارف – ط1-بدون سنة نشر-( ص. 4554-4555)

(3)(مختار الصحاح – محمد بن بكر الرازي – المطبعة الكلية – ط 1 – 1329هـ -(ص.76)

(4) ( تفسير القرآن العظيم – الحافظ أبي الفداء اسماعيل ابن كثير القرشي الدمشقي – دار المعرفة – بيروت – 1407هـ- الطبعة الأولى – المجلد الثاني – ص ( 69 )

(5)(المفردات في غريب القرآن – أبي القاسم الحسين الأصفهاني – تحقيق محمد سيد كيلاني – دار المعرفة – لبنان – بدون تاريخ ص . 509)

وفي سنن ابن ماجه ( في كتاب تعبير الرؤيا ) رأيت كأن رجلاً أتاني فقال لي انطلق فذهبت معه فسلك بي في منهج عظيم فعرضت علىّ طريقُ على يساري فأردت أن أسلكها فقال إنك لست من أهلها ثم عرضت على طريق عن يميني فسلكتها حتى إذا انتهيت ، إلى أخر الرؤيا ثم قصصها على النبي r فقال له r : رأيت خيراً أما المنهج العظيم فالمحشر وأما الطريق التي عرضت عن يسارك فطريق أهل النار ولست من أهلها وأما الطريق التي عرضت عن يمينك فطريق أهل الجنة ، إلى أخر الحديث. (1)

وقال العباس t ( والله ما مات رسول الله r حتى ترك السبيل نهجاً واضحاً ) (2)

ويتضح مما سبق أن المنهج : هو الطريق الواضح والأسلوب المتبع والمنهجية هي الطريقة الواضحة بالأسلوب المتبع المحدد .

التربية في اللغة /

تتضمن التربية دلالات لغوية متعددة ، تركز جميعها على ما ينبغي أن تتضمنه العملية التربوية من أنشطة .

1 / الإصلاح : ربا الشيء إذا أصلحه والإصلاح قد لا يقتضي الزيادة وإنما التعديل والتصحيح .

2 / النماء والزيادة : رَبا الشّيءُ يَرْبُو رُبُواًّ و رِباءً : بمعنى زاد ونما .

3 / نشأ وترعرع : رَبِيَ يَرْبَى ، على وزن خَفِيَ يَخْفَى : أي نشأ وترعرع .

4 / ساسه وتولى أمره : ربيت القوم : أي سُسْتُم : أي كنت فوقهم .

5 / التعليم : الرباني من الرب ، بمعنى التربية ، والرباني : الراسخ في العلم أو الذي يطلب بعلمه وجه الله تعالى .(3)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)( إهداء الديباجة بشرح سنن ابن ماجه – صفاء الضوي العدوي – دار اليقين – 1420هـ - ص. 258/259)

(2)(سنن الدارمي تحقيق حسين سليم الداراني- دار المغني- الرياض – ط 1 – 1421 هـ –ص . 220 / 221 )

(3)(لسان العرب – ابن منظور – دار المعارف – ط1-بدون سنة نشر-( ص.1572-1574)

التربية في الاصطلاح /

يقول الراغب الأصفهاني : الرب في الأصل التربية وهو إنشاء الشيء حالاً فحالاً إلى حد التمام . (1)

وقال البيضاوي : الرب في الأصل اللغوي بمعنى التربية ، وهي تبليغ الشيء إلى كماله شيئاً فشيئاً .(2)

ولقد أورد عبد الحميد الزنتاني عدد من آراء علماء المسلمين في هذا المجال حيث إن الإمام الغزالي يركز في آرائه التربوية على أن الهدف الأسمى للتربية : " هو التقرب لله تعالى والاستعداد للحياة الأخروية ولذلك دعا إلى تربية الصبيان تربية دينية وخلقية قوامها التقشف والزهد في الملذات حتى البريئة منها " . ويرى ابن سينا في تعريفه للتربية " أنها وسيلة إعداد الناشئ للدين والدنيا في آن واحد وتكوينه عقلياً وخلقياً وجعله قادر على اكتساب صناعة تناسب ميوله وطبيعته وتمكنه من كسب عيشه " . أما ابن خلدون فقد أكد في آرائه التربوية على " ضرورة العناية بتنمية عقل المتعلم ومراعاة استعداداته العقلية " .(3)

ويتضح مما سبق أن التربية هي " تنشئة الإنسان وإصلاحه شيئاً فشيئاً بالتدرج في تشكيل الشخصية السوية المتكاملة في جميع جوانبها الروحية والعقلية والوجدانية والخلقية والاجتماعية والجسمية " .

القرآن الكريم في اللغة /

يقول ابن منظور نقلاً عن أبو إسحاق النحوي : يسمى كلام الله تعالى الذي أنزله على نبيه r ، كتاباً وقرآناً وفرقاناً ، ومعنى القرآن معنى الجمع ، وسمي قرآناً لأنه يجمع السور ، فيضمها .وقوله تعالى { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } أي جمعه وقراءته ، { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ } أي قراءته .وقرأت الشيء قرآناً : جمعته وضممت بعضه إلى بعض.(4)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)(المفردات في غريب القرآن – أبي القاسم الحسين الأصفهاني – تحقيق محمد سيد كيلاني – دار المعرفة – لبنان – بدون تاريخ ص . 184)

(2)(أصول التربية الإسلامية – خالد حامد الحازمي – دار الزمان – المدينة المنورة- ط2 – 1430هـ - ص . 19-20 )

(3)(أسس التربية الإسلامية في السنة النبوية – عبدالحميد الصيد الزنتاني – الدار العربية – ليبيا – 1993م – ط 2 – ص . 24 )

(4)(لسان العرب – ابن منظور – دار المعارف – ط1-بدون سنة نشر-( ص. 3563 )

وفي مختار الصحاح : قرأ الكتاب قراءة وقرآنا بالضم وقرأ الشيء قرآنا بالضم أيضاً جمعه وضمه ومنه سمي القرآن لأنه يجمع السور ويضمها وقوله تعالى { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } أي قراءته . (1)

وفي القاموس المحيط : القرآن : التنزيل . قرأه و- به كنصره ومنعه ، قرءاً وقراءَةً وقرآناً فهو قارئ من قَرَأَةٍ وقُراءٍ وقارئين : تلاه ، كاقتراَهُ وأقرأتُهُ أنا . وصحيفةٌ مقروأةً ومقرؤةٌ ومقريةٌ .وقاَرَأهُ مقارأةً وقراءً : دارَسَهُ . (2)

القرآن الكريم في الاصطلاح /

يقول ابن كثير : { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } أي في صدرك { وَقُرْآنَهُ } أي أن تقرأه { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ } أي إذا تلاه عليك الملك عن الله تعالى { ô فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ } أي فاستمع له وأنصت ثم اقرأه كما أقرأك .(3)

يقول الراغب الأصفهاني : قال بعض العلماء تسمية هذا الكتاب قرآناً من بين كتب الله لكونه جامعاً لثمرة كُتُبِهِ بل لجِمعِهِ ثمرة جميع العلوم .(4)

ويقول القطان : عرف بأنه كلام الله الذي أنزل على محمد r ونقل إلينا تواتراً لنتعبد بتلاوته وأحكامه ، وكان آية دالة على صدقه فيما ادعاه من الرسالة . (5)

ويتضح مما سبق أن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى الذي أنزله على سيدنا محمد r وفيه بيان شرع الله عز وجل .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) (مختار الصحاح – محمد بن بكر الرازي – المطبعة الكلية – ط 1 – 1329هـ -(ص.13)

(2)(القاموس المحيط – مجدالدين الفيروزآبادي – إشراف محمد نعيم العرقسوسي– الرسالة – بيروت – 1426هـ - ط 8 – ص.49)

(3)( تفسير القرآن العظيم – الحافظ أبي الفداء اسماعيل ابن كثير القرشي الدمشقي – دار المعرفة – بيروت – 1407هـ- الطبعة الأولى – المجلد الرابع – ص ( 479 )

(4)(المفردات في غريب القرآن – أبي القاسم الحسين الأصفهاني – تحقيق محمد سيد كيلاني – دار المعرفة – لبنان – بدون تاريخ ص . 402)

(5)(تاريخ التشريع الإسلامي – التشريع والفقه - مناع القطان – مكتبة المعارف - الرياض – 1417هـ - ص . 39 )

السنة النبوية في اللغة /

يقول ابن منظور: السنة هي السيرة ، حسنة كانت أو قبيحة وهي الطريقة والسيرة ، وإذا أطلقت في الشرع فإنما يراد بها ما أمر به النبي r ، ونهى عنه ، وندب إليه ، قولاً وفعلاً مما لم ينطق به الكتاب العزيز . (1)

وفي مختار الصحاح : السنن الطريقة يقال استقام فلان على سنن واحد ويقال امض على سنتك أي على وجهك وتنح عن سنن الطريق ، والسنة السيرة . (2)

وفي القاموس المحيط : السنة : السيرة وسنن الطريق نهجه وجهته . (3)

السنة النبوية في الاصطلاح /

يقول الراغب الأصفهاني : سُنّةُ النبي طريقته التي كان يتحراها وسنة الله تعالى قد تقال لطريقة حكمته وطاعته . (4)

ويقول مناع القطان أن السنة عند الفقهاء : ما ثبت عن النبي r من غير وجوب ، فهي أحد الأحكام التكليفية الخمسة : الواجب والحرام والسنة والمكروه والمباح وقد يستعملونها في مقابل البدعة فيقولون طلاق السنة كذا وطلاق البدعة كذا . والسنة عند الأصوليين : ما صدر عن النبي r غير القرآن من قول أو فعل أو تقرير. والسنة عند المحدثين : ما أثر عن النبي r من قول أو فعل أو تقرير أو صفة أو سيرة .(5)

مما سبق يتضح لنا أن المنهج التربوي في القرآن الكريم والسنة النبوية هو :

هو الطريقة التي يتم من خلالها تنشئة الإنسان وإصلاحه شيئاً فشيئاً بالتدرج في تشكيل الشخصية السوية المتكاملة في جميع جوانبها الروحية والعقلية والوجدانية والخلقية والاجتماعية والجسمية حسب ما أمر الله تعالى في كتابه العزيز وسنة نبيه الأمين r .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)(لسان العرب – ابن منظور – دار المعارف – ط1-بدون سنة نشر-( ص. 2124 )

(2) (مختار الصحاح – محمد بن بكر الرازي – المطبعة الكلية – ط 1 – 1329هـ -(ص.534)

(3)(القاموس المحيط – مجدالدين الفيروزآبادي – إشراف محمد نعيم العرقسوسي– الرسالة – بيروت – 1426هـ - ط 8 – ص.1207)

(4)(المفردات في غريب القرآن – أبي القاسم الحسين الأصفهاني – تحقيق محمد سيد كيلاني – دار المعرفة – لبنان – بدون تاريخ ص . 245)

(5)(تاريخ التشريع الإسلامي – التشريع والفقه - مناع القطان – مكتبة المعارف - الرياض – 1417هـ - ص . 71 – 73 )

أهمية منهج التربية في القرآن الكريم والسنة النبوية

1 / تحقيق شرع الله سبحانه وتعالى .

حيث نجد أن منهج التربية في القرآن الكريم والسنة النبوية يعتني عناية خاصة في تحقيق شرع الله سبحانه وتعالى ، حيث أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان لعبادته وبين الحلال والحرام ، والخير والشر ، والجنة والنار ، وقال تعالى : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } (1) وقال ابن كثير : أي مهما أمركم به فافعلوه ومهما نهاكم عنه فاجتنبوه فإنه إنما يأمر بخير وإنما ينهى عن شر ، وقوله تعالى { وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } أي اتقوه في امتثال أوامره وترك زواجره فإنه شديد العقاب لمن عصاه وخالف أمره وأباه وارتكب ما عنه زجره ونهاه .(2)

فهذا بيان تحقيق شرع الله عز وجل الذي جاء في القرآن الكريم وفي السنة النبوية .

2 / تحقيق الجانب التعبدي .

لاشك أنه من خلال المنهج التربوي للقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة سيتحقق الجانب التعبدي لله عز وجل وذلك لأن المنهج مستمد في الأصل من القرآن الكريم الذي أمر فيه عز وجل عباده بالعبادة الخالصة لوجهه الكريم حيث قال تعالى :{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }(3) ويقول ابن كثير : أن الله تعالى خلق الخلق ليعبدوه وحده لا شريك له ، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء ، ومن عصاه عذبه أشد العذاب . وأخبر أنه غير محتاج إليهم بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم ، وهو خالقهم ورازقهم . (4)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)( سورة الحشر – آية – 7 )

(2)( تفسير القرآن العظيم – الحافظ أبي الفداء اسماعيل ابن كثير القرشي الدمشقي – دار المعرفة – بيروت – 1407هـ- الطبعة الأولى – المجلد الرابع – ص ( 360 )

(3)(سورة الذاريات – آية – 56 )

(4)( المرجع السابق المجلد الرابع ص . 255 )

3 / تستمد قوتها من مصادرها .

من المعلوم أن هناك العديد من أنواع التربية في جميع بقاع الأرض ، ولكن لا تعتمد هذه الأنواع على مصادر واحده ولا تتشابه في مصادرها ، فبعض أنواع التربية قامت على آراء المفكرين وبعضها قامت على متطلبات دنيوية فقط مثل التربية اليابانية التي تهدف إلى إيجاد موظفين مخلصين للدولة فكانت تنتهج المناهج التي تتوافق مع متطلبات واضعيها ، فهنا موطن الضعف للتربية التي تنتهج مناهج موضوعة لآراء البشر حيث إن أي كلام من كلام البشر إنما يكون انعكاساً لشخصية قائلة ، وعلمه ومزاجه ونفسيته ، وكل كلام يحمل صفة وروح قائلة ، لأنه أثر من آثاره . ولكن المنهج التربوي في القرآن والسنة يستمد قوته تلقائياً من مصادره القوية وهي القرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى على نبينا محمد r وتعهد الله سبحانه وتعالى بحفظه حيث قال تعالى { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } (1) ويقول الصابوني : أي نحن بعظمة شأننا نزلنا عليك القرآن يا محمد { وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } أي ونحن الحافظون لهذا القرآن ، نصونه عن الزيادة والنقصان ، والتبديل والتغيير كما جرى في غيره من الكتب فإن حفظها موكول إلى أهلها . (2)

ويعجز أي إنسان أن يأتي بمثل هذا القرآن حيث قال تعالى : { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ } (3) ويقول الصابوني : أي وإذا كنتم أيها الناس في شك وارتياب من صدق هذا القرآن المعجز في بيانه وتشريعه ونظمه الذي أنزلناه على عبدنا ورسولنا محمد r{ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ } أي فأتوا بسورة واحدة من مثل هذا القرآن في البلاغة والفصاحة والبيان .(4)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)(سورة الحجر – آية – 9 )

(2)( صفوة التفاسير – محمد علي الصابوني – دار القرآن الكريم – بيروت – 1402هـ - المجلد الثاني – ص . 106 )

(3)( سورة البقرة – آية – 23 )

(4)( المرجع السابق – المجلد الأول – ص . 42 )

والسنة النبوية الشريفة التي هي أقوال وأفعال وإقرار الرسول r حيث قال تعالى في نبيه الكريم : { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) } (1)

فيقول الصابوني:أي لا يتكلم r عن هوى نفسي ورأي شخصي{ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى } أي لا يتكلم إلا عن وحي من الله عز وجل . (2)

فجميع ذلك يبن لنا مدى قوة هذه المصادر التي بدورها تقوي المنهج التربوي في القرآن الكريم والسنة النبوية .

4 / يسعى إلى تكامل بناء الشخصية .

إن المنهج التربوي في القرآن الكريم والسنة النبوية يسعى لبناء الشخصية الإنسانية في جميع جوانبها الروحية والعقلية والوجدانية والخلقية والاجتماعية والجسمية فلم يهتم المنهج بالجانب الروحي فقط أو يهتم ببعض الجوانب ويترك الجوانب الأخرى بل يركز على جميع الجوانب الشخصية بالتكامل والتنسيق المنسجم .حيث نجد أن هناك عوامل رئيسية تؤثر على الشخصية وتكويناتها أوردها الزنتاني وهي : العوامل الذاتية ، و العوامل البيئية ، وعامل الإرادة الذاتية والتقويم الذاتي . (3)

العوامل الذاتية :

العوامل المرتبطة بذات الفرد كحالة نموه الجسمي من حيث القوة والضعف وحالته الصحية من حيث العفية والمرض أو السلامة والنقص وقدراته واستعداداته الفطرية الموروثة ومزاجه النفسي وعواطفه وانفعالاته وتحصيله العلمي والثقافي وخبراته وتجاربه ومهاراته وميوله ومواهبه وعاداته ونحو ذلك .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)( سورة النجم – آية – 3 – 4 )

(2)( صفوة التفاسير – محمد علي الصابوني – دار القرآن الكريم – بيروت – 1402هـ - المجلد الثالث – ص . 272 )

(3)( أسس التربية الإسلامية في السنة النبوية – عبدالحميد الصيد الزنتاني – الدار العربية للكتاب – ليبيا – 1993م – ط 2 – ص.834 / 843 )

العوامل البيئية :

يقصد بها العوامل والظروف الاجتماعية الخارجية التي تؤثر في تكوين شخصية الفرد وبناء اتجاهاتها وتحقيق توازنها واعتدالها وأهم هذه العوامل الأسرة والمجتمع .

الأسرة :

لا شك أن للأسرة التأثير الأول والخطير على حياة الفرد الإنساني ورسم ملامح شخصيته منذ فجر حياته الأولى واستمرار تأثيرها عليه حتى عند بلوغه سن النضج والاكتمال ولو بطريقة لا شعورية نتيجة لما يترسب في نفسه من قيم ومثل وعادات واتجاهات أخلاقية واجتماعية .

المجتمع :

لا ريب أن شخصية الفرد تتأثر بأخلاق أقرانه الذين يشاركونه في الحياة التعليمية أو العلمية أو النشاط الترويحي كما تتأثر بما يسود المجتمع من قيم ومثل ومبادئ أخلاقية واجتماعية وبما ينتشر فيه من عادات وتقاليد واتجاهات مختلفة . وبقدر ما يكون المجتمع صالحاً وخيراً ومحافظاً على العقيدة والأخلاق بقدر ما تكون شخصيات أفراده سوية ومتزنة ومتكاملة وبقدر ما يكون المجتمع طالحاً وفاسداً ومتحللاً من القيم الدينية والخلقية بقدر ما تكون شخصيات أفراده مفككه مهزوزة جانحة عن طريق الهدى والصواب وهو ما يعود على المجتمع بالدمار والخراب .

عامل الإرادة الذاتية والتقويم الذاتي :

يظهر عند اكتمال النضج العقلي والنفسي لدى الفرد وتصبح مسئولية الفرد الذاتية واردة في تقويم أخطائه وإصلاح عيوبه وسد أوجه نقصه حتى يبني شخصيته على دعائم قوية وسليمة ويجابه أعباء حياته بإرادة قوية وعزيمة ثابتة تمكنه من حسن التكيف والتفاعل والاستجابة واتخاذ المواقف و الاتجاهات الصحيحة حيال كل المشاكل والمعوقات والعراقيل فلا يفقد اتزانه العقلي ولا يختل توازنه النفسي ولا تنهار شخصيته أمام أبسط العقبات والمصاعب .

5 / بديل للمناهج التربوية الأخرى .

إن المنهج التربوي عند قدماء المصريين يعمل على إعداد طبقة معينة من الكهنة والقضاة والمهندسين وجباة الضرائب والجنود وكان هدفها دنيوياً ودينياً ، فالدنيوي يعد المتعلمين في الفنون المختلفة مما يضمن لهم المعيشة الراضية ، والديني يعمل على محبة الآلهة في الآخرة بالتعبد والتقرب إليهم .

ونجد إن المنهج التربوي في الصين يلتزم بتعاليم " كونفوشيوش " الذي يقول توجد خمس حواس وخمس سيارات وخمسة ألوان فكذلك توجد أيضاً خمس فضائل وهي العدل والنظام والحكمة والأمانة والإحسان .

أما التربية في اليونان فكانت تمتاز على سواها لأنها أعطت المواطن حرية الفكر والابتكار مما ساعد على رقي التربية وتطورها ، فكان هدف التربية عندهم أن يعدوا أطفالهم شباباً كاملي القوة البدنية شجعاناً وجنوداً مطيعين كل الطاعة للقانون والحكومة.

والتربية في اليابان تهدف إلى تخريج موظفين مخلصين للدولة عن طريق تربية عواطفهم نافعين لها عن طريق معارفهم التي تعلموها وكانت معاهدهم ومصانعهم ونظم حياتهم ترمي إلى هدف العظمة الوطنية .

أما التربية المسيحية كان الغرض العملي عند رجالها في القرون الوسطى هو إماتة الشهوات وإهمال الجسم حتى تتطهر الروح وتنجو من عذاب جهنم ووسيلة ذلك الطهارة والفقر إلى الطاعة . فأصبحت التربية رياضة فكرية .(1)

والتربيات التي تهتم بالحياة الدنيا فقط مثل التربية الرأسمالية والشيوعية ، والتربيات القائمة على الرهبنة وازدراء الدنيا بعدم العمل فيها ، والتربيات القومية والتربيات البدعية التي تزعم أنها على منهج الإسلام وقد حادت عنه كالتربية المتحررة وغيرها من التربيات المنحرفة . (2)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)(منهج القرآن في تربية الرجال – عبدالرحمن عميره – مكتبات عكاظ – 1401هـ - ط 1 – ص . 9-11)

(2)(أصول التربية الإسلامية – خالد حامد الحازمي – دار الزمان – المدينة المنورة- ط2 – 1430هـ - ص . 20-21 )

فنحن لسنا بحاجة لاستيراد هذه الأنواع من التربية التي تعتمد على آراء المفكرين وخبراتهم أو ما تزعم أنها قائمة على المنهج الإسلامي لأننا نمتلك المنهج التربوي المستمد من القرآن الكريم والسنة النبوية الذي يهتم بالحياة الدنيا وبالآخرة ويكون بإرضاء الله عز وجل وبتحقيق شرع الله .

6 / معيار للنظريات والمناهج الأخرى .

إن المنهج التربوي في القرآن والسنة النبوية لا يتعارض مع الآراء والمبادئ التربوية الصحيحة الصالحة للفرد والجماعة التي كشفت عنها النظريات الحديثة في مجالات التربية المتنوعة ، وتحث على البحث والنظر والإبداع في شتى نواحي الفكر الإنساني بما يعود على البشرية بالخير والنفع ، وترفض كل دعوة تنجم عنها الانحلال الأخلاقي أو التفكك الاجتماعي لما في ذلك من ضرر ودمار للفرد والجماعة . (1)

7 / تصور النتائج المستقبلية .

التنبؤ والنظر إلى المستقبل وذلك بالتخطيط الجيد وعمل الإحصاءات اللازمة والتوكل على الله سبحانه وتعالى و وفق كل ذلك يتم التصور للنتائج المستقبلية فهذا من أهمية المنهج التربوي في القرآن الكريم والسنة النبوية .

8 / قد يحقق النهضة العلمية الشاملة لو طبق .

يسعى المنهج التربوي في القرآن الكريم والسنة النبوية للنهضة العلمية الشاملة في شتى المجالات المعرفية والعلمية والاقتصادية والمهنية . ولا ريب أنه بتمسكنا بالمنهج التربوي في القرآن الكريم والسنة النبوية سنحقق النهضة العلمية الشاملة ونعود من جديد بالنهوض بهذه الأمة ونكون الرواد في شتى المجالات كما كان أسلافنا ، ويقول ابن قيم الجوزية في سياق النص الذي يقول فيه : وكمال الإنسان إنما يتم بهذين النوعين : همة ترقيه ، وعلم يبصره ويهديه ، ( أي العلم والإرادة ) فإن مراتب السعادة والفلاح ، إنما تفوت العبد من هاتين الجهتين أو من إحداهما .(2)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)( أسس التربية الإسلامية في السنة النبوية – عبدالحميد الصيد الزنتاني – الدار العربية للكتاب – ليبيا – 1993م – ط 2 – ص.889)

(2)( مفتاح دار السعادة – ابن القيم الجوزية – دار الكتب العلمية – بيروت – 1419هـ - ص . 48 )

9 / الحاجة إلى معرفة الأساليب التربوية .

حاجة الآباء والمعلمين والمؤسسات التربوية والاجتماعية إلى معرفة الأساليب التربوية لمنهج القرآن الكريم والسنة النبوية لتساعدهم على بناء خير أمة أخرجت للناس خاصة في خضم تكاثر المعلومات وازدحامها وسهولة الاتصال بين مجتمعات العالم وظهور المؤثرات المنهجية والإعلامية والثقافية التي برز تأثيرها الكبير على سلوكيات بعض الناس ، فاحتاج الأمر إلى إبراز منهج القرآن الكريم والسنة النبوية .(1)

10 / أهمية وجود المصنفات التربوية .

وذلك بإيجاد المصنفات العلمية التي تبين واقع المؤسسات التربوية وحاجاتها وقضاياها والأساليب العلاجية المناسبة .

11 / الأمن النفسي للفرد .

إن المنهج التربوي في القرآن الكريم والسنة النبوية لها فوائد عديدة على الاستقرار النفسي لأن الفرد الذي يتربى على المنهج التربوي في القرآن الكريم والسنة النبوية يتحقق له من السكون النفسي ما لا يتحقق لغيره ،ويقول ابن قيم الجوزية : فالله سبحانه وتعالى خلق الخلق لعبادته الجامعة لمعرفته ، والإنابة إليه ، ومحبته ، والإخلاص له ، فبذكره تطمئن قلوبهم ، وتسكن نفوسهم . (2) وتربية النفس على الإيمان تحقق له اطمئناناً نفسياً لأنه يؤمن أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، فما عليه إلا الرضا بالقضاء والقدر .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)(أصول التربية الإسلامية – خالد حامد الحازمي – دار الزمان – المدينة المنورة- ط2 – 1430هـ - ص .31 )

(2)( إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان – ابن القيم الجوزية – تحقيق محمد كيلاني- مكتبة مصطفى الحلبي – مصر – 1381هـ - ط الأخيرة- ص . 37 )